26/4/2008

يمثل السلام المجتمعي أحد أهم دعائم المجتمعات الحديثة التي تسعي إلي منهجية المصالحة الوطنية كأداة لتحقيق التنمية وكفالة حقوق المواطن بحيث يصبح لدي المجتمع القدرة علي النهوض والتقدم دون وجود آثار جانبية يمكن لها أن تؤثر علي تقدم المجتمع أو حياة طبقاته الاجتماعية المختلفة الأمر الذي يؤدي إلي احترام حقوق الإنسان وشيوع ثقافة السلام وتنامي الشعور بالآخر ودمج الفئات في نسيج مجتمعي متماسك ومترابط يشعر فيه الفرد بكونه جزء من منظومة مترابطة وتعمل فيها الجماعة لتلبية احتياجات ورغبات أفرادها ولعل الانتخابات العامة وما تتيحه من قدرة الأفراد علي اختيار ممثليهم في السلطة التنفيذية أو في الرقابة علي أدائها أو في تحديد توجهاتها تمثل لحظة تاريخية مؤثرة في تحديد موقف المجتمع من السلام المجتمعي بما يمثله من احتياج إنساني .

إذ أن اعتماد منهجية ديمقراطية تقوم علي الفرز والشفافية وتوازن بين المتنافسين دون إعلاء لطرف علي حساب الآخر ولا تناصر مرشحاً حسب مواقفه وموافقته للسلطة التنفيذية في تحركاتها يزيد من درجة تماسك المجتمع واعتماد التداول السلمي للسلطة وإقصاء لثقافة العنف وتيارات التطرف وفي المقابل فإن التدخلات الإدارية والتفرقة بين المرشحين حسب انتماءاتهم الحزبية والتلاعب في إعلان النتائج يمثل ضربة قاصمة لتماسك الأمة وتقسيم للولاءات حسب الهوى وغياب لصورة الوطن من أذهان النخبة واستبدالها بتكوينات أيدلوجية أو ذات امتدادات خارجية وهو ما يمكن أن يكون ذا تأثير فادح على مستقبل الوطن وإيمان المواطنين بوجوده.

وقد كانت انتخابات المحليات المصرية ( 2008 ) أحد تلك الاختبارات المؤثرة في حالة الحراك السياسي والاجتماعي التي تشهدها البلاد إذا جاءت الانتخابات في لحظة مؤثرة فى تحديد اتجاهات المجتمع وآليات تحركه في مواجهة جماهير خرجت للشارع في لحظة استثنائية مستخدمة أدوات جديدة علي ساحة العمل العام متبنية مطالب شعبية وفئوية خاصة بالفئات المشاركة في الأشكال الاحتجاجية وبعيدة عن العمومية والانفلات الذي حاولت بعض القوي المسيسة أن تطبعها به.

