25/9/2006
تشير أحدث تقارير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الصادرة في عام 2006 بان 43.9% من سكان مصر يعيشون بأقل من دولارين يوميا وأن نصيب أفقر 10% من السكان 3.7% ونصيب أفقر 20% يصل إلي 8.6% من الدخل القومي بينما يصل نصيب أغني 20% من السكان إلي 43.6% ونصيب أغني 10% يصل إلي 29.5% , بما يعني في النهاية أن 80% من الشعب المصري يعيش علي56.4% من الدخل القومي وهو الأمر الذي يؤكد اختلال ميزان العدل الاجتماعي وسقوط المزيد من شرائح المجتمع المصري تحت خط الفقر , وتبدو هذه الصورة المأساوية أكثر وضوحا في القري والأحياء الشعبية في المدن والعشوائيات حيث الحاجة هي القاعدة والاكتفاء هو الاستثناء , ولم يكن غريبا في هذا المناخ الاقتصادي أن تدفع الأسر المصرية الفقيرة ثمنا فادحا في سبيل البقاء , وكان من الطبيعي أن تطفو ظاهرة عمالة الأطفال علي السطح وأن تتبلور ظاهرة جديدة وخاصة في الريف المصري الذي أصبح كمصدر أساسي للخادمات …
وبالرغم من أن القرويين والقرويات مازالوا حتى اليوم يجدون غضاضة في المسمي ذاته وأن كلمة ” خادم أو ” خادمة ” تحط من الكرامة والشأن ” علي حسب العرف الريفي والشعبي ” إلا أن ازدياد رقعة الفقر والانحدار المستمر لمستوي معيشة الأسر دفعها أن ترضي مرغمة أن تمتهن النسوة والفتيات تلك المهنة حتى ولو سرا , وتبدو المعادلة صعبة بين حفظ ماء الوجه والحصول علي لقمة العيش خاصة إذا ما اقترنت الظروف الاقتصادية السيئة العامة بظروف خاصة مثل موت رب الأسرة أو عائلها الوحيد , هنا تجد المرأة الأم نفسها في واقع شديد المرارة فقد أصبح عليها أن تقوم بأعباء الأسرة وأن تعول الأبناء , وغالبا ما يقترن عمل المرأة كخادمة أو الدفع بإحدى فتيات الأسرة لامهتان تلك المهنة بغياب رب الأسرة أو عجزه عن العمل لسبب أو أخر أو لأن عمله لا يدر من الدخل ما يكفي متطلبات الأسرة ,
وتتسم مهنة الخادمة في الريف المصري بأن معظم الخادمات غير متعلمات وأكثرهن حظا من حصلت علي قسط من التعليم الأساسي وهي نسبة لا تتجاوز 5% من إجمالي الخادمات أما السواد العظم منهن فأميات , ويجدر بنا أن نشير أن أولاد الأرض لحقوق الإنسان حين شرعت في البحث الميداني عن الأعداء الحقيقية للخادمات وما تمثله تلك المهنة للمهن الأخري التي تعمل بها المرأة الريفية كالزراعة أو بيع الفواكه والخضراوات في أسواق المدن القريبة وجدنا صعوبة شديدة في حصر تلك الأعداد …
خاصة وأن معظمهن تمسكن بالإنكار حفاظا علي ماء وجه أولادهن وما تبقي من وجاهة اجتماعية ستتأثر بالتأكيد في مجتمع مازال ينظر إلي مهنة الخادمة كمهنة متواضعة تضع صاحبتها في أدني السلم الاجتماعي وليست كأي مهنة أخري تقوم بها المرأة من أجل الحصول علي أجر أو مقابل , , ويبدو أن معركتنا الحقيقية لن تكون في الحفاظ علي حقوق المرأة الخادمة فقط بل وأيضا في تغيير نظرة المجتمع لتلك المهنة التي لا تقل ” من وجهة نظرنا ” عن أي مهنة أخري فالمقياس لدينا هو مدي الجهد المبذول في ذلك العمل وهل هذا العمل شريف ومشروع أم لا , أما المسميات فلا نتوقف عندها كثيرا ولم تتوقف معاناة الخادمات عند هذا الحد بل إن الحكومة حين شرعت قانون العمل الجديد وقامت بإقراره وتنفيذه لم تلتفت إلي تلك الفئة وكأنها غير موجودة علي الإطلاق , فالخادمة غير مؤمن عليها اجتماعيا أو صحيا بل الأدهي والأمر أن قانون العمل يقر بان مواده لا تطبق علي العاملات في الزراعة وخادمات المنازل , وكأن الحكومة حين شرعت هذا القانون قامت مع العمد وسبق الإصرار بسحق تلك الفئتين بدلا من إنصافها …
تقول هالة محمود عبد الفتاح من قرية دنديط مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” اعمل منذ عامين خادمة في أحد البيوت في مدينة ميت غمر القريبة , فقد دخل زوجي السجن وترك لي ثلاثة أبناء أكبرهم في السابعة من العمر , أعمل من التاسعة صباحا وحتى العاشرة مساءا وأجري الشهري 250 جنيها , كان زوجي يعمل سائقا وحين دخل السجن لم يترك لنا معاشا أو ميراثا , لا أعرف شيئا عن التأمين الاجتماعي أو التأمين الصحي , وكل علاقتي بصاحب البيت الذي اعمل به ما أتقاضاه من أجر شهري , أتحمل شتائم صاحبة البيت وسباب أولادها لي من أجل أبنائي , ما يحز في نفسي كثيرا أنني أترك أولادي كل يوم بمفردهم طوال ساعات عملي , في ليال كثيرة أجدهم في انتظاري في الشارع وقد انكمشوا علي أنفسهم من البرد القارس , أسكن في حجرة واحدة إيجارها الشهري 50 جنيها , لم أدخل ابنتي الكبري المدرسة لعجزي عن دفع المصاريف , تنازلت عن تلك الأبنه لإحدى العائلات الميسورة بمدينة الإسكندرية , وعندما لاحظ أهل القرية غيابها حاصروني بالأسئلة وقالوا عني أنني بعتها فذهبت وأتيت بها من جديد , قليل من الناس يعطف علينا والكثير منهم يلوك سمعتي بالألسنة , لم أتجاوز الثلاثين من عمري وأشعر أنني في الستين , أتحمل المهانة في البيت الذي أخدم به وفي القرية التي أعيش فيها وأقول في نفسي من أجل أبنائي كل شئ يهون ” .
