27/9/2006

الزميلات الزملاء الإعزاء, تحية طيبة وبعد:

كما تعلمون فقد تم إقرار النص الكامل للاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وثمة إشكالية خطيرة في هذا النص تتعلق بأحكام الأهلية القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة. ففحين نصت المادة 12 من مشروع الاتفاقية على تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بالأهلية القانونية على أساس المساواة مع الآخرين, تضمنت تلكم المادة حاشية تقول: “في اللغات الصينية والروسية والعربية, يقصد بالأهلية القانونية في أحكام هذه المادة أهلية الوجوب (اكتساب الحقوق) وليس أهلية الأداء (أهلية التصرف), الأمر الذي مؤداه أن الأشخاص ذوي الإعاقة سوف يعاملون على نحو منتقص فيما يتعلق بإبرام والقيام بالتصرفات القانونية. وهذا الأمر يناقض أساسيات حقوق الإنسان وما استقر عليه الفقه القانوني والشرعي على حد سواء.

وقد دفع باتجاه تبنّي هذه الحاشية وإدراجها في النص, الموقف المتشدد للعديد من الدول العربية حيث لم يصغوا إلى ندء الاتجاه الآخر الذي يتبنى نموذج المساعدة على اتخاذ القرار فيما يخص الإعاقات الذهنية. وقد أدى هذا الموقف إلى تبنّي نص الحاشية الذي سوف ينسحب حكمه على كافة الإعاقات على إختلاف أنواعها ودرجاتها.

ومن أجل تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة, وتلافيا للعواقب السلبية المؤكد حدوثها في حال إقرار نص الأتفاقية بشكل نهائي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة, فقد قامت ولا تزال, منظمات المجتمع المدني بحملة مناصرة من أجل حذف هذه الحاشية. وفي هذا الاتجاه, فإن رسالة تحليلية موجهة إلى الحكومات العربية تتضمن مناقشة تفصيلية لهذه النقطة من الجانب القانوني والشرعي, قد تم صياغتها في محاولة لتغيير الموقف العربي في هذا الصدد, والدور المأمول من كافة الزملاء أيا كان موقعهم هو إيصال هذه الرسالة إلى مركز صنع القرار في دولهم ومحاولة إقناع الجهات المختصة بوجهة نظر الأشخاص ذوي الإعاقة ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان بالإضافة إلى العديد من الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا وأفريقية علما أن الرسالة المرفقة قد تم ترجمت ملخصها إلى الإنجليزية حيث تم إقرار محتواها من قبل التجمع الدولي للإعاقة (IDC)

كلنا ثقة في جهودكم المؤثرة وتحرككم السريع.

حذف الحاشية من نص المادة 12 من مشروع الاتفاقية هو غايتنا, وضيق الوقت المتاح للتحرك هو التحدي الماثل أمامنا. مع خالص تمنياتي بالتوفيق وثقتي غير المتناهية بفاعلية جهودكم.

د. مهند العزة
مسؤول البحث والإعلان في منظمة هانديكاب إنترناشونال
المكتب الإقليمي للشرق الأوسط, عمان الأردن
هاتف رقم: 00962-79 – 5082144

أصحاب المعالي, السادة الأكارم ممثلي الوفود وأعضاء البعثات والسلك الدبلوماسي العرب:

هذه رسالة توضيحية نود إطلاعكم عليها من أجل تسليط الضوء على مسألة غاية في الأهمية نتطلع جميعا نحن الأشخاص ذووا الإعاقة إلى تعاونكم معنا لتسويتها. تتعلق المسألة بالحاشية المضافة إلى المادة 12 في نص الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تقرر أن الأهلية القانونية في اللــغة العربية تعني أهلية اكتساب الحقوق ولا تشمل أهلية الأداء. وفي هذا المقام, ألتمس من سيادتكم تأمل الملاحظات الآتية:

