11/9/2005

إنتهت عملية الإنتخابات الرئاسية الأولى من نوعها فى مصر، مساء يوم السابع من سبتمبر 2005 ، و قد قامت جمعيتنا برصد و تحليل و دراسة تلك العملية، و ذلك من خلال مراقبة عشرين دائرة انتخابية موزعة على طول البلاد و عرضها، و شاملة لعينة ممثلة للواقع المصرى كله، حيث شملت تلك الدوائر ريف و حضر، شمال و جنوب ووسط، محافظات حدودية و محافظات ساحلية و مدن قناة.

هذا و قد اتسمت العملية الإنتخابية بالعديد من المفارقات و التنوع و التباين فى الأداء لنفس الجهات فى الأماكن المختلفة، و بروز أدوار لجهات، و تراجع بل توارى أدوار لجهات أخرى إعتدنا على وجودها فى مقدمة الصفوف فى مثل هذه المناسبات.

و كان من أبرز الأدوار التى ستظل فى ذاكرة الأمة لفترة طويلة من الزمن، ذلك الدور الذى لعبه رجال القضاء المصرى فى تلك العملية، بدءا من دورهم فى إدارة لجنة الانتخابات الرئاسية، و التى يرأسهاالمستشار / ممدوح مرعى، الذى قيل عنه بحق أنه لعب الدور الذى كانت تلعبه وزارة الداخلية فى الانتخابات السابقة

حيث قام بمنع أعداد كبيرة من رجال القضاء المخالفين فى الرأى من المشاركة فى إدارة العملية الانتخابية كما أصدر أوامره بمنع مؤسسات المجتمع المدنى المصرية من حقها الدستورى فى مراقبة الانتخابات، مرورا بدور رجال النيابة العامة و نيابات الأموال و رجال هيئة قضايا الدولة

و الذى جاء فى مجمله متواطئا مع عمليات الانتهاك التى تمت لصالح مرشح الحزب الوطنى، و غير ملتزم بالقواعد و القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، و انتهاء بالدور المشرف و المبدئى لأغلب رجال القضاء الجالس الذين حرصوا على إدارة اللجان التى ترأسونها وفقا للقواعد و القوانين، بدءا من فتح صناديق الاقتراع و استقبال الناخبين، و حتى الانتهاء من عملية الفرز و إعلان نتائج الانتخابات.

و قد جاءت المؤشرات الأولية لنتائج عملية الرصد و المتابعة و التحليل كالآتى:

الدعاية الانتخابية:
ركز مراقبينا على عملية رصد و تحليل كمى و كيفى لدعاية المرشحين الميدانية، حيث قامت جهات رقابية أخرى عضوة فى الائتلاف برقابة الدعاية المرئية و المنشورة فى وسائل الاعلام المختلفة.

و قد رصد مراقبينا الآتى:

  • الإفراط الشديد فى دعاية مرشح الحزب الوطنى التى وصلت الى حد كبير من البذخ و الإغراق، و بما لايتناسب مع دعاية باقى المرشحين، و التى لم تمثل مجتمعة أكثر من 8% من دعاية مرشح الحزب الوطنى.
  • بلغت نسبة الدعاية المقدمة لمرشح الحزب الوطنى من أعضاء مجلسى الشعب و الشورى الحاليين، و أنصار الحزب و رجال الأعمال و التجار أكثر من 90 % من الدعاية الكلية له.
  • أبرز أنصار الحزب الوطنى أسماءهم ووظائفهم و مكانتهم الحزبية و الإجتماعية، و فى أحيان كثيرة بالصور كبيرة الحجم و ليس بالكلمات فقط، فى دعايتهم و مناصرتهم لمرشح الحزب الوطنى، حتى يبدوا أنهم هم المرشحون أنفسهم، و بأن هناك معركة إنتخابية تدور بينهم.
  • جاء حجم دعاية أنصار مرشح الحزب الوطنى من رجال المال و الأعمال كبيرا و شاملا لمجمل دوائرهم الانتخابية التى اعتادوا خوض الانتخابات البرلمانية بها.
  • أجبرت الجهات الإدارية و المحلية صغار و متوسطى أصحاب المحال التجارية بأنواعها المختلفة على تعليق لافتات دعاية لمرشح الحزب الوطنى، و إلا تعرضوا لتحرير مخالفات ادارية مختلفة مثل إشغال الطريق و غيرها من المخالفات المسكوت عليها أصلا.
  • لم يجرؤ سوى نفر قليل من أنصار مرشحى باقى الأحزاب على عمل دعاية بأسمائهم لصالح مرشحى أحزابهم خوفا من تعرضهم للعقاب، و من قام بذلك تعرض للأذى السريع بالفعل.
  • استمرار الدعاية الإنتخابية لجميع المرشحين حتى يوم الانتخاب، و ممارسة كافة أشكال الدعاية لمرشح الحزب الوطنى داخل اللجان الانتخابية فى يوم الانتخاب ذاته.

