10/12/2009

ما حصل خلال الحملة الانتخابية الأخيرة وبعدها من اعتداء بالعنف الشديد والتهديد به وإيقاف الصحفيين زهير مخلوف ثم توفيق بن بريك الزغلامي واستهداف حرية التعبير بصفة عامة وحرية الصحافة بصورة خاصة، فالأمر يتجاوز ذلك ليتحوّل إلى تصفية حسابات يتولاها النظام بواسطة ميليشيات البوليس السياسي التي أوكل لها تنفيذ مخطط معدّ في أعلى مستوى السلطة قُصد منه ليس فقط التشفي ممّن تجرّأ عليها بواسطة قلمه، وإنّما أيضا إشاعة جوّ من الرعب والخوف وصولا إلى إسكات الأصوات الحرّة.

والمطّلع على الملف القضائي الذي لفّق للصحفي توفيق بن بريك يقف على عدة شواهد مستمدة من أوراقه ذاتها، تؤكد الصيغة الكيدية للتتبّع الجاري ضدّه، وهو ما سنتناوله فيما يأتي من ملحوظات:

ويمكن تلخيص مظاهر التلفيق في عناوين ثلاثة هي:

  • التزوير الحاصل من البوليس الذي حرّر المحاضر
  • عدم البحث في الجرائم بصورة جدّية
  • تضمين وقائع خيالية لا يقبلها المنطق السليم بنيّة التوريط.

1- في التزوير:

شابت الإجراءات التي تولاها البوليس عملية تزوير شملت عدة محاضر مثلما سيأتي بيانه
1-1 : يُلاحظ بداية أنّ سماع توفيق بن بريك من طرف بوليس “المنارات” لم يكن مضافا عند تصوير نائبيه لملف القضيّة عدد 24843/ 09 التي أحيل فيها، ليفاجأ لسان الدفاع بإضافته لاحقا وهو المحضر عدد 1402 / 1 المحرر بتاريخ 29 أكتوبر 2009 صحبة محضر احتفاظ عدد 517 الذي يحمل نفس التاريخ من طرف “ضابط الشرطة أوّل رشاد الفوغالي رئيس مركز الأمن الوطني بالمنارات”. وقد حمل إمضاءً نُسب إلى توفيق بن بريك الذي بعرضه عليه أنكر أن يكون قد أمضاها مؤكدا أنّ فريق البوليس الذي استقبله بمركز المنارات اكتفى بالتهجم عليه وكيل السباب له من أجل كتاباته. وتهمّد تجريده تماما من ثيابه قصد إهانته، ولم يجر بحثه في موضوع الاتهامات الموجهة إليه ولم يُقدم له محضر للإمضاء.

ولعلّ ما جاء بمقدمة المحضر من إشارة إلى أنّه “وبتاريخ اليوم أمكن لأعوان المركز تقديم المعنيّ لمقر المركز..” يؤكّد ارتكاب البوليس للتزوير المعنويّ إذ أنّه من المعلوم أنّ توفيق بن بريك قد تحوّل من تلقاء نفسه إلى المركز المذكور وقد صاحبه نشطاء المجتمع المدني نذكر منهم العياشي الهمامي ومحمد عبّو وراضية النصراوي، ولم يمثل أمام البوليس في حالة تقديم كما ضُمّن بالمحضر.

كما جاء بهامش المحضر أنّ الموضوع يتعلق “بإيقاف مفتش عنه” وهو ما يعكس التعليمات التي تلقاها رئيس المركز وليس حقيقة الإجراء الذي حصل، إذ وكما أشرنا إليه فإنّ بن بريك حضر تلقائيا بالمركز المذكور ولم يجر إيقافه.

ويتكرر التضارب في البيانات بين ما جاء بمحضر سماعه عدد 1402/ 1 ومحضر الاحتفاظ به عدد 517 والحاملين لنفس التاريخ، إذ نصّ بالمحضر الأوّل أنّه جرى سماعه وهو بحالة إيقاف على الساعة العاشرة والنصف- علما أنّ إجراء الإيقاف بتطلب تحرير محضر خاصّ به ينصّ عليه وعلى تاريخه يوما وساعة- في حين جاء بالمحضر الثاني أنّه تم الاحتفاظ به بداية من الساعة الحادية عشر والنصف صباحا، بما يعني أنّه كان بحالة سراح وليس بحالة إيقاف قبل سماعه.

