12/6/2005

لم تشهد حالة حقوق الانسان تحسنا ملحوظ بعد زوال النظام السابق في العراق و خضوع البلد لاحتلال القوى المتعدة الجنسيات ، ووجود قوى المعارضة في الامس في سدة الحكم، تلك القوى التي لم تكف يوما عن التاكيد في بياناتها السياسية عن ذكر احترام حقوق الانسان والديمقراطية.

وعلى الرغم من سن قانون ادارة الدولة المؤقت، والذي يحتوي على الكثير من المواد التي تكفل وتصون حقوق الانسان ، وتاكيد هذا القانون على التزام العراق بالقوانين والمواثيق الدولية، الا ان تلك النصوص بقيت نصوص على الورق تشابه كل النصوص التي نصت عليها الدساتير العراقية منذ تاسيس الدولة العراقية ولحد اليوم ، اي انها بقيت نصوص دون تطبيق او الية الزام بها.

وقد تجسدت المشكلة الاساسية في ان القوى التي وقعت على هذا القانون هي ذاتها من يمارس الانتهاكات ، ويعمل على فرض سياسة الامر الواقع عبر سياسة الارهاب و النفوذ المسلح .

وعلى الرغم من ان تشكيل المنظمات والجمعيات التي تعمل في ميدان المجتمع المدني، اصبح ظاهرة ايجابية ، الا انها تعاني من العديد من الظواهر السلبية التي يعد جزاء منها موروث اجتماعي وجزءا بسبب الخبرات وايضا بسبب التغييب الذي مر به العقل العراقي بشكل عام، ناهيك عن ذوي الطموحات المحدودة الغير نزيهه ومحاولات تسييس ذلك العمل .

وتتوزع الانتهاكات على الشكل التالي :

1. قوات الاحتلال وما ترتكبه يوميا من انتهاكات ترافق حصارها لمدن كاملة كسياسة عقاب جماعي ، هدم المنازل والاعتقالات الكيفية ، اخذ بعض افراد العوائل كاسرى، الانتهاكات التي جرت ولازالت في السجون والتي وثقتها كلا من منظمة مراقبة حقوق الانسان الاميركية ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية عدة

ناهيك عن الاف السجناء المعتقلين دون ان يجري محاكمتهم او توجيه تهمة لهم، وقسم منهم ينتظر الافراج لشهور ، بل جرى الزام المفرج عنهم ، ممن لم تثبت عليهم اي تهمة في عملية ايجاد كفيل كشرط لخروجهم من السجن!

ناهيك عن الكثير من المعالجات الخاطئة لقضايا المواطن اليومية، ويعد عدم وجود قوانين تخضع عناصر القوات الاجنبية للمحاكمات في حالات ارتكابهم جرائم ضد المواطن العراقي انتهاكا صارخا لحقوق المواطن العراقي والقوانين الدولية الانسانية وترخيصا لهذه القوى بارتكاب ما يناسبها دون اي اكتراث بمصير الانسان، وهذا يضع موضوع السيادة الوطنية محل الشك

في ذات الوقت الذي يضع المواطن في دوامة مابين قول انتقال السيادة وغيابها على ارض الواقع، وهذا اسلوب يمكن اعتباره جزءا من عملية تغييب العقل. انظر الوثيقة الصادرة عن الامنستي برقم MDE 14/007/2004 .

2. ما تمارسة قوى القمع المتبقية من نظام الدكتاتورية متضامنة مع قوى الارهاب المتسترة بالدين والمدعومة من قبل دول الجوار العراقي والاقليمي من ارهاب منظم ضد المؤسسات الاقتصادية العراقية

والشرطة والجيش وكذلك ضد المواطن المسالم من خلال التفجيرات اليومية والخطف ، والقتل على الهوية في بعض الاماكن كما يحدث في ما يسمى بمثلث الموت! الذي صعب الامر على قوات الاحتلال والقوات العراقية من تامينه!!! كلا على اساس ما يصبوا له من اهداف.

