11/11/2005

يصادف الحادي عشر من تشرين ثاني 2005 الذكرى الأولى لاستشهاد الرئيس الراحل والرمز الفلسطيني ياسر عرفات الذي قرر مجلس الوزراء الفلسطيني ضرورة إبقاء ملف وفاته، “مفتوحا حتى يتم التوصل الى الحقيقة كاملة بما في ذلك التفسيرات اللازمة للجوانب الطبية المشار اليها في تقرير اللجنة (لجنة تقصي الحقائق)، وسيبقى هذا من حق الشعب الفلسطيني ومن حق وواجب السلطة الفلسطينية.

” والحق يقال، أن الرئيس الراحل قضى شهيدا، ليدفع ثمن تمسكه بالثوابت الفلسطينية ورفضه التنازل عن الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف. فهو ورغم الضغوط الدولية المتكاثرة عليه لم يفرط بالحقوق وأصر على الصمود واختار الشهادة على الحياة الذليلة. وفي هذا الصدد نذكر ما ذكره محمد الدايه، الحارس الشخصي للرئيس عرفات من أن الرئيس “تعرض لضغوط عربية وأجنبية في قمة كامب ديفيد عام 2000 للموافقة علي سيطرة فلسطينية اسرائيلية مشتركة علي مدينة القدس المحتلة وخاصة علي الحرم القدسي الشريف.” واضاف أن “الرئيس رفض القبول بوساطة أمريكية لإقتسام القدس علي الرغم من مناشدات زعماء الدول العربية والعالم.

” وبعد عام من استشهاد الرئيس الشهيد، يصدق قول شاعرنا “وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.” وهو الرئيس الذي كتب عنه الصحافي الفلسطيني الشهير عبد الباري عطوان بالقول: “يصعب علينا، وربما علي الكثيرين من أمثالنا، أن نتصور عالما عربيا بدون ياسر عرفات بكوفيته وعقاله وعناقاته وقبلاته الحارة وبزته العسكرية، التي لم يغيرها علي مدي خمسة وثلاثين عاما، ومواقفه السياسية التي يصعب التنبؤ بمعظمها مسبقا.” “الرئيس عرفات أعطي الحياة السياسية العربية نكهة خاصة، اتفق معه البعض أو اختلف، وتصدر دائما العناوين الرئيسية في الصحف ونشرات الاذاعة والتلفزة، وكان الاقرب الي قلب الصحافيين، مثلما كان موضع نقدهم وتهجماتهم أيضا، لأنه المسموح انتقاده بل والتطاول عليه.

” وتابع عبد الباري، “شرعية الرئيس عرفات لم تأت بالوراثة، ولا عبر انقلاب عسكري، وانما من فوهة البندقية التي حملها علي مدي اربعين عاما ثائرا مقاتلا مجاهدا من اجل تحرير المقدسات، واقامة الوطن الفلسطيني المستقل. ثم تعززت هذه الشرعية عبر صناديق الاقتراع من خلال انتخابات حرة نزيهة باشراف دولي.

” وبدوره، يقول أحد اشد خصوم الرئيس الراحل، الكاتب إبراهيم حمامي، “إختلفنا مع عرفات على أسلوب ونهج وممارسة، لكنه كان صانع الأحداث وبطلها الأوحد لعقود خلت، رحل الرجل وبقي الشعب وقضيته.” وباعتقادنا أن الرئيس الراحل ترك فراغا يصعب شغره لما لهذا الرجل من قدرات قيادية فذة. وليس من المستغرب أن يعرب (%79.8) من أبناء الشعب الفلسطيني عن اعتقادهم أن مكانة الرئيس الراحل ياسر عرفات ما زالت راسخة في وجدانهم – وذلك حسب استطلاع رأي الشعب الفلسطيني الذي أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي ونشرته الصحافة الفلسطينية عشية الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده. وعليه، فان مرحلة ما بعد الرئيس ياسر عرفات، تتطلب الوفاء لتراثه الغني من خلال متابعة تقييم الأوضاع الداخلية وترتيب البيت الفلسطيني لمواصلة مسيرة النضال التي شقها الرئيس عرفات للوصول لبر الأمان لتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية بالعودة والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وهذا يتطلب الاتفاق على برنامج عمل وطني تجمع عليه جميع الفصائل والقوى السياسية المختلفة، ليشكل البوصلة الهادية، وتكريس مبدأ المشاركة السياسية واشاعة الحياة الديمقراطية من خلال إجراء الانتخابات التشريعية وبمشاركة الكل الفلسطيني ورفض أية تدخلات خارجية فيها، وتعزيز سيادة القانون لحماية الشعب الفلسطيني وممتلكاته من عبث الفاسدين.

ويتعين إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية عبر إعادة هيكلتها لتضم كل القوى والفصائل والشرائح السياسية المختلفة، لتمثل بالفعل الإطار الجبهوي الذي يحتضن ويضم الجميع في كنفه.

لا شك أن الجهود التي بذلت على الصعيد الداخلي الفلسطيني بعد عام من وفاة الرئيس، غير كافية وكانت دون مستوى طموح وأمنيات الشعب الفلسطيني الذي يعاني من انعدام الأمن وضعف مكافحة الفساد بمختلف أشكاله وبطء مسيرة الإصلاح. وفي الذكرى، علينا شحذ الهمم وتجديد التصميم على كشف ملابسات وفاة الرئيس أولا ومن ثم المضي في ذات الطريق وحمل نفس الأهداف التي قضى من اجلها الرئيس.