28/4/2009

تحيي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان العيد الأممي للشغل تحت شعار “التعبئة الجماعية للدفاع عن الحق في الشغل وحقوق العمال”. وانسجاما مع هذا الشعار، إن جميع أعضاء الجمعية بكافة الفروع وكذا المتعاطفين والمتعاطفات معها، مدعوون للمشاركة في المسيرات المنظمة بمناسبة فاتح ماي وذلك للتعبير عن تشبث الجمعية بإعمال الحق الدستوري والإنساني في الشغل وعن دعمها الثابت لحقوق العمال، ولتوطيد العلاقات بين الحركة النقابية العمالية والحركة الحقوقية وكل القوى المدافعة عن الحق في الشغل وحقوق العمال. ويأتي فاتح ماي لهذه السنة كتتويج للأنشطة التي قامت بها الجمعية بمناسبة الأسبوع الوطني للدفاع عن الحق في الشغل وحقوق العمال والممتد من 25 أبريل إلى 01 ماي.

و بمناسبة عيد الشغل فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان استنادا على تتبعها لأوضاع الحقوق الشغلية تسجل ما يلي:

1. فيما يخص التصديق على النصوص الدولية المتعلقة بالحقوق الشغلية: إن المغرب لم يصدق لحد الآن سوى على 48 اتفاقية من ضمن185 اتفاقية شغل دولية صادرة عن منظمة العمل الدولية. لذا فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تؤكد مطالبتها بتصديق بلادنا على مجمل الإتفاقيات الدولية للشغل التي ما زال يجري بها العمل بدءا بالتصديق الفوري على الاتفاقية رقم 87 حول “الحرية النقابية و حماية حق التنظيم النقابي” التي التزمت الحكومة بالتصديق عليها منذ فاتح غشت 1996.

2. بالنسبة لقوانين الشغل ببلادنا، تسجل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن مقتضيات الدستور المتعلقة بالحقوق الشغلية تظل ضعيفة وأن مدونة الشغل، والمراسيم التطبيقية المرتبطة بها، رغم تضمنها لعدد من المكتسبات الجزئية، تتضمن سلبيات كبرى على مستوى المقتضيات المتعلقة سواء باستقرار العمل أو بالأجور أو بمكانة و دور النقابة على مستوى المقاولة، و تكرس الحيف ضد العمال الزراعيين علاوة على تضمنها لإجراءات زجرية غير كافية لوقف انتهاكات المشغلين لقوانين الشغل.

وتعبر الجمعية عن استنكارها لسكوت الحكومة على الانتهاكات الفظيعة لمقتضيات مدونة الشغل من طرف الأغلبية الساحقة من المشغلين وما ينتج عنها من تدهور خطير للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعمال والعاملات وأسرهم. كما تعبر عن شجبها للموقف المتواطئ الذي تتخذه بمسايرة هذا الوضع وصياغة ما سمي “المخطط الوطني للملاءمة” الذي يشرعن خرق القانون ويؤسس للتراجع عن المقتضيات الإيجابية نسبيا تحت ضغط المشغلين.

وبدل ذلك، إن الجمعية تنادي إلى مراجعة مدونة الشغل وباقي التشريعات الشغلية في اتجاه تجاوز السلبيات التي تكتنفها والانسجام مع المعايير الدولية بشأن حقوق العمال.

وفي ما يخص الإجراءات القانونية المتعلقة بالحريات النقابية، إن الجمعية تجدد مطلبها بإدماج مقتضيات اتفاقية الشغل رقم 135 حول توفير الحماية و التسهيلات لممثلي العمال بشكل جدي في مدونة الشغل. كما أنها تطالب بإلغاء كل المقتضيات المعرقلة للحق الدستوري في الإضراب وللحريات النقابية، و في مقدمتها الفصل 288 من القانون الجنائي، و الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين للحق النقابي، كما تطالب بتقوية الضمانات الكفيلة بحماية واحترام الحق في الإضراب معبرة عن رفضها لأي مشروع قانون تنظيمي لحق الإضراب يستهدف تكبيل هذا الحق الدستوري.