وقد ظهر خلال الانتخابات المحلية حالة التفكك التي تمر بها القوي السياسية ومعاناتها من أزمة في إقرار السلام الداخلي بين أعضائها بسبب اختلافات في وجهات النظر والمصالح الحاكمة لاختيارات الترشيح وبخاصة علي قوائم الحزب الوطني الذي اعتمد في البداية علي انتخابات الوحدات القاعدية في اختيار المرشحين مؤكدا علي أن التزاماً سيتم بما ستسفر عنه المجمعات الانتخابية داخل الوحدات القاعدية وهو ما يتم الالتزام به بشكل كامل إذ تم بسرعة التراجع عنه لتجري الانتخابات علي اختيار 70% من القائمة مقابل ترك لنسبة 30% يتم اختيارها بالتعيين من قبل القيادة فيما جري تفسيره بأنه ضمانة لاختيار عناصر يمكن عدم ضمان وجودها بسبب الألاعيب والمؤامرات الانتخابية مثل الشباب والمرأة والأقباط الأمر الذي لم يقتنع به عديد من قيادات الحزب خاصة بعد إعلان الترشيحات في اللحظات الأخيرة وخلو القوائم من عدد كبير من القيادات المحلية ومخالفتها في حالات عديدة أيضا لاختيارات المجمعات الانتخابية في الوحدات القاعدية مما تسبب في ثورة عارمة كانت جديدة بالأساس داخل الحزب الوطني الذي فوجئ بأدوات الاحتجاج والاعتراض التي يحارب وجودها بالشارع السياسي وقد انتقلت إلي داخل جدرانه فقام أعضاء الحزب بمحافظة أسوان بتنفيذ اعتصام مفتوح احتجاجاً علي اختيارات المرشحين وتلتها ثورة المستبعدين في الغربية والاستقالات الجماعية في أسيوط وحصار قوات الأمن لحماية مقر العاصمة بالقاهرة وقيام المستبعدين برشق مقر أمانة المحافظة بالحجارة في المنيا وقيام مستقلو الوطني بدائرة الظاهر بالقاهرة بتنظيم احتفالية للأمهات المثاليات بعد احتفالية الحزب الرسمية بثلاثة أيام وبحضور أمين الحزب بالقسم كعلامة دالة علي انقسامات الحزب الداخلية رغم محاولات الأمين العام صفوت الشريف المتوالية لرأب الصدع وتصريحاته المتوالية ( بأن الذين لم يقع عليهم الاختيار من أبناء الحزب ستكون لهم فرص أخري كثيرة للإفادة منهم في مواقع أخري عديدة) مبرراً الأزمة ( بأن استبعاد بعض المرشحين ) جاء (بسبب عدم استكمال أوراقهم ) وتصريح أمين الإعلام الدكتور علي الدين هلال ( أن معظم الشكاوي التي يدعي أصحابها أنهم جاءوا في المرتبة الأولي بالانتخابات التمهيدية ولم يتم اختيارهم هي عبارة عن ادعاءات غير صحيحة حيث لا يعلم أحد بنتائج الانتخابات سوي أمين المحافظة فقط) وقوله ( أن هذه التجربة بالتأكيد أفرزت ايجابيات وسليبات ومن يدعي أنها سلبية غير موضوعي ومن يدعي أيضاً أنها ايجابية 100% يعتبر ” كلام ماسخ ” ) إلا أن هذا لم يوقف سيل الهجوم علي اختيارات الحزب فمن بورسعيد تحدث إبراهيم متولي عن أن ( الحزب الوطني خانني والحكومة حاميها حراميها) وتصريح أمين الحزب الوطني بقنا سابقاً ورئيس المجلس المحلي بأن ( الحزب أسقطني بشكل مهين وهناك مخطط لتدمير أعمدة الوطني الأساسية ) وما قالته زينب البحبوحي عضو مجلس محلي سوهاج لأربع دورات متتالية من أن ( الحزب الوطني ضحي بأبنائه لعقد صفقه مع المستقلين والعائلات السياسية في سوهاج ) وكان الأخطر ما رصدته جريدة روز اليوسف من أن ( محافظون خانوا مرشحي الحزب علنا وبقائمة كاملة) مؤكدة علي أن خمسة محافظين خالفوا تعليمات الحزب بمساندة مرشحي الحزب وأن قيادات الحزب قد أكتفت ( بإعداد تقرير عن المحافظين الذين خانوا مرشحي الحزب سواء بشكل سري أو علني لرئيس الحزب مع تدعيم التقرير بالوثائق التي تثبت تورط المحافظين في الوقوف ضد مرشحي الحزب ) الأمر الذي قد يفسر لنا جانباً من غرابة حركة المحافظين الأخيرة.

ولم يقتصر الصدام المجتمعي علي الحزب الوطني وأعضائه فقط بل امتد ليشمل كذلك أحزاب المعارضة التي لا يمكن لنا وصف حالة السلم الداخلي بها إلا بكونه يمر بمنحني شديد الصعوبة فحزب الوفد بما له من تاريخ ليبرالي وما يمتلكه من قيادات يمر منذ فترة بسلسلة من الأزمات العنيفة وصلت حد إشعال النار في المقر الرئيسي وتبادل إطلاق النار بين المتنازعين علي الحزب الذي انقسم لجبهات متصارعة والتي زادت خلال انتخابات المحليات بسبب ما وصف بالصفقة التي تمت بالإسماعيلية واتهام عدد من قيادات المحافظة للنائب الوفدي صلاح الصايغ بأنه أدار الأزمة لصالح أقاربه ورد الصايغ فى المصرى اليوم بأنه (لولا الصفقة مع الوطني ما كان سينجح أي وفدي) والأزمة التي تفجرت أيضاً اثر صفقة التزكية بالفيوم والتي جعلت الصراعات داخل المحافظة تصل للسباب المتبادل والاتهامات بالأخونة وأن أحد الفائزين بسنورس ليس لديه استمارة عضوية وفدية إضافة إلي استخدام رسائل SMS في الصراع المتبادل داخل الحزب والذي انتقل إلي خارجه في صورة تلاسن عنيف مع الحزب الناصري الذي شن أمينه العام أحمد حسن هجوماً عنيفاً علي الوفد متهماً إياه بعقد ( صفقة مع الوطني لكسب مقاعد في انتخابات المحليات مستشهداً في اتهامه بما تم في دائرة الشرابية التي أعلنت النتائج فيها بفوز قائمة الوطني وفي اليوم التالي جري تغيير النتيجة بإعلان فوز (6) من مرشحي الوفد) ولم يتوقف هجوم الناصري عند ذلك بل وصل إلي التأكيد بأنه ( سيكون للحزب رد شديد لو ثبت أن حلفاءنا ( الوفد والتجمع) عقدوا صفقات مع الحكومة في المحليات) الأمر الذي جعل الوفد يرد بأنه ( لم ننسق مع الوطني وتجاوزتم الخطوط الحمراء) مع تأكيد من مصدر مسئول داخل الحزب بأنه مع عودة أباظة من الخارج سيتم اتخاذ موقف حازم ضد الحزب الناصري.

