اعداد/ الدكتور/ عبد الحكيم أحمد الشرجبي
أستاذ علم الاجتماع المساعد
بجامعة صنعاء
مقدمـــــــة:
بالرغم من كثرة النجاحات التي حققتها المرأة اليمنية وعلى كافة الأصعدة إلا أنها لا تزال تعيش في ظل ظروف صعبة تعود في مجملها إلى النظرة التقليدية التي تسود في المجتمعات الشرقية عامة والتي تعطي الأولوية للرجل سواء في التعليم أو المكانة الاجتماعية أو في المشاركة في الحياة العامة.
أضف إلى ذلك أن الأوضاع الاقتصادية المتردية وما يترتب عليها من مشكلات اجتماعية تؤثر على الأسرة بشكل عام والمرأة على وجه الخصوص.. الأمر الذي يجعل النساء أكثر عرضة للاستغلال والعنف والحرمان، وإن طبيعة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حدثت في بلادنا في العقد الأخير من القرن العشرين لم تحقق نقلة نوعية في العملية التنموية تساعد على التخفيف من معاناة الأفراد وخاصة النساء فبعد تبني الدولة تنفيذ برنامج الإصلاح المالي والاداري وتحرير السوق وفق مبدأ المنافسة الاقتصادية الحرة تضررت أعداد كبيرة من السكان نتيجة تدني الدخول ورفع الدعم عن السلع الأساسية وأدى ذلك إلى تردي معيشة المواطنين. إلى جانب عودة ما يقارب من ثمانمائة ألف مغترب من دول الجوار بعد حرب الخليج الثانية وأخيراً حرب صيف 94م وكل هذه العوامل مجتمعة بالإضافة لعوامل أخرى عديدة ألحقت ضرراً بكثير من الفئات ويأتي على رأس هذه الفئات المرأة والتي أصبحت أكثر عرضة للحرمان الاقتصادي والاجتماعي والحرمان من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة ساعد على ذلك تخلي الدولة عن وظائفها.
وبناء على ذلك بدأت مشكلات النساء تزاد كماً وكيفاً وأصبحت النهاية المحتومة للعديد منهن الوقوع في دائرة العنف والاستغلال والوصول إلى السجن في جرائم وتهم متعددة ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل نجد كثير من النساء السجينات يعانين من ظلم الأسرة والمجتمع لهن. ويترتب على ذلك حرمانهن من الحصول على حقوقهن القانونية في الحماية والتعامل معهن وفق القوانين النافذة. بل نجد أن البعض منهن يتم إيداعهن السجون أما بدون محاكمة أو أن من يحاكم منهن يقضين فترة العقوبة ويبقين في السجون لعدم تقبل أسرهن لهن كونهن قد ألحقن العار بأنفسهن وبأسرهن.
لذلك فإن مشكلات النساء السجينات مشكلات مركبة وأكثر تعقيداً من مشكلات أقرانهن من الرجال.
ولذا فإن هذه الدراسة من قبل اللجنة الوطنية للمرأة تكتسب أهمية خاصة كونها تأتي في إطار اهتمام المنظمات غير الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني بأوضاع النساء بشكل عام والنساء اللائي يعشن أوضاع صعبة على وجه الخصوص في محاولة علمية لإيجاد حلول مناسبة لمعالجة المشكلات التي تواجه النساء السجينات وعلى وجه الدقة المشكلات القانونية والمشكلات النفسية التي تهمل في الغالب رغم أهميتها وذلك في سبيل إعادة إدماجهن في المجتمع بشكل طبيعي.
