13/4/2009
يصدر مركز الأرض لحقوق الإنسان تقريره رقم “49” من سلسلة الأرض والفلاح تحت عنوان: “سياسيات البنك الدولى فى مصر… تاريخ من المؤامرات (الزراعة نموذجا)” ويتضمن التقرير ثلاثة محاور هى: المحور الأول البنك الدولي ومؤسساته المالية (أهداف معلنة ونوايا خفية)، والثانى البنك الدولي في مصر (من السد العالي حتى توصيل الغاز لإسرائيل)، والثالث البنك الدولي وانهيار الزراعة المصرية (مخططات وأدوار مشبوهة).
يهدف التقرير إلى التعرف على مغزى سياسيات البنك الدولى على الزراعة المصرية من خلال محاوره الثلاثة التى كشفت عن الدور السلبى لمشروعات البنك الدولى وتأثيراتها الضارة على قطاع الزراعة وحقوق صغار المزارعين فى آمان الزراعة والعيش الكريم، أيضا تناقض أهداف البنك الدولى بتقليل الفقر وسياساته وممارساته التى تؤدى لتزايد عدد الفقراء ولا يجنى ثمار مشروعاته إلا عدد قليل من رجال الأعمال خاصة المقربين من السلطة وأصحاب النفوذ.
ويؤكد مركز الأرض لحقوق الإنسان من خلال تقريره على أن البنك الدولي ومؤسساته المالية قد بشرتنا بأن تحرير الأسواق سيحقق النمو فى مصر وهو ما يعمل على تحسين أوضاع الفقراء على المدى البعيد لكن التجربة العملية وبعد أكثر من ربع قرن من الزمان، أوضحت زيادة التدهور فى توزيع الدخل وازدياد حدة الفقر وزيادة التفاوت فى توزيع الدخول مرتبطاً بتفجر المديونية المحلية والخارجية وتفجر التضخم والبطالة وانهيار قيمة العملة الوطنية وإغراق الأسواق بالسلع الترفيهية وعجز المصانع المصرية عن المنافسة، وتعثر المشروعات، وهروب الاستثمار، ولازالت التقارير تشير إلى أن مصر تتصدر قائمة الدول الأكثر اقتراضاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتحذر من خطورة الاقتراض المصري دون حساب التأثيرات العكسية للقروض علي عملية التنمية وحرية القرار السياسى في مصر.
وحذر التقرير من إصرار الحكومة المصرية على المضي في مسلسل الاقتراض وتطبيق سياسات البنك الدولي رغم كل النتائج الكارثية التى أصابت الزراعة المصرية.
واستعرض التقرير كيف حدث ذلك؟ مؤكدا على اختراق قطاعى الزراعة والرى بواسطة مراكز قوى دولية تحت مزاعم العولمة وغيرها..فماذا في جعبته الآن من مؤامرات بشأن الزراعة في مصر؟ وهل البنك الدولي مؤسسة تستحق كل هذه الثقة من الحكومة المصرية؟!
وأكد التقرير أن البنك الدولى قد كشف عن حقيقة نفسه حين أعلن في بيان له صدر عام 2008 أنه خلال العامين الماضيين كشفت إدارة النزاهة التابعة للبنك عن 441 حالة احتيال وفساد في مشروعات يمولها البنك، لذلك فرض حظرا على التعامل مع 58 شركة و54 فردا حيث تم اعتبارهم غير مؤهلين للمشاركة في أي مشروعات يمولها البنك.
وفي تقديرنا أن ملامح الفساد في مصر أوضح من أن تحتاج إلى تقارير البنك الدولي لإظهارها وأن الهذف الحقيقي من وراء هذه التقارير هو الضغط على الحكومة المصرية للتوجه نحو مزيد من الاقتراض وتبني سياسات البنك الفاشلة.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن ما من شك فى أن البنك وصندوق النقد الدوليين هما سبب ما يعانيه المواطن المصري الآن من أزمات، ويرجع ذلك لما رسماه من خطوط عريضة للتنمية الاقتصادية بمصر، والتي تتبع المنهج الرأسمالي الذي يتبناه البنك، وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي للبنك الدولي هو محاربة الفقر، إلا أن الواضح أنه يؤدي إلى زيادة الفقر، حيث لا توجد دولة واحدة نستطيع أن نعتبرها نموذجا لنجاح سياسات البنك الدولي في تخفيض نسبة الفقر بين مواطنيها منذ نشأة هذا البنك عام 1944م وحتى الآن.
وأوضح التقرير أن مصر قد نالت رضا البنك الدولي وخصص لها مبلغ 700 مليون دولار قروضا سنويا، لأنها نفذت الشرط المطلوب وأحدثت إصلاحا في القطاع المالي كما يريد البنك.
