5/10/2005
فريدة شهيد
موجز
رجوعاً على وجه الخصوص إلى العالم الإسلامي وتجربة الشبكة الدولية للمعلومات والتضامن والدعم: “نساء في ظل قوانين المسلمين”، تتناول هذه الورقة الديناميات المتقاطعة للقوة والهوية فيما يتصل بالنضالات من أجل تمكين المرأة.
العالم الإسلامي* داخل سياقه
أصبح شائعاً للغاية أن نتحدّث على الصعيد الدولي عن العيش في قرية عالمية. وعادة ما يكون المقصود من العبارة التعبير على نحو إيجابي عن الروابط القائمة حالياً على امتداد العالم وتماثل القضايا التي تواجه الشعوب المختلفة التي تسكنه وقدرتنا، من ثم، على الارتباط ببعضنا بعضاً.
وإذا كانت العبارة تنطوي على معنى المسؤولية الجماعية فإنها، على نحو أكثر براغماتية، تصف اندماج اقتصادات العالم في نظام عالمي يشبه بالفعل، عند تأمله، القرية، وخاصة قرى الجنوب التي أعرفها أكثر من غيرها.
فهو يتّسم، مثل أغلب القرى، بالاختلالات الهيكلية العميقة بين الرجال والنساء وبين مختلف الطوائف الاجتماعية castes والجماعات الإثنية (في حالة القرية العالمية، الدول والمجموعات دون مستوى الدولة) وبين نخبة صنّاع القرار وأولئك المجرّدين من القوة والنفوذ، كما أنه مكان كثيراً ما يشهد تطويق القواعد الديموقراطية بواسطة صنوف اللامساواة الراسخة فيما يتصل بالتوصّل إلى الموارد والمعلومات والقوة.
ومع ذلك فإن الطريقة التي يستخدم بها مصطلح ‘القرية العالمية’ تحمل معها دعوة واضحة ـ وإن لم تكن متبلورة ـ لأن يُلْقي الناس جانباً بهوياتهم العتيقة ويصبحوا مواطنين عالميين.
والواقع أن قريتنا العالمية تعصف بها على نحو متزايد نزاعات عنيفة مرتبطة مباشرة بقضايا وتوكيدات الهوية على مستوى الدولة وما دون مستوى الدولة، على النحو الذي تم تلخيصه على أبشع ما يكون في يوغوسلافيا السابقة ورواندا. وبينما يتصل الجانب الأكبر من سياسات الهوية بالإثنية،
فإن خطوط الصدع الإثنية، في ظل ظروف معيّنة، قد تُعَرَّف، أو تصبح مُعَرَّفة، على أسس دينية بحيث يندمج كلٌ من الإثنية والدين. وعلى سبيل المثال ففي سري لانكا اليوم يُنْظَر إلى السكان المسلمين المتمايزين إثنياً
كما ينظرون إلى أنفسهم، كجماعة ‘إثنية’ منفصلة. من الواضح إذن أن مواطني العالم ليسوا مستعدين تماماً للتخلّي عن الكيانات الأصغر حينما يُعرِّفون هوياتهم الجماعية.
والأرجح أن العالم، من ضمن أسباب أخرى، يعد كياناً على درجة من الاتساع وانعدام الشخصية من شأنها عدم السماح للفرد أن يتعلق به مثل تعلقه بمجتمع أصغر في علاقة تتيح المجال للتفاعل الشخصي المباشر والشعور بالتماثل مع أعضاء المجتمع. كما أن الناس لا يرون إجمالاً العالم كجمع غير متمايز من الأفراد.
وخلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الأخيرة، طُلِب إلىّ على نحو متزايد أن أتحدّث حول موضوع ‘الحركة النسائية في العالم الإسلامي ‘ أو أن أتناول باستفاضة ‘وضع ومكانة النساء المسلمات’. وبالنظر إلى ارتباطي بشبكة اسمها ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’، فإن هذه الطلبات مفهومة. لكنها مع ذلك تتركني شاعرة بشيء من عدم الارتياح.
ولعل مردّ ذلك جزئياً هو أن إعطاء مثل هذا الموضوع الواسع حقه يقتضي عمقاً واتساعاً في المعارف لا أزعم امتلاكهما، كما يعود عدم الارتياح جزئياً إلى أن صياغة مثل تلك الطلبات تنطوي ضمناً على افتراض دور مبالغ فيه للإسلام في حيوات النساء بينما يتم التمويه على تعقيدات الموضوع.
وتبدو فرضية العلاقة أحادية القطب بين الدين والنساء في العالم الإسلامي أكثر وضوحاً في عناوين مثل ‘اللاجئون في المجتمعات الاسلامية’ و’تحديد النسل في العالم الإسلامي’ و’الإسلام والنساء والتنمية’.
توحي هذه العناوين بأنه في الأمور المتصلة بالنساء (سواء تعلّق الأمر بقضايا الصحة أو التشغيل أو مأوى النساء المعنفات أو غيرها) فإن ثمة اختلافاً نوعياً يُعْزى إلى وجود الإسلام أو غيابه يفصل آلياً النساء في المجتمعات المسلمة عن غيرهن (ونناقش فيما بعد الاستخدام الإشكالي لمصطلح ‘إسلامي’).
وتفترض مثل تلك العناوين شمولية وتماثلاً لا يتواجدان ببساطة. كما أن مثل تلك الصياغة تفترض قدرة المسلمين بشكل أو بآخر على العيش في عالمٍ تُحدِّد معالمه الهوية الدينية وحدها، عالم يستثني غير المسلمين جميعاً وينعزل عن أية مؤثرات اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أخرى ذات صلة مثل أبنية القوة أو الثورة التكنولوجية أو ثقافة الاستهلاك، إلخ.
وبينما تحمل الإشارة إلى الحركة النسائية في بلد معيّن أو منطقة بعينها خطراً مماثلاً بالتبسيط المفرط، فإن لها ميزة الإشارة إلى مواقع جغرافية وليس إلى الالتزام المفترض بعقيدة، ومن ثم فإنها لا تقتضي ضمناً بنفس الدرجة من الوضوح مجموعة أحادية القطب أو محدّدة سلفاً من الافتراضات.
وإضافة إلى ذلك فإنه لم يسبق لي فيما أذكر أن أصادف إشارات إلى الحركة النسائية في العالم المسيحي أو الهندوسي أو البوذي أو الملحد رغم أن الدين يعد قضية تتناولها الناشطات والأكاديميات ممن قد يصفن أنفسهن بأنهن مسيحيات أو هندوسيات أو بوذيات أو ملحدات. وعوضاً عن ذلك فإن انشغال هؤلاء النساء بديناميات النوع الاجتماعي والثقافة يظل غير مصنّف بواسطة أية محدِّدات دينية.
ومن ثم فحين تتم الإشارة إلى ‘نساء العالم الإسلامي’ فلا يسعني سوى أن أتساءل أية نساء في أي عالم نقصد؟ الشيشان أم فيجي، جنوب أفريقيا أم تركيا، إندونيسيا أم لبنان، الهند أم الولايات المتحدة؛ القائمة طويلة للغاية ومعقّدة.
إن قرابة الـ1.2 بليون نسمة الذين يشكّلون ‘العالم الإسلامي’ تُفَرِّق بينهم الأبنية الطبقية والاجتماعية، والنظم السياسية، والهويات الإثنية والعرقية، والموارد الطبيعية والتكنولوجية والاقتصادية، والتاريخ المختلف (وذلك لكي نقتصر فقط على الخطوط الفاصلة الأكثر وضوحاً).
