12/1/2009

مقدمة :
عرفت مصر التعليم الجامعى فى العصر الحديث عام 1908 حيث لعبت الحركة الوطنية المصرية فى هذا الوقت دوراً كبيراً فى تأسيس أول جامعة ، كان الفضل فى ذلك للأمام محمد عبده الذى وضع قضية التعليم بإعتبارها الأساس الضامن لأستمرار الحركة الوطنية وعدم انحرافها الذى يخدم قضايا الوطن ، وبتغيير النظام السياسى تغيرت أهداف وفلسفة التعليم وتوالت القوانين المنظمة للتعليم الجامعى إلى القانون رقم 49 لسنة 1972 والمطبق حتى الآن .

ونتيجة لتغيير فلسفة التعليم فى مصر لأسباب عديدة أهمها التغيرات العالمية والتى بدورها أثرت على المجتمع المصر وضعف قدرة الدولة على تلبية احتياجات المجتمع وزيادة أهمية التعليم بأعتباره قطارة المجتمع نحو أى حركة تقدم ، فاتجهت الدولة لفتح المجال لمشاركة الأفراد فى المساهمة فى قضية التعليم فكان القانون رقم 101 لسنة 1992 والخاص بإنشاء الجامعات الخاصة ، ونتيجة للمطالبات العديدة التى تطالب بفتح الباب لمساهمة المجتمع المدنى فى قضية التعليم بتقديم مبادرات تخدم المجتمع ولذلك تم التقدم بمشروع قانون لتعديل على القانون الخاص بالجامعات الخاصة لوضع الأساس التشريعى للجامعات الأهلية ، وهو ما سنتعرض فى هذه الورقة على محورين الأول ملاحظات على قضية التعليم بمفهومها الشامل والمحور الثانى مشروع قانون الجامعات الأهلية – تعليق – .

المحور الأول : ملاحظات على قضية التعليم فى مصر .
الملحوظة الأولى : التعليم فى خدمة المجتمع .

من المعروف إن التعليم يعمل على تلبية احتياجات وليس إن يكون التعليم هدفاً فى حد ذاته اى الحصول على شهادات ، وهو ما يعنى لابد أن تكون هناك استراتيجية واضحة الملامح يحدد فيها الأهداف والخطوات التنفيذية وما هو المتوقع من تنفيذها ، ولابد إن توضع هذه الاستراتيجية ضمن مشروع وطنى تعمل عليها الدولة وتكون فيه استراتيجية التعليم الأساس الذى يقوم عليها المشروع .

المشكلة الآن أنه مازال هناك الدولة تسيطر على مراحل التعليم المختلفة بشكل كامل فمثلاً مكتب تنسيق يحدد رغبات الطلبة فى اى المجال يتعلم وزيادة أعداد طلبة التعليم الجامعى ، أما الكارثة التعليم الفنى المتجاهل دائماً وهو ما يعد العمود الفقرى لأى دولة والذى يعانى الكثير من المشاكل ، ضف إلى ذلك المشاكل ذات الجذور الأجتماعية مثل الأمية والتسرب من التعليم والتجاهل العجيب للمتفوقين وغيرها من المشاكل هذا بشكل عام لقضية التعليم ، بالتالى إعادة النظر فى الهدف الأساسى لسياسة التعليمية أصبح أمر لا مفر منه .

الملحوظة الثانية : المؤسساتية فى الجامعات .
صياغة العمل الإدارى لابد أن يخضع لسياسة واضحة تعمل على مفهوم المؤسساتية بمعنى دعم اللامركزية داخل الجامعات ، بمعنى أن يكون من حق إدارة الجامعة الصلاحية الكاملة للعمل على إدارة الجامعة بما يترأى لها من رؤية وتخضع لمفاهيم الرقابة والمساءلة وغيرها من إجراءات الحماية اللازمة مثلها كمثل مؤسسات المجتمع المدنى مع الحفاظ على استقلاليتها العملية والإدارية والمالية والعلمية .

المشكلة فى مفهوم المؤسساتية داخل الجامعات يرجع لخضوع أساتذة الجامعات إلى ما تقرره الدولة من سياسات وعدم مقاومتها ، فالمؤسساتية هى فكر وعلم وإدارة وهذا كل مفتقد نظراً لفقدان القوانين المنظمة لهذا المفهوم واستسلام أساتذة الجامعات المسئولين على إدراة الجامعات لمثل هذه القوانين ، ونحن هنا لا ننكر أن مفهوم دولة المؤسسات هو إشكالية داخل مؤسسات الدولة المصرية .

