6/3/2009

أعاد حادث الحسين الأخير إلى الذاكرة أحداث كنا نظن أن الزمن طواها ، وجدد أوجاع اعتقدنا طويلا أنها قد شفيت نتيجة مجهودات وتضحيات كبيرة من المجتمع بمؤسساته الفكرية والدينية والأمنية والسياسية ، وأثار الحادث تساؤلات عن مدى صحة تراجع واندحار التنظيمات المتطرفة في المجتمع المصري والقضاء على الفكر الظلامي الذي يستهدف ضرب السياحة المصرية الرافد الأهم من روافد الاقتصاد الوطني .

ومن هنا وفي إطار الاهتمام بقضية الإرهاب والعنف في المجتمع ، والعمل على تعزيز السلام المجتمعي بما يصب في صالح التنمية الشاملة ، عقدت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة منف للتنمية السياحية والثقافية والبيئية ندوة تحت عنوان ” مستقبل السياحة المصرية بين الإرهاب والسلام المجتمعي ” وذلك يوم الخميس الموافق 5 مارس 2009 بأحد فنادق الجيزة .

وقد تحدث في الندوة كلا من الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام والمتخصص في الحركات الإسلامية ، والمستشار الدكتور محمد ياسر أبو الفتوح رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة بالمحلة والخبير في إدارة الأزمات الناجمة عن الإرهاب والمستشار بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ، بالإضافة إلى الأستاذ أيمن عقيل رئيس مجلس أمناء مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ، والأستاذ وائل كرم رئيس مجلس أمناء مؤسسة منف للتنمية السياحية والثقافية والبيئية , أدار الندوة الأستاذ ولاء جاد الكريم المدير التنفيذي لمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان

وبدأت فعاليات الندوة بكلمة افتتاحية للأستاذ أيمن عقيل رئيس مجلس أمناء مؤسسة ماعت ، أكد فيها على العلاقة العكسية بين الإرهاب والسلام المجتمعي ، وبين الإرهاب والتنمية السياحية على وجه الخصوص ، كما تطرق إلى ضرورة عمل منظمات المجتمع المدني معا بشكل تشابكي في إطار نشر السلام المجتمعي والتوعية بخطورة الإرهاب على مسيرة التنمية الشاملة ، وأوضح عقيل أن مكافحة الإرهاب لم تعد مسألة أمنية فقط ولكنها مسئولية مشتركة بين المجتمع المدني والأمن والمنظمات السياسية والتشريعية والإعلامية والتعليمية في المجتمع ، لافتا النظر إلى أن الدور المحوري لمنظمات المجتمع المدني في هذا الجانب يتمثل في مساعدة وتنمية الأسر الفقيرة والجماعات المهمشة في المجتمع والعمل على دمجها فيه باعتبار أن هذه الجماعات والأسر وبحكم ظروفها الاقتصادية والاجتماعية تمثل بيئة مثالية لنمو وتكاثر جراثيم التطرف والعنف ، مشيرا الى أن هذا الأمر ضرورة تقتضيها متطلبات التنمية الشاملة من ناحية والأمن القومي والاجتماعي من ناحية أخرى ،

وضرب رئيس مجلس أمناء ” مؤسسة ماعت بمشروع السلام المجتمعي الذي ينفذه ماعت ويهدف الى إعادة دمج وتأهيل أسر السجناء في المجتمع المصري وتغيير نظرة المجتمع اليهم حتى لا يتحولوا بفعل هذه النظرة وبفعل النبذ والتهميش الاجتماعي الى قنابل موقوتة تنفجر في جسد المجتمع .

ثم تحدث الأستاذ وائل كرم رئيس مجلس أمناء مؤسسة منف عن الأوضاع السياحية في مصر وضرورة إيلاء الاهتمام اللازم بالحفاظ على هذا المورد الحيوي من موارد الدخل القومي ، مؤكدا على الدور المحوري لمنظمات المجتمع المدني التنموية والحقوقية في هذا الأمر .