والنساء في هذا ‘العالم’ الذي يغطّي عدة قارات لسن بالكيانات ذات البعد الواحد التي يمكن تعريفها بالإشارة حصراً إلى نوع الجنس أو الهوية الدينية، كما أنهن لسن بالضحايا الصامتات والسلبيات.
بل إن النساء في المجتمعات والجاليات المسلمة، مثلهن مثل النساء في كل مكان، “فاعلات مكتملات يحملن النطاق الكامل من التناقضات التي تنطوي عليها مواقعهن الطبقية والعرقية والإثنية إضافة إلى نوعهن الاجتماعي”.
وتحدّد تلك التناقضات، إضافة إلى التأثيرات الشخصية، الكثير من الخيارات الشخصية والسياسية للنساء المسلمات، بما في ذلك مدى الأهمية التي تعقدها كل امرأة للدين في حياتها الشخصية والاجتماعية والسياسية.
وبالمثل فإن المكوّنات الأساسية للأبوية في المجتمع المسلم لا تختلف عن مثيلاتها في المجتمعات الأخرى، ويحدث خضوع النساء على أصعدة متعدّدة: في الأبنية المباشرة للأسرة وعلاقات القرابة، في مشروعات بناء الدولة، وكذلك على مستوى صنع السياسات دولياً.
ويتجلى الخضوع بغض النظر عما إذا كان الدين عاملاً مهماً لأن سياسات مثل برامج التكيّف الهيكلي، وهي بلا شك محايدة دينياً، تنتج مع ذلك تأثيراً متصلاً بالنوع الاجتماعي في ‘العالم الإسلامي’ كما في غيره.
إن هذه الأبنية وما تثيره من قضايا تربط النساء (والرجال) في العالم الإسلامي اللاتي يناضلن من أجل حقوق الإنسان الخاصة بالمرأة بالحركة النسائية العالمية وأجندة حقوق الإنسان.
وإذا ما أريد من عبارة ‘الحركة النسائية’ أن تشير إلى كيان متماسك، فإنه يستحيل إذن الحديث عن حركة نسائية في العالم الإسلامي. ذلك أن استجابات النساء لأوضاعهن المحلية في العالم الإسلامي واستراتيجيات البقاء التي يتّبعنها هي نتاج لشبكة معقدة من التأثيرات وتتنوع بتنوع واقعهن.
وتتراوح استراتيجياتهن بين التفسيرات الثيولوجية والرفض الجذري للدين، بين الاستراتيجيات الفردية لتأكيد الذات وتطوير السيرة المهنية والكفاح المسلّح. ينصب تركيز البعض على الصراع الطبقي والبعض الآخر على الهويات الإثنية بينما ترمي أخريات إلى الإبقاء على الوضع القائم.
تنتمي كثيرات إلى الحركة النسائية العالمية الأوسع، والتي تتكّون هي ذاتها من توجّهات وتيارات متعددة؛ وترفض أخريات هذا الاندماج.
والواقع أن التباينات من الوضوح بمكان بحيث تجيب سلفاً عن السؤال حول ما إذا كان ‘العالم الإسلامي’، وهو مصطلح يشير على نحو جماعي إلى خليط لا شكل له، متغيّر ومتبدّل، من الأفراد والمجتمعات (المتنافرة فيما بينها في كثير من الأحوال)، يعد مصطلحاً ذا معنى على الإطلاق؟
ومع ذلك، فإذا كان صحيحاً أن الأبنية الأبوية وما يصاحبها ويَنْتُج عنها من ممارسات تمييزية تتماثل داخل ‘العالم الإسلامي’ وخارجه، فإنه من الصحيح بالمثل أن الدين، بمقدار كونه قَسَمة بارزة لتعريف الناس لأنفسهم وثقافتهم، يؤثّر بالفعل على حدود حياة النساء والنطاق المتاح لتأكيد ذواتهن.
وفي كثير من أنحاء ‘العالم الإسلامي’ يعد الإسلام حقيقة يومية بالنسبة للناس؛ إنه جزء لا يتجزأ من طريقة تعريفهم لأنفسهم كمجتمع. ومن ثم فإن التمفصل الثقافي للأبوية غالباً ما يتم التعبير عنه (وتبريره) بالرجوع إلى الإسلام، رغم أن الإسلام قد يُعَرّف على نحو مختلف في المجتمعات المختلفة.
إن مواقف وممارسات الموالين للإسلام تتنوع وفقاً للهوية الإثنية والطبقية والطائفية. ويضاف إلى ذلك أن الإسلام يحمل في كل مجتمع بصمة لا تخطئها العين للثقافة الإقليمية والتقاليد السابقة عليه أو التي تم استيعابها عبر التطورات والتأثيرات اللاحقة.
ومن المهم التأكيد إذن على أنه بينما يؤثّر الإسلام بلا ريب على أنماط القهر والمقاومة في المجتمعات المسلمة، فإنه يفعل ذلك بطرق مختلفة في المجتمعات المختلفة، وعلى نحو يقترن دائماً بالأوجه الأخرى لتلك المجتمعات.
وهناك عاملان آخران يتعيّن أخذهما في الحسبان عند تناول مسألة النساء والهوية و ‘العالم الإسلامي’. أولاً، تقتسم المجتمعات التي تشكّل ‘العالم الإسلامي’، بلا استثناء تقريباً، تاريخاً من الاستعمار أو الحكم المهيمن والسيطرة.
وقد صارت أغلبها دولاً أمماً دون الإفادة من التطور التاريخي للأمة، كما كان عليها جميعاً أن تواجه في الوقت نفسه التحديات التي تطرحها عملية بناء الدولة والأعباء الناجمة عن تفكك الأبنية الاقتصادية الاجتماعية والنظم الثقافية المحلية.
وفي سعيها إلى إدراج المواطنين داخل الدولة، انتقت النخب السياسية (وهي نفسها متمايزة إثنياً ودينياً في كثير من الأحوال) بعناية “من بين نطاق لا نهائي من الهويات الثقافية الممكنة واحدة بعينها… بوصفها الهوية السياسية التي توفّر الفرصة الأكبر للنجاح السياسي”.
وحينما اتبعت مثل تلك الدول سياسات أدت، عوضاً عن تعزيز الحكم الديموقراطي والمساواة في المنافع والفرص بين مختلف مناطق الدولة وشعوبها، إلى تعميق اللامساواة بين الأقاليم (أو المناطق الحضرية والريفية) والتمييز بين مجموعات محدّدة داخل الدولة
فإن أولئك الممسكين بزمام السلطة حاولوا تأكيد سيطرتهم وقمع المعارضة ـ كما حاول المعارضون تعبئة الناس من أجل الوصول إلى السيطرة على الدولة أو تحقيق الامتيازات ـ عبر الاحتكام إلى الهوية الدينية أو الإقليمية أو الإثنية.
ثانياً، يبدو أن أرضية السياسة في ظل ‘النظام العالمي الجديد’ قد انتقلت من تعريف طبيعة الدولة وتحديد النظام الاقتصادي الاجتماعي والسياسي الملائم إلى محاولة تحقيق أفضل صفقة ممكنة في ظل النظام القائم.
ويعزّز هذا التحوّل النزوع نحو طرح المطالب على أساس الهوية وليس عبر أجندة سياسية واضحة المعالم تبلور برامج اقتصادية واجتماعية.
