8/1/2007

يعد الدستور بمثابة القانون الأساسي لأي دولة وهو الذي يتربع على قمة تنظيمها القانوني ، ويلقى من السمو ما لا تلقاه أي قاعدة قانونية أخرى تأتى في المرتبة التالية بعده ، ويرتبط ذلك السمو بما يحويه الدستور من تنظيم لسلطات الدولة العليا واختصاصاتها وحدودها وضوابطها من ناحية وعلاقتها بالمواطنين وحقوقهم من ناحية أخرى .

اى أن المفهوم الايدلوجى للدستور يعنى تلك الوثيقة التي تحوى فلسفة الدولة التي تنبثق من مجموعة العقائد والقيم المتصلة بتراث شعبها الحضاري و التي تساهم في وضع تصور شامل لإطار حركة الجماعة السياسية فيها وتحديد معالمها و أهدافها على المدى الزمني التي يرى الشعب فيه صلاحية هذه الأيدلوجيات للتطبيق.

ولا يعنى ذلك أن الدساتير تنأى عن فكرة الأبدية ، فالمتغيرات الحياتية عالمية أو محلية إحدى العوامل الرئيسية وراء عمليات التعديل الدستوري التي قد تصل بها إلى مرحلة الثورة الدستورية على كل الأيدلوجيات السابقة ، ومعيار تقييم محصلات هذا التعديل يكمن في الكيفية التي جاء على خلفيتها، فان كان نتاج عملية ديمقراطية واعية شاركت فيه كل القوى الوطنية صار الأمر خطوة صحيحة على درب الإصلاح وان كان دون ذلك فان تراجع خطا التنمية سيكون المحصلة.

ومن هذا يمكن القول بان التجربة الدستورية المصرية كأنموذج من نماذج التغيير المطروحة كان احد أسبابها الرئيسية المتغيرات التي تشهدها الساحة المحلية المصرية والعالمية ككل ، وهى التي جعلت من الإصلاح الدستوري أمرا بات ضروريا ، فالدستور المصري الحالي- الصادر في عام 1971 – صار يعانى من فجوة بين نصوصه ومقرراته وواقع حال التجربة السياسية المصرية على ارض الواقع ، ليس على خلفية مدى ديمقراطية ما يمنحه الدستور من حقوق و حريات للشعب فقط ، ولكننا نعنى أزمة نصوص عجزت عن مواكبة و ملاحقة تطورات هامة على الصعيد الدولي و الداخلي.

و إذا كانت الساحة السياسية المصرية قد شهدت جدلا واسعا حول ماهية الإصلاح الدستوري الذي يحتاجه المناخ المصري وما إذا كان الدستور المصري يعانى أزمة في بعض نصوصه فقط أم أن مسألة الإصلاح تعدت إلى احتياج تغيير دستور71 بأكمله وهو الرأي الذي تبنته معظم القوى الوطنية، فان الموقف الرسمي المعلن للحكومة وللسيد رئيس الجمهورية على الأخص قد حسم الجدل لصالح مسألة إجراء تعديلات دستورية فقط لا غير . وهى خطوة في حد ذاتها داعمه لخطى الإصلاح إذا تمت على خلفية إيمانا حقيقيا بان جوهر الأنظمة الدستورية يعنى بدولة المؤسسات .