    الإنتخابات و أجهزة الدولة:

  • الإستخدام الواسع لسلطة و نفوذ و إمكانيات الدولة لصالح مرشح الحزب الوطنى، سواء الإمكانيات المادية المباشرة، عن طريق عمل الدعاية و تسخير الموظفين و العاملين بالقيام بأدوار مباشرة فى تعليق هذه الدعاية أو توزيعها …..ألخ، و كذلك استخدام السيارات التابعة للمؤسسات و الهيئات الحكومية فى أعمال نقل الناخبين و مواد الدعاية…ألخ.
  • إستخدام النفوذ الأدبى لكبار موظفى الدولة من وكلاء الوزارات و رؤساء مجالس الإدارات و المديرين العموميين فى إجبار العاملين التابعين لإداراتهم و هيئاتهم على الذهاب للجان الانتخاب للإدلاء بأصواتهم لصالح مرشح الحزب الوطنى.

    دور المؤسسات الدينية الرسمية:

  • بالمخالفة لدورهم كقيادات دينية إسلامية و مسيحية، جاء إعلان شيخ الأزهر و بابا الكنيسة الأورثوذوكسية تأييدهم لمرشح الحزب الوطنى بمثابة انحياز سياسى غير لائق من قيادات دينية.
  • جاء انحياز الكنيسة الأورثوذوكسية من خلال تأييد القساوسة و دعوتهم الصريحة للتصويت لصالح مرشح الحزب الوطنى، و ذلك أثناء الدروس و الصلوات فى الأسبوع الأخير قبل الانتخابات واضحا و علنيا تقريبا.
  • لم تقم وزارة الأوقاف من خلال أئمة مساجدها بالدعوة المباشرة للتصويت لصالح مرشح الحزب الوطنى، حيث التزم معظم الأئمة فى خطبة صلاة يوم الجمعة 2 سبتمبر ، فقط بدعوة المواطنين للمشاركة فى الانتخابات كواجب و تأدية للأمانة و قول الحق. دعى قلة منهم للتصويت لصالح مرشح الحزب الوطنى.

    دور المؤسسات الاعلامية:
    يرجى الرجوع الى تقرير مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، و كذلك مركز المحروسة للبحوث و الدراسات بهذا الخصوص، حيث أنهما أعضاء بالائتلاف، و قد أعدوا تقارير متخصصة بشأن دور المؤسسات الاعلامية.

    دور الأجهزة الأمنية:

  • تميز الأداء الأمني بشكل عام في المدن بعدم التدخل الفج في الإنتخابات مثل التواجد الجسدي داخل المقار الإنتخابية ،وإن كانوا يغضون النظر تماما عن أي انتهاكات يقوم بها أنصار مرشح الحزب الوطني سواء الإحتكاك بمندوبي باقي المرشحين في (حال وجودهم) أو الناخبين الذين يصوتون لمرشح آخر خلاف مرشح الحزب الوطني أو حتى القيام بالدعاية داخل مقار اللجان الإنتخابية وإضافة البطاقات على الصناديق بغير وجه حق.
  • أما في الريف و الدوائر البعيدة، مثل الوادى الجديد و شمال سيناء على سبيل المثال، فلم يختلف الأداء الأمني عن المدن كثيرا سوى بالتدخل المباشر أحيانا في العملية الإنتخابية والإنحياز المباشر والواضح لمرشح الحزب الوطني.
    نسبة مشاركة الناخبين فى الاقتراع:
    وفق ملاحظات الراصدين بالمحافظات المختلفة، ومن واقع التوقيع في كشوف الناخبين وسؤال بعض القضاة من رؤساء اللجان الذين قبلوا التعاون مع جهات المراقبة من مؤسسات المجتمع المدني ومع استبعاد حالات التزوير الفجة،

    توصلنا الى مايلي:
    أولا:
    في اللجان التي راعي فيها رؤساء اللجان من رجال القضاء الجالس القواعد والانضباط، وغير المسجل فيها ناخبين تابعين لمصالح حكومية أو هيئات أو شركات أو مؤسسات في الدوائر الحضرية، تراوحت نسبة المشاركة بين 5 و8%.

    ثانيا :
    في اللجان المنضبطة….والمسجل بها ناخبين تابعين لهيئات و مصالح حكومية، بلغت نسبة المشاركة من 15- 20% ، وفق حساب نسبة عدد هؤلاء الناحبين الى العدد الإجمالي المسجل باللجنة حيث كان يتم النقل الجماعي لهؤلاء الناخبين من مقار عملهم إلى أماكن لجان التصويت الخاصة بهم باستخدام سيارات المصالح التابعين لها وسيارات النقل السياحي.

