20/2/2007
1. تابعت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان بقلق شديد التطورات التى شهدتها المبادرة التى أطلقتها مجموعة مكونة من أربعة ليبيين بتنظيم، فى إطارممارسة حقهم المشروع فى حرية الرأي والتعبير، وقفة سلمية فى ميدان الشهداء بطرابلس يوم 17 فبراير 2007. وتأسف الرابطة على العنف الذى استعملته السلطات فى تصديها لهذا العمل السلمى المعلن الذى شمل اعتقال إثنين، السيد الدكتور إدريس بوفائد والسيد المحامى المهدى صالح حميد، من الأربعة الذين دعوا لهذه الوقفة السلمية قبل موعد تنظيمها بيومين. وبهذا الإعتقال التعسفى تكون السلطة قد نجحت فى إجهاض هذه المبادرة التى لم تمثل اي تهديد للسلم المدنى أو للسلامة العامة أو للنظام العام أو للصحة العامة أو للآداب العامة. وتخشى الرابطة ان لا تكون السلطة قد نجحت فى فض الوقفة فقط بل نجحت أيضا فى ترجيح كفة المتشددين والمتطرفين من “اللجان الثورية” والعودة بهم الى واجهة الصراع مع القوة الديموموقراطية الداعية لاحترام حقوق الإنسان والى إصلاح جدى ..
هذه القوة الناشئة التى سجلت خلال السنوات القليلة الماضية خطوات إيجابية على طريق الإنفراج العام شملت إطلاق سراح العديد من سجناء الرأي واعترافات من أعلى قمة الهرم السياسى بقيام “اللجان الثورية” بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وبمسؤولية القائمين على الشأن العام فى نشر الفقر وتعميم الفساد. وتود الرابطة ان تنبه ان جميع الجرائم والنواقص التى ناقشها واعترف بها الجميع (من قمة السلطة الى قاعدتها) بما فيها انتشار الفقر واستمرار الفساد الإدارى والمالى وأيضا الأخلاقى وانتهاك ابسط قواعد حقوق الإنسان سوف تستمر طالما استمر المتطرفون فى منع الليبيين من التمتع بحقهم فى حرية الرأي والتعبيروبالوسائل السلمية التى يختارونها (وقفة ميدان الشهداء نموذجا). إن منع الناس من الإدلاء بآراءهم فى حرية وفى الوقت الذى يختارونه والمكان الذى يقررونه وبالوسائل السلمية الملائمة لهم هو سبب ومسبب الفقر وجميع أنواع الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان … إنها النتيجة الطبيعية لهيمنة رؤية المصلحة الشللية، بدل رؤية مصلحة الوطن، على مقدرات الشأن العام واستفراد نفر قليل، لا رقيب عليهم، بجميع القرارات بما فيها تلك الخاصة بتمتع الليبيين بحقهم فى حرية الرأي والتعبير.
2. إن الإستمرار فى انتهاك الحق فى حرية الراي والتعبير ومنع الراي الآخر، مهما كان هامشيا، من التعبير الحرسوف يحافظ على كل الأمراض التى استشرت فى المجتمع فى ظل هيمنة السلطة الأمنية على مؤسسات الدولة ومقدراتها ولن تنفع دعوات الإصلاح فى تغيير الأوضاع إلا إذا نجحت فى فرض احترام حقوق الإنسان وخاصة حرية الراي والتعبير وهي “أم الحريات ” التى يعكس التمتع بها، فى أي مجتمع، مدى التمتع بجميع حقوق الإنسان الأخرى. ولن يستقيم احترام حرية الراي والتعبير إلا إذا احترم الحق فى التجمع السلمى وتنظيم الوقفات مثل وقفة ميدان الشهداء التى احبطها أولائك الذين يراهنون على الإحتقان وعدم الإستقرار السياسى للحفاظ ، تحت ذريعة الأمن، على مواقعهم وثرواتهم وإفشال اي محاولة للإصلاح الديموقراطى وعرقلة أي مشروع لا يخدم مصالحهم مثل مشروع العقيد القذافى نفسه الخاص ب”إقرار الذمة المالية” لكبار مسؤولي الدولة بما فيهم مسؤولى “اللجان الثورية” و الأجهزة الأمنية (حاميها حراميها) الذين أرسو، فى غياب التمتع بحرية الرأي والتعبير، قواعد دولة على قياسهم “دولة الأجهزة الأمنية” وغنموا من خلالها ثروات خيالية على حساب قوت الفقراء. وتتوقع الرابطة ان ينجح اولائك الذين صوروا وقفة اربعة أشخاص فى ميدان الشهداء على كونها خطر داهم على النظام أن يجدوا المبررات المناسبة لتاجيلات جديدة لتاريخ استلام “إقرارالذمة” الى أن يفرغوه من محتواه و يحولوه عن أهدافه.
3. إن عودة هيمنة المتطرفين من “اللجان الثورية” على زمام أمور الشان العام، كما يشتشف ذلك من قرار الفض الإستباقى للوقفة السلمية، لن يترتب عليه الا المزيد من الإحتقان ومن إنتهاكات حقوق الإنسان. وسوف تعيق هذه الهيمنة أي برنامج للإصلاح ولن تسمح بأي حوار وطنى أو أي انفراج سياسى حقيقى يمكّن من إرساء ثقة جديدة متبادلة وتلاحم خلاق بين السلطة والناس وإزالة الحواجز بينهما وإنهاء الخوف المتبادل بينهما بشكل لن يعد فيه مكان للإستبداد والتسلط. إن أول مايهم هؤلاء المتطرفين هو تضخيم الأخطار الخيالية على أمن النظام واستمراريته كلما وجد بريق أمل لأي انفتاح مهما كان ضئيلا مثلما جرى مع وقفة ميدان الشهداء.
إن المطلوب الآن هو تحرير الدولة من القبضة الأمنية للمتطرفين وإعادة بناء مؤسساتها وإصلاح سلطتها وتغيير قواعد عملها فى اتجاه تكريس احترام حقوق الإنسان وإرساء قواعد الديموقراطية المبنية على التعددية السياسية والإقتصادية. إن التأمل الواعى هوالذى يميز الإنسان عن باقى المملكة الحيوانية وإن مجرد حرمان أي شخص من حقه فى التفكير وفى التعبير عن آرائه يعنى إنكار دوره التاريخى الحقيقى ومساواته بالحيوانات! وكل من يسير على هذا الدرب يرتكبون أبشع الآثام.