6 ديسمبر 2004
تمر علينا في العاشر من الشهر الحالي الذكرى السادسة والخمسين للاعلان العالمي لحقوق الانسان، تلك الوثيقة التي رات النور
بعد سنوات الظلام التي مرت بها البشرية اثناء الحرب العالمية الثانية وما سبقها والتي جلبت الكثير من الويلات والدمار والكوارث على البشرية والذي جسدته ديباجة الاعلان على الشكل التالي ” ولما كان تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، وكان البشر قد نادوا ببزوغ عالم يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة، “. فقد جاء الاعلان العالمي لحقوق الانسان بمثابة انتصار لصوت الانسانية من اجل كرامة العيش وحرية التعبير والتنظيم والعمل والحق في الوطن ومنع التعذيب والتاكيد على المساواة بين الرجل والمراة والذي جسدته الثلاثون مادة التي احتواها الاعلان. تمر الذكرى السادسة والخمسون في وقت تزداد فيه الانتهاكات على المستوى الدولي تحت عناوين مختلفة ومنها يافطة محاربة الارهاب والقرارات التي اتخذتها الكثير من الدول بهذا الخصوص، حيث وباسم محاربة الارهاب حصل ولازال الكثير من الاعتقالات لاصحاب الراي وتزايدت موجات التمييز العنصري والديني.
وعلى المستوى العربي لم يسجل هناك اي تحسنا ملحوظا في هذا المجال بل ان محاربة التيارات الاصلاحية ونشطاء حقوق الانسان لازالت مستمرة. فقد شهدت العديد من تلك البلدان اجراءات قمعية ضد ناشطي حقوق الانسان كما هو الحال في البحرين وسوريا وتونس والسعودية وليبيا وشهد السودان ولايزال حالة من جرائم الابادة البشرية وهذا مادلت عليه الاحداث الحاصلة في دارفور. ان استمرار سياسة كم الافواه وكبت الحريات هو العلامة المميزة لدول العالم العربي والتي من ابرز ميزاتها الاعتقالات الكيفية ومصادرة حق التعبير وحرية التنظيم والنشر وقوانيين الطواريء والعمل على منح المراكز الدينية حق الرقابة على الطباعة والنشر في بعض البلدان.
ورغم الامال التي كانت معقودة على تحسن حالة حقوق الانسان في العراق بعد زوال النظام الدكتاتوري ، الا ان هذه الامال بدأت تفقد بريقها يوما بعد يوم ومنذ شهور عديده. لقد كان السبب وراء ذلك هو حجم القوى المساهمة بارتكاب الانتهاكات وبشكل يومي ولاسباب مختلفة، فمنها بدافع الجريمة ومنها اتخذت طابع فرض القوانين الدينية او الشريعة في المناطق التي منحت بها تلك القوى بنفوذ مضافا له قوة السلاح ومنها تيارات الارهاب ويضاف لها بالمحصلة الاحتلال، و عدم التزام قوات الاحتلال بما تفرضه عليها القوانين الدولية الانسانية واتفاقية جنيف بضرورة القيام بمهمات حفظ النظام والامن ومن جانب اخر لما قامت به تلك القوات من انتهاكات فضة وتعتبر جرائما لا تقل فضاعة عن تلك الجرائم التي ارتكبها النظام الدكتاتوري المقبور، تلك الجرائم التي تجلت في الفضائح ضد السجناء والاعتقالات الكيفية وهدم المنازل وغض النظر عن بعض التيارات والجماعات المليشيوية و التي مارست ولازالت شتى الانتهاكات لحقوق المواطن العراقي ، كما ان عدم التزام جميع الاطراف الحزبية ” والمليشيوية” ومنها الحكومة باي مباديء اخلاقية تحافظ على ادنى الاسس في احترام حرية وامن المواطن وبالتالي عقله، والذي تجلى ذلك باتخاذ الطائفة غطاء لاصدار شهادات حسن السلوك و الكيل بمكيالين ، فما حدث في النجف ومدينة الثورة والبصرة والفلوجة وبقية مناطق العراق كان عمليات اجرامية يجب ان يحاكم من كان ورائها ومن دعمها ايضا، كما جرى الصمت على التلاعب بقوت المواطنيين وانتشار الفساد الاداري والرشوة في دوائر الحكومة وعلى ذات الاساس الطائفي البغيض. وتجلى الضعف الحكومي والجهاز القضائي بالكشف عن العديد من القوى التي قامت بعمليات قتل عمد ضد من يخالفها بالراي او الدين او من يحاول رفض تطبيق شرائعها المدعومة من الخارج وتقديم مرتكبيها للقضاء، بل ان العكس يجري عبر الدعم المقدم لتلك القوى لا بل ودعمها للمشاركة في انتخابات البرلمان المؤقت.
ان ما يزيد قلقنا اليوم هو نمو التمييز الطائفي والذي دعمته قوات الاحتلال عبر مسمياتها العديدة ومنها ” المثلث السني”، محاولات العمل على اضفاء الطابع الطائفي على الصراع في العراق، اننا اذا نرى بان هذه السياسات تعد انتهاكا فض لحقوق الانسان لانها تبنى على اساس التمييز الديني وبطابعا طائفيا، نحذر من ان ما يراد من وراء ترسيخ هذه المفاهيم هو تحطيم وحدة الشعب العراقي.
اننا في الوقت الذي ندين فيه جميع اعمال القتل والاغتيالات والتفجيرات والتحريض على العنف ايا كان الطرف الذي يقوم بها نطالب قوات الاحتلال بوضع جدول زمني لانهاء وجودها في العراق و بتطبيق الالتزامات المفروضة عليها وفقا للقانون الانساني الدولي واتفاقية جنيف وتقديم كل من ارتكب جرما بحق الانسان العراقي الى القضاء العادل وفي ذات الوقت نطالب الحكومة العراقية بضرورة احترام عقل المواطن العراقي وحقوقه والعمل على مناهضة سياسات التمييز الطائفي والحزبي التي استشرت في دوائر الدولة بشكل اساسي والعمل على كشف مرتكبي الجرائم ومحاكمتهم علنا كي يعرف ابناء الشعب العراقي من الذي يقف وراء التفجيرات والاغتيالات وسياسات الاجبار والتهديد والخطف ومن هي القوى التي تدعم تلك الاعمال سوى كانت داخلية او خارجية. كما نطالب جميع القوى السياسية بالالتزام بالقوانين والاعراف التي تكفل حقوق النسان كما نتوجه لقوى المجتمع المدني بالعمل على رصد جميع الانتهاكات وعدم التردد في فضحها.
اننا في الجمعية العراقية لحقوق الانسان اذ نقف تحية اجلال وتقدير لكل الذين قدموا حياتهم في طريق الكفاح من اجل احترام حقوق الانسان واذ نحيي جميع زملاءنا في العراق الذين يقاسون المخاطر في عملهم اليومي نعلن عن تضامننا مع جميع مناضلين حقوق الانسان في العالم وفي مقدمتهم اخواننا في فلسطين وسوريا والبحرين وتونس ويد بيد من اجل كشف وفضح جميع الانتهاكات لحقوق الانسان اي كان مرتكبها.