أهــــداف الدراســــة:
تهدف الدراسة إلى:
- 1- 1- التعرف على أوضاع السجينات في السجون المركزية بمحافظات الجمهورية من حيث: أ- معرفة الجوانب الإجرائية القانونية للمرأة السجينة منذ القبض عليها وحتى الحكم في قضيتها ومعرفة مدى وعيها وإدراكها لتلك الحقوق من عدمه. ب- ب- طبيعة ونوع الخدمات التي تتلقاها السجينات في السجون المركزية. 2- معرفة طبيعة العلاقة بين السجينة وأسرتها ومحيطها الاجتماعي سواءً خلال فترة وجودها في السجن في محاولة للتعرف على طبيعة المحيط النفسي والاجتماعي التي عاشت فيه السجينة. 3- محاولة إيجاد الحلول والمعالجات المناسبة لتحسين أوضاع السجينات خاصة من الناحيتين القانونية والنفسية كخطوة لإعادة ادماجهن في المجتمع بصورة سليمة.
فـروض الدراسة:-
- 1- النساء السجينات يفتقدون إلى الرعاية والعناية والمعاملة المتكافئة أسوة بأخوانهن الرجال في أسرهن وفي المجتمع. 2- النساء السجينات في الغالب من الأميات ومن ذوي المؤهلات العلمية الدنيا. 3- النساء السجينات محرومات من الحماية القانونية منذ فترة القبض عليهن وحتى المحاكمة. 4- غالبية النساء السجينات ينتمين إلى الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل. 5- غالبية النساء السجينات عانين في حياتهن بصفة عامة وفي مراحلهن الأولى على وجه الخصوص من قسوة وعنف وتفكك أسري وخواء نفسي أثر في طريقة حياتهن.
منهجية الدراسة:
- سوف تستخدم هذه الدراسة عدد من المنهجيات العلمية بهدف تحقيق أغراضها وستركز بصفة أساسية على:
- المنهج الوصفي التحليلي: لوصف أوضاع السجينات وتحليل هذه الأوضاع وأسبابها والعوامل المؤثرة فيها.
- المنهج المقارن: وذلك لمقارنة آراء السجينات أنفسهن مع آراء إدارات السجون بالإضافة إلى آراء جهات الضبط والقضاء والنيابات وشريحة من المحامين. بهدف معرفة كافة أبعاد المشكلة.
أدوات جمع البيانات:
- استمارة مقابلة للسجينات في السجون المركزية بمحافظات الجمهورية.
- دراسات حالة معمقة لأغلب السجينات في السجون.
- استمارة مقابلة لعدد من الجهات ذات العلاقة (شملت: إدارات السجون+ وكلاء بعض النيابات+ قضاة + محامين + إدارات البحث الجنائي).
وقد شملت الدراسة الجوانب التالية:
-
- 1-تحليل وتفسير الدراسة الميدانية.
-
- 2- خصائص عينة الدراسة.
-
- 3-حجم العينة .
-
- 4-توزيع السجينات بحسب العمر.
-
- 5-توزيع السجينات بحسب مكان الميلاد.
-
- 6-توزيع السجينات وبحسب الحالة التعليمية.
-
- 7-توزيع السجينات وبحسب الحالة الاجتماعية.
-
- 8-توزيع العينة بحسب الحالة الاجتماعية ووجود أبناء.
-
- 9-الأوضاع الأسرية للنساء السجينات .
-
- 10-أنواع التهم والأفعال الانحرافية الموجهة للسجينات. 11- أماكن إيداع السجينات بعد القبض وإجراءات التحقيق.
-
- 12-إجراءات التحقيق.
-
- 13-إجراء المحاكمة للسجينات.
-
- 14-الأسباب التي أوصلت المسجونات إلى السجون .
-
- 15-طبيعة معاملة المسجونات في السجون .
-
- 16-وصف السجون والخدمات المتوفرة للسجينات فيها.
-
- 17-مستقبل النساء السجينات (من وجهة نظرهن).