3. كما ان الاجهزة التنفيذية للحكومة العراقية المؤقتة مارست ولا زالت اساليب التعذيب المختلفة في السجون العراقية وحملات الاعتقالات الكيفية والمداهمات التي تتعارض مع نصوص قانون ادارة الدولة المؤقت.

بل ووقفت في العديد من الحالات موقف المتفرج امام المليشيات المسلحة التي تنهك حقوق المواطنين.

4. القوى الحزبية التي تمتلك مليشيات والتي تعمل على تطبيق نظام الشريعة او قوانين مشابهة كما هو علية في ايران وهذا ما يحصل في الجامعات من خلال التهديد بالقتل اذا لم يجري الفصل بين الجنسين

اجبار الطالبات ” حتى من الديانات غير الاسلامية” على ارتداء الحجاب وهذا ما عبر عنه مدير تربية البصرة من حزب الفضيلة في نشرة مفصلة عن كيفية ارتداء الملابس في المدارس واي انواع المحابس وكذلك شكل اللحي وقصات الشعر التي يجوز للفرد اتباعها، وممارسة هذه القضية ايضا في الشارع العام ، وقد زادت هذه الظاهرة حدة بعد الانتخابات.

كما ان الكثير من المدارس والجامعات اصبحت صفوفها عبارة عن اماكن دينية لهذا الحزب او ذاك، يحللون ويكفرون كما يحلوا لهم في ظل صمت الحكومة العراقية والهيئات القانونية وكذلك القوى التي تنادي ولازالت بالديمقراطية وكفالة حقوق الفرد وما حصل في جامعة البصرة وكلية الاسنان ببغداد مثالا صارخا على ذلك.

ناهيك عن الاختطافات والاعتقالات التي تمارس ضد المواطنين ، دون تدخل من قبل القضاء العراقي او الاجهزة التنفيذية الحكومية وكانت الامثلة الصارخة على ذلك ماحدث في النجف على يد مليشيا الصدر وكذلك في الثورة بما فيها اخذ افراد من الحرس الوطني كرهائن وما جرى في البصرة ابان احداث كلية الهندسة وغيرها.

ونقتطف هنا جزء من تحقيق اعدته منظمة العفو الدولية في البصرة “ارتديت الحجاب، لأن الوضع الأمني الآن لا يسمح للفتاة بالتنقل وهي سفور أو حتى دون حجاب كامل،” هذا ما قالته طالبة عمرها 23 عاماً لمنظمة العفو الدولية. ويشعر المزيد من الفتيات والنساء أن عليهن ارتداء الحجاب لأسباب أمنية أو بسبب التهديدات التي تطلقها جماعات إسلامية ضد النساء اللواتي لا يراعين نظام اللباس الإسلامي الصارم.

وقد استُهدفت القياديات السياسيات وناشطات الحقوق باعتداءات شنتها الجماعات المعارضة المسلحة.
ففي سبتمبر/أيلول 2003 قُتلت عقيلة الهاشمي، وهي إحدى ثلاث نساء أعضاء في مجلس الحكم العراقي الذي عينته الولايات المتحدة والذي حُل الآن، على أيدي رجال مسلحين ” .MDE 14/014/2004رقم الوثيقة:

ومن المظاهر الاخرى التي تعد انتهاكا للقانون وحق المواطن هي الفساد الذي استشرى في مؤسسات الدولة وعلى ارضية التقاسم الطائفي والحزبي في المؤسسات، والتي تعمل العديد من القوى الحالية الى تعميقها، لا بل والعمل على تجريم كل من يختلف مع تلك القوى على هذا الاساس في عملية لاشاعة واستنهاض الروح الطائفية والشوفينية القومية في الشارع العراقي

لم يحصل لها مثيلا سوى التهجيرات التي مارسها النظام الدكتاتوري سابقا ، وهذا ما يتعارض مع مبدا اشاعة العدالة وحق الفرد في المجتمع والتي لا يمكن اطلاقا مهما كانت نبوءة هذا الطرف او ذاك من تحقيقها اذا اسست على النفس الطائفي او الديني او التعصب القومي.

