27 نوفمبر 2007

تقديم
على الرغم من القرار الحكيم الذي أصدره الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي والقاضي بعدم حبس الصحفيين بسبب قضايا تتعلق بالنشر، إلا أن ذلك القرار الذي لقي ترحيبا واسعا في الأوساط المحلية والدولية والمنظمات ذات الشأن و اعتبروه انتصارا للصحافة ولحرية الرأي والتعبير، بات مهددا اليوم، من قبل بعض الوزارات والهيئات في دولة الإمارات ، و التي كانت قد سارعت بالترحيب بالقرار وقت صدوره ، حيث ، تطبق بعض نصوص القرار في بعض القضايا ، وتهدر فحواه والمراد منه في قضايا أخرى.

ويتم هذا الاهدار من بعض الهيئات والمسئولين عبر عدم اتخاذ خطوات جدية تخدم قضايا الرأي والتعبير في الدولة ” وهو الهدف من القرار ” ومحاولتهم الإبقاء على جدار الرقابة عاليا لأسباب غير مهنية ولا تتناسب مع روح الانفتاح الذي تشهده دولة الإمارات في العديد الميادين.

وفيما يلي عرض الأمثلة المتعلقة بقضايا حرية الرأي والتعبير في الإمارات:

1- إغلاق محطتي تلفزيون جيو نيوز (Geo News) وأري وان ورلد (Ary One World)الباكستانيتين في مدينة دبي للإعلام:
أقدمت السلطات في الإمارات العربية المتحدة، وفي دبي تحديدا في 17 نوفمبر 2007 بحظر بث قناتين فضائيتين باكستانيتين هما محطتي جيو نيوز (Geo News) وأري وان ورلد) (Ary One World، فقد قررت السلطات في دبي حظر بثهما على الأراضي الإماراتية. و قامت سلطة مدينة دبي للإعلام بإبلاغ القائمين على المحطتين بقرار إيقاف البث و منحهم مهلة ساعتين في مساء يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر للإيقاف، دون إعطائهم أي سبب لهذا القرار الذي يمثل تراجعا عن شعارات الحرية والانفتاح التي رفعتها مدينة دبي للإعلام لاستقطاب العدد الكبير من محطات البث التلفزيوني الفضائي العربي والعالمي. وقد أدانت بعض المنظمات الدولية المعنية بمراقبة حرية الرأي والتعبير قرار الإمارات بإيقاف البث وطالبت السلطات بالعدول عن القرار وعدم الرضوخ لبعض الأصوات المطالبة بالتكميم والقمع للحريات.

2- ستار من التعتيم حول اعتصام المدرسين المبعدين تعسفيا من وزارة التربية:
حيث شهدت مدينة دبي في 20 نوفمبر 2007 مسيرة و اعتصاما قام به 25 شخص من التربويين والمعلمين الإماراتيين المبعدين من عملهم والمنقولين إلى وزارات أخرى، وكانت ابرز محطات المسيرة منزل المرحوم الشيخ راشد بن سعيد المكتوم(1) ثم قصر سمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة انتهاءَ بوزارة التربية والتعليم وذلك احتجاجا على القرار المجحف بحقهم والذي يلزمهم بالتخلي عن وظائفهم التربوية ونقلهم إلى وظائف أخرى لا تمت لتخصصاتهم أو خبراتهم بصلة. وقد قام بعض المعلمين بهذا الاعتصام السلمي للفت الأنظار إلى قضيتهم وللمطالبة بحقوقهم. وبالرغم من انه تم دعوة جميع الصحف لتغطية الحدث وإعلامهم به مسبقا، إلا انه وللأسف الشديد، تم فرض تعتيم إعلامي عليه من قبل جميع وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، ولم تستجب للدعوة سوى صحيفة الجلف نيوز(Gulf News) الصادرة بالإنجليزية ، وبعض المنتديات الحوارية المستقلة علي الانترنت (2)

ولم يتمكن المعتصمون من مقابلة سمو رئيس مجلس الوزراء أو وزير التربية لارتباطهما باجتماع مجلس الوزراء والمنعقد في أبوظبي. ويرى بعض الصحفيين أن قرار التعتيم الإعلامي هو قرار اتخذته جهات أمنية عليا في الإمارات بعد أن تم استبعاد 83 مدرسا من مجال التدريس والتوجيه إلى إدارات أخرى في الوزارة ومن ثم توزيعهم على وزارات أخرى لا تمت لدراستهم وخبراتهم بصلة في محاولة لإقصائهم عن العملية التدريسيّة بسبب خلفيتهم الإسلامية.