وشكك التقرير فى المزاعم التى يسوقها البنك الدولى من فوائد المشروعات التى مولها بقروض خلال الفترة من 1990 وحتى عام 2007 فى مصر، من كونها حققت أهدافها الإنمائية بل وفى بعض الأحيان تجاوزت المستهدف فى قطاعى الزراعة والرى، وعادت بالنفع على نحو أكثر من 790 ألف من صغار الفلاحين بزيادة دخولهم الزراعية السنوية بما يترواح بين 300 إلى 600 جنيه للفدان الواحد، إضافة إلى تعزيز التخطيط المؤسسى والقدرات التنفذية لوزارة الرى والموارد المائية فى قطاع الرى، ورفع كفاءة التشغيل والصيانة فى محطات الطلمبات، وإدعاء البنك أيضا استفادة نحو 3.7 مليون فدان من هذه المشروعات بتعزيز قدراتها الإنتاجية الزراعية. إلا أن الواقع الزراعى فى مصر يؤكد عكس تلك المزاعم التى يروجها البنك الدولى لإغراء الحكومة المصرية نحو مزيد من الحصول على القروض منه أملا فى تحسين البنية التحتية الزراعية ومساعدة المزاعين خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة منهم على تحسين دخولهم الزراعية وبالتالى تحسن مستوى معيشتهم، ولكن شيئا من هذا لم يحدث قط.
ولفت التقرير الانتباه الى أن البنك الدولى لم يكن يوما “مؤسسة ديمقراطية” بسبب الإصرار على ترأسه بشخصية أمريكية والسرية التى تحيط بمعظم أنشطته وحرمان معظم دول وشعوب الجنوب من اتخاذ القرارات أو الرقابة علي مشروعاته. ويعمل مجلس إدارة البنك فى جو من السرية المطلقة مما يهدد مبدأ الشفافية وإتاحة المعلومات المنصوص عليها بالاتفاقيات الدولية.
وقد اعترف البنك الدولي مؤخراً بأضرار هذه السياسة السرية، ولذا يقوم بمراجعة سياسته خلال عام 2009، حيث يقوم خبراءه حاليا بإعداد “ورقة مفاهيم” عن مراجعة سياسة الإفصاح، ومن المتوقع أن يقوم البنك بتنظيم جلسات مشاورات واسعة النطاق خلال شهري مارس وأبريل من عام 2009، في خمس بلدان من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمراجعة تلك السياسيات.
وفى هذا السياق أكد مركز الأرض لحقوق الإنسان فى تقريره على أن البنك الدولي كيان مريض بالشيزوفرينيا؛ حيث تمثلت قوانينه وأهدافه منذ إنشائه، في محاربة الفقر وتقليص عدد الفقراء، في ذات الوقت نجد سياساته التى يتبعها تزيد من معدلات الفقر والفقراء على مستوى العالم.
هذا ويستعرض المحور الأول من التقرير “البنك الدولى ومؤسساته المالية أهداف معلنه ونوايا خفية ” نشأة وتكوين وطريقة عمل المؤسسات الدولية خاصة صندوق النقد والبنك الدولى ونادى باريس ولندن، كما يستعرض شروط الاقتراض من المؤسسات المالية واليات تنفيذ شروط الصندوق والبنك الدولين، وآثار تطبيق شروطهم على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلدان المختلفة.
ويبرز التقرير دور وتمويل وطريقة تنفيذ مشروعات البنك الدولى لإعادة الأعمار والمؤسسة الدولية للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية ووكالة ضمان الاستثمارات والمركز الدولى لتسوية النزاعات فى مجال الاستثمار وانحياز تلك المؤسسات للشركات متعددة الجنسية ودول العالم الغربى، كما يبين طريقة أداء أجهزة البنك الدولى سوء مجلس المحافظين أو المجلس الادارى.
ثم يستعرض التقرير تمويل وكيفية وشروط وآليات تنفيذ مشروعات المؤسسات الدولية والآثار السلبية لشروطهم للحصول علي القروض مثل ضرورة تحرير الأسعار وزيادة دور القطاع الخاص وتحرير التجارة الخارجية حيث أدت هذه السياسيات لارتفاع معدلات البطالة وأسعار السلع الأساسية وانخفضت الأجور فى معظم دول العالم خاصة التى التزمت بشروط المؤسسات الدولية .
كما يبين الدور الجديد للبنك الدولى فى ظل العولمة المالية خاصة بعد الانهيارات التى حدثت فى الأسواق المالية.