وتؤدي بلورة المطالب على أساس الهوية إلى المزيد والمزيد من علامات التمايز التي تعيّن الحدود بين المرء أو الـ’نحن’ وأولئك الذين يتم تعريفهم بوصفهم ‘الآخر’، وهو آخر يُعَرَّف بعدائية على نحو متزايد.
وبالنسبة للنساء اللاتي كثيراً ما يُنْظر إليهن كمستودعات للثقافة، فإن قضية الهوية بالغة الأهمية. إن تمكين النساء يتحدى وتتحداه في ذات الوقت القضايا الثقافية والسياسية المتصلة بالهوية/الهويات: كيف تتكوّن الهوية؛ من الذي يعرّفها؛ ما هو موقع تعريفات النوع الاجتماعي من تعريفات الجماعة (وتعريفات الأنا الجماعية والشخصية)؛ وكيفية تفاعل تلك التعريفات على المستويات المحلي والإقليمي والدولي.
لجميع هذه العوامل آثار مباشرة على النساء الراغبات في إعادة تعريف محدّدات حياتهن. وتحظى الديناميات التي تستند إليها تعريفات الذات والنوع الاجتماعي والجماعة بالأهمية في كل مكان إذ أن كل مجتمع عليه التعامل مع حقائق ثلاث غير قابلة للجدل ولا مفر منها: الميلاد والحياة وواقع الجنسين.
ومن ثم فإن تعريفات النوع الاجتماعي تكون بالضرورة جزءاً من الثقافات جميعاً، وهي بهذه الصفة تعد من ضمن المكونات الأساسية للهوية الجماعية لأي مجموعة. وهكذا فحينما تسعى النساء إلى توسيع الفضاء المتاح لهن كنساء عبر رفض وإعادة تعريف الأدوار المحدّدة لهن سلفاً، فإنهن لا يقتصرن في الواقع على تحدي حدود حياتهن ‘فقط’.
فإذا كانت الثقافة هي تعبير عن الهوية الجماعية، وإذا كان على المجتمعات جميعاً أن تعالج قضايا النوع الاجتماعي، فإن إعادة تعريف النوع الاجتماعي تقتضي تلقائياً إعادة تكييف الثقافة والجماعة الأكثر اتساعاً المعنيتين، وذلك بغض النظر عما إذا كان المجتمع محل النظر ديناميكياً أو راكداً، قديماً أو معاصراً، ملحداً أو متديناً، وبالطبع مسلماً أو غير مسلم.
إنشاء شبكة
وإنه لفي سياق الهوية التي كثيراً ما يتم تعريفها عبر السيطرة وليس عبر التعبير الذاتي التلقائي أن تم إنشاء “نساء في ظل قوانين المسلمين” كشبكة دولية تضع نفسها داخل النضال العالمي من أجل تمكين المرأة بينما تعالج قضايا ‘العالم الإسلامي’ بغرض الكشف عن الاختلافات وإبراز التناقضات التي يميل المصطلح إلى محوها، وديناميات السيطرة العاملة داخله.
وترمي الشبكة إلى توفير أداة للدعم المتبادل بين النساء المناضلات من أجل توسيع فضائهن وإعادة تعريف حيواتهن مع الإقرار في الوقت ذاته بالظروف والعوامل المتنوعة التي تواجهها النساء والتي تؤثّر على استراتيجيات التغيير الشخصية والسياسية التي يتبعنها.
ويستند إنشاء شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ إلى فهم للطرق التي تتقاطع بها مهام تمكين النساء وتحدي السيطرة الأبوية مع قضية الهويات الجماعية. إن صنوف السيطرة التي تمارسها الجماعات على أعضائها تنشئ (وفي بعض الأحيان تكبح) توترات ربما تواجدت بين الأفراد من النساء (والرجال) ومجتمعاتهن.
تقتسم الشبكة هذا التركيز على قضايا الهوية، وتعمل عن كثب مع شبكات ومجموعات أخرى من النساء عبر أنحاء العالم، بما في ذلك تلك التي تعالج قضايا مماثلة تنشأ عن نمو الأصوليات الجديدة التي تستند إلى أيديولوجيات يمينية، دينية و/أو إثنية و/أو شمولية.
وتشمل تلك الشبكات والمجموعات الأخرى ‘نساء ضد الأصولية’ و’كاثوليك من أجل الاختيار الحر’ و’مكافحة الطائفية’ والعديد من البرامج والمنتديات التي تعالج قضايا القانون والعرف والتنمية مثل برنامج ‘النساء والقانون في أفريقيا الجنوبية’.
وكون أن الشبكة، على الرغم من اسمها الثقيل نوعاً ما والذي صيغ لكي ينقل معناً بعينه، كثيراً ما تُفْهم على نحو مخفق وغير دقيق كشبكة من ‘النساء المسلمات’ أو شبكة معنية بالـ’شريعة الإسلامية’، فإنما يعبّر ذلك عن الدور البالغ الحسم الذي يُفْتَرض أن الإسلام يلعبه في حيواتنا.
وتؤكد صنوف سوء الفهم هذه مدى صعوبة فكرتنا الرئيسية، ألا وهي تحدي أسطورة العالم الإسلامي الواحد المتراص الذي يسود فيه قانون ‘إسلامي’ واحد.
ففي اسم الشبكة وعملها، ينصب التركيز على النساء أنفسهن وأوضاعهن وليس على الخيارات السياسية الدينية التي قد يمارسنها. وليست جميع النساء المتأثرات بالقوانين الإسلامية من المسلمات.
فالعديد من النساء غير المسلمات يتأثرن بقوانين سائدة في بلدان ذات أغلبية مسلمة، وذلك بغض النظر عن الانتماء الديني لهؤلاء النساء. وتطبق القوانين الإسلامية على أخريات بواسطة الزواج أو عبر أبنائهن، وقد لا يختار بعضهن تعريف أنفسهن بأنهن مسلمات على الإطلاق، مفضلات محددات أخرى للهوية السياسية أو الشخصية.
والنساء اللاتي يرتبطن عبر شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ يعشن في بلدان يعد الإسلام فيها دين الدولة وفي مجتمعات محلية مسلمة تحكمها قوانين الأقلية الدينية؛ وفي دول علمانية تشهد تواجداً سريع الاتساع للإسلام يستثير على نحو متزايد المطالبة بالقوانين الدينية؛ وفي جاليات مسلمة مهاجرة في أوروبا والأميركتين وأستراليا.
وقد تحدّدت معالم الشبكة عبر الحملات المحدّدة الداعية لحقوق الإنسان التي أدت إلى إنشائها وبواسطة تحليلات وخبرات النساء (وكذلك الرجال) المنخرطات في عملها. وجاء الحافز المباشر في عام 1984 عبر عدد من الأحداث المنفصلة في مختلف أنحاء العالم اتصلت جميعاً بحقوق النساء والقوانين والمجتمعات المسلمة.
ففي الجزائر، كانت ثلاث نساء قد حُبِسْن من دون محاكمة لأنهن ناقشن مع غيرهن مضامين مجموعة جديدة من قوانين الأحوال الشخصية كان من شأنها تقويض حقوق النساء على نحو خطير.
وفي الهند تحدت امرأة قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية القائمة أمام المحكمة العليا على أساس أن تلك القوانين تنتهك حقوق النساء المسلمات الدستورية بوصفهن مواطنات. وفي أبو ظبي حوكمت امرأة سري لانكية وأدينت بارتكاب الزنا وحُكِم عليها بالرجم حتى الموت بعد شهرين من ولادتها.
