8/12/2005

اختتمت مرحلة الإعادة للمرحلة الثالثة الانتخابات البرلمانية التي استمرت حربها مشتعلة بين مرشحي الحزب الوطني والإخوان المسلمين وأحزاب المعارضة لمدة شهر بأكمله. وتُعد بعض دوائر المرحلة الثالثة نماذجاً ممثلة لما حدث في الانتخابات في مراحلها الثلاثة ككل، حيث تكشف عن قصة صعود الوطني والإخوان وفشل أحزاب المعارضة.

ادعى الحزب الوطني في هذه الانتخابات قيادة حملة للتغيير السياسي في مصر وتنقية المجمع الانتخابي للحزب قوائم مرشحيه من رموز الفساد السابقة المعروفة فيه، ولكن لم يكن هذا سوى خطاب للدعاية السياسية ليس له أساس في الواقع، وكان نواب الوطني السابقين الذين اشتهروا بالفساد وممارسة التزوير على قمة قائمة الحزب ومارسوا نفس أساليب شراء الأصوات والتزوير في هذه الدورة أيضاً، أما الإخوان المسلمون فقد طرحوا أنفسهم كبديل لمرشحي الحكومة رافعين شعار الإسلام هو الحل ولكنهم في واقع الأمر استخدموا نفس أساليب تعبئة الأصوات التي استخدمها مرشحو الحزب الوطني كرشوة الناخبين بالإضافة للخطاب الدعوي مع الفلاحين البسطاء والفقراء، وكانت الدوائر التي بها مرشحين من الإخوان على وجه الخصوص هي الدوائر التي سالت فيها دماء المواطنين الأبرياء بسبب الحرب الجهادية المقدسة التي شنها أنصار مرشحو الإخوان على كل من عاداهم، ومن ناحية ثالثة فشلت أحزاب المعارضة في مساندة مرشحيها وخذلتهم في دعايتهم الانتخابية وكانت النتيجة أن ذهبت أصوات مؤيدي مرشحي المعارضة إلى الإخوان المسلمين في مراحل الإعادة لعدم وجود أية بدائل أخرى أمام المواطنين لمواجهة مرشحي الوطني. ويقدم هذا التقرير دراسة حالة لبعض من الدوائر في محافظات سوهاج والدقهلية والشرقية وذلك كأمثلة تصف المشهد السياسي في مصر والقوى المسيطرة عليه إثر الانتخابات.

في دائرة دار السلام بمحافظة سوهاج اتضح زيف أسطورة التغيير التي ساقها الحزب الوطني في دعايته الانتخابية، حيث رشح الوطني على قائمته عبد الرحيم رضوان فئات وهو أحد رموز الحرس القديم في الحزب حيث إن عائلته- عائلة رضوان- هي مؤسسة الحزب الوطني في دار السلام وظلت تحتفظ بمقعد مجلس الشعب عن هذه الدائرة لعقود وكان والده وزير سابق. وعبد الرحيم رضوان أيضاً عضو في المجلس ولم يتقدم في الدورة السابقة بأية خدمات للأهالي، مما جعل الأهالي ناقمين عليه وراغبين في التغيير وإنهاء هيمنة عائلة رضوان على الحزب، فأيدوا المرشح المستقل أحمد عبد السلام قورة الذي قدم للدائرة الكثير من الخدمات وقام بخلق فرص العمل لأبنائها.