  • لقد تم مناقشة هذه المسألة في السابق بتوسع مع العديد من السادة الكرام ممثلي الوفود العربية وكان آخرها في شهر يوليو من عام 2006 وذلك خــلال اجتماع الخبراء الذي نظمته جامعة الدول العربية والذي انتهى بتأكيد على تبني النص دون هذه الحاشية.
  • أن المبرر الأساسي الذي ساقه بعض السادة ممثلوا الوفود لعدم دعمهم النص المقترح دون الحاشية هو: إن التساوي في الأهلية القانونية بين الأشخـاص ذوي الإعاقة وغيرهم, يحول دونه أن هناك بعض الإعاقات الذهنية العميقة التي يستحيل معها تبني مثل هذا المقترح مجردا من الحاشية نظرا لاستحالـــة إبرام التصرفات القانونية من قبل هؤلاء الإشخاص ومن ثم, فإنه لا بد من النص على هذا الحكم الوارد في الحاشية.
  • وفي هذا المقام, أود توضيح ما يلي:
    إن نص الحاشية في صيغته الحالية ينسحب على جميع الأشخاص ذوي الإعاقة أيا كان نوع إعاقتهم ليحرمهم بنص قانوني دولي ملزم من أهليتهم القانونية التي اعترف لهم الدستور بها دون منازع, الأمر الذي يجعل من هذه الحاشية مطعنا سهلا لمخالفتها نصوص الدستور القاضية بالمساواة أمام القــانون وبين جميع المواطنين دون أي شكل من أشكال التمييز وأيا ما كان أساسه.
  • إن النص المقترح يحتوي على نموذج جديد وفعال يتعلق بدعم ذوي الإعاقات الذهنية ومساعدتهم على اتخاذ القرار الذي يتماشى مع رغباتهم الحقيقيـــة, وهذا النموذج الجديد يوفر للأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية وغيرهم المساواة الكاملة مع الآخرين ويضمن في الوقت نفسه حماية ضد استغــلال الولايــــة الممنوحة للغير في إدارة شؤونهم إذ أن هذا النموذج وما يتعلق به من أحكام يخضع لمراجعة قضائية دورية وذلك وفقا لما نصت عليه +المادة 12 من نص الاتفاقية.
  • ومن الناحية القانونية الإجرائية, فإنه يلاحظ ما يلي:
  • إن الدول العربية قد سبق وصادقت على نص مماثل بل وأكثر وضوحا دون أي تحفظ ودون وجود حاشية مماثلة وذلك في اتفاقية القضــاء على كافــــة أشكال التمييز ضد المرأة )سيداو( التي تنص في مادتها الخامسة عشرة على:

    المادة 15

    1. تعترف الدول الأطراف للمرأة بالمساواة مع الرجل أمام القانون.
    2. تمنح الدول الأطراف المرأة، في الشئون المدنية، أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل، وتساوى بينها وبينه في فرص ممارسة تلك الأهلية. وتكفل للمرأة، بوجه خاص، حقوقا مساوية لحقوق الرجل في إبرام العقود وإدارة الممتلكات، وتعاملهما على قدم المساواة في جميع مراحل الإجراءات القضائية.
    3. تتفق الدول الأطراف على اعتبار جميع العقود وسائر أنواع الصكوك الخاصة التي يكون لها أثر قانوني يستهدف الحد من الأهلية القانونية للمرأة باطلة ولاغية.
    4. تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم.