الملحوظة الثالثة : رفع القيود الحكومية .
أن حجم القيود الحكومية على المؤسسات التعليمية مازال كبيراً فالأنشطة الجامعية جميعها تخضع لمجموعة من الشروط صعبة التحقيق هذا غير الأنشطة الممنوعة من الأساس ، وهو ما نتج عنها انفصال الجامعات عن خدمة المجتمع المصرى وتلبية متطلباته وأصبحوا كالجذور المنفصلة ، وبالتالى رفع القيود الحكومية عن الأنشطة الجامعية أصبح أمر لا جدال فيه وهو ما تمتع به الجامعات الأهلية إذا قدر لها أن تقر وأن تعمل طبقاً للمفاهيم والمبادئ المعروفة .

فالمشكلة اساساً هو خضوع الإدارات الجامعية بشكل كامل للدولة فمن اللائحة الطلابية وقانون الجامعات هذا غير التدخلات الأمنية ، فتحديد شكل وأختصاصات الإدارة الجامعة وكيفية ممارسة أنشطتها وعودة ظاهرة غير لائق اجتماعياً فى تعيين هيئة التدريس كله فى يد الوزارة والدولة وهو ما كان السبب فى خنق الإبداع والتطوير لأن المسئول عن الجامعة هو موظف أكثر من أستاذاً جامعياً له خبرته وكفاءته العلمية والإدارية .

المحور الثانى : مشروع قانون الجامعات الأهلية – تعليق – .
مشروع القانون الذى انتهى إليه المجلس للموافقة عليه كقانون ينظم الجامعات الأهلية جاء فى إحدى عشر مادة أضافة إلى قانون رقم 101 لسنة 1992 ، وهنا سنعلق على المواد التى نرى فيها إشكالية :

المادة الثانية عشر : تقر هذه المادة زيادة المركزية فى قرار إنشاء الجامعة حيث تتطلب موافقة رئيس الجمهورية ، وهو ما يمكن تفديه وتخفيف ذلك بمجرد إخطار الوزير والموافقة عليها بعد توافر شروطها طالما أنطبقت عليها وفقاً للقانون .

المادة الرابعة عشر : أتجه رأى لزيادة المركزية حيث ينص مشروع الحكومة على موافقة رئيس الوزارء على ما تقدمه الدولة من تخصيصات للجامعات ، واضاف رأى المجلس فوق ذلك أن يعرض ذلك وزير التعليم العالى على مجلس الوزراء وهو ما يدعو للريبة وخاصة أنه غالباً ما يأتى وزيراً من أساتذة الجامعات لهذا المنصب وهو ما يسمح لتصفية الحسابات بين أساتذة الجامعات .

المادة السادسة عشر : الخاصة بتشكيل مجلس الأمناء نصفه من ترشيحات المؤسسة طالبت الإنشاء وموافقة الوزير ونصفه الآخر يختاره الوزير وممثل للحكومة إذا قدمت عوناً للجامعة وبالتالى أصبح المجلس كله حكومياً فموافقة الوزير شرط لتأسيس مجلس الأمناء .

وهو ما يتنافى مع مبادئ الجامعات الأهلية فى استقلالها وحريتها فى البحث العلمى وإدارتها وبالتالى أعتقد أن مشروع أفرغ من مضمونه بسبب هذه المادة ، أما عن ممثل الحكومة فى حال تقديم العون فهو المفترض فى الحكومة وليس هناك داعى لذلك .

المادة الثامنة عشر : الخاصة بتأسيس مجلس للجامعات الخاصة والأهلية برئاسة وزير التعليم العالى وهذا المجلس له اختصاصات سحب كافة الحقوق التى كانت من الممكن أن تتمتع بها هذه الجامعات من إدارة وتقييم ودراسة التقارير الخاصة بأنشطة الجامعات ، وهنا هذه المادة وسابقتها تنهى الأمل المتبقى فى مشروع القانون التى لطالما كنا نحلم به حيث تحولت الجامعات الأهلية بأختصار إلى طريقة فى البحث عن مصادر تمويل لتأسيس الجامعات بعيداً عن كاهل الحكومة حيث من المتوقع أن يعدل القانون بعد فترة يحدد فيها مجالات التى من الممكن تعمل بها ووقتها سيكون المبرر دعم خطط تنمية الدولة .

المادة التاسعة عشر : والخاصة بالصندوق المزمع إنشاؤها لاستثمار المخصصات المالية للجامعات الأهلية وهو ما يعانى لخضوعها لقواعد السوق وبالتالى الخسارة متوقعة قبل المكسب ووقتها لن يستطيع أحد أن يحاسب أى مسئول عن هذه الخسائر لخضوعها لقاعدة المكسب والخسارة .

إعداد الباحث / رامى حافظ