وكذلك ترشح على قائمة الوطني عطية حافظ البربري عمال وهو عضو سابق لم يقدم أية خدمات للدائرة ونافسه المرشح المستقل فاروق بهجت، وتكتل أهالي دار السلام لسقوط كلا المرشحين الوطني ومنحوا أصواتهم لقورة وبهجت لتنتهي سيطرة الحرس القديم في الوطني على الدائرة، وعند ظهور نتيجة الفرز بعد منصف الليل أخذ الأهالي في إطلاق الأعيرة النارية في الهواء وأطلقت النساء الزغاريد من الشرفات تعبيراً عن ابتهاجهم. وكان عدد من أهالي الدائرة يبلغ ال 25 فرداً قد عملوا كمراقبين لمركز الأرض في دار السلام وكثفوا جهودهم لمنع عمليات التزوير التي كان متوقع حدوثها في ال 44 لجنة الواقعة فيها، حيث عمل المراقبون على رصد حالات منح رشاوى انتخابية لصالح مرشحي الوطني وإبلاغ القضاة وضباط الأمن بها، وحين قام شيخ البلد في إحدى القرى بأخذ كشوف المرشحين لمكان مجهول أحضروا كشوفاً أخرى بديلة، وقاموا كذلك بحضور عملية الفرز النهائية، وقد ساعدت جهود المراقبة على منح الأهالي الثقة في مسار العملية الانتخابية أثناء الاقتراع والفرز فأقبلوا على التصويت ضد مرشحي الوطني.

ولم يكن من اليسير على رضوان والبربري قبول النتيجة، حيث إنه فور إعلانها أخذت قوات الأمن المرشحين الفائزين في عربات مصفحة خارج لجان الفرز وقامت بمحاصرة البلدة لمنع أحداث العنف من قبل أنصارهما. وتكرر الأمر في دائرة أخميم حيث رشح الوطني على قائمته عضواً لدورتين سابقتين وهو السيد محمود الشريف الذي لم يقدم أية خدمات تُذكر لأهالي الدائرة بل إنه كان يقوم بتعطيل الخدمات التي كان يسعى الأهالي بأنفسهم لجلبها. وكان الشريف قد استفز مشاعر الناخبين لأقصى حد عندما ادعى أن رموز الحزب الوطني ككمال الشاذلي وزكريا عزمي يساندونه ولذلك فإنه سوف يفوز لا محالة، وحضر أحمد عز لمساندته كمرشح للوطني في أخميم مما يوضح أن رموز الحرس الجديد في الوطني يتحالفون مع القديم بدلاً من أن يقوموا بتنقية الحزب منهم كما يدعون.

وكان بعض المرشحين المستقلين في أخميم قد تكاتفوا مع مراقبي مركز الأرض لفضح جميع الانتهاكات التي ارتكبها الشريف في الجولة الأولي للمرحلة الثالثة من شراء الأصوات حتى وصل سعر الصوت إلى مائة جنيه والتزوير في بعض الصناديق، وفي النهاية تكتل أهالي الدائرة ضده في الإعادة مما أدى لهزيمته هزيمة فادحة، وتفيد تقارير المراقبين أنه قد أصيب بالإغماء أو تظاهر به ونقل للمستشفى إثر هزيمته.

ومن ناحية أخرى تمثل دائرة فاقوس بمحافظة الشرقية نموذجاً لكيفية صعود الإخوان ليس فقط بتبني الخطاب الديني الدعائي ولكن أيضاً باستخدام آليات شراء الأصوات والبلطجة. فاز في الإعادة مرشح الإخوان فئات فريد إسماعيل أمام منافسه العميد علي الدين النجار وهو مستقل، وكان هذا الفوز طبقاً ل أ. عبد العزيز محمد المحامي بقرية أكياد نتيجة تحالفه مع مصطفى الحوت مرشح عمال مستقل ودفع مبلغ 300 ألف جنيهاً لشراء أصوات أنصار الحوت في قرية الصالحية التي يبلغ عدد الأصوات فيها 30 ألف صوتاً، وقام إسماعيل كذلك بدفع رشاوى انتخابية للفلاحين البسطاء لم تزد عن عشرة جنيهات لمن كان سهل القياد منهم أو 20 لمن كان يساومه، وقام بتوزيع البطاطين والدقيق والزيت طبقاُ لما ذكره المواطنون في قرى أكياد البحرية والقبلية، ذلك فضلاً عن استخدامه لشعار الإسلام هو الحل.