وفي أوروبا كانت ‘أمهات الجزائر’ (وهي مجموعة كونتها نساء طُلِّقن من رجال جزائريين) يسعين لزيارة أبنائهن أو الحصول على حق حضانتهم.
وباستثناء المرأة المحكوم عليها بالإعدام في أبو ظبي، سعت الأخريات جميعاً وحصلن على الدعم الدولي لنضالاتهن وقضاياهن المحلية من داخل العالم الإسلامي وخارجه.
ومن بين المشاركات في الحملات، فإن نسوية من العالم الإسلامي رأت من خلال هذه الحملات الدولية الفعالية التي يمكن للدعم المتبادل بين النساء في العالم الإسلامي أن يحظى بها في تعزيز النضالات المحلية للأفراد والمجموعات. وهي راحت تنشئ بمفردها روابط عبر البلدان والثقافات من أجل إيجاد نظام دعم كهذا.
وخلال اجتماع نسوي في أمستردام قابلت حفنة من النساء الأخريات من العالم الإسلامي. ومن غير المرجّح أن يكون هؤلاء النساء قد نظرن إلى أنفسهن في ذلك الوقت بهذه الصفة، أي كـ”نساء من العالم الإسلامي”، إذ أن المشترك بينهن تمثّل في رؤية نسوية أممية مشتركة جاءت بهن إلى الاجتماع وليس مجتمعاتهن الأصلية.
وعلى كل الأحوال فقد توصلت النساء بسرعة في نقاشاتهن الجماعية للمجموعة التالية من الاستنتاجات والتي لا تزال حتى اليوم تشكل أساساً لأنشطة الشبكة:
1) على الرغم من التنوع الهائل بين حيوات النساء في السياقات الإسلامية المختلفة, فإن حياة كل امرأة تتأثر ولا شك بهذا القدر أو ذاك بقوانين وأعراف يقال عنها أو ينظر إليها بوصفها إسلامية داخل السياق الخاص لتلك المرأة؛ وتعد الأعراف بمثابة مكونات مماثلة في أهميتها وقوتها للقانون ذاته بالنسبة للسيطرة على النساء، كما أن العديد من النساء غير المسلمات يتأثرن، لأسباب عدة، بتلك القوانين والأعراف،
2) وبشكل عام فقد استُخْدِم التداخل بين القوانين والثقافة والدين من قِبَل الرجال والدولة في ظل نظم سياسية متنوعة للإبقاء على السيطرة الأبوية على النساء؛ وشهدت السنوات الأخيرة نزوعاً متزايداً للقوى السياسية داخل الحكم أو خارجه لصياغة أو طرح مطالبات بتشريعات وسياسات
ومطالب يتم تبريرها بالرجوع إلى الإسلام وتحد ـ من بين أمور أخرى ـ من استقلالية النساء وحقوقهن؛ وعلى حين أن الصراع الكامن وراء ذلك ليس دينياً وإنما تسابق على القوة والتفوق السياسيين، فإن الاستخدام السياسي للإسلام كثيراً ما تكون له آثار سلبية على قدرة النساء على التدخل دفاعاً عن حقوقهن،
3) وقد ناضلت النساء بنشاط (كأفراد وكمجموعات) ضد القيود التقليدية وتلك المفروضة حديثاً على السواء، بيد أن الظروف فرضت عليهن غالباً خوض تلك النضالات منعزلات بعضهن عن بعض. وتضخم هذه العزلة من هشاشتهن وتعد عاملاً مهماً من شأنه عرقلة التدخل الفعال والحد من تأثير نضالاتهن.
ولم يتمثل التحدي كما عرّفته المجموعة في كيفية تعبئة النساء المتأثرات بقوانين المسلمين، وإنما كيفية تعزيز النساء إذ يواصلن نضالاتهن المستمرة.
ووقع الإجماع على إنشاء شبكة يمكنها الإسهام في كسر عزلة النساء عبر توفير المعلومات والتضامن والدعم، مع تمتعها في الوقت ذاته بالسلاسة والمرونة اللازمتين لكفالة استقلالية كل امرأة أو مجموعة في صياغة الأولويات والاستراتيجيات وفقاً لفهمها لظروفها الخاصة.
وتتيح سلاسة الشبكة الجمع بين آراء وخبرات متنوعة ومتفاوتة للعمل على بلوغ أهداف مشتركة وطرح رؤى نافذة وتوليد أفكار واستراتيجيات جديدة. ولعل من المهم أن الشبكات يمكنها تحقيق ذلك دون أي إلزام يفرض التجانس بين المشاركين أو يمارس أي سيطرة على اختياراتهم الشخصية و/أو السياسية.
ويتم تعريف المشترَك داخل شبكة “نساء في ظل قوانين المسلمين” داخلياً عبر التحليلات والأهداف وخارجياً عبر مكافحة نظام أبوي يتم تبريره تقليدياً بالرجوع إلى الإسلام.
على أن المشترَك هذا يتم تلطيفه عبر تفهم أن النساء الأفراد سوف تكون لهن استراتيجيات وأولويات مختلفة عند تحدي القهر الممارس ضدهن؛ وأن الاختيار الذي تمارسه إحداهن قد لا يكون هو الاختيار الأفضل لأخرى. بل إن مثل هذا الاختيار قد لا يكون وارداً أصلاً بالنسبة لامرأة أخرى.
ومن ثم فإن الشبكة تستطيع الجمع بين نساء يعرّفن نضالهن على أسس علمانية بحتة وأخريات يفضلن العمل من داخل إطار الدين لاقتسام الخبرات والتعلّم من بعضهن بعضاً على الرغم من اختلافاتهن.
عن الهويات الجماعية والشخصية ـ آليات السيطرة على هوية المرأة
تستخدم الشبكة قصداً كلمة ‘مسلم’ بدلاً من ‘إسلامي’* للتأكيد على أن القوانين من صنع الرجال في الواقع وليست مقدّرة سلفاً، كما تستخدم ‘قوانين’ في صيغة الجمع بدلاً من ‘قانون’ للتعبير عن الطبيعة المعقدة للقضايا المطروحة فضلاً عن تنوع الأوضاع التي تواجه النساء.
أولاً، تتنوع القوانين المصنفة على أنها إسلامية بين بلد وآخر، وأحياناً على نحو جذري.
وثانياً، فإن عدداً من البلدان لديه مجموعتان رسميتان أو أكثر من القوانين المعترف بها رسمياً: قانون مدني، وديني (كما في الهند أو الفلبين)، وعرفي (كما في السنغال). وقد تمنح أو تسلب كل مجموعة من القوانين النساء حقوقاً مختلفة. وتتصل أغلب هذه القوانين بالأحوال الشخصية.
وفي بعض الأماكن يحق للزوجين اختيار تسجيل زواجهما في ظل قانون أو آخر (سري لانكا، السنغال). وفي أماكن أخرى تستبعد القوانين المتوازية الاختيارات الشخصية (باكستان).
وثالثاً، وهو الأهم ربما، فإنه إضافة إلى القوانين الرسمية المتوازية أياً كان عددها توجد أيضاً أعراف وتقاليد غير رسمية تعمل داخل كل مجتمع وهي ربما كانت مساوية للقوانين في الأهمية، إن لم تفقها، في السيطرة على حيوات النساء.
ولأغراض الشبكة، يُنْظر لهذه الأعراف بوصفها قوانين غير مدونة. وبهذه الصفة فإنها تندرج تحت عنوان ‘القوانين’.