و إذا كان دستور 1971 في المادة 189 منه قد أعطى الحق لرئيس الجمهورية في طلب تعديل مادة أو أكثر منه ، فتثور الإشكالية الحقيقية في مدى أحقية رئيس الجمهورية في تعديل ” 34 مادة” كاملة من الدستور وفقا لما هو حادث فعلا ، خاصة وان طلب التعديل المقترح يشمل موادا تمس نظام الحكم في أدق تفاصيله وفلسفة الدولة في ادراة مواردها واقتصادها وملكية الشعب و الحقوق والحريات العامة مما يعنى أن الأمر في حقيقته تخطى التعديل إلى وضع دستورا جديد ولكن بذات إجراءات تعديل الدستور وهو أمر لم يشهد له الفقه الدستوري مثيلا ، ولا يقدح في شرعية هذا التعديل الحسبان لضمانة كون البرلمان هو المقر لهذه التعديلات- فهناك فرق كبيرا بين مسألة تعديل الدستور من ناحية ومسألة وضع دستورا جديدا من ناحية أخرى – الأمر الذي يتجاوز إلى حتمية وجود جمعية تأسيسية معبرة عن كافة قوى الشعب تكون هي المنوطه بوضع الدستور الجديد ، حتى يمكن القول بان هذا الدستور كان نتاج عملية ديمقراطية فعلية ونتاج رؤية شعبية حقيقية تعبر عن الفلسفة التي ارتضى الشعب اعتناقها هذا- على صعيد ، وعلى صعيد آخر فان البرلمان المصري في وضعة الحالي لا يعبر في الواقع عن توازن سياسي في تمثيل كافة الأطياف الشعبية ، فأزمة تشكيله تأتى في ظل وجود أغلبية للحزب الحاكم تجاوز 75% من أعضائه جعلت من ضمانة إقراره لتعديلات دستورية ل 34 مادة منه كاملة – ضمانة غير ذات تأئير وفعالية لصون الحقوق والحريات العامة ، وليس أدل على ذلك ما حدث عند تعديل المادة 76 و إقرار البرلمان لها على الرغم من كل ما شابها من عوار ورفضا عاما وكان احد الأسباب الداعية وراء طلب تعديلها مرة أخرى .

و إذا تجاوزنا مسألة شرعية تعديل ؛؛ 34 مادة ؛؛ من الدستور يبقى الحديث عن رؤية الحزب الحاكم للمواد المقترح تعديلها وفقا لما صرحت به الجهات الرسمية ، مما يستوجب منا تفنيد لتلك المواد كلا منها على حدا:-

  • بداءة عبرت تصريحات السيد رئيس الجمهورية عن أن الغرض الاساسى من اقتراح التعديل هو تحقيق التلاؤم بين نصوص الدستور و الأوضاع الاقتصادية والسياسية المعاصرة بحيث لا يفرض الدستور على المجتمع نظاما اقتصاديا معينا لا يتأتى العدول عنه إلا بتعديل نصوصه ، فلذلك كانت أول المواد المقترح تعديلها تلك التي تضمنت توجها اشتراكيا وهي المواد 1، 4، 12 الفقرة الأولى و 24، 30 ،33، 37 ، 56 الفقرة الثانية ، 59 ، 73 ،180 الفقرة الأولى ، على أن يتم إعادة صياغة المادة الأولى بما يؤكد علي تأجيل مبدأ المواطنة بديلا عن عبارة قوى الشعب العاملة
