18/3/2005

على إثر الأحداث الخطيرة الأخيرة المتعلّقة بقضيّة الأستاذ محمد عبّو أحد أبرز رموز المجتمع المدني التونسي المستقل (عضو المجلس الوطني للحريات بتونس، عضو مركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة، و عضو الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، من مؤسّسي حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة) والمتثلة في الاعتداء عى قطاع المحاماة يوم الاربعاء 16 مارس 2005 والتعدي على الحرمة الجسدية والمعنويّة لعميدهم السيد عبد الستّار بن موسى من قبل حاكم التحقيق الثاني السيد فوزي ساسي، وذلك أمام زملاءه المحامون وأمام أعوان الأمن القابعين أمام مكتب التحقيق المذكور.

هذا طبعا إضافة إلى عسكرة قصر العدالة من طرف البوليس السياسي والبوليس بالزي منذ الصباح الباكر من يوم الإربعاء لمنع المواطنين والمساندين للأستاذ عبّو من الدخول ولم تسلم من ذلك حتّى زوجته السيدة سامية التي أصبحت هي الأخرى ممنوعة من الدخول، الشيء الذي جعل عددا من المحامون يتدخّلون في الغرض…

على اثر كل هذه الأحداث الخطير عقدت يوم 17 مارس 2005 بمقر قصر العدالة ندوة صحفيّة حضرها عدد كبير من الصحافيين والمراسلين إضافة إلى ممثلي المجتمع المدني التونسي، ثم على إثرها عقدت ندوة بمقر الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان عنوانها “لا للاعتداء على المحامون” حضرها تقريرا كل مكوّنات المجتمع المدني وزملاء الأستاذ محمد عبّو وترأس الندوة السيد مختار الطريفي رئيس الرابطة الذي عبّر من البداية عن مساندة الرابطة لقطاع المحاماة وللأستاذ محمد عبّو عارضا بين الحين والأخرى مقتطفات مما ورد بالنصوص الأخيرة لبعض المنظمات الدوليّة والمساندة للمحامين وللأستاذ عبّو.

وكانت المداخلة الأولى للأستاذ عبد الستار بن موسى رئيس الهيئة الوطنيّة للمحامين والذي عبّر منذ البداية أن العادة هي أن يساند المحامون وكل المجتمع المدني… لكن الآن انقلبت الصورة. وعرض في مداخلته للحاضرين ما حدث له داخل وخارج مكتب التحقيق معبّرا عن ألمه الشديد ومستنكرا لذلك خاصة وأن الاعتداء والتجاوز كان من سلطة قضائيّة ومن رجل قانون كان من المفترض أن يكون قدوة لاحترام الدفاع لا للتعدّي عنه. ومعبرا أيضا عن تضامنه مع الأستاذ محمد عبّو. ثم أحيلت الكلمة للأستاذ محمد جمور الذي قدّم مداخلة قانونيّة وحقوقيّة متميّزة حول المواثيق والقوانين الدوليّة التي تكفل حق الدفاع وتحمي حرمة المحامون ومهنة المحاماة…

وعن المجلس الوطني للحريات بتونس قدّم الأستاذ عبد الرؤوف العيّادي مداخلة عبّر فيها عن مدى خطورة ما حدث للعميد وللمحامين النائبين عن زميلهم. ثم عرض على الحاضرين الوضعيّة القانونيّة للأستاذ عبّو، حيث نفى صفة السجين وذلك لسببين على الأقل:

أوّل،ا لأنّ اعتقاله لم يكن بإذن قضائي، بل عند اتصال المحامون بالسلط القضائيّة لمعرفة سبب الاعتقال أجابتهم بعدم علمها بما حدث للأستاذ عبّو وثانيا، الاعتقال بهذه الطريقة لا يمكن أن يكون إلاّ في حالة تلبّس المشتبه فيه والحال أن الأستاذ عبّو عند اعتقاله لم يكن متلبّسا، بل سبب الاعتقال هو كتابته مقالا على شبكة الأنترنت بعنوان “أبو غريب العراق وأبو غريب تونس” وهو مقال يتعرّض إلى الانتهاكات والجرائم التي اقترفها البوليس السياسي…

كما تفاعلت القاعة المليئة بنشطاء حقوق الإنسان والمحامون في مداخلاتهم المعبّرة عن مساندتهم للأستاذ عبو ولقطاع المحاماة وعن الدور الذي لعبه المحامون في حركيّة المجتمع المدني التونسي ومساندتهم للمناضلين. ومن بين المتدخلين نذكر السيد حمه الهمامي الذي قال منذ البداية بأنّ حضوره اليوم ليس فقط كممثلا للحزب العمال الشيوعي التونسي بل أيضا اعترافا للجميل للأستاذ عبّو ولكل المحامون الذين ساندوه في قضيّته. كما عبّر العميد السابق الأستاذ البشير الصيد عن خطورة ضرب المحاماة في البلاد وانعكاساتها على المجتمع…

أمّا الأستاذ عبد الرزّاق الكيلاني الذي كان شاهد عيان لما حدث يوم 16 مارس فقد ذكر للحاضرين ما حدث للعميد عبد الستار بن موسى وخطورة ذلك متوجذها بالحديث خاصة للأستاذ الحبيب عاشور الذي قال في تدخّله أن ما حدث هو مجرّد مناوشات كلاميّة تحدث في كل المجتمعات ومكذبا عمليّة الاعتداء على العميد… كما ذكر الأستاذ الكيلاني عملية الاعتداء يوم 4 مارس على الأستاذة راضيّة النصراوي التي كانت هي الأخرى من بين الحاضرين وآثار الاعتداء لازالت إلى اليوم بارزة. أمّا الممثلة الثانية للتجمع الدستوري الديمقراطي الأستاذة عبير موسى فقد حاولت التدخل لغرض تبسيط ما حدث والتهجّم على المنظمات الحقوقيّة معتبرة الأستاذ محمد عبّو محامي غير مستقل مستغلّة ما ذكرته الصحفيّة أم زياد عند تقديمها للأستاذ محمد عبّو بأنّه أحد مؤسسي حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة، فحسب هذه الأستاذة بما أن الضحية ينتمي لحزب معارض فإنّه لا يمكن أن يكون مستقلاّ… الشيء الذي جعل الأستاذة راضية النصراوي وغيرها من ممثلي المجتمع المدني المستقل تجيبها وتوضّح لها معنى استقلاليّة القضاء واستقلاليّة المحاماة.