3- إلغاء مشاركة مسرحية الخلخال قبل أربع ساعات من موعد سفر طاقمها للمشاركة في الدوحة:
بقرار مفاجئ من وزارة الثقافة والإعلام وتنمية المجتمع، تم منع مسرحية “الخلخال” من المشاركة في مهرجان المسرح الخليجي الدوحة قبل أربع ساعات فقط من موعد سفر طاقمها للمشاركة. وقد أتى قرار المنع مبررا باعتبار موضوع العرض لا يمثل واقع الشباب المحلي، وقد صرح السيد بلال البدور الوكيل المساعد للشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع “بأنه يحق للوزارة أن تتحفظ على النصوص التي قد تسيء إلى توجهات الرأي العام وتتعارض مع القيم الاجتماعية والفكرية السائدة في مجتمع الإمارات” معتبرا مسرحية الخلخال “تتناول قضية خاصة جداً لا تمثل حالة أو ظاهرة في المجتمع الإماراتي تحتاج لإلقاء الضوء عليها ومعالجتها، بل يصور واقعة نادرة قلما تحدث ولا يمكن تعميمها على الشباب في مجتمعنا”، حسب رأي البدور.

وقد ذكرت الصحف المحلية خبر مشاركة المسرحية في المهرجان كما وزعت الخبر وكالة أنباء الإمارات، مما أبهج القائمين على العمل المسرحي، إلا أن قرار المنع المفاجئ والذي جاء في اللحظات الأخيرة بعد إبداء الموافقة المبدئية علية مسبقا، جاء ليشكل صدمة عنيفة لفريق العمل ولحرية الرأي والتعبير في الإمارات.

تحكي المسرحية عن علاقة رجل شاعر براقصة ينتهي به المطاف بقتلها، وكان من المفترض أن تكون المسرحية متواجدة في مهرجان في مهرجان المسرح الخليجي الثامن لشباب دول مجلس التعاون الخليجي الذي تقام فعالياته في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 7 إلى 14 نوفمبر الحالي. يذكر أن مسرحية الخلخال من إنتاج مسرح الشباب للفنون برعاية مجلس دبي الثقافي ومن تأليف سالم الحتاوي وإخراج سالم باليوحة وبطولة مروان عبد الله صالح وآمنة السويدي.

4- منع النشر وحرمان كتاب إماراتيين من الكتابة :
في حادثة ليست هي الأولى مع جريدة الخليج الإماراتية، امتنعت جريدة الخليج في أكتوبر الماضي 2007 من نشر “مقالة للدكتور عبدالخالق عبدالله بعنوان “الإصلاح الجامعي في الإمارات” وتشير المقالة إلى ضرورة إجراء تقيم شامل لمسيرة الجامعات الوطنية، بسبب التركيز على التدريس باللغة الإنجليزية والاستعانة المكثفة بالكوادر الأكاديمية الأجنبية وعدم الثقة في الطاقات الأكاديمية الوطنية.
مقالة الدكتور عبدالخالق نشرت في صحيفة الوقت البحرينية بعد أن امتنعت جريدة الخليج الإماراتية لاعتبارات غير معروفة من نشرها ، وسواء تم الحرمان من النشر بقرار الجريدة أو بقرار من جهة أخرى تم إبلاغة للجريدة ، فعدم نشر هذه المقالة ينبئ بمستوى الرقابة الذاتية الداخلية التي تمارسها الصحافة المحلية ضد الأقلام الوطنية.

يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تمتنع فيها جريدة الخليج من نشر مقالات للدكتور عبدالخالق عبدالله (وهو احد الكتاب الدائمين في الجريدة)، فقد سبق أن امتنعت الجريدة ذاتها من نشر مقال له في أبريل الماضي مقالا بعنوان “التطبيع مع العدو السكاني” وقد تم نشر المقال في صحيفة الوقت البحرينية بعد امتناع الخليج عن نشره مع انه مقال يخص الشأن الإماراتي، كما أوقفت الخليج أيضا نشر الحلقات المتبقية من دراسة ثقافية عميقة بعنوان “بعنوان الحبسة الثقافية – دراسة في ظاهرة التفتت القافي في الإمارات” للكاتب عبد العزيز جاسم بعد نشر حلقتين منها في ملحق الجريدة الثقافي، وقد احتج بعض المثقفون والكتاب لدى الجريدة كما امتنع بعضهم من الكتابة في الجريدة كموقف من ما تم اعتباره تقهقرا في الهامش المتاح من الحرية.