بالإضافة لذلك، قام مرشح الإخوان بحشد سيارات محملة بزخيرة وسلاح يقف عليها أنصاره مما استنفر قوات الأمن، واستخدم بلطجية قاموا بالتحرش بأنصار المرشح المستقل وتدمير السيارات التابعة له مما أدى لإصابة الكثير من المواطنين، وقام بتعبئة أصوات كبار السن من الجهلاء من خلال أخذهم في سيارات للتصويت الجماعي، وانتشرت المنقبات من أنصاره داخل البيوت لتعبئة أصوات النساء الجاهلات أيضاً. ويضيف أ. عبد العزيز أن مصدر الأموال الطائلة التي استخدمها هذا المرشح لحشد الأصوات وتأجير البلطجية غير معروف ويشكك الأهالي والمراقبون في أنه قد تلقى تمويلاً من خارج الدائرة.

أما دائرة دكرنس بمحافظه الدقهليه فهي تمثل فشل أحزاب المعارضة واستمرارية الوطني على حساب إرادة الناخبين بالتزوير السافر، حيث نجح فيها في الإعادة اللواء محمد شبكة فئات الذي كان مستقلاً ثم انضم للوطني عند صعوده للإعادة وشوقي عبد العليم وطني عمال، في حين سقط أمامهما مرشحا الإخوان المسلمين أحمد كسبة فئات وشكري شلتوت عمال. وكان الأمن والسلطات التنفيذية قد كثفوا جهودهم لضمان عدم فوز مرشحي لإخوان وذلك من خلال شراء الأصوات وإغلاق اللجان التي يتمتعون فيها بشعبية. وكان قد على قائمة هذه الدائرة مرشحون من الحزب الناصري وحزب التجمع ولكن كلاهما خرج من الجولة الأولى، ويوضح أ. عبد الله المأمون مراقب المركز بدكرنس أن فشل المرشح الناصري بالدائرة والذي استندت دعايته الانتخابية على مبادئ حزبية ولقي برنامجه استحسان أهالي عدة قرى يعود إلى عدم مساندة الحزب له بشكل لائق، حيث إن حملته الانتخابية كانت فقيرة للغاية في مواردها وكان الحزب قد وعده بتوفير مقر انتخابي ولم يفي بوعده وكذلك وعده بتنظيم مؤتمرات انتخابية يجلب له فيها رموز مثل عزيز صدقي ولكنه لم يفي بوعده أيضاً وقام بتنظيم هذه المؤتمرات لضياء الدين داوود رئيس الحزب وسامح عاشور نقيب المحامين (وكلاهما لم يحظى بالنجاح في دورة الإعادة).

ونظراً لسيادة الأساس العائلي في التصويت فقد خذلت قرية كفر الباز على سبيل المثال المرشح الناصري برغم وجود تكتل من الناصريين بها.

بالإضافة لذلك، لم يتم أي تنسيق أو دعم متبادل بين مرشحي المعارضة من ناصري وتجمع في الدائرة، ويؤكد أ. عبد الله أن تكتل أحزاب المعارضة ما هو إلا وهم وأحلام في عقول القيادات بعيدة عن الواقع الذي يقوم على تحالفات عائلية وقبلية كل البعد.

وعلى جانب آخر ولأخذ العبرة مما حدث، فإن ما شهدته الانتخابات البرلمانية الماضية من بعض الضمانات مثل استخدام الحبر الفوسفوري والسماح لمنظمات المجتمع المدني بالمراقبة واستخدام الصناديق الزجاجية وتعليق الستائر داخل اللجان لم يؤدي إلى زيادة نسبة مشاركة المواطنين أو تجديد ثقتهم بالحكومة، حيث لم تزد نسبة التصويت عن 25% في أفضل الأحوال. ويرى المركز أن طريق الديمقراطية وتجديد ثقة المواطنين بالسلطة في مصر لهو طريق طويل يجب أن يقوم على سياسات بديلة، تهدف لتحقيق حياة أفضل للمواطنين وتكفل لهم الحق في الغذاء والسكن الملائم وضمان الحيازة الزراعية والرعاية والتعليم والصحة والحياة الآدمية.

لمزيد من المعلومات يرجى الاتصال بالمركز
تليفون وفاكس / 5750470
البريد الإلكتروني:Lchr@thewayout.net
lchr@lchr-eg.org
Website : http://www. Lchr-eg.org