ان مجتمع العدالة واحترام حق وحريات الفرد يتحقق عبر احترام الروح الوطنية وروح المواطنة والالتزام بالقوانين ، لا تطبيق السياسات الحزبية والمليشياوية الضيقة .

كانت الانتخابات جزءا من الاستحقاقات التي حددها قانون ادارة الدولة المؤقت، ولكن على خلفية الاوضاع الامنية في العراق، وحالة الوعي الانتخابي واهمية ضمان حق الجميع في المشاركة وفي ظروف امنية جيدة والاعتماد على احصاء سكاني واضح يحدد عدد السكان الذين يحق لهم التصويت

الا ان ما جرى هو خروج المواطن للاقتراع متحديا الظروف الامنية ، دون معرفة باسماء المرشحين وبرامجهم ، كما جرى اعتماد البطاقة التموينية والتي لا يمكن اعتمادها بدلا عن عملية الاحصاء وخير مثالا على ذلك الخطاء الذي اعلنت عنه وزارة التجارة فيما بعد بان هناك 5 مليون بطاقة تموينية لم يجري حسابها وهذا يعني ان نفوس العراق تقارب الـ 28 مليون نسمة وليس 23 مليون نسمة اي ان حصر نسبة المقترعين والتاكد من هويتهم كان متعذرا .

لقد ساد التحضير للانتخابات السرعة اولا وثانيا وضع كل العملية ضمن الاطر القومية والطائفية وادى هذا الى حصول انتهاكات كثيرة عقد من مهمة المفوضية العليا للانتخابات في اتخاذ مواقف جدية منها ناهيك عن مصادرة حق اكثر من مئة الف مواطن في سهل نينوى من المشاركة في التصويت

ووضع مراكز انتخابية بقرارات حزبية والتلاعب بالبطاقات الانتخابية والتي على اساسها جرى اسقاط بعض الصناديق من عملية الاحصاء ولكن هذا لم ولن يعطي الانتخابات طابع النزاهة والشفافية على الرغم من الحملة الاعلامية التي صوحبت الانتخابات واعتبار البعض لها بانها تجربة فريده.

وعلى الرغم من هدف الانتخابات هو الوصول الى جمعية وطنية منتخبة من اجل كتابة الدستور كهدف اساسي الا ان القوى التي خاضتها لم تحمل برامجها التي طرحت اي شي عن الدستور بل بقيت اسيرة للشعارات الطائفية والقومية، التي تعد بحد ذاتها خرقا فاضح لحق المواطن العراقي لما تشكله من عملية تغييب ومحاصرة للعقل ايضا. وبعد مرور ثلاث اشهر على الانتخابات وتشكيل الحكومة على اساس المحاصصة فقد جرى تغييب نصف القسم الذي ينص على الديمقراطية والفدرالية من قبل الوزراء الجدد امام الجمعية الوطنية وامام القضاء ورئيس الدولة ، ناهيك عن عدم ذكر ضحايا الشعب العراقي بل جرى هنا ايضا التركيز على ماهو طائفي.

ان ابرز ما افرزته الانتخابات هو تعميق النزعة الطائفية والتعصب القومي في الشارع العراقي، كما افرزت مظاهر عدة لخرق حقوق الانسان واهمها: استخدام اساليب الضغط والترهيب والتهديد لتغيير قناعات الناخبين والتاثير على توجهاتهم ودفعها لصالحة هذه القائمة او تلك

كما استخدمت اساليب دعائية محرمة للتاثير على الناخبين مثل استخدام الرموز الدينية. ناهيك عن ضعف الجمعية المستقلة للانتخابات في اشراك عراقيين المنفى في الانتخابات ومارافق عمل تلك الجمعية ايضا من فساد مالي يجري التحقيق فيه في اروقة الامم المتحدة.

