8/1/2007
يعد الدستور بمثابة القانون الأساسي لأي دولة وهو الذي يتربع على قمة تنظيمها القانوني ، ويلقى من السمو ما لا تلقاه أي قاعدة قانونية أخرى تأتى في المرتبة التالية بعده ، ويرتبط ذلك السمو بما يحويه الدستور من تنظيم لسلطات الدولة العليا واختصاصاتها وحدودها وضوابطها من ناحية وعلاقتها بالمواطنين وحقوقهم من ناحية أخرى . اى أن المفهوم الايدلوجى للدستور يعنى تلك الوثيقة التي تحوى فلسفة الدولة التي تنبثق من مجموعة العقائد والقيم المتصلة بتراث شعبها الحضاري و التي تساهم في وضع تصور شامل لإطار حركة الجماعة السياسية فيها وتحديد معالمها و أهدافها على المدى الزمني التي يرى الشعب فيه صلاحية هذه الأيدلوجيات للتطبيق. ولا يعنى ذلك أن الدساتير تنأى عن فكرة الأبدية ، فالمتغيرات الحياتية عالمية أو محلية إحدى العوامل الرئيسية وراء عمليات التعديل الدستوري التي قد تصل بها إلى مرحلة الثورة الدستورية على كل الأيدلوجيات السابقة ، ومعيار تقييم محصلات هذا التعديل يكمن في الكيفية التي جاء على خلفيتها، فان كان نتاج عملية ديمقراطية واعية شاركت فيه كل القوى الوطنية صار الأمر خطوة صحيحة على درب الإصلاح وان كان دون ذلك فان تراجع خطا التنمية سيكون المحصلة. ومن هذا يمكن القول بان التجربة الدستورية المصرية كأنموذج من نماذج التغيير المطروحة كان احد أسبابها الرئيسية المتغيرات التي تشهدها الساحة المحلية المصرية والعالمية ككل ، وهى التي جعلت من الإصلاح الدستوري أمرا بات ضروريا ، فالدستور المصري الحالي- الصادر في عام 1971 – صار يعانى من فجوة بين نصوصه ومقرراته وواقع حال التجربة السياسية المصرية على ارض الواقع ، ليس على خلفية مدى ديمقراطية ما يمنحه الدستور من حقوق و حريات للشعب فقط ، ولكننا نعنى أزمة نصوص عجزت عن مواكبة و ملاحقة تطورات هامة على الصعيد الدولي و الداخلي. و إذا كانت الساحة السياسية المصرية قد شهدت جدلا واسعا حول ماهية الإصلاح الدستوري الذي يحتاجه المناخ المصري وما إذا كان الدستور المصري يعانى أزمة في بعض نصوصه فقط أم أن مسألة الإصلاح تعدت إلى احتياج تغيير دستور71 بأكمله وهو الرأي الذي تبنته معظم القوى الوطنية، فان الموقف الرسمي المعلن للحكومة وللسيد رئيس الجمهورية على الأخص قد حسم الجدل لصالح مسألة إجراء تعديلات دستورية فقط لا غير . وهى خطوة في حد ذاتها داعمه لخطى الإصلاح إذا تمت على خلفية إيمانا حقيقيا بان جوهر الأنظمة الدستورية يعنى بدولة المؤسسات . و إذا كان دستور 1971 في المادة 189 منه قد أعطى الحق لرئيس الجمهورية في طلب تعديل مادة أو أكثر منه ، فتثور الإشكالية الحقيقية في مدى أحقية رئيس الجمهورية في تعديل ” 34 مادة” كاملة من الدستور وفقا لما هو حادث فعلا ، خاصة وان طلب التعديل المقترح يشمل موادا تمس نظام الحكم في أدق تفاصيله وفلسفة الدولة في ادراة مواردها واقتصادها وملكية الشعب و الحقوق والحريات العامة مما يعنى أن الأمر في حقيقته تخطى التعديل إلى وضع دستورا جديد ولكن بذات إجراءات تعديل الدستور وهو أمر لم يشهد له الفقه الدستوري مثيلا ، ولا يقدح في شرعية هذا التعديل الحسبان لضمانة كون البرلمان هو المقر لهذه التعديلات- فهناك فرق كبيرا بين مسألة تعديل الدستور من ناحية ومسألة وضع دستورا جديدا من ناحية أخرى – الأمر الذي يتجاوز إلى حتمية وجود جمعية تأسيسية معبرة عن كافة قوى الشعب تكون هي المنوطه بوضع الدستور الجديد ، حتى يمكن القول بان هذا الدستور كان نتاج عملية ديمقراطية فعلية ونتاج رؤية شعبية حقيقية تعبر عن الفلسفة التي ارتضى الشعب اعتناقها هذا- على صعيد ، وعلى صعيد آخر فان البرلمان المصري في وضعة الحالي لا يعبر في الواقع عن توازن سياسي في تمثيل كافة الأطياف الشعبية ، فأزمة تشكيله تأتى في ظل وجود أغلبية للحزب الحاكم تجاوز 75% من أعضائه جعلت من ضمانة إقراره لتعديلات دستورية ل 34 مادة منه كاملة – ضمانة غير ذات تأئير وفعالية لصون الحقوق والحريات العامة ، وليس أدل على ذلك ما حدث عند تعديل المادة 76 و إقرار البرلمان لها على الرغم من كل ما شابها من عوار ورفضا عاما وكان احد الأسباب الداعية وراء طلب تعديلها مرة أخرى . و إذا تجاوزنا مسألة شرعية تعديل ؛؛ 34 مادة ؛؛ من الدستور يبقى الحديث عن رؤية الحزب الحاكم للمواد المقترح تعديلها وفقا لما صرحت به الجهات الرسمية ، مما يستوجب منا تفنيد لتلك المواد كلا منها على حدا:-
|