وفيما يخص واقع الحقوق الشغلية تسجل الجمعية ما يلي:

• إن الحق في العمل، و حق الحماية من البطالة، والحق في تأمين معيشة الإنسان في حالة البطالة – وهي الحقوق المضمونة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – تنتهك بشكل سافر وباستمرار في بلادنا، والتي يوجد بها ملايين المحرومين من العمل القار، بمن فيهم مئات الآلاف من الشباب ذوي المستويات الجامعية والحاملين للشهادات التقنية والهندسية ولشهادات الإجازة والدكتورة وغيرها من الشهادات العليا.

و بهذه المناسبة تعبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن تضامنها التام مع كل فئات المعطلين حاملي الشهادات في نضالهم المشروع من أجل الحق في الشغل، وتطالب الحكومة بالاعتراف القانوني الصريح بالجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، و فتح مفاوضات مباشرة معها بدل اعتقال مسؤوليها ومناضليها، و بجعل حد لإضطهاد وتعنيف واعتقال ومحاكمة المعطلين والمعطلات بسبب اعتصاماتهم السلمية، مع نهج أسلوب الحوار الجاد والمسؤول معهم ووضع سياسة اقتصادية واجتماعية تضمن الشغل والكرامة للجميع. وتطالب الجمعية بفتح تحقيق في الاعتداءات الماسة بالحق في السلامة البدنية والأمان الشخصي للعديد من ضحايا هجوم القوات العمومية ضد المعطلين أثناء وقفاتهم السلمية. إضافة إلى ما سبق، تطالب الجمعية باحترام حق الإستقرار في العمل بالنسبة لسائر الأجراء، وتعبر عن تضامنها مع عشرات الآلاف من العاملات والعمال المطرودين ضدا على الحق والقانون، وفي مقدمتهم ضحايا الاعتداء على الحريات النقابية.

• وبشأن الحقوق النقابية، تسجل الجمعية استمرار الخروقات السافرة في هذا المجال، والمتجسدة أساسا في الممارسات التعسفية ضد المسؤولين النقابيين، وفي مقدمتها رفض الاعتراف بالمكاتب النقابية والحوار معها وطرد المسؤولين النقابيين والعمال والعاملات المضربين، بل واعتقالهم ومحاكمتهم في العديد من الحالات وإغلاق المعامل خارج إطار القانون لتخويف العاملات والعمال من العمل النقابي.

وبخصوص الحوار الاجتماعي تطالب الجمعية الحكومة بتوفير شروط المفاوضة الحقيقية والالتزام بنتائجها وتجاوز أساليب الحوار الاجتماعي المتعثر المتبعة حاليا إعمالا للحق في المفاوضة الجماعية المنصوص عليها في الاتفاقية 98 لمنظمة العمل الدولية

• وبالنسبة للحق في الأجر العادل والمرضي الذي يكفل للفرد وأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، تسجل الجمعية أن الحد الأدنى للأجور (أقل من 2000 درهما شهريا في الصناعة والتجارة والمهن الحرة، والإدارات العمومية، و1365 درهم شهريا في الفلاحة) علاوة على تعدد مستوياته، فهو لا يضمن بتاتا الحياة الكريمة، ناهيك عن عدم تطبيقه بالنسبة لأغلبية المؤسسات الصناعية والتجارية والفلاحية وأحيانا حتى في بعض الإدارات والمؤسسات العمومية. كما تسجل الجمعية أن الزيادات المتتالية في أثمان المواد الآساسية في معيشة المواطنين تؤدي بدورها إلى تردي الأوضاع المعيشية للأجراء. وبهذه المناسبة تؤكد الجمعية دعمها لنضالات المواطنات والمواطنين في مواجهة ارتفاع الأثمان ــ في ظل جمود الأجور والمداخيل ــ والمؤطرة من طرف تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية.

• وبشأن الحقوق العمالية الأخرى، التي أقرها الإعلان العالمي، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، فهي تعرف هي الأخرى انتهاكات متعددة. وهذا هو الشأن بالنسبة للحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي، والحق في الراحة وفي أوقات الفراغ، والحق في تحديد معقول لساعات العمل، وعطل دورية مؤدى عنها، وظروف عمل مأمونة وصحية، وحق كل إنسان في الضمان الإجتماعي، وبشكل خاص حقه في الصحة وفي تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وحقوق المرأة العاملة وحقوق الأطفال وحقوق اليافعين المجبرين على العمل. كما أن تشغيل الأطفال دون السن القانوني ــ 15 سنة وبشكل خاص بالنسبة للفتيات الصغيرات العاملات في البيوت ــ مازال يشكل إحدى الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الطفل ببلادنا دون أن تتم متابعة المسؤولين عن هذه الأوضاع.