وتقول هانم محمد عبد المعطي لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” أصيب زوجي بشلل نصفي منذ ستة أعوام , كان يعمل باليومية في حقول الغير أو في الخرسانة والمعمار , لدينا خمسة أبناء منهم ثلاثة بنات علي ” وش جواز ” لم يأخذ زوجي معاشات أو تعويضا , حاولت في البداية أن أبيع الخضراوات في مدينة ميت غمر لكنني خسرت كثيرا لعدم خبرتي بالبيع أو الشراء , لم أجد سوي العمل في البيوت خادمة , زوجي يعرف ذلك غير أن أولادي حتى الآن لا يعرفون , أتقاضى في الشهر 200 جنيها ويسمح لي أصحاب البيت بأخذ بقايا وجبات الطعام كما أن ربة المنزل التي أعمل عندها دائما ما تعطيني ما تستغني عنه من الملابس والأحذية للأولاد , عندما يسألني أحد عن عملي فأقول أني مربية في حضانة للأطفال ,
فمازال الناس في قريتنا ينظرون إلي الخادمات نظرة سيئة , أخرجت ولدي الذكور من المدرسة الابتدائية بعد أن عجزت عن دفع المصاريف وهما الآن يتعلمان صنعة سمكري وميكانيكي السيارات حتى يساعداني في تكاليف المعيشة , ولو عرف صاحب البيت أنني تكلمت معكم عن التأمينات لطردني من البيت وجاء بخادمة أخري , عدد الخادمات في قرية دنديط يزيد عن الألف ولكن الناس لا تعرف منهن غير أقل من مائة , فمعظمنا يعمل سرا حتى لا ينكسر أبناؤنا أمام زملائهم , لا أخجل من مهنتي ودائما ما أقول أن الخدمة في البيوت أكرم لي من التسول ” .
أما عطيات فتحي جاد فتقول لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” مات زوجي منذ ثلاثة أعوام وترك لي أربعة أولاد , كان زوجي يعمل عاملا في مقهى وبعد موته لم يعط لنا صاحب المقهي شيئا , لم يترك لنا معاشا فلم يؤمن عليه , عملت خادمة في أحد البيوت بأجر شهري 230 جنيها , لا يربطني بصاحب البيت الذي أعمل به سوي هذا الأجر , ولم نسمع يوما عن أي مخدوم قام بالتأمين علي خادمة , فالعلاقة هي علاقة العبد بسيده , حتى أصغر طفل في بيت من أعمل عندهم أناديه ” بياسيد ” فغير مسموح لي أن أناديه باسمه المجرد , أما هذا الطفل الذي هو أصغر من أبنائي فيناديني دائما بيا ” بت عطيات ” ولا يحلو له الضحك إلا بقذفي بما تصل إليه يده بين إعجاب والديه بذلك الطفل المدهش ….
ذل بالنهار ومهانة بالليل هكذا تمضي حياتي , ولو سألتني عما يمكن أن أقدمه لأولادي غير لقمة العيش ” المغموسة ” في الذل فأقول إن ما يأكل هذا الخبز لن يرث منه غير الانكسار , أشعر بالحزن علي أولادي وعلي ما ينتظرهم من مصير أسود في مجتمع لا يعترف إلا بالأغنياء , ومازالت أذكر حتى اليوم كيف مات ولدي الذي لم يبلغ العامين من عمره بعد أن عجزت عن تدبير تكاليف علاجه وثمن دوائه ومات بين يدي فأمثالنا لا يملكون غير الدموع .
- من جانبنا … فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تري أن ما تتعرض له الخادمات من مهانة سواء في العمل أو المجتمع هو أمر لا يمكن السكوت عنه وأنه حان الوقت لإعادة الاعتبار لتلك المهنة وأنها لا تقل بالفعل عن أي مهنة أخري .
- لذا فإن أولاد الأرض تطالب رئيس الحكومة بعمل تشريع جديد ينظم تلك المهنة من حيث عدد ساعات العمل وقيمة الأجر وذلك بإبرام عقود عمل موحدة تلزم ” المخدوم ” أو صاحب العمل بالتأمين الاجتماعي علي الخادمة أو الخادم طوال فترة الخدمة كما تطالب أولاد الأرض بالتأمين الصحي الشامل علي أسر الخادمات كحق إنساني أصيل لهن يستوجب تنفيذه .