  • إذن فقد صادقت الدول العربية على هذا النص دون أيراد التحفظ الوارد في المادة 12 من نص الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقــة على الرغم من إدراك الدول جميعا أن هناك من النساء اللواتي سوف يشملهن هذا النص الوارد في اتفاقية السيداو من هن من ذوات الإعاقة الذهنية وغيرها من الإعاقات الإخرى.
    وثمة ملاحظة غاية في الأهمية في هذا المقام, تتعلق بما قد يثيره وجود نص السيداو مع نص المادة 12 من الاتفاقية على وضعه الحــالي, إذ ان النســاء من ذوي الإعاقات الذهنية وغيرها سوف يحتجون ويستفيدون من نص المادة 15 من السيداو في ما يتعلق بالأهلية القانونية ولن ينطبق عليهم نص المـــادة 12 بما فيها الحاشية وذلك استنادا إلى نص المادة الرابعة من نص الاتفاقية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة نفسها إذ إن الفقرة الرابعة من هذه المـــادة تقرر: بإنه ليس من شأن أي نص في هذه الاتفاقية أن يؤثر على الحقوق الممنوحة للأشخاص ذوي الإعاقة بمقتضى نصوص أخرى, وهذه قاعدة قانونـيــة ومبدأ تشريعي متعارف عليه. ولمّا كان ذلك كذلك, فإن نص المادة 15 من السيداو يعد أصلح للمرأة ذات الإعاقة من نص المادة 12 من الاتفاقية الخاصــة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بصيغتها الراهنة المتضمنة تلك الحاشية, وإذا كان هذا هو الواقع التشريعي والقـــانوني للمسألــة, فإن هذا يعني ببساطــة أن النساء من ذوات الإعاقة سوف يصبحن أكثر حظا من الرجال في هذا الصدد مما سوف يخلق واقعا تمييزيا بين الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم إذ لن يكون بوسع الذكور من ذوي الإعاقة أن يحتجوا بنص السيداو.
  • لعله من نافلة القول أن الأحكام المتعلقة بالأهلية القانونية بوجه عام في التشريع المدني في معظم البلدان العربية قد أُخذ من الشريعة الإسلامية والقــــانون الفرنسي أو الأنجلو ساكسوني, ولا يعارض كل من هاتين المنظومتين التشريعيتين (السماوية والوضعية) في أن يكون للأشخاص ذوي الإعـــاقة أيا كـــانت إعاقتهم أهلية قانونية تمكنهم من ممارسة حقوقهم على أساس من المساواة مع الآخرين, ومع ذلك, فإن الواقع العملي والتشريعي في العديد من البلدان العربية لا يسير في هذا الاتجاه إذ أنه يحرم الأشخاص ذوي الإعاقة على اختلاف إعاقاتهم من أهليتهم القانونية,

    والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ومنها:

