14 يونيو 2004
جمعية حقوق الإنسان في سورية
غادر الأب والأم أرض الوطن منذ أكثر من عشرين عاما، منع الأب من الحصول على جواز سفر وبالتالي من العودة إلى بلده. حين كبر الأطفال ، واتخذوا قرارهم بالعودة إلى وطنهم ، اعتقلوا ثلاثتهم ، على الرغم من كونهم أحداثا .
واليوم الصورة هي كالتالي:
الأب في المنفى ممنوع من العودة إلى سورية، زوجته وابنيه، في سورية ممنوعان من المغادرة، وابنهم الأصغر لا يزال يقبع في ظلمة السجن. هذه مجرد صورة لواقع أهل المنفى السوري، وما يعانونه إن في استمرار منفاهم ، أو في خيار عودتهم إلى أرض الوطن.
تقول يسرى المصري والدة مصعب وعبادة ويوسف:” غادر زوجي سورية منذ عام 1981 إلى المملكة العربية السعودية بشكل نظامي ، بهدف الحصول على عمل، بعد أن توفي والده ووقعت على عاتقه مسؤولية إعالة عائلته.بعد أشهر لحقت به أنا والأطفال.عندما انتهى جواز سفر زوجي رفضت السفارة السورية تجديد الجواز متذرعة بأنه مطلوب أمنيا في سورية، واستمرت في الرفض حتى هذه اللحظة على الرغم من محاولاته المتكررة .أما أنا فقد تم تجديد جواز سفري عام 1987 وكان الأولاد على جوازي”.
كبر الأطفال بعيدا عن وطنهم الأم، يستمعون إلى الحكايا الجميلة عن ذكريات لا تنتهي في تلك الأرض- الحلم التي تسمى وطنهم.
“كنا حريصين أنا ووالدهم، أن تبقى صورة بلدهم زاهية في مخيلتهم، اعتقدنا أن مشكلات جيلنا لا تورث، وأن وطنهم حريص على عودتهم إليه”.
عام 1998 حصل الابن الأكبر عبادة على الثانوية العامة ، واتخذ قراره بالعودة إلى سورية لإكمال تعليمه ..وحياته في بلده .رحبت العائلة بهذا القرار وشجعت عبادة على العودة وهذا ما كان.
بعد شهر من دخوله القطر بتاريخ 3-8-1998 اعتقل عبادة – ثمانية عشر عاما وقت اعتقاله- من قبل فرع الأمن العسكري بالسويداء ، خلال هذا الشهر كان قد جرى استدعاؤه مرات عديدة إلى فروع الأمن ليستجوب طليقا قبل أن يتم اعتقاله.
“لم نعلم باعتقال عبادة ، أقاربنا أخفوا عنا الأمر، واعتقدنا أن عدم تواصله معنا كان نتيجة معاناته من الوحدة والفراق عن عائلته، وفي هذه الأثناء سافر يوسف إلى سورية لينضم إلى أخيه في دراسته، ويكون له ونسا”!!
وبالفعل انضم يوسف – خمسة عشر عاما وسبعة شهور حين اعتقاله – إلى أخيه عبادة في معتقله في فرع الأمن العسكري بالسويداء، بعد ثلاثة عشر يوما من دخول إلى سورية بتاريخ 3-9-1998.
تم تحويل الأخوين بعد ذلك إلى فرع المنطقة ومن ثم إلى فرع التحقيق، وبتاريخ 15-6-1999 تم نقلهما إلى سجن صيدنايا. حوكم الأخوان أمام محكمة ميدانية عسكرية ، عبادة تلقى حكما بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “كتمان معلومات وانتماء لحزب محظور” ويوسف سنة واحدة بتهمة” كتمان معلومات والتمهيد للانتماء لحزب محظور”.
أفرج عن يوسف بتاريخ 3-9-2000 ، بينما أمضى عبادة ست سنوات في السجن قبل أن يفرج عنه بتاريخ 31-1-2004 .
“في هذه الأثناء ، وبعد أن لوعني الحنين إلى ولديّ والقلق عليهما، نزلت مع بناتي الخمس وابني الأصغر مصعب إلى سورية، بعد أن راجعت السفارة السورية وأكدوا لي مرارا وتكرارا بأنه لا خطر من سفرنا إلى هناك وأن أيا من أولادي لن يتعرض لأي خطر أسوة بعبادة ويوسف، وبتاريخ 24-7-2002 كنا نجتاز الحدود السورية ، حين تسلمت ورقة مراجعة لفرع الأمن العسكري في السويداء بينما تلقى ولدي مصعب ورقة مراجعة لفرع أمن الدولة بدرعا”.
أوقف مصعب وهو تولد 1986 بتاريخ 27-7-2002 ، أي أنه كان حدثا – وما يزال- بتاريخ اعتقاله ، وهو يحاكم حاليا أمام محكمة أمن الدولة بتهمة “جناية الانتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين”.
“بعد ذلك منعت من الحصول على تأشيرة للخروج وكذلك منع أولادي من المغادرة. أرسلت عدة رسائل للمسؤولين بخصوص ابني المعتقل ووضعنا بشكل عام، معظمها لم يردن عليها جواب، أما الرسائل التي أرسلتها للقصر الجمهوري فقد جاءني الجواب عليها بأن “اتبعي التسلسل”!!.
“أنا أتساءل هل من المعقول أن يعتقل طفل ويحاكم أمام محكمة أمن الدولة العليا بتهمة الانتماء إلى تنظيم سري معاقب عليها بعقوبة الإعدام؟!! أنا أتوجه إلى رئيس البلاد وإلى كل مسؤول بأن ينظروا نظرة عدل لهذه الأجيال الجديدة التي ليس لها علاقة بما مضى ، ولنتبع جميعا قول الله تعالى : وإن حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”.
تعليق المرصد: أولا- اعتقل الإخوة الثلاثة، على الرغم من أن اثنين منهم أحداثا، وأن ثلاثتهم لم يسبق لهم الدخول إلى سورية أو ممارسة أي نشاط فيها، بل لمجرد أن والدهم من المنفيين “المطلوبين” كالآلاف من السوريين في كافة أنحاء العالم.
ثانيا- لا يوجد قانون في العالم يحاكم أحداثا أمام محاكم استثنائية بجرائم سياسية ، وما حدث للإخوة الثلاثة يشكل انتهاكا فاضحا بكل المقاييس للقوانين المحلية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان ، لا سيما وأن سورية صادقت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وعلى اتفاقية حقوق الطفل وهي ملزمة باحترام الحقوق التي تضمنتها المعاهدتان.
ثالثا- تعرض الإخوة للتعذيب بالدولاب والكرسي الألماني والضرب بالكابلات، أثناء التحقيق معهم.
إن جمعية حقوق الإنسان في سورية تناشد كافة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان للتدخل من أجل الإفراج الفوري عن مصعب الحريري ومنح عائلته جوازات السفر والسماح بلم شمل العائلة من جديد.
كما تتوجه إلى السلطات السورية للمطالبة بالتحقيق الفوري في هذه القضية ، بدءا من اعتقال أحداث خلافا للقانون ومحاكمتهم أمام محاكم استثنائية ، ومرورا بتعريضهم للتعذيب الجسدي ورفض السماح لهم بالمغادرة، كما تطالب بالإفراج الفوري عن مصعب الحريري ووقف المحاكمة