ولعل سلوك الحزب الناصري يمكن فهمه في ظل الصدمة التي أحدثها فشل الحزب في الحصول علي أكثر من (18) مقعد وبمسافة بعيدة للغاية عن رفاقه في التنسيق ( الوفد والتجمع) وكذلك الشماتة الواضحة من فشل التحالف الناصري في الحصول علي أكثر من (3) مقاعد لدرجة أن (عادل القلا) الأمين العام لحزب مصر العربي الاشتراكي قد ارجع السبب في فشل التحالف ( لفكرة الزعامة المسيطرة علي الحزب الناصري ونوايا قياداته التي كانت السبب في هذا الفشل الذريع)وكذلك الحديث عن انسحاب (4) من قيادات الناصري من الحزب وانضمامهم للتجمع الذي يمثل بيت اليسار الواسع.

علي أن التجمع لم يكن بعيداً عن هذا الصراع والذي يعتبر امتداداً للأزمات الداخلية في صفوف الحزب وظهور تيار إصلاحي داخل جدرانه نجح في كسب جولة الأمين العام خلال المؤتمر الأخير والذي دخل بعدها في صراعات مع جريدة الأهالي أو حول تشكيل المجلس الرئاسي والذي امتد للمحليات التي لاحقت التجمع خلالها اتهامات بكونه قد نال ثمن رفضه لإضراب (6) ابريل بفوزه بعدد (125) مقعد في المحليات وهو ما دارت حوله جريدة الدستور حين اتهمت التجمع بأنه ( باع العمال والطلبة والفلاحين وصار أهم غاياته نجاح بعض مرشحيه في الانتخابات بدعم من الأمن ) والرسائل الالكترونية التي يرسلها هيثم الحريري بأن ( التجمع يفوز بنسبة 90% من مرشحيه بالإسكندرية بنجاح تسعة مرشحين من عشرة … لا تعليق ) ورسالة أخري ( كيف نواجه الناس في الشارع كيف نرد عليهم عندما يسألون عن الاتفاقيات التي تمت من أجل توزيع كراس بدون انتخابات كيف نكون مجرد رقم في هذه الانتخابات يوزع علي أعضاء الحزب ) ولم تتوقف الانتقادات عند جيل الشباب إذ ظهر في قمة الحزب ووسط قياداته الأولي صراع حول المواقف والاتجاهات فأبو العز الحريري يشخص الأزمة بأن ( أحزاب المعارضة لديها انكفاءه داخلية علي ذاتها ) ويتساءل ( أين دور التجمع في الشارع وأين قياداته من الأحداث المهمة التي تمس حياة المواطنين) ويري (أن أحزاب المعارضة غير مؤهلة وأصبحت مجاملة للحكومة والنظام) وهي الآراء التي يتوافق معها ويؤيدها البدري فرغلي بشكل مطلق وكانت سببا فى تحويل القيادى البارز إلى لجنة الانضباط الحزبى علي أن الصدمة الأكبر في التجمع تمثلت في استقالة أمين لجنة الشئون الدينية بالتجمع د / محمود إسماعيل ووصفة لصفقة الحزب مع الوطني ( بالمشينة ) واتهامه لرئيس الحزب بأنه ( ترك القضايا الجماهيرية وتبني معركة جانبية مع الإخوان المسلمين لصالح الحزب الوطني ) .