    والحقيقة أن التعديلات المطلوب إدخالها على هذه المواد طبقا لما هو مطروح وان كانت في جزء منها تمثل احتياجا حقيقيا خاصة وان التأكيد على مبدأ المواطنة من الأمور التي بات التأكيد عليها أمرا ضروريا إذا وضعنا في الاعتبار ما شهدته الساحة مؤخرا من أزمة على هذا الصعيد إلا انه من ناحية أخرى فان التخلي عن مبدأ الفلسفة الاشتراكية يقتضى تبنى توجها فلسفيا و أيدلوجية مغايرة لا يسع جهة واحدة وهى الحزب الحاكم أو حتى رئيس الجمهورية تبنيها بمفردة دون إشراك باقي الأطياف الوطنية والشعبية الأخرى ، خاصة وان تبعاتها لن تقع على جهة بذاتها ولكنها ستطال الشعب بأكمله ، فمازال الطرح حول مدى احتياج الاقتصاد المصري إلى القطاع العام والدعم الاقتصادي لمتوسطي و محدودي الدخل وبعض مظاهر النظام الاشتراكي يعد ضربا من ضروب الاختلاف على الرغم مع التوجه الحكومي الشديد ناحية سياسات الخصخصة ، و التي مازالت تلقى رفضا شعبيا لها، وعلى ذات الصعيد لا يمكن للدولة أن تتجاوز مسألة تحديد فلسفتها في إدارة اقتصادها بترك الأمر مفتوحا دون تبنى أيدلوجية محددة وهو ما تضعنا فيه إشكالية هذا التعديل المنفرد ، كما أن بعض المواد التي ستحذف منها الفقرات ذات التوجه الاشتراكي لم يتم التصريح بعد عن الصياغة البديلة المطروحة لها خاصة أن منها ما يتعلق بوضعية تنظيم بعض الحقوق والحريات العامة مثل نص المادة 56 من الدستور المنظمة للحق في إنشاء النقابات و الأتحادات مما يشكل تخوفا عاما من أن تنال الصياغة الجديدة لتلك المادة في حال إضافة فقرة لها أو أكثر من ذلك الحق ، ليأتي الدستور في توجهه العام على غرار ما أتى به القانون رقم 100 لسنة 1993 المنظم لهذا الحق – في وضع القيود والعراقيل للحيلولة دون مشاركة فعالة للنقابات في الدور الوطني ،إلا أن مناط هذا التوجه آنذاك سيكون الدستور نفسه ليضحى الباب أمام كل إمكانية للطعن بعدم الدستورية على ما ورد بثمة نصا قانونيا يقيد ممارسة هذا الحق سواء في القانون رقم 100أو غيره،غير ذي سند لان مرجعية تلك القيود سيكون آنذاك ما ورد بالدستور نفسه.
  • أما ما ورد بشأن تعديل المادة 5 بإضافة ما يعنى بالتأكيد على الثوابت التي تحكم الشخصية المصرية و بما يرسخ مبدأ عدم التفرقة بين المواطنين بسبب الدين أو الأصل أو الجنس فانه يعد تكرار لما ورود بنص المادة 40 ولا حاجة لوروده في في تلك المادة التي تعنى بتنظيم أمرا مغايرا إلا وهو الحق في تكوين الأحزاب ، إلا إذا حمل التعديل بين طياته قيدا أخر على حرية تكوين الأحزاب وهو ما يرسخه التعديل وفق الصيغة المقترحة بإضافة فقرة ثالثة لتلك المادة الهدف منها حظر مباشرة اى نشاط سياسي أو حزبي أو قيام الأحزاب على أساس الدين أو الجنس أو الأصل مما يعنى أن الحظر وفق ما هو مقترح لن يشمل تكوين الأحزاب فقط ولكنه سيطال الحق في ممارسة النشاط الحزبي والسياسي ككل مما يشكل انتقاصا و قيدا على الحق في الممارسة السياسية التي كفلتها كافة المواثيق الدولية ، فمن الجائز مثلا في العديد من نماذج الدول المدنية الديمقراطية ذات التجارب الحزبية الكبيرة وجود أحزاب شرعية و رسمية ذات مرجعية دينية وهو ما تضعه الفقرة المقترح إضافتها ضمن الأمور المحظورة دستوريا ، ليضحى جليا أن تعديل هذه المادة تم على خلفية سياسية أكثر منه توجها اصطلاحيا .