• ويشكل عدم تطبيق مقتضيات مدونة الشغل، على علاتها، كنتيجة لسياسة الإفلات من العقاب، أخطر انتهاك لحقوق العمال في الفترة الحالية.

إن الحكومة التي اعترفت منذ سنة 2006 بأن قانون الشغل على علاته، لا يطبق إلا في 15% من مؤسسات القطاع الخاص التي يفوق عدد عمالها 50 أجيرا، وبدل أن تتخذ الإجراءات القانونية ضد المشغلين الذين لا يحترمون القانون، قد أصدرت ما سمي بالمخطط الوطني للملاءمة ، الذي يدعو صراحة إلى تأجيل تطبيق قانون الشغل بأغلب المقاولات، ويثني مفتشي الشغل عن تحرير محاضر المخالفات ضدا على مقتضيات مدونة الشغل نفسها. ولابد من تسجيل أنه بعد انتهاء مدة تطبيق هذا المخطط لازالت مدونة الشغل عرضة للانتهاك بشكل صارخ في أغلب القطاعات في ظل استمرار الإفلات من العقاب لمنتهكيها. وإن الجمعية التي انتقدت بشدة هذا المخطط / الفضيحة تدعو إلى التقيد الصارم بمقتضيات مدونة الشغل.

وفي هذا الصدد، تساند الجمعية مطالب مفتشي الشغل بتحسين أوضاعهم المادية والمهنية وتوفير الشروط الملائمة للقيام بدورهم في مراقبة تطبيق قانون الشغل.

• أما بالنسبة للحق في التقاعد وفي التغطية الصحية للعمال ولذويهم، فإن الجمعية تسجل الأوضاع المزرية للمتقاعدين بسبب هزالة المعاشات وتراجع الدولة عن دورها في مجال الخدمات الصحية، وكذا بسبب ما تعرفه صناديق التقاعد والتعاضديات من اختلالات وسوء التسيير. وتطالب الجمعية بتدخل الدولة وأجهزة المراقبة لتصحيح الوضع بهذه المؤسسات ودمقرطتها وإشراك فعلي للمنخرطين وذوي الحقوق في تسييرها. وبهذا الصدد تستنكر الجمعية وضعية اللاعقاب التي مازال يتمتع بها الرئيس السابق للتعاضدية العامة للموظفين رغم الخروقات الفظيعة التي قام بها؛ وإذ تسجل بإيجابية قرار الوزارتين الوصيتين بحل أجهزة التعاضدية فإنها تستنكر قرار تأجيل انتخابات مندوبي الموظفين في التعاضدية إلى أجل غير مسمى.

• وبخصوص القضاء، تسجل الجمعية، استمرار تحيز القضاء في النزاعات المعروضة عليه، سواء من خلال الأحكام القاسية الصادرة ضد العمال والنقابيين، أو من خلال تجميد محاضر المخالفات المرفوعة من مفتشي الشغل ضد المشغلين الذين ينتهكون قانون الشغل أو إصدار أحكام خفيفة ضدهم، لا يتم تنفيذ أغلبها.

انطلاقا مما سبق، إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تؤكد مطالبتها للسلطات وللمشغلين بالعمل الجاد على إقرار حقوق العمال المتعارف عليها كونيا، دستورا وتشريعا وواقعا، وبالتعامل الإيجابي مع مذكرة الجمعية بشأن المطالب الأساسية الخاصة بحقوق العمال والحق في الشغل.

كما تعبر الجمعية عن تضامنها مع كل الأجراء بالمغرب وعبر العالم الذين يناضلون من أجل احترام حقوقهم الإنسانية، وتحسين أوضاعهم المتردية، ملتزمة بمواصلة مجهوداتها ــ إلى جانب الحركة النقابية العمالية ببلادنا وحركة المعطلين وسائر القوى الديموقراطية المهتمة بالحقوق الشغلية ــ لمؤازرة ضحايا انتهاك الحقوق الشغلية، و العمل على حمايتها والنهوض بها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. المكتب المركزي

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان