15/5/2006

بقلم: ناهد أبو سنينة، لمفتاح

على مدار سنوات القرن العشرين، تعرض الشعب الفلسطيني لعدة موجات رئيسية من التهجير والاقتلاع الجماعي، كان أبرزها في العام 1948 أثناء الحرب الصهيونية-العربية حيث هجّر حوالي (800.000) فلسطيني؛ وفي العام 1967 خلال العدوان الاسرائيلي، اقتلع حوالي (400.000) من أراضيهم. كما وتسببت الإجراءات والسياسات الإحتلالية المفروضة على الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 و1967 (مثل مصادرة الأراضي، هدم المنازل، مصادرة حقوق المواطنة، الإبعاد) في تهجير آلاف أخرى من الفلسطينيين.

تمثل الأغلبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من ديارهم في العام 1948 مع أحفادهم (أكثر من 5 ملايين) ويشكلون حوالي ثلثي الشعب الفلسطيني بأكمله.

وإذا ما أضفنا اللاجئين الذين طردوا في العام 1967 وأولئك اللاجئين المهجرين داخل الخط الأخضر، فإن ما يقارب من ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني قد هجروا على مدار الثماني والخمسون عاماً الماضية.

وبذلك فاللاجئين الفلسطينيين هم أكبر وأقدم مجموعات اللاجئين في العالم. ويقطن أغلبهم في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وقطاع غزة على بعد حوالي 100 ميل من منازلهم وديارهم الأصلية الواقعة داخل الخط الأخضر، وهم ممنوعون من ممارسة حقهم في العودة إليها. وتعارض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عودة اللاجئين الفلسطينيين، لرغبتها في الإبقاء والمحافظة على أغلبية ديمغرافية يهودية ساحقة وسيطرة يهودية كاملة على الأراضي.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الموجات المتكررة من التهجير والطرد لم تأت بطريق الصدفة أو عفوية الظروف، وإنما كانت نتيجة مؤكدة لمخططات صهيونية ودولية مبرمجة، حيث تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين ثاني 1947، (القرار رقم 181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة يهودية والأخرى عربية، رغم أن الجمعية غير مخولة بإصدار قرارات تتعلق بتقسيم البلدان، وعلى الرغم من أن أغلبية سكان فلسطين رفضوها، لكن الأمم المتحدة استمرت في تنفيذه غير مكترثة بعدم معالجة قانونية القرار، ومحدودية رؤية الخطة لماهية الحماية المطلوبة لأغلب الحقوق لكلا الدولتين، وكانت نقاط الجدل أن مضامين القرار 181 جائرة وغير منصفة: حيث أن حصة الدولة اليهودية المقترحة 56% من أرض فلسطين التاريخية رغم أن اليهود في ذلك الحين مثلوا أقل من ثلث السكان ولم يملكوا سوى 7% من الأرض!.

إن فشل المبادرة التي رعتها الأمم المتحدة، والحرب التي ترتبت على هذا الفشل في العام 1948، تسببت في اقتلاع حوالي 800.00 فلسطيني من حوالي 531 مدينه وبلدة وقريه، وبعد تأسيس الدولة العبرية، رفضت “إسرائيل” السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم التي هجروا منها وبذلك تكون قد صنعت كارثة انسانية عصيبة، يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي بأكمله والحركة الصهيونية في ذلك الوقت ودولة إسرائيل حاليا، حيث استولوا على ما لا يملكون واعتبروا المالكين غير موجودين وأراضيهم غير مملوكة، وأدوا بهم إلى الشتات.

وأصدرت إسرائيل العديد من القوانين على مدار سنوات احتلالها، تشريعات لها علاقة بحقوق المواطنة والجنسية والتي أثرت بشكل كبير في عملية منع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، هذا بالإضافة إلى سلسلة من قوانين “الأملاك المهجورة” من أجل طرد سلب اللاجئين ممتلكاتهم ومن ثم تحويلها إلى السيطرة اليهودية الكاملة.

أما عن أطر الحلول الدائمة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فهي مجسدة في التشريعات والقوانين الدولية، وبخاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 194 الصادر بتاريخ 11 كانون أول 1948، حيث أقرّ بحقوق جميع أفراد اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وتلقي التعويضات عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم.

وكانت الأمم المتحدة، قد أسست نظاماً خاصاً من أجل تسهيل تنفيذ الحل الدائم. حيث تم تشكيل لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين بناءاً على القرار 194 من أجل تنفيذ عودة اللاجئين وتعويضهم أو توطينهم بناءاً على اختيارهم الفردي الطوعي الحر. وبعد حوالي عام، تم تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأنروا” استنادا للقرار 302 لتسهيل الإغاثة وبرامج التشغيل للاجئين الفلسطينيين، لحين تمكن هؤلاء اللاجئين من ممارسة حقهم في العودة إلى ديارهم وأراضيهم التي طردوا منها.

بعد سنوات عديدة على تأسيسها، توقفت لجنة التوفيق عن تقديم الحماية للاجئين الفلسطينيين، ومرد ذلك بالأساس للرفض الإسرائيلي لعودة اللاجئين، ولغياب الإرادة الدولية للحفاظ على أبسط مبادئ القانون الدولي الخاص باللاجئين الفلسطينيين. وعلى أية حال، أكملت لجنة التوفيق عملية إحصاء وحصر ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين الفردية والجماعية وهي الآن مؤرشفة لدى الأمم المتحدة في نيويورك.

وبينما تقدم الأنروا مساعداتها بشكل واسع وتقوم بذلك بحماية حقوق اللاجئين الاقتصادية والاجتماعية اليومية، تسبب انهيار لجنة التوفيق المفوضة بحماية اللاجئين المسجلين وغياب دور المفوضية العليا لشؤون اللاجئين المفوضة بحماية اللاجئين غير المسجلين في خلق فجوة واسعة بين اللاجئين الفلسطينيين والحماية المشروعة لهم.

وفي الختام، فان حق العودة، دون بقيّة الحقوق الفلسطينيّة، بارز الأهمية ويمثل مفصلا رئيسيا ومركزيا في القضية الفلسطينية التي يتم تجزيئها وتحويرها عن طريق مصادرة وإنكار الكثير من الحقوق والقوانين الدولية بما فيها الحق المشروع بعودة اللاجئين.

إن الإنسانية جمعاء ودعاة حقوق الإنسان ومبادئ العدل والتعايش السلمي، تقتضي الالتفات الجاد لهذه القضية التاريخية. والشعب الفلسطيني واع لهذا الحق المحتم والذي لا يمكن إسقاطه بالتقادم.