5. ولم تنتهي الانتهاكات بهذا الحد بل لا زالت اثار الحصار وقرارت الحصار والتعويضات ومشاكل برنامج النفط مقابل الغذاء والتلاعب الكبير والفساد الذي رافقه دون اي موقف واضح وصريح من قبل الاجهزة الحكومية العراقية.

لقد برزت ايضا تجاوزات عديدة ضد نشطاء حقوق الانسان في العراق من قبل الاجهزة التنفيذية ومنها الشرطة والحرس وبدات تلك التجاوزات بالتصريحات الصحفية الصادرة من قبل وزارة الداخلية خلال العام المنصرم والحالي باتهام جماعات ارهابية بالعمل او الدخول للعراق باسم حقوق الانسان والمجتمع المدني

وقد يكون هذا جائزا ولكن ما يدعو للشك بتلك التصريحات ان وزارة الداخلية ووكلائها لم يعطوا اي مثال عن تلك الجماعات في كلا الحالتين .

كما حصلت تجاوزات لتلك القوات على جمعية حقوق الانسان في بابل ومحاولاتهم لاغلاق بعض مكاتب الجميعة واصدار قرار باعتقال الزميل مهند الدليمي سكرتير الجمعية وحازم الصافي مسؤول اللجنة الثقافية في الجمعية واتت تلك القرارات والمضايقات على ارضية النشاط والتحقيقات والانتقادات التي تقوم بها الجمعية حول واقع حقوق الانسان في بابل تحديدا حيث ان الجمعية ورغم عملها في بابل الا انها تعد من انشط الجمعيات التي تعمل في العراق .

6. كما ان سياسات التعصب والتمييز الديني امتدت لتطال مجال حقوق الانسان والذي يجب على العاملين فيه رفض اي تمييز على اساس الانتماء الديني او العرقي او السياسي او الاجتماعي

نرى ان هناك جمعيات حقوق انسان تخص الشيعة واخرى تخص الصابئة، وهذا حقا هو اقصر طريق لتسفيه وتقزيم عمل حقوق الانسان التي بنيت على اساس العالمية لتحويلها على ايدي البعض لحالة طائفية او دينية او عرقية ايضا وهذا من الاخطار التي يجب على نشطاء ومنظمات حقوق الانسان التصدي لها.

ان ما يمكننا قوله في النهاية هو ان اي انتهاك لحقوق الافراد وحرياتهم الشخصية تحت اي مسمى كان وتحت اي شعار كان هو انتهاك لحقوق الانسان والمواثيق الدولية التي كفلت حقه وحرياته وكرامته، وان تلك الاعمال تعد عملا ارهابيا ضد المواطن والمجتمع .

اننا اذ نذكر ان محاولة تصوير الاشياء بغير واقعها يعد من اساليب غسل الادمغة التي تمارس ضد المواطن وهنا نذكر ان ما يحصل اليوم في الشارع العراقي من غالبية الاطراف التي امتلكت القوة سوى القديمة منها او الجديدة بانها تمارس انتهاكات خطيرة، وانها تؤسس لدكتاتورية جديدة في العراق

وعلينا الحذر الشديد بان الانتخابات لا تحمل بالضرورة دوما قوى الديمقراطية التي تصون وتحترم الحريات الفردية للانسان لسدة الحكم وانما التاريخ يقول لنا ان الانتخابات اوصلت العديد من القوى الفاشية والعنصرية و والتي امتلكها هاجس التمييز على اساس اللون او الجنس او الدين في العالم كذلك لسدة الحكم

لذلك نرى من الواجب على منظمات حقوق الانسان بالذات ان تكون واعية لهذه الامور وان تكثف من نشاطها الاعلامي من اجل توعية المواطن بها.

الجمعية العراقية لحقوق الانسان- الدنمرك
irakmf@hotmail.com