  • والحقيقة أن تلك التعديلات في أحدى أعمق نقاط ضعفها تناولت مسألة أحقية رئيس الجمهورية في إعلان حالة الطوارئ طبقا لما ورد بنص المادة 74 من الدستور باقتراح تعديلها بإضافة ضمانة أخرى أنها غير فعالة لها ، إلا وهى كون الخطر الذي يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري يجب أن يكون (حالا وجسيما) هذا من ناحية – ومن ناحية أخرى النص على وجوب التشاور مع رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلس الشعب والشورى قبل أن تتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ، ففي معرض تقييم هذا الضمانة – التي وان كانت في جزء منها امرا مهما وهو ذلك المعني بوجوب اشتراط كون الخطر حال وجسيما – لتجنب استمرا العمل بقوانين الطوارئ مثلما هو حادث فعلا ألان ، إلا أن مسألة تقدير كون الخطر حالا وجسيما مازال من صلاحيات رئيس الجمهورية منفردا لا سيما أن مسألة وجوب التشاور مع رئيس مجلس الوزراء ورئيسي و مجلسي الشعب والشورى أمرا قانونيا لا قيمة له لان الإلزام القانوني سيكون في وجوب العرض عليهم دون حتمية الأخذ بما يتنهى إلية هذا التشاور ، لهذا لم تتطرق المادة مثلا لماهية الحكم الدستوري في حالة وقوع خلاف بين وجهات النظر- على فرض حدوثه – بين كل من رئيس الجمهورية من ناحية ورئيس مجلس الوزراء مجلسي الشعب والشورى من ناحية أخرى مما يعنى أن رأيهم في تلك الحالة سيكون رأيا استشاريا غير ذي إلزام قانوني، والحقيقة أن تعديل تلك المادة كان احد العناصر الرئيسية في البرنامج الانتخابي للسيد رئيس الجمهورية والذي حمل رؤية الحزب الحاكم للاصلاح في الفترة القادمة والذي شمل ايضا التصريح بإصدار قانون جديد للإرهاب سيكون بديلا عن استمرار إعلان حالة الطوارئ والعمل بموجب قوانينها ، هذا بجانب ما تناوله الإعلان عن إضافة مادة جديدة في الدستور عوضا عن المادة 179 الخاصة بنظام المدعى العام الاشتراكي تعنى بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه ، مما يعطى لهذه المادة أهمية كبيرة لا سيما وان الفقه المصري و الدولي أيضا مازال يعانى خلافا شديدا حول مفهوم الإرهاب وتحديد عناصره فكيف الأمر مع النص عليه في الدستور دون وجود مرجعية فقهية تحدد مفهومة القانوني ودون ضمانة فعلية للصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية طبقا لنص المادة 74 من الدستور الذي جاء اقتراح تعديلها طبقا للتصريحات الرسمية يكرس تراكما امنيا قد يشكل خطرا حقيقيا على الحقوق والحريات العامة لا سيما في الدستور نفسه.
  • وفى ذات التوجه السابق لرؤية التعديل و الإصلاح التي تبناها الحزب الحاكم “الحزب الوطني ” يمكن استقراء مصير المادة 82 من الدستور وهي تلك – المتعلقة بتعين رئيس الجمهورية لنائبناً له في الحكم – وضعها موضع التنفيذ بأنه أمرا بات شبه محسوما ببقاء الوضع كما هو عليه دون تعيين نائب لرئيس الجمهورية وليس أدل على ذلك من شمول لمقترحات التعديل المواد 84 ، 85 ايضا ليحل محلها نصوصا تسمح بحلول رئيس مجلس الوزراء محل رئيس الجمهورية في ممارسة اختصاصاته عند تعذر حلول نائب رئيس الجمهورية في تلك الحالات دون أن يباشر من يحل محل الرئيس السلطات بالغة الأثر في الحياة السياسية كإقالة الحكومة وحل مجلس الشعب وطلب تعديل الدستور، وإذا كنا بصدد تقييم ما يقدمه اقتراح تعديل تلك المواد من دعم لمسيرة الإصلاح الدستور ، فنرى أنها فعليا تشكل تراجعا لها مقارنه بوضعية النص الحالي الذي خول لرئيس مجلس الشعب رئاسة الدولة في حال خلو منصب رئيس الجمهورية و من بعده رئيس مجلس المحكمة الدستورية العليا إذا ما كان مجلس الشعب منحلا ، لأنه تكريسا لمبدأ الشرعية- فان الشعب هو صاحب السيادة وهو من انتخب رئيس الجمهورية وخوله هذا المنصب هذا من ناحية – ومن ناحية أخرى فان البرلمان هو الممثل الشرعي للشعب – فطبقا لذلك يكون رئيس مجلس الشعب هو المنوط الأجدى بزمام أمور البلاد في حال خلو منصب رئيس الجمهورية و إلا عد الأمر خروجا عن الشرعية ، ولهذا فان تعديل هذه المادة بالكيفية التي تم التصريح عنها يفتح المجال أمام سؤال جوهري عن الدافع الحقيقي وراء التعديل لاسيما أن لم يكن الأمر كما هو واضح لدفع مسيرة الإصلاح الدستوري ؟؟؟ !!!