وقد كانت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة كما يلي:
- 1- تعيش المرأة في اليمن أوضاعاً متناقضة، فطبيعة التحولات الاقتصادية والسياسية المتسارعة تفرض نفسها على واقع المرأة نحو تغيير هذا الواقع والدفع بالمرأة لتكون شريكاً فاعلاً في التنمية، بينما نجد أن التحولات الاجتماعية والثقافية فيما يخص المرأة لا زالت شديدة البطء مقارنة بالتحولات الاقتصادية والسياسية، فلا زالت منظومة القيم الاجتماعية والعادات ذات النظرة السلبية للمرأة تمثل معوقاً من معوقات انطلاق المرأة في اليمن نحو آفاق أوسع. وانطلاقاً من ما توصلت إليه دراسة أوضاع السجينات في محافظات الجمهورية نجد أن:
- معاناة المرأة بصفة عامة والمرأة السجينة على وجه الخصوص تبدأ من الأسرة والمحيط الاجتماعي وغلبة العادات والتقاليد السائدة التي تفرق بين الذكر والأنثى في المعاملة والتنشئة والحقوق، بالإضافة إلى ما أحدثته طبيعة التحولات الاقتصادية والسياسية في عقد التسعينات من القرن الماضي جراء انتهاج الدولة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي واعتماده سياسات السوق وما ادى إليه من تدهور لمستوى معيشة المواطنين واتساع وتفاقم لمشكلة الفقر بالإضافة لعدد من الأسباب سبق الحديث عنها في ثنايا الدراسة. وقد أثبتت الدراسة تلقي النساء القدر الأكبر من الآثار السلبية لتلك السياسات باعتبار المرأة أقل تمكيناً وأقل تأهيلاً وأضعف مشاركة في الحياة العامة، وقد أكدت المسوح والإحصاءات أن الأسر المرءوسة بامرأة معرضة لخطر الوقوع في مصيدة الفقر أكثر من الأسر المرءوسة برجل.
كما أكدت الإحصاءات وجود علاقة طردية بين وجود أطفال إناث في الأسرة وحالة فقرها، وبينت الإحصاءات كذلك أن مساهمة المرأة في قوة العمل متدنية وقد بلغت بين الإناث 15.6% فقط. كما تؤكد الإحصاءات اتساع التفاوت بين الذكور والإناث ففي التعليم مثلاً تبين أن التحاق الفتيات بالمدارس (في التعليم الأساسي عام 1999م) لا يتجاوز 32.8% من إجمالي الإناث مقارنة بـ 67.2% للبنين. كما بلغت نسبة الأمية بين الإناث 74% لنفس العام مقارنة بـ 44% فقط بين الذكور علماً بأن نسبة السكان من الإناث بلغت 50.05% من إجمالي سكان الجمهورية.2-كشفت الدراسة عدم وجود دراسات علمية ميدانية سابقة تناولت مشكلة أوضاع السجينات من النساء ويعني هذا عدم وجود أي نوع من الاهتمام بقضايا النساء السجينات ومن ثم عدم وجود نية لدى الجهات المختلفة للحد من هذه الظاهرة وللحد من انتشار الجرائم بصفة عامة.
3- كشفت الدراسة أن غالبية الأسر التي تنتمي لها السجينات هن من أسر فقيرة وكبيرة الحجم وترتفع فيها نسبة الإعالة بالإضافة إلى أن غالبيتها قادمة من الريف وتعيش في أطراف المدن والأحياء العشوائية الفقيرة، ويغلب على أفرادها عدم امتلاك أي أصول انتاجية أو خبرات لازمة لاقتناص فرص العمل المتاحة. مما يضطر الكثير منهم إلى العمل بالأعمال الهامشية والتي لا تدر عليهم دخولاً كافية وثابتة تؤمن لهم الحدود الدنيا للعيش الكريم، بالإضافة إلى بروز صراع ثقافي قيمي بين ثقافاتهم الأصلية وثقافة المدينة التي يفدون إليها. وهذا الصراع يدفعهم نحو ارتكاب السلوك الانحرافي ومن هنا تبدأ المعاناة الحقيقية للمرأة في تلك الأسر. 4- كشفت الدراسة أن كثير من السجينات يدخلن السجون بسبب جرائم بسيطة ثم يتحولن إلى مجرمات محترفات إضافة إلى تأكيد أن الجريمة المنظمة تتكون داخل السجون بسبب اختلاط أصحاب الجرائم الخطرة والسوابق مع أصحاب الجرائم البسيطة.