ويوضح المحور الثانى من التقرير “البنك الدولى فى مصر من السد العالى حتى توصيل الغاز لإسرائيل” مسيرة علاقة مصر بالبنك الدولى والتأثيرات السلبية لتلك العلاقة خاصة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وقيمة وحجم القروض والإغراءات والضغوط التى يمارسها البنك على الحكومة لقبول شروطه والنتائج الكارثية لتحرير الأسواق وتنفيذ شروط البنك على أوضاع حقوق الإنسان فى مصر.
وأهم مشروعات البنك الدولى الحالية خاصة مشروع تطوير القطاع المالى وتطوير المطارات وتوصيل الغاز الطبيعى وتمويل الرهن العقارى وتطوير مهارات الطفولة بما قيمته 1662 مليون دولار.
كما يستعرض مشروعات البنك الدولى المقترحة فى مصر خاصة مشروعات إعادة هيكلة الهيئة القومية للسكك الحديدية وتطوير القاهرة الكبرى والتامين الصحى وتكامل محافظات الوجه القبلى وتطوير الطاقة فى العين السخنة بمقدار 1145 مليون دولار. ويوضح مضمون المشروعات الحالية لمؤسسة التمويل الدولية خاصة مشروع سويس النيل وبنك الإسكندرية ومستشفيات اندلسية وعمر افندى والسيولية المصرية بما قيمته 212.9 مليون دولار. والمشروعات المقترحة من مؤسسة التمويل الدولية خاصة مشروع الجبالى بوادى النطرون وصندوق سيفيكس وأملاك مصر بما قيمته 70 مليون دولار .
ويبين التقرير من خلال استعراض تلك المشروعات أن مشروعات البنك ومؤسساته المالية تهدف الى خدمة رؤوس الأموال الاجنيبة والمحلية ، بالإضافة الى قيام خبراء البنك بالاستحواذ على ما يقدر بربع قيمة هذه القروض بنسبة 28.6% من اجمالى قيمة هذه القروض .
هذا ويشترط البنك الدولى لاستكمال تنفيذ هذه المشروعات ضرورة قيام الحكومة بتسريع وتنفيذ برامج الإصلاح الهيكلى والاقتصادى واتخاذ إجراءات وتدابير لتحرير القطاع المالى ورفع كفاءة الإدارة فى قطاع الجمارك !! ولم يشترط البنك مثلاً حسب أهدافه المعلنة ضرورة تقليل الفقر أو تحسين الأجور أو انخفاض نسب البطالة .
ويكشف هذا المحور حجم الفساد فى مصر الذى أدى الى إهدار هذه القروض خلال الثلاثين عام الماضية حيث احتلت مصر المركز 115 من 180 دولة على مستوى العالم بالنسبة لمؤشرات الفساد.
كما يبين التقرير وعلى مدار الـ 32 عام الماضية ومن خلال 457 اتفاقية دولية حصلت الحكومة المصرية على مبالغ وصلت الى 9.7 مليار دولار و4 مليارات دفعة واحدة ، 640 مليون دولار وتم إهدار مبلغ 2.11 مليار دولار منهم بالإضافة الى مبلغ 54 مليون دولار تم الاستيلاء عليها من قبل الفاسدين.
ويكشف التقرير أن مصر لم تستفيد وبنسبة 57% من هذه القروض وبنسبة 54% من المنح وبنسبة 48% من اتفاقيات المخاطر، ويؤكد أيضاً على أن الفساد كان وراء إهدار تلك الأموال بالإضافة الى عجز الأجهزة الحكومية وعدم وجود دراسات واقعية عن المشروعات وغياب ممثلى ومنظمات المجتمع المدنى أثناء أعداد أو تنفيذ المشروعات .
ويوضح التقرير أن سياسيات البنك الدولى ساهمت فى زيادة البناء على الاراضى الزراعية وعدم الاكتفاء الذاتى من الغذاء خاصة القمح والتوسع فى الحصول على القروض بالتوازى مع ضعف المنافسة فى الاسواق المحلية والدولية فى الإنتاج الزراعى والصناعى .
ويدلل التقرير على كيفية مساهمة مشروعات البنك الدولى والمؤسسات المالية فى خصخصة السيادة الوطنية من خلال تحليل العلاقة بين تطبيق مشروعات البنك وحجم الديون الخارجية وسياسيات الحكومة أثناء حرب الخليج حيث تم إعفاء مصر من 50% من ديونها بسبب دورها خلال الحرب وتعهد نادى باريس بإسقاط كل الديون بشرط أن تقوم مصر بتنفيذ ما سمى “ببرنامج الإصلاح الاقتصادى” .