ويلاحظ من جهة أخرى أنّ ضابط الشرطة الذي تولى بحث المظنون فيه نصّ في مقدمة المحضر عدد 1402/ 1 “تبعا لمحضرنا عدد 1387 بتاريخ 22 أكتوبر 2009 موضوع الاعتداء بالعنف إلخ..” كما أضاف في آخر المحضر المذكور : “نذكر للجناب أنّ محضر البحث عدد 1387 تمت إحالته على الجناب بتاريخ 26 أكتوبر 2009 حسب الإحالة عدد 1750 بتاريخ 26 أكتوبر 2009”. وهو ما يعني أنّ مأمور الضابطة العدلية قد استكمل مهمّته على معنى أحكام الفصل 13 فقرة 1 من مجلة الإجراءات الجزائية، ولم يعد من صلاحياته سماع توفيق بن بريك إلاّ إذا صدر إذن كتابي من وكيل الجمهورية المختصّ ترابيا بإجراءات البحث طبقما تقتضيه أحكام الفصل 11 من المجلة المذكورة، إذ كان عليه تقديم المظنون فيه إلى وكيل الجمهورية بعد تحرير محضر في إيقافه لا غير. أمّا أن يتولى سماعه في موضوع التهم المنسوبه إليه فإنّ ذلك يعد تجاوزا لصلاحياته.

ولم يحصل الخرق المتقدم ذكره من باب الصدفة وإنّما كان عملا مبيّتا قُصد من ورائه تمكبن ضابط البوليس الذي تولّى البحث من نسبة تصريحات للمظنون فيه لم تصدر عنه تزويرا وتدليسا وهو ما حدا به إلى الطعن في المحضر المذكور بالتزوير بواسطة عريضة شكوى ضمنت بوكالة الجمهورية لدى محكمة تونس الابتدائية.

2-1 : وتتكرر عملية التزوير في المحاضر الحاملة للأعداد (1387/ 6، 1387/ 7، 1387/ 8) المحررة بتاريخ 24 أكتوبر 2009 حسب ما جاء ببياناتها.

•إذ يلاحظ أنّ المحضر عدد 1387/ 6 والمحضر 1387/8 قد نُصّ بهما على ذات الساعة (العاشرة والربع صباحا) تاريخا لبداية تحريرهما، وهو أمر لا يقبل منظقا وقد تولى ذلك نفس ضابط الشرطة.

•كما يلاحظ أنّ المحضر 1387/7 قد جرى تحريره بداية من الساعة العاشرة صباحا- وهو ما أضيف بخطّ اليد- على خلاف التنصيص الوارد بالمحضرين السابقين الذي تم بواسطة الكمبيوتر، وهو أمر لا يتطابق مع مبدأ التسلسل الزمني. فكيف يرر ذلك المحضر على الساعة 10.00 صباحا في حين نُصّ في الترتيب على أنّه أنجز بعد المحضر 1387/6 الذي يحمل بيان الساعة 10,15 ؟

تأتي القرائن المتظافرة المتقدم ذكرها لتجعل من الطعن في المحاضر بالزور أمرا جدّيا يتحتم معه إيقاف النظر في القضية إلى حين البت في الطعن المذكور، وقد تم تقديم ذلك الطلب إلى المحكمة المتعهدة بالقضيّة برئاسة القاضي فوزي الجبالي بجلسة 19 نوفمبر 2009 بواسطة لسان الدفاع عملا بأحكام الفصل 154 من مجلة الإجراءات الجزائية التي نصّت بفقرتها الثانية على ما يلي:
“وإثبات ما يخالف تلك المحاضر أو التقارير يكون بالكتابة أو بشهادة الشهود”.
إلاّ أنّ المحكمة المتعهدة رفضت الاستجابة لمطلب الدفاع في إيقاف النظر في القضيّة.

2 – في عدم البحث في الجرائم بصورة جدّية:

شابت إجراءات البحث في التهم المنسوبة للمظنون فيه تقصير فادح مثلما سيأتي تفصيله.

حيث لم يتضمّن الملفّ من الأدلة ما تقوم به الجرائم المنسوبة للصحفي توفيق بن بريك، وقد تقاعس الباحث الابتدائي عن إجراء المكافحات المطلوبة بين المظنون فيه وزاعمة الضرر وبيم المظنون فيه والشاهدين المزعومين.

كما رفضت المحكمة المتعهدة بالقضيّة استكمال الإجراءات المذكورة بالرغم من الطلب الذي دفعه عد من المحامين في الغرض، تطبيقا لأحكام الفضل 143 من مجلة الإجراءات الجزائية الفقرة 7 التي نصّت على ما يلي: “وتجري المكافحات اللازمة”. فالواضح أنّ ما كان مطلوبا هو وجود ملفّ مهما كانت الإخلالات والنقائص، به يمكن أن يكون ذريعة للقضاء لاستصدار حكم الإدانة المقرر مسبقا من طرف السلطة.

فمن الإخلالات الجسيمة، أن يكون أحد الشاهدين غير معرف بهويته طبق القانون إذ نصّ على اسمه ولقبه (شكري العلوي) دون التنصيص على عدد بطاقة الهوية الوطنية التي يعتبرها قانون 1 جويلية 1968 الوثيقة الوحيدة التي تعرّف بهوية الشخص.