وانتقلت أجواء الصراع من أحزاب المعارضة الرئيسية إلي أحزاب حديثة رأي عديد من المراقبين أنها قد تمثل مخرجاً للأزمة السياسية المسيطرة علي البلاد منذ سنوات مثل حزب الجبهة الديمقراطية الذي وصفه البعض ( بالجبهة غير الديمقراطية) لكثرة الصراعات والاتهامات المتبادلة بين قياداته العليا لدرجة أن رئيس الحزب الجديد / أسامة الغزالي حرب اتهم رئيسه الأول الدكتور / يحيي الجمل بأنه كان يريد الخلاص منه وهو ما جعل الجمل يرد بعنف علي الغزالي (لم أكن أريد التخلص منك وكنت أفضل السلمي رئيساً للجبهة) وهو ما انعكس علي انتخابات الحزب الداخلية والتي وجهت لها اتهامات وقدم عدد من الأعضاء طعون فيها أمام لجنة شئون الأحزاب وتكررت في رفض المستقيلين وعلي رأسهم ( الجمل والسلمي والببلاوي ) دعوة الغزالي للعودة إلي الجبهة وهو ما يفسر لنا حالة التخبط والفشل التي يمر بها الحزب وظهرت في نتائجه المحبطة بفوزه بـ (3) مقاعد فقط رغم التصريح الغريب للغزالي ( بورقية ) جميع الأحزاب المصرية باستثناء حزبه الذي اعتبره ( جماهيريا ) الأمر الذي دفع الوطني لتزوير الانتخابات لصالح مرشحيه ( الثلاثة) ؟؟؟

أما حزب الغد الذي يعاني من انشقاقات عنيفة منذ تأسيسه ودخول مؤسسه السجن في قضية التوكيلات المزورة فقد حقق فشلاً ذريعاً في تلك الانتخابات علي خلفية الصراع الدائر بين جبهاته الداخلية والذي وصل إلي قيام أعضاء الحزب بالطعن علي صفات مرشحيه مما تسبب في استبعاد الكثير منهم وسقوط من تبقي في سابقة ليست بغريبة علي الأحزاب المصرية ( الرسمية) التي تعيش أزمة سلام وتصالح داخلي تؤثر بقوة علي علاقات السلام المجتمعي بين أفرادها وتجعلهم غير قادرين علي إرساء قواعد وسلوكيات الحوار وقبول الآخر والتنافس السلمي علي أدوات الحكم بما يصعب معه الحديث عن مستقبل للوطن وقدره لأبنائه علي التعايش في إطار نسيج واحد لا ينكر أحد انه تعرض لانتهاكات عدة تمثل خطرا علي السلام الاجتماعي داخل هذا الوطن في ظل إقصائها لقطاع عريض منه وإبعاده عن المشاركة الفاعلة في إدارة شئون البلاد مثلما يحدث مع الأقباط الذين أصبح الحديث عن تهميش دورهم وإقصائهم عن المشاركة أمرا يكاد من تكراره أن يصبح قاعدة من قواعد العمل العام في البلاد أو شكل من أشكال ( مسرح اللامعقول في انتخابات المحليات) مثلما تحدث الأستاذ / يوسف سيدهم في جريدة الدستور وعرض لأمثلة من الانتهاكات التي تعرض لها عديد من الأقباط الذين اختاروا المشاركة في الحالة التنافسية مثل أماني جمال حبيب جرجس التي تساءلت ( هل كل ما نسمع عنه من شعارات المواطنة وتمكين المرأة والتمثيل المتوازن لا يعدو كونه شعارات رنانة ومسكنات) والأستاذ نسيم صادق قلادة الذي قال ( كيف نشعر أننا مواطنون من الدرجة الأولي إذا كان عند كل اختبار لذلك يتم إبلاغنا أننا مواطنون من الدرجة الثانية) أما أقباط احدي قري مركز القوصية بأسيوط فقد حولوا تلك التساؤلات إلي قضية عامة حول كونهم هم أيضاً قد تحولوا إلي ( جماعة محظورة) .