  • التعاملات البنكية مع المكفوفين تجسد أنتهاكا واضحا للأهلية القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية إذ أنهم لا يمنحون الخدمــات البنكية المعتــادة من قبيل بطاقة الصراف الآلي أو دفتر الشيكات, كما أنهم لا يستطيعون السحب أو الإيداع دون اصطحـــاب شاهدين في كل مرة نهيك عن عــدم تمكنهــم مــــن الحصول على القروض بالإجراآت الاعتيادية.
    هذه أمثلة حاصلة وواقعة ومثبتة ولا حاجة لذكر الدول أو أسماء البنوك هنا خصوصا أن المسألة في بـــعض هذه الدول سوف تنظر أمام القضاء حيث يعتزم بعض من تعرضوا لهذه المواقف رفع المسألة إلى الأجهزة القضائية المختصة. وما قيل عن المكفوفين يمكن أن يقال وفي مجالات مختلفة عن ذوي الإعاقات السمعية ومتعددي الإعاقات. أخيرا, فإن شرط اللياقة البدنية والخلو من (العاهات) هو أمر دارج في المنظومة الإجرائية للحصول على خدمات معيينة أو القيام بمهام معينة. إن هذه الأمثلة وغيرها تدلل بما لا يدع مجالا للشك أن الأشخاص ذوي الإعاقة أيا ما كانت إعاقتهم يتم التمييز ضدهم في مجال الأهلية القانونية تحت مسميات وشروط وتصنيفات مختلفة.
  • لعله معلوم لسيادتكم أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع في دولنا العربية ومن ثم, فإن أي نص قانوني لا تخالف أحكامه مبادئ الشريعـة الإسلامية يعد مشروعا وموافقا للدستور, فكيف إذا كان مثل هذا النص يتفق وروح الشريعة وتعاليمها, فنظرة سريعة إلى ما سطرته كتب الفقه والسير سوف تجلي الصورة تماما حول موقف الشريعة من الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقات.
    فعلى سبيل المثال, ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يولي عبد الله بن أم مكتوم على المدينة أثناؤء غيابه عليه السلام عنها, وهذا يعني في لغة عصرنا أن هذا الصحابي الكفيف البصر كان يتولى مقاليد الحكم وإدارة شؤون الدولة أثناء غياب الحاكم الإعلى صلى الله عليه وسلم, وبذلك تكون الشريعة قد اعترفت لهذا الصحابي ذي الإعاقة البصرية بالأهلية القانونية بمعـــناها الواسع إلــى مستوى الأهلية المتعلقة بإدارة شؤون الدولة. أما عن الإعاقة الذهنية, فقد حرم عليه السلام أن يقال لصاحب الإعاقة الذهنية (مجنون) وأمر أصحابــــه بـــأن يقولوا )مصاب( تكريما واحتراما لآدمية من كان مثله, وقصة المرأة التي كانت مصابة بالصرع معروفة والتي خيّرها النبي عليه الســــلام بين أن يدعو لها بالشفاء وبين أن تصبر وتدخل الجنة فاختارت عدم الشفاء ودخول الجنة.
    والشاهد في هذه القصة هو أن الشارع الحكيم قد ارتأى في هذه المرأة المصابـــــة بإحدى الإعاقات العصبية )الصرع( شخصا متمتعا بكامل الأهلية القانونية إلى الحد الذي يمكن معه أن يختار رفض الشفاء من الإعاقة مقابل دخول الجنـــة, وهذا إنما يؤكد النظرة التقدمية للشريعة الإسلامية في ما يتعلق بالإعاقة وأهلية الأشخاص ذوي الإعاقة, وبالإضافة إلى ذلك, فثمة شاهد آخر في هذه القصـة ألا وهو تبني النبي عليه السلام لمبدأ الدعم والمســــاعدة على اتخـــاذ القـرار (Supported Decision Making)حيث وضح لهذه المرأة الاختيارات المتاحة وطرح عليها قضية دخول الجنة رغم عدم سؤالها عنها, واستمر هذا النموذج النبوي في دعم اتخاذ القرار في التألق إلى حد توفير المساعدة المناسبة اللازمة لتحمل تبعات قرار المرأة برفض الشفاء مقابل دخول الجنة وذلك بأن دعى لها الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا تتكشف حينما تأتيها نوبات الصرع الأمر الـــذي سوف يخفف عنها عبئ وتبعات الإعاقة التي اختارت استمرارها لقاء ما ينتظرها من جزاء في الآخرة.
  • والسؤال الآن, إذا كان هذا هو الحال في القانون والدستور والشريعة الإسلامية, فعلى أي أساس يمكن تبرير الحكم الوارد في الحاشية؟
  • إن الانشغال لدى البعض من هذا النص يمكن تفهمه, ولكن يمكن معالجته بطرق أخرى غير الانتقاص من حق الأشخاص ذوي الإعاقة في المساواة أمــام القانون في كل مناحي الحياة ذلك الحق الذي كفله الدستور في كل بلدان العالم بما فيها البلاد العربية, وبعبارة أخرى, لا يبدو من المستساغ أن يكون نـــــص الاتفاقية الخاصة بحقوق الإشخاص ذوي الإعاقة ضعيفا في هذا المجال مقارنة بنص الدساتير.
  • لمّا كان ذلك كله, فإننا نلتمس من السادة ممثلي الوفود العربية الذين بذلوا جهدا غير منكور في صياغة هذه الاتفاقية أن يدعموا المطالبة بإلغاء الحاشيـــة الواردة في نص المادة 12 من نص الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حتى يسجل التاريخ للدول العربية والشريعة الإسلامية سبقــا في تدعيم حقوق هذه الفئة التي طال استبعادها وإقصاؤها على خلاف ما تقضي به ثقافتنا وحضارتنا العريقة.
    وتفضلو بقبول فائق الاحترام,

    د.مهند العزة
    مسؤول البحث والإعلام في منظمة هانديكاب انترناشونال
    IDC وعضو التحالف الدولي للأعاقة