    ثالثا :
    نسبة المشاركة في دوائر الريف بشكل عام أعلى منها في دوائر الحضر.

    رابعا :
    فى لجان الدوائر المنفلتة والتي لم تراعي القواعد والقوانين والتي سمح فيها بأشكال فجة من التزوير من قبل أنصار الحزب الوطني سواء بملأ الصناديق بالبطاقات أو بالسماح لأعداد كبيرة من المواطنين المجهولين بالتصويت بدون بطاقة انتخابية وأحيانا بدون هوية شخصية تجاوزت نسبة التصويت نسبة ال 50 % بقليل في بعض الأحيان.

    بعض أشكال المخالفات الفجة:

  • وجود العديد من اللجان الإنتخابية داخل مقار أقسام الشرطة بالمخالفة للقانون.
  • وجود كشوف الناخبين خارج بعض اللجان بحوزة رجال الأمن وأعضاء الحزب الوطني فقط .
  • تصويت الوافدين في بعض اللجان بالبطاقة الشخصية فقط وبالمخافة للقانون.
  • عدم الالتزام بموعد فتح بعض المقار الإنتخابية مما يثير الشكوك.
  • الاقتراع الجماعى فى بعض المحافظات من قبل أشخاص مجهولين بالنسبة لأبناء الدائرة تماما ( مدينة السويس على سبيل المثال).
  • قيام بعض مسئولى اللجان الانتخابية للسيدات، بتوجيه الناخبات الأميات، بوضع بصمتهن على خانة مرشح الحزب الوطنى.
  • اصطحاب مندوبى مرشح الحزب الوطنى للناخبين أثناء عملية الاقتراع فى بعض اللجان، و عدم احترام سرية التصويت.

    ملاحظات عامة:

  • كانت معركة الحزب الوطني الأساسية ليست مع المرشحين المنافسين لمرشح الحزب، ولكن مع نسبة المشاركين حيث كان التحدي الرئيسي لهم هو الوصول بنسبة المشاركة الى 50% ,الأمر الذي لم يتحقق سوى في لجان محدودة بالأساليب سابقة الذكر.
  • لوحظ وجود معركة جانبية على هامش معركة الانتخابات بين المتنافسين من أنصار الحزب الوطني على ترشيح الحزب لهم في الانتخابات البرلمانية القادمة وصلت الى حد السباب المتبادل والتشابك بالأيدي داخل مقار اللجان وذلك في إطار المباراة بينهم لإثبات من هو الأكثر ولاء، وأكثر قدرة على الحشد لصالح مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية.
  • جاء أداء النسبة الغالبة من رجال القضاء الجالس، مشرفا وذلك من حيث التزامهم بالقواعد والقوانين مع الأخذ في الاعتبار قلة عددهم وعدم تغطيتهم لنسبة كبيرة من اللجان.
  • عدد كبير من رجال القضاء الجالس سمح لمراقبي المجتمع المدني بالتواجد داخل المقار الإنتخابية وسهلوا لهم مهمتهم والبعض منهم سمح للمراقبين بحضور عملية الفرز ذاتها في حين لوحظ ضعف أداء رؤساء اللجان من النيابة العامة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، سواء من حيث السيطرة والقدرة على إدارة اللجنة أو الإلتزام بالقواعد والقوانين أو الحيدة والنزاهة.
  • لاحظ جميع المراقبين التابعين للجمعية الاستخدام الواسع النطاق من قبل أنصار مرشح الحزب الوطني لإمكانيات الدولة وعلى وجه الخصوص إستخدام المركبات العامة والتابعة لشركات ومؤسسات حكومية وإدارات حكومية في عمليات نقل الجماعي للناخبين العاملين بالهيئات والشركات والمصالح الحكومية الى مقارهم الانتخابية والتأكد من تصويتهم لمرشح الحزب ثم توصيلهم الى منازلهم . هذا بالإضافة الى استخدام نفوذ الرؤساء في العمل والتهديد والوعيد لمن لا يذهب ويصوت لمرشح الحزب الوطني.
  • أشارت معظم النتائج الأولية التي حصلنا عليها الى تقدم مرشح الحزب الوطني على باقي المرشحين، يليه فى التصويت مرشح حزب الغد ، يليه مرشح حزب الوفد مع الأخذ في الاعتبار التحفظ على طريقة التصويت و الإنتهاكات التي جرت أثناء العملية الإنتخابية سواء بالتصويت الجماعي او بإضافة بطاقات لصالح مرشح الحزب الوطني والتي ربما تجعل الفارق في النسب أعلى كثيرا من الفارق الحقيقي.