5-كشفت الدراسة عن تدني مستوى الوعي القانوني لدى النساء بصفة عامة والسجينات منهن على وجه الخصوص الأمر الذي يقلل من فرصهن في الحصول على الحماية القانونية، وقد بينت الدراسة أن كثير من السجينات لم يقمن بتوكيل محامي للدفاع عنهن وترجع محدودية تمتعهن بالحماية القانونية وبتوكيل محامين للدفاع عنهن بدرجة رئيسية إلى عدم قدرتهن على دفع تكاليف المحاماة، وكذلك لتخلي كثير من الأسر عن السجينات ومتابعة قضاياهن، كما أن السجينات يحرمن من تحمل الدولة لمسئوليتها في تنصيب محامي للدفاع عن السجينة الفقيرة والمعوزة وبحسب ما تنص عليه القوانين النافذة وقد بينت الدراسة عدم الاهتمام بالتوعية القانونية للسجينات أو التوعية باحتياجات التنمية عموماً وتبصير المواطنين بالتطورات وحثهم على درء المخاطر الناجمة عن السلوكيات المنحرفة، ويمكن أن يتم ذلك بتضمين المناهج الدراسية وفي مراحل التعليم المختلفة دروساً في التعريف بالحقوق القانونية لكل فرد كما يمكن أن تقوم وسائل الإعلام بالتوعية حول القوانين والتشريعات عند صدورها وبعد ذلك.
6-بينت الدراسة أن المرأة بصفة عامة والمرأة السجينة على وجه الخصوص تعاني من محدودية التمكين الاجتماعي والاقتصادي ومحدودية المشاركة في الحياة العامة، وفي اتخاذ القرار، حتى تلك القرارات المرتبطة بحياتها ومستقبلها (قرار اختيار الزوج وشريك الحياة) حيث يتم الزواج غالباً بحسب الأعراف والتقاليد السائدة وهنا تبدأ مشكلات المرأة والفتاة، وهو أمر يؤدي غالباً إلى الانحراف والإجرام.
7- كشفت الدراسة أن غالبية السجون في اليمن لا يوجد بها أخصائيين اجتماعيين أو نفسين لمتابعة السجناء من الذكور والإناث، بالإضافة إلى أن مباني السجون ذاتها وخاصة ما خصص منها كسجون للنساء بحاجة إلى إعادة نظر في التصميم والتجهيزات، كما بينت الدراسة محدودية الخدمات المتوفرة للسجينات داخل السجن مما يتعارض مع أبسط قواعد حقوق الإنسان.
8-بينت الدراسة أن ثمة إهمال للسجينات سواءً من حيث طول فترات التحقيق معهن، وبقائهن لفترات طويلة دون محاكمة وإهمال في تطبيق الأحكام الصادرة ضد السجينات أو إعطائهن حقوقهن، وخاصة عندما يحكم ببرائتهن! وتنتهي فترة العقوبة، وتظل السجينة داخل السجن مما يؤدي إلى شعورهن برغبة حقيقية في الانتقام من المجتمع والدولة بسبب الإهمال سواءً في تطبيق القوانين أو في عدم وجود سياسات وبرامج لإعادة استيعابهن في مؤسسات خاصة لإعادة إدماجهن في إطار المجتمع.
9- كشفت الدراسة عن وجود عدد من السجينات برفقة أطفالهن داخل السجن وبنسبة كبيرة وبينت الدراسة أن هؤلاء الأطفال يعانون من ظروف صعبة وقاسية وخطرة، فلا يتوفر لهم أي نوع من الخدمات الأساسية (كالحليب، الملابس، الأغطية، التعليم، التطبيب، …الخ). يضاف إلى ذلك أن وجودهم في السجون يقيد من حرياتهم ويكسبهم سلوكيات وخبرات سيئة تدفعهم إلى الشعور بالظلم والحرمان مما يحفز لديهم غرائز العدوانية وحب الانتقام.