وفي كل مجتمع فإن مجموع القوانين الرسمية وغير الرسمية ـ خاصة في مجال الأحوال الشخصية والعائلية المهمة بالنسبة لتعريفات النوع الاجتماعي ـ يحدّد إلى حد كبير ما هو ممكن وما هو غير مرجّح (إن لم نقل مستحيلاً) على المستويات الشخصي والجماعي (نسبة إلى الجماعة) والقومي.
وسواء كانت رسمية أو غير رسمية، تعمل عبر الأمر أو النهي، فإن القوانين تطرح مثالاً للمجتمع، وفي إطار طرح هذا المثال تتبدى الجذور والتعريفات الثقافية للأنا الجماعية على هيئة قانون تشريعي وممارسات عرفية على السواء.
وبهذا المعنى فإن ‘قوانين المسلمين’ تمتد لأبعد كثيراً من المحدّدات الضيقة للـ’قوانين’ التي تعالج الأحوال الشخصية والعائلية؛ إنها تمتد لتحكم العلاقات بين الأفراد والبيئات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية التي يتركزون داخلها.
ويندر أن تكون القوانين الرسمية ذاتها محايدة إزاء النوع الاجتماعي سواء في نص القانون أو في تطبيقه. كما تُظْهِر القوانين تركيزاً مفرطاً على النوع الاجتماعي كجزء من الهوية الثقافية. ومن شأن أي استعراض وجيز للتشريع في أغلب أنحاء العالم الإسلامي أن يبيّن أن نطاق الشريعة الإسلامية محدود بشدة.
فالجانب الأكبر من التشريع المتصل بأمور مثل التجارة أو الدخول/الضرائب أو الشؤون الإدارية أو الخدمة العامة أو قطاعات عامة أخرى مثل الصرافة أو الجيوش النظامية أو الهياكل السياسية إنما يتمثل في قوانين ونظم موروثة عن السلطة الاستعمارية السابقة أو مستقاة من مصدر آخر.
وعلى النقيض من ذلك فإن القوانين الحاكمة للأحوال الشخصية والعائلية يتم ضبطها في جميع الحالات تقريباً عبر الفقه الإسلامي ويجري تبريرها بالرجوع إلى الأوامر الإسلامية. ولا يقتصر هذا التركيز على قانون الأحوال الشخصية كمكون رئيسي لهوية المجتمع (وهو تركيز له آثار مباشرة على العلاقات بين الجنسين) على دول الأغلبية المسلمة.
فالعديد من دول الجنوب أبقت على قوانين أحوال شخصية مختلفة لمختلف الجماعات. وعادة ما يتم تصوير الإبقاء على مثل هذا الفصل كتدبير يتيح مساحة للأقليات الإثنية/الدينية للإبقاء على هوياتها الثقافية.
ويندر الالتفات إلى كون مثل هذا الترتيب يتم على حساب نساء الجماعة المعنية. وإضافة إلى ذلك فإن الخطابات المتصلة بالنوع الاجتماعي قد صاحبت حتماً تقريباً الصراعات على السلطة. فقد كان النوع الاجتماعي مثلاً مكوناً رئيسياً للخطابات الكولونيالية ومابعد الكولونيالية.
ويمكن قياس قوة الممارسات العرفية أو القوانين غير الرسمية من جانبها من خلال غياب القيود القانونية في أغلب البلدان على زي النساء أو حراكهن أو دخولهن في مجالات معينة للتعليم أو العمل. بيد أن غياب التشريع لم يحل دون تقييد حياة النساء في جميع هذه الميادين في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة على السواء.
وتُفْرَض هذه القيود عبر عملية خاصة للتنشئة الاجتماعية تحدث في كل مجتمع، وهي عملية يتم بموجبها تعليم البنات/النساء (والبنين/الرجال) إضفاء الصفة الذاتية الداخلية على نطاق معقد من قواعد السلوك المقبول وغير المقبول.
وفي نهاية المطاف تتم طاعة هذه القواعد الاجتماعية من قِبَل الأفراد الذين يمارسون رقابة تلقائية على أنفسهم أو يجبرون أنفسهم على الطاعة خوفاً من العقاب البدني (أو غير ذلك من أشكال التأنيب) المترتب على الحيد عن القاعدة.
ومثلما هو الحال بالنسبة للقانون، فإن الجهل نادراً ما يمثل عذراً، ويمكن للعقاب على تخطي تلك القواعد غير المكتوبة لكنها ملزمة أن يكون قاسياً. ويحدث الشعور بتأثير مثل تلك القوانين المكتوبة على نحو غير متكافئ في الميادين التي يتم تعريف واختبار النوع الاجتماعي داخلها.
وترى توف بولستاد Tove Bolstad وهي نسوية نرويجية مثل تلك ‘القوانين غير الرسمية’ بوصفها “أحكاماً يتم الامتثال لها لأنه يُنْظَر إليها كواجب أخلاقي كما يتم العقاب على تخطيها عبر غضب بعض الناس مثلاً حينما لا يتم الوفاء بتلك الواجبات. وتنشأ مثل تلك النظم غير الرسمية باطراد في دوائر شبه المستقلة.
وتعد الحياة العائلية تحديداً… إحدى هذه المجالات”. وإذ تتحدث عن القوة الهائلة لتلك الأعراف في السياق النرويجي الذي يمكن الزعم بأنه يعرف بعضاً من القوانين الرسمية الأكثر حياداً إزاء النوع الاجتماعي،
فإنها تقول:
“تضم جميع الثقافات دوائر يستحيل على أبنائها داخلها ‘الاعتقاد بأنهم على خطأ’ ـ فالأمور بديهية وبينة بذاتها وطبيعية. وتعد هذه بمثابة مناطق ضمنية للصمت، للاتمفصل، إنها ساحات لا تقتحمها اللغة أو يُحْظَر فيها الكلام”.
وفي تلك المجتمعات التي لا يزال الدين يعمل داخلها كقوة مهمة في حياة الناس فإنه عادة ما يوفّر مظلة واسعة لتعريفات الأنا الجماعية
والأرجح هو أن الممارسات العرفية السائدة سوف تُطْرَح أو يتم قبولها بوصفها دينية بالأساس حتى لو كانت في الحقيقة معاكسة كلياً للعقيدة الدينية محل النظر. وهكذا يصبح أكثر استحالة بالنسبة للنساء وضع الممارسات القائمة موضع التساؤل أو ‘الاعتقاد بأنها على خطأ’.
وقد صار الآن موثقاً على نحو كاف في عدد من ال 18 بلدا التي جرى فيها برنامج البحوث التطبيقية “النساء والقانون في العالم الإسلامي” التابع لشبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ أنه في السياقات الإسلامية كثيراً ما يفترض أن الأعراف جميعاً تحظى بالتصديق أو القبول الديني.
وقد أنشئ هذا البرنامج من أجل عمل خريطة للممارسات العرفية والقوانين القائمة، إضافة إلى المبادرات النسائية المتصلة بها في نطاق متنوع من السياقات.
إن القوانين المحدّدة التي تحكم الأحوال الشخصية والعائلية تضع الحدود التي بوسع المرأة المسلمة داخلها أن تأمل في تعريف هويتها. ولما كانت قوانين الأحوال الشخصية/العائلية تحديداً توصف بثبات بأنها ‘إسلامية’ ويتم تبريرها بالرجوع إلى العقيدة أو الثقافة الإسلامية داخل سياقات ثقافية خاصة كثيراً ما تتنوع بشدة فيما بينها
فإن الهوية/الفضاء المحدّدين للمرأة يتمثلان في كونها ‘امرأة مسلمة’. ويُنْظَر بالتالي للشخص الذي يتحدى أي جانب من القانون المتصل بالأسرة أو الأحوال الشخصية باعتباره يفنّد، أو على الأقل يتحدى، تعريف المرأة المسلمة ذاته داخل سياقه الخاص.