ثم تحدث المستشار الدكتور محمد ياسر أبو الفتوح ، الذي قدم خلفية تاريخية عن العمليات الإرهابية في مصر التي استهدفت السياح الأجانب منذ عام 1992 وحتى الآن ، شارحا تأثيرها السلبي على الحركة السياحية وأعداد السائحين الوافدين إلى مصر ، وقد ركز في حديثه على حادث الأقصر عام 1997 باعتباره علامة فارقة ودليل قاطع على الأثر التدميري الفوري للعمليات الإرهابية على التنمية السياحية ، وأكد أبو الفتوح على أن الحوادث الفردية الأخيرة منذ عام 2005 وحتى الآن لم يكن لها نفس التأثير وإن كانت قد خفضت من نسب إشغال الفنادق في المناطق التي استهدفت خاصة طابا وشرم الشيخ .

وأعرب أبو الفتوح عن تفاؤله بقدرة القطاع السياحي المصري على عبور الأزمة الحالية التي قد تنجم عن حادث الحسين الأخير إذا ما توافر التكاتف اللازم بين الحكومة والقطاع الخاص والقطاع الأهلي في هذا الصدد ، مشيرا إلى المقومات السياحية التي تمتلكها مصر ولم تستغل الاستغلال الأمثل حتى الآن ضاربا مثالا بوجود 100 موقع أثري في محافظة الشرقية وحدها ورغم ذلك فالمحافظة غير مسوقة سياحيا بالشكل الملائم .

وأوضح الدكتور عمرو الشوبكي الخبير في الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أن الحوادث الإرهابية في مصر ليس مسئولا عنها التنظيمات الإرهابية التقليدية كالقاعدة والجهاد والجماعة الإسلامية ، ولكنها جرائم يرتكبها أفراد أو خلايا تنظيمية صغيرة متأثرة ببعض الأفكار الهدامة والتفسيرات الدينية الخاطئة ، ومستفيدة بسهولة الحصول على المعرفة الفنية المتعلقة بتصنيع المتفجرات والقنابل البدائية من خلال شبكة المعلومات الدولية وغيرها من مصادر المعرفة الرخيصة ، ووصف الشوبكي هذه العمليات بالإرهاب العشوائي .

وأشار الشوبكي إلى أن هذا النوع من الإرهاب قد يفوق في خطورته الإرهاب المنظم ، حيث أن الشباب المنفذ لهذه العمليات غالبا ما يكون محدود العلم والثقافة ولم يقرأ حتى للمرجعيات الفكرية لجماعات العنف السياسي والديني كما كان الحال في الأجيال السابقة من أعضاء التنظيمات المسلحة ، وبالتالي فما أسهل استمالتهم لتنفيذ أعمال تخريبية متنوعة خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي يعانونها ، وحذر الدكتور عمرو الشوبكي من أن هذه العملية لن تكون الأخيرة إذا لم يتم تدارك مسبباتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتشريعية .

وقد كشفت فعاليات الندوة عن أن الإرهاب ومواجهته لم يعد مسئولية الأجهزة الأمنية وحدها ، ولكنه مسئولية مشتركة بين كافة أطراف المجتمع ، كما كشفت المناقشات عن أن استمرار حالة الطوارئ لم يعد الضمانة الكافية للقضاء على الإرهاب ، والحل يتمثل في إصدار تشريع يوازن بين حرية الفرد وأمن المجتمع ولا يتناقض مع مواثيق وعهود حقوق الإنسان ، ولا يخصم من رصيد الحريات التي يمنحها الدستور للمواطنين ن كذلك كشفت الندوة عن أننا نعاني من مشكاة في تسويق مقوماتنا السياحية الهائلة الكفيلة بجذب أضعاف المعدلات الحالية للسائحين الأجانب ، وأخيرا فقد وضعت الندوة أيدينا على مشكلة جوهرية تتمثل في أنه رغم قدرتنا على القضاء على إرهاب التنظيمات إلا أننا لم نقضي بعد على العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية القادرة على إفراز أجيال من الإرهابيين بالفطرة .

مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية
مؤسسة ملف التنمية

[an error occurred while processing this directive]