كما أنّ محضر سماع زاعمة المضرّة لم يكن يحمل إمضاءها، إذ اكتفى رئيس مركز الأمن بوضع ختمه وإمضائه بأعلى المحضر عدد 1387.

فالواضح أنّ المظنون فيه وجد نفسه أمام ضابط شرطة ثم أمام محكمة غير محايدين ومنحازين للجهة التي افتعلت الملفّ والتي تتعامل معها بالتعليمات وليس بالقانون.

3 – ثبوت نية التوريط لدى الباحث الابتدائي:

للمرء أن يتساءل عمّا عاينه ضابط البوليس الذي تولّى البحث في التهم المنسوبة إلى الصحفي توفيق بن بريك، هل هي آثار صدمة أم آثار حادث مرور؟

فقد جاء بالمحضر عدد 1387 قوله:

“نذكر أنّنا بمعاينة سيارة المتضررة من نوع رينو كليو شيبي ذات الرقم المنجمي 5387 تونس 66 عاينّا اعوجاج وتطبيق بالجناح الأيمن وتهشيم فانوس الإنارة الأمامي الأيمن”.

فهل يقبل عاقل بما جاء بهذه المعاينة التي تبدو أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، فكيف تحدث صدمة بين سيارة كانت راسية أمام الأخرى وفي حركة إلى الوراء وعلى قصر المسافة بينهما كلّ هذه الأضرار؟ فالمعلوم أنّ قوّة الصدمة محكومة بعنصرين حسب قانون الفيزياء، وهي الكتلة والسرعة. فلقياس قوة الصدمة تعتمد القاعدة (كتلة ضارب السرعة) (masse multipliéepar vitesse). وحسب ما جاء على رواية زاعمة الضرر فإنّ الفاصل في المسافة بين السيارتين كان بسيطا، بما يجعل السرعة تميل إلى الصفر، فكيف حصلت الأضرار التي عاينها ضابط البوليس ؟ إلاّ أن يكون الأمر يتعلق بسيارة أخرى تعرضت لحادث مرور.

فالواضح من هذه “المعاينة” التي تولاّها ضابط الشرطة أنّها ملفّقة ولا يمكن أن تكون قد جرت على سيّارة زاعمة الضرر لاستحالة حصول مثل تلك الأضرار وبذلك الحجم بسبب صدمة (على فرض وقوعها) على النحو الذي جاء برواية زاعمة المضرّة.

ويلاحظ من جهة أخرى أنّ الشاهد المزعوم “شكري العلوي” الذي صرّح حرفيا بمحضر سماعه عدد 1387/2 المؤرخ في 22 نوفمبر 2009 : “شاهدت المتضررة.. تحاول المسك بأحد الأشخاص وتطلب منه التحوّل إلى مركز الشرطة.. ثم قام الرجل بدفع المتضررة والركوب في سيارته والانطلاق بها بعيدا”. أي إنّه لم يعاين صدمة سيارة لأخرى. لكن هاهو يصرّح خلاف ذلك صلب المحضر عدد 1387/8 المؤرخ في 24 أكتوبر 2009 إذ جاء قوله حرفيّا :

“إنّ الصورة التي تعرضونها عليّ الساعة هي لنفس الشخص الذي واكبت بتاريخ 22 أكتوبر 2009 اعتداءه على المتضررة والإضرار بسيّارتها”.

الخاتمة

لم تقم المحكمة التي نظرت في القضيّة بدورها في تطبيق القانون وبدت منحازة عبر رفضها السماح للصحفي توفيق بن بريك تقديم روايته للوقائع التي أنكر حصولها مثلما جاء بمحاضر البحث، بتعمّد مقاطعته عدة مرات بل وأمَرته بالسكوت عندما حاول شرح الخلفية الكيدية للقضيّة مشيرا إلى دور المصالح المختصّة في افتعالها. وواصلت انتهاك حقوق الدفاع عبر رفض مطلب التأخير الذي تقدم به عدة نائبين جدد في القضيّة، كما رفضت النظر في المطالب الأوّليّة التي قدمها بعض الذين مكنتهم من الترافع من المحامين، قبل أن ترفع الجلسة فجأة وتحجزها للمفاوضة متعمّدة حرمان العديد من المحامين، قبل أن ترفع الجلسة فجأة وتحجزها للمفاوضة متعمدة حرمان العديد من المحامين من الترافع في القضيّة.

صدور حكم بإدانة الصحفي توفيق بن بريك يوم 26 نوفمبر 2009 انتظره جميع النائبين في قصيّته بعد متابعتهم لفصولها المسرحية والتي قصّرت في توفير غطاء شرعيّ لعملية تصفية حساب مع صحفي مارس عمله بحرية وجرأة.

عن المجلس
عبد الرؤوف العيادي