إن الأزمات التي يعايشها المجتمع المصري في شقه السياسي تجعل من السلام المجتمعي قضية يصعب عند الحديث عنها تحديد ( لمن ) المسئول عن الأزمات التي يعيشها المجتمع وتؤثر علي الأشكال التعاقدية بين أفراده الذين ارتضوا التضحية بجزء من حريتهم وإرادتهم لصالح قطاع منهم يمثل سلطة حاكمه يفترض فيها أن تسعي لأجل مصالحهم وتعمل علي رعاية وضمان حقوقهم في حياة كريمة ووفق قواعد وأطر ثابتة ومستقرة وبما أدى في النهاية إلي لجوء المواطنين إلي استحداث أدوات وأساليب احتجاجية توجه من خلالها رسالة إلي كافة القوي الاجتماعية التي تمتلك بعداً ( رسمياً ) سواء كأحزاب أو مؤسسات تنفيذية مثلما حدث في إضراب (6 ) أبريل والذي يمكن القول بأنه جاء بمثابة إعلان عن إعادة ترتيب قوي الحراك السياسي في المجتمع وكوسيلة لإقرار السلام المجتمعي إذا تم التعامل معها بما هو مفترض فيها من كونها آلية مجتمعية لإظهار موقف تجاه قضية ما .

إلا أن واقع الأمر قد جعل من الإضراب سلوكا شبه مرفوض داخل المجتمع المصري رغم اعتراف الدستور المصري بكونه أداة من أدوات الاعتراض المصرح بها قانونا وأن كافة الاتفاقات والمواثيق الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية قد جعلته احد الحقوق الأساسية للمواطن والتي لا يجوز تقييدها أو إلغائها.

وقد بدأت الدعوة لإضراب ( 6 ) ابريل من خلال مواقع للشباب علي شبكة الانترنت وكنتيجة مباشرة للمعاناة وتصاعد الغلاء مما ولد لدي جيل جديد ـ نشأ وتحرك بعيداً عن القوي السياسية التقليدية بما تعانيه من ( موات اكلينكي ) ـ قدرة علي العمل وفق أشكال احتجاجية غير نمطية مما أدي إلي اختيار ذات اليوم الذي حدده عمال غزل المحلة للإضراب إذا امتنعت الحكومة عن تنفيذ مطالبهم التي أصرت أجهزة الإعلام الحكومي علي تجاهلها وتصوير الأمر كما لو أن ( الشيوعيون يحركون اعتصامات العمال ) وإفراد المساحات أمام رجال الدين التابعين لمؤسسات الدولة لتأثيم أى تحرك شعبى ، في الوقت الذي ركزت فيه صحف معارضة علي نشر الدعوة للإضراب وإثارة حماسة المواطنين للمشاركة فيه مثلما فعلت الدستور ( من أيام الفراعنة حتى 2008 عمال يعني حقوق والحقوق تتاخد بالذوق أو بالعافية الذوق معروف والعافية يعني إضراب والإضراب يعني ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير لوي الذراع ) ورغم محاولات متبادلة سواء للدعوة للإضراب أو محاولات إحباطه إلا أن حالة الهلع التي أصابت عدد من أجهزة السلطة ( الداخلية والصحة والتعليم ) والبيانات المتتالية في أجهزة ( الإعلام الرسمي ) ساهمت بدرجة كبيرة في نجاح الإضراب بما أثارته من فزع في نفوس الموطنين من الخروج من منازلهم في هذا اليوم خاصة وأن ما يسمي بالقوي السياسية والأحزاب العلنية كانت منشغلة بصفقاتها علي مقاعد المحليات أو في التعامل مع مشكلاتها القضائية .

فالإخوان المسلمين تلاعبوا بالإضراب بل وحاولوا بكل الطرق إفشاله بحيث يترسخ لدي المواطن شعور بأنه أمام أحد اختيارين أما ( الحكومة ) وأما ( الإخوان ) أما الطريق الثالث فهو غير موجود بالأساس فاختار الإخوان إعلان تمثيلي للانسحاب من المحليات قبل الإضراب بيومين لشغل الرأي العام عنه مع توجيه إعلامهم المتعاطف معهم وبخاصة في الجزيرة ناحية إجهاض التحرك الشعبي ليخرج بعدها أمين عام الجماعة محمود عزت يعلن عن عدم مشاركة الإخوان بل وهجومهم علي تلك الفوضى والتي هي (ليست مهمتهم) .

