مايو 2004
التعذيب جريمة لا إنسانية تمارسها وحوش لا آدمية على البشر العزل الضعفاء وترتبط دائما ممارسة جريمة التعذيب بشعور الجاني وإدراكه بغياب القانون بل وأنه هو القانون ذاته. جريمة التعذيب هي رمز لأحط ما يوجد داخل الكائن البشري وهو موقف عقلي وتعبير عن ثقافة منحطة تحتقر الإنسان وتحتقر النظام والقانون.

وطالما أن الجندي يرى بنفسه ويدرك أن دولته وقيادته لا تقيم وزنا لشعوب ودول بكاملها ولا لقانون دولي ولا منظمة دولية كالأمم المتحدة ولا تأبه دولته لاتفاقيات جنيف الأربعة ولا لقانون المحكمة الجنائية الدولية.

حين يجد الجندي أو المرتزق الأمر كذلك وحين يتصادف أن يجد نفسه حرا تماما في أن يتحكم في بشر لا قيمة لهم لأنهم كالذباب يمكن القضاء عليه دون أن يحاسبه أحد، حينها ينطلق من داخل هذا الجندي كل أمراض البشرية المعروفة وغير المعروفة عقليا ونفسيا.

لقد أصرت الولايات المتحدة وقوات الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية على محاكمة مجرمي الحرب من النازيين واليابانيين فورا وفي ذات موقع الجريمة ولذلك انعقدت محكمتي طوكيو ونورمبرج وبررت ذلك بضرورة القصاص الدولي العادل وحماية لمبدأ العدالة الجنائية الدولية حتى لا تسول لأحد نفسه أن يرتكب هذا النوع من الجرائم وكذلك يحدث في محاكمات الصرب ورواندا.

والآن، الآن وليس غدا فإنه من حظ البشرية – وسخرية القدر – وبسبب تقدم معرفة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، فقد علمنا جميعا بالجريمة تقريبا على الهواء. وظهر فيها مدى انحطاط جنود الولايات المتحدة وبريطانيا إنسانيا وعقليا وثقافيا.

إنه يجب على الشعب العراقي وكافة طوائفه السياسية والدينية وكذلك شعوب العالم والحكومات المتمدنة إن كانت كذلك أن تتمسك وبإصرار تطبيقا للقانون الدولي وأحكام اتفاقيات جنيف الأربعة واتفاقية المحكمة الجنائية الدولية بعقد محكمة جنائية دولية عاجلة في ذات مكان ارتكاب الجريمة سواء كانت بغداد أو البصرة حيث أماكن الأسر والاحتجاز تحقيقا للقصاص العادل وحماية للعدالة الجنائية الدولية.

وإذا كانت الأمم المتحدة ترى أنه ثمة ضرورة لبقاء القليل من الثقة في وجودها كمنظمة دولية وإذا كان الاتحاد الأوروبي يريد أن يختبر مصداقية وجوده بعد أن سقطت مصداقية الجميع أمام الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، فعليهم جميعا التحرك ولو حماية لماء الوجه قبل حماية القانون الدولي.