إن خيوط الدين والعرف متحابكة بإحكام إلى حد أن ختان الإناث أو تشويه الأعضاء التناسلية للإناث على سبيل المثال يُنْظَر إليه، حينما تتم ممارسته بين المسلمين، كفعل ديني.
وواقع الأمر هو أن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث يمارس من قِبَل غير المسلمين والمسلمين على السواء، وأن هذا التدبير غير معروف لأغلبية المجتمعات المسلمة (التي ليس فقط لم تسمع به قط
وإنما كثيراً ما يصدمها، حينما تعلم به، أن تكتشف أنه يُنسب ولو من بعيد للإسلام). ومع ذلك، فبالنسبة للنساء اللاتي يعشن في مجتمعات تمارس تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، يعد تحدي تلك الممارسة بمثابة تحدٍ للعقيدة الدينية.
ومن جانب آخر، بيّن فريق ‘نساء جامبيا والقانون’ كيف أن الكشف عن وجود نساء مسلمات أخريات لا يمارسن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث قد دفع النساء للتساؤل بشأن وجود هذه الممارسة داخل مجتمعاتهن، حيث تم كسر حظر التفكير فيما لا يجوز التفكير فيه.
وهناك بالطبع أمثلة كثيرة، وإن تكن أقل إدهاشاً، لمثل تلك الاختلافات داخل العالم الإسلامي والتي تؤكد إلى أي مدى تؤدي العزلة إلى جهل الناس بمقدار ما قد تبدو عليها الممارسات ‘الإسلامية’ المحلية التي يتم التسليم بها داخل السياق الثقافي للمرء من غرابة من منظور آخرين داخل العالم الإسلامي. وعلى سبيل المثال، فإن نساء الشرق الأوسط لا يكففن عن الاندهاش إزاء الممارسة واسعة النطاق للدوطة* بين صفوف المسلمين في جنوب آسيا.
وفي بعض جوانب حياة النساء ربما يكون القانون الرسمي هو العامل الحاسم في السيطرة، وفي جوانب أخرى قد يكون هناك تأثير أكبر للـ’قوانين’ غير المدونة التي دمجتها النساء في دواخلهن، وتم الإبقاء عليها عبر الضغط الاجتماعي. بيد أنه من الواضح على نحو يثير الأسى أنه متى كان هناك مجال للاختيار عبر التعارض بين المبدأ الديني والممارسات العرفية أو قانون الدولة
فإن القاعدة الأقل مواتاة للنساء، تلك التي تمنحهم أقل الحقوق، هي التي سوف تُنَفّذ على الأرجح. وتشير هذه النزعة إلى أن الرغبة في السيطرة على النساء هي الباعث الأول الذي يرشد السلطات الأبوية بشأن هذه القرارات، وليس الاعتبارات الدينية أو غيرها.
وقد أرشد النمط ذاته من الاحتكام الانتهازي للاعتبارات الدينية السلطات الأبوية في باكستان، ويمكن التدليل على ذلك عبر أمثلة من باكستان (وهو سياق أعرفه أكثر من غيره) حيث تم تفضيل العديد من الأعراف على المبدأ الديني، أو تفضيل المبدأ الديني على القانون الرسمي.
وفيما يتصل بالممتلكات العقارية، كانت القوانين الكولونيالية البريطانية قد حرمت النساء المسلمات من حقهن المسموح به دينياً في التملك والوراثة (تم تبرير ذلك بالرجوع إلى الأعراف الهندوسية القائمة، ولكن اللافت أنه حينما تم تحدي ذلك بالنسبة للمسلمين كان التبرير من قِبَل الحكام الكولونياليين البريطانيين هو أن النساء البريطانيات لا يتمتعن بهذا الحق).
واليوم، وبعد خمسين عاماً من الاستقلال لا تزال النساء محرومات من الوراثة استناداً إلى الأعراف المحلية رغم أن القانون السابق كان قانوناً كولونيالياً غير إسلامي أنكر حقوقاً يكفلها الدين
ورغم تعديله لاحقاً لمنح النساء هذا الحق استناداً إلى المبدأ الإسلامي. ومن ناحية أخرى، وفيما يتصل بالطلاق، يتم الهزء بالقانون الرسمي استناداً إلى تفسيرات دينية.
وعلى حين يرفض قانون الدولة الرسمي التطليق الشفهي كإجراء مشروع للرجل المسلم الذي يطلّق زوجته، فإن ذلك يُمَارس ويحظى بالقبول اجتماعياً استناداً إلى الإسلام، رغم أن القانون الرسمي ذاته مُسْتَمد أيضاً من الفقه الإسلامي.
وأخيراً فقد تعاملت مجتمعات البنجاب المحلية تقليدياً مع الزنا عبر خليط من الزواج الجبري والنبذ الاجتماعي والإذلال العلني.
وقد أزيحت جانباً تلك الممارسات حالياً عبر إدخال قانون يفترض أنه إسلامي في عام 1979 يضبط الجماع الجنسي خارج إطار الزواج وينص على السجن والجلد والغرامات إضافة إلى ـ في ظل ظروف معيّنة ـ الرجم حتى الموت.
في هذه الحالة، تم التخلي عن الأعراف لصالح القانون الرسمي الذي ينتهك حقوق الإنسان ويميّز ضد المرأة على السواء.
وهناك مثال حي آخر من باكستان يبيّن اعتماد الخيار الأسوأ بالنسبة للنساء، ألا وهو حدوث تعدّد الزوجات (وإن يكن نادراً) بين صفوف المسيحيين الفقراء الذين استوعبوا ذلك من محيطهم ‘الإسلامي’ المهيمن. وفي المقابل عجزت الأقلية المسيحية حتى الآن عن التأثر بالأسس الأكثر ليبرالية للطلاق التي يتمتع بها نساء الأغلبية المسلمة.
هكذا فإن الطلاق يكاد يكون مستحيلاً بالنسبة للمسيحيين (إذ أن الأساس الوحيد المقبول هو الزنا، بيد أنه يعرّض أولئك الساعين للطلاق للوقوع تحت طائلة القوانين الراهنة المتصلة بالزنا التي أشرنا إليها أعلاه).
الهوية والساحة السياسية الأوسع
ويزداد تعقيد قضية الدين والنساء والحقوق بفعل استخدام الدين في الساحة السياسية. وكما ذكرنا في بداية هذه الورقة، فإن مفهوم العالم الإسلامي المتجانس هو أسطورة.
كما أنه على حين يشيع إطلاق صفة ‘إسلامي’ أو ‘إسلامية’ على دولة أو مجتمع أو جماعة (بغض النظر عن كون التسمية خارجية أو داخلية)، فإن واقع الأمر هو أن الدولة المشار إليها ليست إسلامية (على النحو الذي يتضمن معنى الأمر الصادر عن الكتب المقدسة الدينية) وإنما مسلمة (أي تتكون من أشخاص ينتمون إلى الإسلام).