أما حزب التجمع فقد تنازعه موقفان ما بين تأييد الحركات الاجتماعية والعمالية التي يزعم البعض أن اليسار من يحركها وبين مرشحيه الذين ارتفعت نسبة واحتمالات نجاحهم في المحليات ضمن مواءمات وتفاهمات مع السلطة التنفيذية حتى انتهي الأمر إلي إعلان التجمع رفضه المشاركة في الإضراب وتأكيد الحزب علي أنه ( عبيط من يدعو للعصيان والناس أكثر ذكاء من التجاوب مع دعوات الفئران) ولم يكن موقف الوفد بعيداً عن التجمع خاصة وأن الوفد ومن منطلق رؤيته الاقتصادية يمتلك مواقفاً بعيدة ومناهضة لمثل تلك الاحتجاجات وتأكيد بعض القيادات على أن للناس هموم ومشكلات يجب التصدى لها وهى ( أهم ) بكثير من الإضراب .

إلا أنه ورغم كل ذلك خلت الشوارع من المارة وزاد عدد المواطنين الذين تغيبوا عن عملهم ( رغبة ) في الإضراب أو ( رهبة ) من الخراب والدمار الذي خوفهم البعض من إمكانية حدوثه وكان الأعنف ما تم فى المحلة الكبرى التى شهدت صدامات عنيفة مع الأمن وتدمير للمباني والمدارس والمنشات العامة وإحراق لأحد القطارات وما صاحبهم من إصابات وقتل لبعض المواطنين (3 قتلي حتى الآن) والصور التي بثتها وكالات الأنباء والصحف للمصابين وهم مقيدون في أسرة المستشفيات وهي الصور التى جاءت بمثابة إعلان عن أزمة السلام المجتمعي الذى تمر به البلاد وبداية لرد فعل عنيف من جانب السلطة التنفيذية والتي ألقت القبض علي عدد من الناشطين السياسيين وشباب مواقع (الفيس بوك) الذين وجهت لهم تهم التحريض علي الإضراب والدعوة لإضراب جديد يوم ( 4 ) مايو القادم بما يعني أن سيناريو الفزع قابل للتكرار وأن كان بشكل أعنف وأخطر من سابقة .

خاصة وأنه حتى الآن يصعب تحديد المسئول عن الخراب والتدمير الذي صاحب الهبة الشعبية لأبناء المحلة وهل هو رد فعل من الناشطين السياسيين علي الأداءات الأمنية القاسية أم هو نتاج تحركات العشوائيات المحيطة بالمدن المصرية والتي تري في التخريب والتدمير انتقام لها من مجتمع وضعها علي الهامش ( جغرافياً ) بانعدام الخدمات وفرص الحياة الكريمة ووضعها علي الهامش ( اجتماعياً وسياسياً ) بتغييب قضاياها وحقوقها عن ساحة المطالب الشعبية.

أن واقع الحال يشير إلى أن المجتمع المصري يعيش منذ فترة أزمة سلام اجتماعي ينعكس علي قدرة المجتمع والمواطنين علي العمل الساعي إلي تطوير بنية المجتمع وإحداث إصلاحات هيكلية تستطيع التغلب علي العوامل السلبية في اقتصاديات السوق والتي تسببت في نمو الاحتكاريات والارتفاعات غير المبررة في السلع الأساسية والخدمات المباشرة التي يطمح لها المواطن العادي ويري فيها ضماناً لحياة كريمة في حدها الأدنى .

كما أن السلام المجتمعي المنشود يصعب الوصول له دون دور حقيقي وملموس لقوي الحراك السياسي والاجتماعي تستطيع من خلاله الوصول إلي أجيال من الشباب تباعدت بهم المسافات عنهم ويمثلون اليوم قوي إصلاح لابد لها من إطار رسمي تستطيع من خلاله التعبير عن نفسها وتمتلك في ذات الوقت قدرة علي التأثير وإحداث التغير المنشود عبر الوسائل السلمية والمتسقة مع القانون والقواعد المستقرة في علاقة الشعوب بنظمها الحاكمة .

إن مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية يري في النهاية أن انتخابات المحليات 2008 وإضراب 6 ابريل 2008 كانا بمثابة فرصة نادرة لاختبار السلام المجتمعي وقياس مدي استقراره في نسيج الوطن ولكننا لأغراض خاصة ومحدودة فشلنا في الاستفادة منهما والكارثة الأكبر إذا ما تحول هذا الفشل إلي عقدة تحكم مواقفنا في المستقبل….. القريب

Ayman Okail
General Manager

[an error occurred while processing this directive]