  • كما تضمنت المواد المقترح تعديلها المادة 88 التي تناولت إحالة تنظيم الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الشعب إلى القانون ، كما تناولت مسألة الإشراف القضائي على الانتخابات ، ونحن نرى أن هذه المادة إذا كانت في حاجة إلى تعديل فسيكون بما يضمن فاعلية الإشراف القضائي على العملية الانتخابية بكاملها بدأ من مسألة تنقية الجداول ووصولا إلى إعطاء القضاء الأحقية في نظر الطعون المتعلقة بصحة عضوية أعضاء مجلس الشعب وهو ما يستلزم تعديل المادة 93 من الدستور التي أعطت هذه الصلاحية لمجلس الشعب وحده دون القضاء ، إلا أن التعديل المقترح لم يمس اى من تلك سواء من قريب أو بعيد ولكن على العكس حمل بين طياته تقليلا لصلاحية القضاء في الإشراف على العملية الانتخابية بالنص صراحة على وجوب إجراء الانتخابات في يوم واحد ، وطبقا لأعداد القضاة يصبح من المستحيل أن يكون لهم ثمة إشرافا كاملا على العمليات الانتخابية داخل اللجان الفرعية والرئيسية معا لا سيما وان التعديل المقترح لهذه المادة سيشمل النص على زيادة أعداد اللجان الانتخابية وهو أمرا لا حاجة للنص عليه داخل الدستور فالمنوط به طبقا لما جرى عليه الفقه القانوني- القوانين الأساسية أو القوانين العادية . ولا يقدح في ذلك التصريح بإنشاء لجنة قضائية خاصة للأشراف على الانتخابات لان ملامح تشكيلها لم يتم التصريح عنه بعد ، إلا انه يجب أن نضع نصب أعيينا أن رؤساء الهيئات القضائية في القانون المصري معينين من قبل رئيس الجمهورية ولن يخرج تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات من تضمينها رؤساء الهيئات القضائية ، فما هي الضمانة الفعلية لحياد هذه اللجنة ، خاصة وان مسألة نزاهة وحياد الانتخابات مسألة ترتبط ارتباطا وثيقا بالعملية الديمقراطية في أي دولة .
  • ومن الجدير بالذكر انه باستقراء التعديلات الدستورية المقترحة يتضح أنها تتبنى توجها نحو تقليص علاقة السلطة القضائية بالعملية الانتخابية على وجه العموم من ناحية الإشراف على العملية الانتخابية طبقا لما ذكرناه أنفا على صعيد ، وعلى صعيد آخر فيما يتعلق بتشكيل المجلس الأعلى للقضاء الذي أحالت في تنظيمه المادة 173 من الدستور إلى القانون ،و إذا كانت المواد المقترح تعديلها قد شملت هذه المادة فهي لم تأتى بجديد سوى النص على تشكيلا جديد للمجلس الأعلى للقضاء في الدستور ذاته بدلا من في تشكيلة فيه للقانون ليضم بين طياته رؤساء الهيئات القضائية المعينين ، والحقيقة أن في ذلك تجاهل واضح لمطالب قطاعا عريضا لأعضاء السلطة القضائية نفسها وكثير من القوى الوطنية باقتراح آلية الانتخاب كوسيلة لاختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى الممثل الرسمي لهذه السلطة ، كما أبقى المقترح الجديد أيضا لهذه المادة على رئاسة رئيس الجمهورية لهذه السلطة ولمجلس القضاء الأعلى طبقا للتشكيل الجديد ليظل ضمانة استقلال السلطة القضائية وهى احد أركان مشروعية وديمقراطية اى نظام بلا تعديل يضمن توجها حقيقيا ناحية خطى الإصلاح الدستوري الفعلي .