واليوم، ومع بروز لغة دينية على نحو متزايد في الخطاب السياسي لمجتمعات مسلمة، فإنه لمن الأهمية بمكان الإصرار على هذا التمييز فضلاً عن وضع الادعاءات والادعاءات المضادة المتزايدة الصخب باحتكار عباءة الإسلام الصحيح داخل سياقها الحقيقي، ألا وهو التسابق على السلطة السياسية.
فالواقع أن هذه الادعاءات وما يصاحبها من ديناميات عنيفة في أحوال كثيرة ليست من الدين في شيء. فالأمر ببساطة هو أن الأحزاب والجماعات السياسية وجدت من الملائم استخدام لغة دينية للتعبير عن أجنداتها السياسية وتعبئة الدعم لها.
كما تجد هذه الجماعات السياسية الدينية أنه من المناسب أيضاً الاستشهاد بما يسمى ‘قوانين إسلامية’ مطبقة بالفعل في بلدان مسلمة مختلفة دعماً لمطالبتها الخاصة بقوانين ‘إسلامية’ أكثر صرامة، وتتسم جوهرياً بكونها غير ديموقراطية وتمييزية، وهي قوانين عادة ما تؤثر سلباً، ضمن أمور أخرى، على حقوق النساء والأقليات.
وفي إطار هذه الخلفية، فإن النظر إلى المشكلات التي تواجه النساء في المجتمعات المسلمة باعتبارها راجعة حصراً إلى الإسلام وإلى هويتهن كمسلمات ليس فقط بالأمر غير الملائم. إنه يعرقل فهم صنوف اللامساواة الهيكلية؛ ويستخف بجهود أولئك الساعين للتغيير داخل مجتمعاتهم (أحياناً على حساب حياتهم
وفي أغلب الأحيان على حساب حريتهم)؛ ويعتّم على مختلف القوى السياسية والاجتماعية التي كثيراً ما تتصارع فيما بينها في البلدان أو المناطق المعنية؛ وأخيراً تضع هذه النظرة المسلمين جميعاً في موضع الدفاع، ومن ثم تحبط إمكانية التحليل النقدي للذات الذي من شأنه أن يفضي إلى النمو والتغيير.
وبشكل عام تضع هذه النظرة ديناً في مواجهة نظم وهياكل، ويعود ذلك بالفائدة على أولئك الذين يعيّنون أنفسهم حاملين لعباءة الإسلام. وفي مقال يفحص وضع الإسلام في مواجهة الديموقراطية
تقول فاطمة مرنيسي:
“كلمات قليلة في القواميس السياسية والأيديولوجية المعاصرة، تلك التي تعرّضت للقدر نفسه من سوء الاستخدام والإساءة الذي لحق بالـ’إسلام’ من قِبَل المسلمين وغير المسلمين على السواء. فالمصطلح الذي يعني السلام والخضوع يثير الآن صور العنف والشمولية واللاعقلانية.
وعادة ما تتركز التأملات حول فرص السلام في الشرق الأوسط حول سؤال محرج في عنصريته: هل ينسجم الإسلام والديموقراطية؟ السؤال يختزل عدداً من التناقضات المعقدة ومتعددة الأوجه والشاملة بين الدول المسلمة والغربية في تعارض بين دين قروسطي ونظام سياسي حديث… [و] ينسب العقلانية للديموقراطية واللاعقلانية للإسلام”. (1995، ص 33)
لا يختلف هذا كثيراً عن تنظيم اجتماعات تناقش “الإسلام والنساء والتنمية” وتذهب إلى أن التنمية تعتمد على الإيمان الديني وليس على قدرة الدول على الحكم والوفاء بالالتزامات الناجمة عن العقد الاجتماعي والتفاوض في السوق الدولية؛ ووجود وقوة مؤسسات المجتمع المدني؛ والشكل السياسي لصراعات السلطة.
وقد نشأت شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ جزئياً كرد فعل إزاء ما كانت النساء الناشطات يخبرنه كشقي رحى: الضغط من عناصر ومجموعات رجعية تسعى لاحتكار الخطاب السياسي وفرض صيغتها الخاصة لـ’المرأة المسلمة’ والمجتمع المسلم داخل مجتمعاتنا وبلداننا من جانب
ومن جانب آخر الاضطرار لاتخاذ موقف الدفاع إما بفعل الربط البالغ السطحية بين الإسلام واللاعقلانية والتعصب وتعددية الزوجات من قِبَل العالم غير الإسلامي بوجه عام، أو الهجوم على الأقلية أو الجالية التي ينتمي إليها المرء بواسطة أقلية أو جالية أخرى داخل نفس البلد.
وتزداد صعوبة رفع الصوت ضد التمييز والقهر داخل صفوف الأقلية في ظل شعور المرء الذي تعزّزه الخبرات الفعلية بأنه ينتمي إلى أقلية تتعرض للهجوم.
ومن ثم فإن هذه الضغوط الداخلية والخارجية معاً تدفع نحو الصمت وتشجع عليه وتقوّض المبادرات الرامية إلى التغيير.
إن الأوّلية المعقودة للدين في العالم الإسلامي، سواء من قِبَل الأطراف الخارجية أو أولئك الساعين إلى السلطة (عادة بطرق عنيفة) تؤدي إلى تآكل قدرة النساء على تأكيد ذواتهن،
حيث أن هذا التركيز الزائف يصرف الانتباه بعيداً عن قضايا الأبنية والنظم التي تساعد في الإبقاء على خضوع النساء وإعطاء المصداقية للفكرة القائلة بأن ثمة نمط واحد للمرأة في بيئة مسلمة، وهو ما يعزّز مقولة ‘المرأة المسلمة’.
وبكلمات شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’:
“أظهر التفاعل والنقاشات بين نساء من مجتمعات مسلمة مختلفة أنه على حين توجد بعض أوجه الشبه، فإن مقولة العالم الإسلامي المتماثل هي فهم خاطئ يُفْرَض علينا…
وتتراوح أوضاعنا المختلفة بين الخلوة الصارمة المعزولة والصامتة بين أربعة جدران، والتعرّض للجلد العلني والإدانة بالإعدام على الزنا المفترض (والذي يعد جريمة ضد الدولة) والزواج الجبري في سن الطفولة، وصولاً إلى أوضاع تتمتع فيها النساء بدرجة أوسع بما لا يقاس من حرية الحركة والتفاعل والحق في العمل والمشاركة في الشؤون العامة فضلاً عن ممارستهن لقدر أكبر بكثير من التحكّم في أنفسهن…
لقد دُفِعنا خطأً للاعتقاد بأن الطريقة الممكنة الوحيدة للـ’وجود’ هي تلك التي نعيشها حالياً في كلٍ من سياقاتنا. إن حرماننا من مجرد الحلم بواقع مختلف يعد أحد أشكال القهر الأكثر إضعافاً التي نعانيها…”
كسر عزلة النساء
ليس الحلم بواقع بديل مسألة وحي أو إلهام فحسب. فلكي ما يكون بوسعهن مجرد تخيّل أوضاع مختلفة يتعيّن على النساء أولاً وضع المحدّدات المعطاة لحياتهن الراهنة موضع السؤال، وذلك بواسطة أمور عدة من بينها حل الخيوط المركبة للهوية المفروضة عليهن حالياً بوصفها كل لا يتجزأ.
وهنا فقط يجوز أن يأملن في إيجاد الفضاء الذي يتم فيه تخيّل تعريفات جديدة للذات. ومن شأن الحصول على معلومات عن القانون (وكذلك عن مصادر القانون) والممارسات العرفية والقوى السياسية والاجتماعية التي تحدّد واقع المرأة الراهن أن يسهّل هذه العملية.