فضلا عن ذلك ،فمازال العديد من الكتاب الإماراتيين يقبعون في قائمة المنع من النشر منذ عهد وزارة الإعلام السابق برئاسة الشيخ عبدالله بن زايد. وقد طالب بعض كتاب الأعمدة بضرورة رفع الحظر عنهم تماشيا مع قرار منع حبس الصحفيين، إلا أن شيئا لم يتحرك في هذا الاتجاه ولا تزال الأمور على ما كانت عليه. وقد كتبت إحدى الصحفيات الناشطات في رصد الحريات في جريدة البيان تقول ” إن المنع من الكتابة أو الإعفاء التعسفي عن العمل عقوبات أشد قسوة قد تمارسها أي مؤسسة إعلامية أو صحافية ضد الصحافي لأسباب خفية لا يعلمها سوى متخذي القرار في تلك المؤسسة” ، وقد أيّدها فيما ذهبت إليه العديد من الكتاب والمثقفين وضموا صوتهم إلى صوتها. وتضم قائمة الكتاب الممنوعين من النشر لهم : الدكتور سعيد حارب والدكتور محمد الركن و الدكتور محمد المنصوري وغيرهم.

5- منع إعطاء تصريح طباعة لفنانة وكاتبة إماراتية من قبل وزارة الثقافة والشباب .
في منتصف يونيو الماضي 2007م ،قامت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع برفض إعطاء الفنانة والكاتبة الإماراتية “منال بن عمر” تصريح طباعة لكتابها الأول والذي اختارت له عنوانا “بعيدا عن أيادي المومسات” والذي هو عبارة عن كتاب شعري. وقد رفضت الوزارة طلب تصريح الطباعة ما لم يتم تغيير العنوان، الذي ارتأت انه عنوان لا أخلاقي ولا يجب أن يصدر عن مواطنة إماراتية تحكمها عادات و تقاليد!
وفي محاولتها المستميتة للدفاع عن عنوانها، قامت الكاتبة بالاتصال بالوزير للشكوى من رفض وزارته للعنوان الذي اختارته، إلا أنها فوجئت بردة فعل الوزير الذي “عنّفها” على العنوان وأعطاها محاضرة في العادات والتقاليد والدين والأخلاق!

6- موجة من القضايا ضد موقع مجان ومديره وكتابه:
ستة قضايا مرفوعة ضد موقع “مجان” وهو منتدى حواري معروف بشكل واسع في دولة الإمارات ويتيح مساحة واسعة من حرية التعبير للمشاركين فيه .
استفاد مشاركي موقع مجان من شهرة المنتدى ومارسوا فيه حرية التعبير والنقد السياسي ، وتناولوا العديد من المشاكل التي تهم المواطن الإماراتي، فكان أن بدأ البعض ممن يكرهون الحرية والنقد أن يشنون حمله ضد الموقع مستخدمين القانون ، وبمباركة ودعم جهات “عليا” إمارة رأس الخيمة ، فكان أن راحت الأحكام القضائية التي يغيب عن أغلبها الأدلة تتوالي على مدير الموقع وبعض الكتاب فيه ، بالإضافة للموقع نفسه الذي تم الحكم بحجبه.

وصل عدد القضايا المرفوعة ضد الموقع ومديره “محمد الشحي” وكتابه “خالد الأصلي” إلى ستة قضايا.
حكمت محكمة جنح إمارة رأس الخيمة بالسجن في قضيتين ، ثم ألغت حكمة الاستئناف إلغاء الحكمين في 19 نوفمبر 2007 .

لتصبح القضايا المتبقية ضد الموقع و مديره وأحد كتابه”خالد الأصلي” أربعة قضايا على النحو التالي :

  • قضية بالاستئناف في حكم بالحبس ضد محمد الشحي وخالد الأصلي خمسة أشهر .
  • قضية مازالت ضد الموقع ومدير في محكمة الجنح.
  • قضيتان لم يحدد لهما جلسات بعد.