10- كشفت الدراسة عن عدم وجود أية برامج أو خطط معدة ومقره تشمل توفير خدمات الرعاية والتأهيل والتدريب المهني وكذلك التوعية والتثقيف سوءاً للسجينات أو لأطفالهن المتواجدين معهن، وهذا يزيد من حرمان هؤلاء السجينات وزيادة شعورهن بوطأة العقوبات، ويزيد من اتساع الهوة بين السجينة والمجتمع وهو ما يعكس نفسه على بقاء كثير من السجينات وتفضيلهن لممارسة الانحراف.
الحلول والمعالجات المقترحة لتحسين أوضاع السجينات:
أثبتت نتائج الدراسة لأوضاع النساء السجينات أن مشكلتهن هي مشكلة مجتمع تبدأ من النظرة إلى المرأة بأنها كائن ثانوي الدور والوظيفة، وأن الرجل هو الأصل وله حق الأولوية في الرعاية والتعليم والتوظيف وإتخاذ القرار والمشاركة في كل مناحي الحياة.
وتأسيساً على تلك النظرة التقليدية للمرأة والتي انتجتها وجذرتها في مجتمعنا عهود الانغلاق والتخلف وانتشار الأمية وعلى ضوئها حددت الأدوار لأفراد المجتمع (رجال / ونساء) والتمكين الاجتماعي والاقتصادي والمشاركة في مختلف جوانب الحياة.
وزاد من حدة ذلك انتشار الفقر والحرمان وغياب العدل في التمكين والاستفادة من برامج التنمية. والمساواة في الحقوق وحتى العقاب بالرغم من أن الشريعة الإسلامية والقوانين المبنية عليه لا تفرق بين الرجل والمرأة.
والمشكلة تعود إلى تدني الوعي بكل ذلك والالتزام بالتنفيذ بعيداً عن القوانين المكتوبة واللجوء إلى العرف السائد والغير مكتوب والذي يعمل في الواقع ويعطل بعض جوانب الشرع والقانون وهذه الثنائية في حياتنا ترجع إليها أغلب المشكلات الاجتماعية والأسرية وتلحق الضرر بالفئات والشرائح الأضعف والأفقر والأقل حماية في المجتمع ويأتي على رأس تلك الشرائح المرأة ومع أن الدولة هي المسئول الأول عن توفير الحماية والعدل وسن وتطبيق القوانين والتشريعات في المجتمع نجد أن هذا المبدأ يتم التراخي عنه لصالح العادات والتقاليد التي يفترض أن التشريعات في المجتمع والقوانين والنظام يحد منها بما يحقق الحياة الآمنة وكفالة التمتع بالحقوق والقيام بالواجبات لكل المواطنين بدون تمييز. وبدون ذلك يختل التوازن وتضطرب الحياة وتسود الجريمة والانحرافات والعنف في المجتمع. ومهما شددت الدولة في الجوانب الأمنية و العقابية تزداد المشكلة وتتعقد لأنها لا تستهدف العدل والحماية الكاملة لكافة أبناء المجتمع. فتصبح الجريمة والانحراف نوعاً من التعبير عن الرفض للواقع وما يمثله، ويكمن الحل بالاتجاه إلى العوامل والأسباب الرئيسية والمنابع الحقيقية للمشكلة والحد منها أولاً والسعي الجاد لمعالجة آثارها والعناية بضحاياها ثانياً كحق وواجب تكفله الدولة ومؤسسات المجتمع.
ومن هذا المنطلق نسعى في هذه الدراسة إلى تقديم جملة من الحلول والمعالجات المقترحة التي تحتمها المشكلة وخطورتها على المرأة والطفل بشكل عام والمرأة السجينة على وجه الخصوص.
ومن أهم تلك المعالجات والحلول ما يأتي:
-
- 1-نشر الوعي والتعليم والتثقيف الديني في صفوف المجتمع وضمان مشاركة الفقراء في ذلك وإزالة كل الصعوبات والعوائق التي تحد من المشاركة والاستفادة من هذه البرامج مع التركيز على برامج التوجيه والإرشاد الاجتماعي والنفسي والديني والعمل على تحقيق ونشر الوعي الحقوقي والقانوني في أوساط المجتمع والنساء على وجه الخصوص للوقاية من الانحراف والجريمة مع إعداد برامج تستهدف مكافحة الأمية بصفة عامة والأمية القانونية وخاصة بين صفوف النساء.