وهكذا تتمثّل مهمة أوّلية لشبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ في محاولة كفالة أن النساء المتأثرات بقوانين وأعراف المسلمين بوسعهن التوصّل إلى هذا النوع من المعلومات، وذلك عبر جمع ونشر المعلومات بانتظام حول قوانين مختلف البلدان وإبراز الاختلافات بين القوانين والأعراف ونزع الإلغاز المحيط بمصادر كل منها.
ويتساوى مع ذلك في الأهمية اقتسام المعلومات بشأن الاستراتيجيات التي صمّمتها النساء فردياً و/أو جماعياً من أجل توسيع فضائهن وحقوقهن، وتبادل خبرات النضالات وما ينجم عنها من نقاشات وسجالات تلهم عبر تقديم النموذج أو الفكرة الثاقبة أو على العكس تشير إلى ما قد لا يثمر.
ويحتاج العمل على أساس هذه الأحلام بالتأكيد إلى مجموعة مختلفة من نظم الدعم. وتواجه شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ ذلك عبر ما تقوم به من أعمال التضامن والدعم.
وتندرج هذه في فئتين متمايزتين: الأولى هي حملات حقوق الإنسان الدولية في الحالات التي تتعرض فيها حقوق النساء للتهديد أو الانتهاك، سواء على المستوى الفردي أو بسبب قانون أو سياسة عامة قائمة أو مقترحة (مثل تلك التي دفعت لإنشاء الشبكة).
ورغم أن هذه الأنواع من الضغوط (مناشدات للتحرك العاجل) وحملات حقوق الإنسان أصبحت الآن من السمات المنتظمة لجماعات حقوق إنسان عديدة، فإنه لم تكن هناك عندما بدأت الشبكة سوى مؤسسات قليلة للغاية تدير مثل هذه الحملات بخلاف منظمة العفو الدولية.
وعلى أي حال فإن الإطار المحدّد لتدخلات منظمة العفو استبعد إلى حد كبير نوع القضايا التي أدارت شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ حملاتها حولها.
ويتجاوز النوع الثاني من تدخلات التضامن التي تقوم بها الشبكة الحملات الدولية لكي يقدّم المساعدة المباشرة للنساء الأفراد ممن يكون أبناؤهم قد خطفوا أو تحاول أسرهم فرض زواج جبري عليهن أو ممن ربما كانت حياتهن ذاتها موضع تهديد بسبب أفعالهن أو آرائهن.
وتتضمن مثل تلك التدخلات تحديد وتعبئة المحامين ومجموعات الدعم عبر البلدان والقارات وتسهيل الوصول إلى المأوى والأطباء والأخصائيين الاجتماعيين، ناهيك عن توفير الدعم المعنوي والعاطفي للمرأة وأسرتها.
وبهذا المعنى تعمل الشبكة كصمام أمان على الأقل بالنسبة لبعض النساء الساعيات إلى إعادة تعريف حياتهن سياسياً أو شخصياً.
وإضافة إلى النجدة المباشرة التي توفرها مثل تلك الأعمال للأفراد والمجموعات المعنية، فإن مجرد المعرفة بوجود مثل هذا الدعم تفتح نافذة تغيير محتمل لآخرين. وفي إطار هذا النوع الثاني من الأعمال
كما في أغلب عملها، تتعاون شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ عن كثب مع جماعات حقوق المرأة عبر أنحاء العالم، وتعمل عن وعي على بناء وتعزيز الروابط بين النساء عبر الحدود القومية والدينية.
إن الدعم الذي تحصل عليه وتقدّمه الشبكة في أعمال التضامن وغيرها من أبعاد أنشطتها يشق الحدود والحواجز التي قد تميّز بين النساء الناشطات دون أن تفرّق بينهن بالضرورة، مدلّلاً على الوجود الفعلي لحركة نسائية عالمية.
بيد أن ما يظل فريداً في شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ إنما يتمثّل في الدعم الأقل ملموسية الذي تقدّمه فيما يتصل باحتياجات الناس النفسية للانتماء إلى جماعة.
فحينما يدان تحدي القوانين ‘الإسلامية’ داخل المجتمع الخاص بالمرء بوصفه رفضاً للأوامر الإسلامية ولمفهوم المرأة المسلمة ذاته، و/أو حينما يدان تحدي الأعراف القائمة بوصفه رفضاً أو تحدياً لأساس تعريف المجتمع لنفسه
فإن أولئك الذين يجرؤون على وضع القوانين والأعراف القائمة موضع سؤال يواجهون على الأقل خطر النبذ، إن لم يواجهوا عقوبات أقسى.
وتستخدم آليات مماثلة للحفاظ على السيطرة الإثنية أو غيرها من أشكال السيطرة المستندة إلى الهوية على أبناء المجتمع).
وتعد هذه عقبة هائلة، إذ أن الخوف من الطرد خارج دائرة المجموع الذي تمثله الأمة أو الدين أو الجماعة الإثنية ـ أو من فقدان المرء لهويته ـ يدفع بالاتجاه المعاكس لتأكيد المرأة لذاتها وإقدامها على مبادرات التغيير.
وفي ظل هذه الظروف فإن وضع القوانين ‘الإسلامية’ موضع الشك أو رفضها أو محاولة إعادة صياغتها يكون بمثابة مهمة مخيفة خاصة بالنسبة للنساء اللاتي يحظين إجمالاً بأقل الموارد السياسية والاقتصادية كما يعد صوتهن الأضعف في صياغة التعريفات الثقافية للذات الجماعية (بما في ذلك الشؤون المتصلة بالقانون والأعراف والدين).
وبالتالي، فإذا كان بوسع النساء الاعتماد على دعم جماعة ما تعمل كمجموعة مرجعية بديلة، فإنه يصبح من الأسهل بكثير بدء خطوات تتحدى ما اصطلح تقليدياً على فهمه كـ’قوانين إسلامية’ داخل سياق بعينه.
وبينما تعطي المعلومات حول تنوّع القوانين والممارسات القائمة داخل العالم الإسلامي شكلاً ملموساً للبدائل المتاحة، فإن الصلات والروابط بالنساء من أجزاء أخرى من العالم الإسلامي داخل الحدود القومية وخارجها ـ والتي يبرهن وجودها ذاته على تعددية الأوضاع التي تعيشها النساء داخل السياقات الإسلامية ـ نقول إن هذه الصلات والروابط هي حافز مهم لإفراز الطاقة الخلاقة الرامية إلى تصوّر المرء لبدائل لذاته.
ومن شأن الروابط التي تقوم وتستمر عبر الشبكة أن تعمل إذن كمجموعة مرجعية بديلة للنساء اللاتي تربط الشبكة بينهن.
وتأمل شبكة ‘نساء في ظل قوانين المسلمين’ عبر فتح الأبواب لتعددية البدائل المحتملة أن تحقّق إسهامها الأهم بواسطة إمداد النساء بالمعلومات والدعم الملموس والأقل ملموسية الذي يحتجن إليه للتفكير فيما لا يجوز التفكير فيه والتساؤل حول ما هو مُسَلَّم به وبدء ممارسة حقهن في أن يعرّفن بأنفسهن محدّدات هوياتهن ومن ثم هويات مجتمعاتهن ـ أياً كانت طريقة تعريفهن لها.
إقرار:
نُشِرت هذا المقالة أصلاً في:
International Social Science Journal, Social and Cultural Aspects of Regional Integration (Blackwell Publishers/UNESCO 159/1999), pp 61-73.