وفيما اذا تم العمل بقرار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء ، فيجب أن تحال هذه القضايا إلى القضاء المدني ، ليفصل في أي نزاع بين الموقع ومديره وأي شاكي ، بدلا من اللجوء للمحاكم الجنائية في هذه الدعاوي لتعلقها بالنشر، فضلا عن السماح بإعادة إطلاق موقع مجان ليعمل مرة أخرى.

7- رفع قضية سب وقذف جديدة ضد صاحب موقع إلكتروني رياضي في رأس الخيمة:
في قضية مماثلة لقضية مجان، تم رفع قضية سب وقذف ضد منتدى حواري على الانترنت يدعى “منتدى صقور الإمارات” من قبل احد المواطنين في الإمارة، مدعيا،سبه على الموقع ،و دون أن يثبت ذلك أو أن يطلب من مدير الموقع حذف ما يرى أنه يسئ له.

وقد تم تحويل القضية إلى المحكمة للبت فيها. إلا أن والد صاحب الموقع قام بدفع مبلغ قدره 20,000 درهم للمشتكي للتنازل عن الدعوى. ولقد أثار ذلك استياء العديد من الكتاب والمثقفين وأصحاب المواقع الإلكترونية مما رأوا انه ابتزاز من نوع جديد يمكن للجميع أن يتعرض له من خلال شبكة الإنترنت ، خاصة مع غياب محاكم مختصة و قضاة مختصين،إذ يمكن لأي شخص أن يشارك في الدخول باسم مستعار ويكتب ما يحلو له ثم يقوم برفع دعاوى على صاحب الموقع.

وهو ما يستدعي أن تضاف أليه طلب الحذف قبل أي إجراء قانوني يتخذ ضد صاحب أو مدير الوقع ، وبمعني أن من يرى أن هناك إساءة ضده في احد المواقع ، عليه ان يرسل بطلب أو إخطار رسمي لصاحب الموقع يطلب فيه أن يتم حذف الإساءة المنشورة ضده ، واذا لم يتم حذف الإساءة المفترضة ، يمكن في هذه الحالة أن يتقدم الشاكي بطلب للمحاكم “المدنية ” بطلب تعويضه مستندا على إخطاره الرسمي الذي رفضه صاحب أو مدير الموقع.

8- التعتيم ومنع النشر ، بأوامر شفهية :
تعاني الصحافة الإماراتية جرأتها في تناول الشئون العربية أو العالمية مما يسمى بالقرارات “الغير علنية ومكتوبة” بالحظر على النشر خاصة فيما يخص الشأن الإماراتي ، و غالبا ما ترجع هذه القرارات إلى جهات “عليا” في هذه الإمارة أو تلك.

ولا يعني خرق هذه القرارات من قبل الصحفيين أو من بعض الصحف بالضرورة تحريك لدعاوي القضائية ضدهم ، لكن هذا الخرق قد يترتب عليه التضييق عل هذا الصحفي او هذه الجريدة ومن أمثلة هذا التضييق ، الحرمان من الكتابة أو النشر لهؤلاء الصحفيين الذين خرقوا الحظر ، أو حرمان الصحف من الإعلان والمعلومات والأخبار ، الأمر الذي يتسبب في العديد من الأزمات لها.

ومن أمثلة القضايا التي شملها قرارات التعتيم غير الرسمية :
مهرجان أبو ظبي السينمائي والذي جاء تحت مسمى “مهرجان الشرق الأوسط”، حيث حرمت الصحافة المحلية من توجيه أو نشر أي نقد سلبي للمهرجان،. وقد ساهم هذا المنع على نقل صورة غير حقيقية عن المهرجان كما أخفى عثراته وعيوبه الكثيرة. يذكر أن احد كتاب الأعمدة في إحدى الصحف المحلية الصادرة من أبوظبي سمح له بتوجيه انقاد للمهرجان، ويرجح المراقبون أن ذلك كان استثناءً وبضوء اخضر من جهة عليا. عدا ذلك، كان المنع سيد الموقف.

أعد التقرير نشطاء ومتطوعون من الإمارات
بالتعاون مع ومراجعة الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان


1- الشيخ راشد بن سعيد المكتوم أحد مؤسسي إتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة
2- انظر منتدى الإمارات الاقتصادي http://www.uaeec.com/vb/showthread.php?t=57621 (زيارة 24نوفمبر 2007م)