-
- 2-إيجاد برامج واضحة ومقرة لعملية إصلاح وتحسين أوضاع السجون والمسجونين بشكل عام والمسجونات على وجه الخصوص، بحيث تتحول وظيفة السجون من مؤسسات عقابية إلى مؤسسات اجتماعية تتولى عملية إعادة تأهيل وتدريب السجين ورعايته نفسياً واجتماعياً وتعليمياً ومهنياً من أجل تهيئته للاندماج في المجتمع بشكل طبيعي ليعود فرداً صالحاً لنفسه ولمجتمعه وبذلك نستطيع أن نحد من الانحرافات والجريمة ونحمي الأسرة والمجتمع من مخاطر التفكك والانهيار.
-
- 3-إيجاد مؤسسات اجتماعية بديلة للسجينات يناط بها استضافة المسجونات ممن تتخلى عنهن أسرهن والمجتمع. أو ممن يخشين من تعرضهن للعقاب المجتمعي (القتل من قبل أسرهن للتخلص من العار) وبذلك نحمي النساء الخارجات من السجون من ضياع مستقبلهن ومن التهديد بالقتل خصوصاً بعدما عوقبن بحكم الشرع والقانون ونكون بذلك قد أعدنا لهن حقهن المكفول في الشرع والقانون والتمتع بحياة طبيعية وحمينا المجتمع من انتشار الجريمة والانحراف.
-
- 4-إيجاد مؤسسات اجتماعية لرعاية وتأهيل وحماية أطفال السجينات وتأمين الخدمات الأساسية المطلوبة لهذه الفئة والتي تعاني من وجودها في السجون دون ذنب اقترفوه، سواء أنهم وقعوا ضحايا لمشاكل تعرضت لها أمهاتهم وتسببت في معاناتهم وتعرضهم للحرمان من التمتع بالحياة الآمنة وحرمانهم من ممارسة حقوقهم في الغذاء والملبس والمسكن والتعليم واللعب وهي حقوق يكفلها الشرع والقانون وكافة المواثيق الدولية المعنية بالطفولة.
-
- 5-إيجاد التشريعات التي تحمي المرأة من الاعتداء والعنف بشكل عام والمرأة السجينة على وجه الخصوص والتشديد على تنفيذ ذلك وبالذات مع من يمارس العنف والاعتداء في الأسرة.
-
- 6-تفعيل دور المنظمات والجمعيات والمؤسسات غير الحكومية العاملة في مجال مكافحة الفقر والاعتناء بالمرأة والطفل وإشراكها وفق برامج وخطط وطنية واضحة تستهدف هذه الفئات بشكل عام والأفقر منها على وجه الخصوص مع التركيز على العمل في صفوف النساء الريفيات بحكم المعاناة الكبيرة لهن وزيادة تلك المعاناة حالياً مع انتشار الفقر وكذا بحكم أن أغلب سكان البلاد يقيمون في الريف.
-
- 7 العمل على إدراج مواد تستهدف التوعية القانونية وتتضمن مبادئ وحقوق الإنسان المقرة في القوانين والمواثيق المحلية الدولية ضمن المناهج الدراسية وعلى مستوى كافة مراحل التعليم لنشرها والتعريف بها لدى النشئ والشباب من الجنسين.
- 8-ضرورة توفير الاعتمادات المالية اللازمة للسجون والدور العقابية لتتمكن من القيام بالأدوار المنوطة بها من كفالة حقوق السجناء الأساسية والقيام بمهام التأهيل والتدريب اللازم وتزويد السجون بالكادر المؤهل والمدرب وبالأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين لمتابعة السجناء باعتبار أن وظيفة السجون الإصلاح والتأهيل ولم تعد مؤسسات للعقاب فقط.