ويستعرض التقرير فى محوره الثالث “البنك الدولى وانهيار الزراعة المصرية ” السياسات الاقتصادية التى اتبعتها الحكومة مع مطلع الثمانينيات والمرتبطة بقطاع الزراعة والتى نتج عنها تحرير أسعار المحاصيل الزراعية، وإلغاء التوريد الاجبارى ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعى ودعم القروض الزراعية، وتحرير الأرض الزراعية بقانون العلاقة الايجارية ما أدى إلى طرد مئات الآلاف من المستأجرين وزيادة إيجارات الاراضى الزراعية والتعدى على حوالى خمس مساحة وادى النيل بالبناء عليها، واثر ذلك على التركيب المحصولى والتجارة الخارجية والاكتفاء الذاتى من الغذاء.
ثم استعرض التقرير المشروعات الممولة من مجموعة البنك الدولى فى قطاع الزراعة والرى خلال الفترة من 1990 – 2007 خاصة مشروعات غرب الدلتا ودعم شركة الاندو مصرية للأسمدة وتنمية المناطق الريفية بسوهاج وإعادة تأهيل محطات الصرف ومشروعات شرق الدلتا وتحسين طرق الرى والمشروع القومى للصرف بما قيمته 600 مليون دولار.
كما استعرض الآثار الاجتماعية لتطبيق تلك المشروعات فى الريف خاصة أنها أدت لتزايد معدلات العنف والجرائم ونسب البطالة والفقر، وأكد التقرير أن السياسيات الزراعية الراهنة أدت لإهدار حوالى 25% من الاراضى الزراعية فى مصر البالغة 8.7 مليون فدان بسبب تزايد مشكلة الملوحة.
ويعرض التقرير مشروع غرب الدلتا كنموذج حالة والذى يشارك فيه البنك الدولى الحكومة المصرية بهدف تطوير الرى ويبين التقرير تأثيراته على صغار المزارعين والموارد الطبيعية الأمر الذى سيؤدى لنقص حصص مياه صغار المزارعين فى شمال الدلتا لان المشروع سوف يأخذ أنصبتهم ويحولها لمزارع حوالى 100 مستثمر زراعى يمتلكون حوالى 200 ألف فدان بمنطقة غرب الدلتا.
وتبين ملاحق التقرير الخطابات المتبادلة بين مركز الأرض ومكتب البنك الدولى بالقاهرة، والتى أكدت الآثار السلبية للمشروع لانتهاك آمان الزراعة لصغار المزارعين، وقد اقترح المركز على البنك الدولى والحكومة المصرية حلاً للمشكلة لنقل المياه لأراضى كبار الملاك بغرب الدلتا من مصرف الرهاوى بدلا من مياه نهر النيل حرصا على حقوق صغار المزارعين فى حصصهم من المياه وكفالة لحقوق المواطنين فى مياه شرب نظيفة بفرع رشيد وحتى صدور التقرير لم تستجيب إدارة البنك الدولى أو وزارة الرى لاقتراحات مركز الأرض ما سيؤدى لإهدار الموارد الطبيعية والإخلال بالتوازن المائى والبيئى والتعدى على حقوق صغار المزارعين وزيادة العنف فى شمال الدلتا بسبب نقص المياه .
وينتهى التقرير بخاتمة تؤكد على أن البنك الدولي فقد مصداقيته وانحرف عن تحقيق أهدافه فى تقليل الفقر، ومن هنا شدد التقرير على مسئولية مواجهة سياسيات البنك الدولي في مصر تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني من خلال التعرف علي المشاريع التي ينفذها البنك والأضرار التى ترتب علي تنفيذها وتعبئة الرأي العام للتصدي للمخاطر الناتجة عن تطبيق هذه المشروعات والسياسيات. كذلك ينبغى العمل على كشف أوجه النقص والقصور والمخالفات أو الانتهاكات التي يقوم بها البنك أو أي من الأطراف المعنية أثناء تنفيذ مشروعاته، وتحديد الفئات المتضررة من هذه المشروعات وأوجه الضرر لتعويضها ومساندتها وتوعية الرأي العام لتجنب تلك الأضرار.
وطالب التقرير منظمات المجتمع المدنى بمساندة وتدعيم الحقوق الإنسانية لصغار المزارعين والعمل معا لتغيير السياسيات الراهنة للحكومة المصرية والبنك الدولى لبناء عالم جديد مختلف أكثر أمناً لجميع شعوب الأرض ووطن يكفل لكل أبناءه المساواة والآمان والعيش الكريم.
للمزيد من المعلومات يرجى الاتصال بالمركز
ت: 27877014- 202+ ف: 25915557-202+
البريد الإلكتروني:
Lchr@thewayout.net – lchr@lchr-eg.org
Website:
www.Lchr-eg.org