  • وأخير فانه باستقراء ملامح التعديلات الدستورية المطروحة نرى انه يبرز اكبر توجهاتها في تلك المتعلقة برسم علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية وربما يسعنا القول إنها قلب التعديل الحقيقي الذي يحمل بين طياته ربما ثمة إصلاح دستوريا حقيقيا ، و الذي يشمل تعديل الماد ة 115 بشأن إعطاء صلاحيات رقابية أوسع للبرلمان على الميزانية العامة وصولا إلى الحق في تعديلها دون إقراراها فقط كما هو مقرر في النص الحالي لهذه المادة ، وكذلك المادة 118 المقترح فيها تقليل المدة بين نهاية السنة المالية والمدة الواجب فيها عرض الحساب الختامي لميزانية الدولة على البرلمان، حيث أن مدة السنة المقررة في النص الحالي مدة طويلة تؤخر رقابة البرلمان على كيفية تنفيذ الحكومة للميزانية ، و أيضا نص المادة 127 المعنى بتخفيف إجراءات تقرير مسئولية رئيس الوزراء أمام البرلمان بحيث يكون لمجلس الشعب دورا اكبر في سحب الثقة من الحكومة دون حاجة للجوء إلى الاستفتاء ، والمادة 133 التي سيضاف إليها جزئية خاصة تعنى بوجوب ان يقدم رئيس مجلس الوزراء خلال فترة قصيرة من تشكيل الحكومة برنامج وزارته إلى مجلس الشعب الذي له الحق في قبوله أو رفضه على أن تحدد تلك المادة الأحكام الدستورية المترتبة على رفضه لبرنامج الحكومة.
  • و إذا كنا بصدد التعليق علي اضعف مادة من المواد التي سيشملها هذا التعديل فاننا نري انها تلك المتعلقة بتنظيم علاقة البرلمان بالسلطة التنفيذية – الا وهي تلك المادة 136والتى طبقا للتصريحات الرسمية سيتم تعديلها على نحو يسمح لرئيس الجمهورية بحل مجلس الشعب دون حاجة لاستفتاء الشعب ، فإذا كان من يملك انتخاب البرلمان هو الشعب بنفسه باعتباره الممثل الشرعي له فأنى يكون لغيره الحق في إقرار حله ؟
  • فإذا كان مقبولا ذلك التعديل الذي يسمح للبرلمان بسحب الثقة من الحكومة دون اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي لأنه طبقا لمبدأ الديمقراطية النيابية فان البرلمان هو المعبر الشرعي والوحيد عن الشعب ، ومن هنا قد تنبع عدم الحاجة إلى الاستفتاء الشعبي عند سحب الثقة من الحكومة لأنها متوفرة فعلا في إقرار البرلمان لها بمفرده ، أما تخويل مثل هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية وحدة فانها مسألة محل نظر ومراجعة لأنها قد تنال من شرعية هذا التعديل بأكمله لما فيها من خروجا عما هو مقرر في الفقه الدستوري والأعراف الدستورية بما يشكل انتهاكا للشرعية التي حرصت كل النظم الديمقراطية على كفالتها .
  • ومن الجدير بالذكر أن بعض التعديلات المقترحة قد حملت بين طياتها توجهات محمودة مثل تلك الذي عنت بمنح مجلس الشورى مزيدا من الاختصاصات التشريعية الموسعة عما هو كائن بالفعل طبقا للمواد 194 ، 195 ، 205، كذا ما جاء بشأن تقوية دور مجلس الوزراء وتوسيع الاختصاصات المقررة للحكومة إلى جوار ما هو مقرر أصلا وذلك بإضافة فقرات للمادة 138 ، و141 التي تنظم اشتراك رئيس الجمهورية مع مجلس الوزراء في وضع السياسة العامة وتنفيذها ، و أيضا تعيين الوزراء ونوابهم وإعفائهم من مناصبهم. و إضافة مواد جديدة تؤكد على أحقية كل مواطن في بيئة صالحة وعلى الالتزام العام نحو حمايتها والحفاظ عليها ، وكذلك ما تضمنه إضافة فقرة جديدة للمادة 78 تستهدف حسم التباين في وجهات النظر حول بدء مدة ولاية رئيس الجمهورية من بعد إعلان انتخابه لتجنب التداخل الذي تفرزه النصوص الحالية بين مدة الرئاسة والمدة التي تليها .
  • إلا انه تبقى بعض المواد المقترح تعديلها غير واضحة المعالم حول ما سينالها من تعديل مثل نص المادة 161 التي تضع تنظيما للإدارة المحلية ، فقد تم التصريح علي ان التعديل القادم بشأنها سيشمل تطوير نظام الإدارة المحلية وتعزيز صلاحياتها التنفيذية ، دون الوقوف على مشاكلها الحقيقية و إيجاد حلولا فعالة لها ، وهو حال المادة 85 التي تتضمن حالة اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى دون أن تحدد مفهوما لها أو حتى تنظيم المحكمة التي سيخضع لها في حال ارتكابه لهذه الجريمة أو العقوبات التي يمكن أن توقع عليه وأحالت المادة في كل ذلك للقانون الذي لم يصدر البرلمان بشأنه ثمة تنظيم ، ، وكذلك إعادة تعديل المادة 76 وفقا لتصريحات الجهات الرسمية بأنه سيتم على خلفيه تضمن التيسير على الأحزاب للترشيح لرئاسة الجمهورية عما هو مقرر في النص الحالي دون تحديد معالم هذا التيسير أو آلياته أو حتى هيكلته .
  • و ختاما لا يسعنا سوى التأكيد على انه في معقل الحديث عن إصلاح دستوري يخرج بالتجربة المصرية من أزمة الركود السياسي ويعنى بتهيئة مناخ ديمقراطيا حقيقيا- كانت المتطلبات اكبر بكثير مما قدمتها لنا التعديلات المطروحة على ارض الواقع لان ألازمة التي يعانيها الدستور المصري ليست أزمة نصوص بقدر ما هي أزمة تبنى أيدلوجية جديدة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار المدى الزمني و المتغيرات الحادثة على الصعيدين الدولي والمحلى و ظروف إقرار دستور 1971 و التي باتت دربا من التاريخ الآن، مما يستتبع إعادة صياغة ليس للدستور فقط ولكن لأيدلوجية حكم كاملة وهى ما لا تستوعبه أو تعبر عنه طرح مسألة تعديلا دستوريا فقط وان طال التعديل 34 مادة من الدستور فأبعاد التغيير الذي تحتاجه مسيرة الإصلاح في التجربة المصرية أعمق بكثير من ذلك .
  • فدستور 1971 على الرغم من صدوره بنصوصه تلك لم يمثل كامل الطموح الوطني فى التغيير عقب الإحداث التاريخية التي مرت بها مصر في تلك الفترة إلا انه جاء على اثر شبه اتفاق وطني على تبنى فلسفة موحدة وهى الفلسفة الاشتراكية كنتيجة للمد الاشتراكي السائد آنذاك، وهو ما لا تعبر عنه التعديلات الدستورية المطروحة حاليا فهي تعديلات بلا هوية أو فلسفة سوى الاستجابة لمطالب تعديل بعض المواد التي لا تطالها درجة الإلحاح مقارنة بمواد أخرى أحرى أن يشملها هذا التعديل و التي قد تنال من ديمقراطية هذا النظام مثل نص المادة 77 التي تؤبد فترة حكم رئيس الجمهورية وكذلك نص المادة 75 التي لم تضع شروطا حقيقية لمن يكون له الحق في رئاسة هذا الوطن سوى كونه مصريا من أبوين مصريين وان يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية و ألا يقل سنه عن أربعين سنة ميلادية . دون وضع شروطا تحدد مدى ملاءمته فعليا لهذا المنصب .

    و إذا وضعنا نصب أعيننا أن الوثيقة الدستورية هي شهادة ميلاد الدولة في المجتمع الدولي تضحى قاعدة سمو الدستور أمرا حتميا ويصبح الخطأ في النص الدستوري خطأ يتحمله نظاما بأكمله وشعبا من وراءه ويصبح معها الحديث عن شرعية أو ديمقراطية نظام أمرا لا معيار له، لذا فان مسئولية هذا الخطأ لا يتحمله نظام حاكم بمفرده ولكننا كلنا شركاء فيه و تبعاته ميراث للأجيال القادمة .