24/6/2007

1. أحيت جمهورية جنوب أفريقيا ذكرى مرور واحد وثلاثين سنة على “مظاهرة سويتو” التى نظمها فى 16 يونيو 1976، شباب من منطقة سويتو، التى كانت مخصصة أنذاك لسكن السود، للمطالبة بالحرية والمساواة والتنديد بنظام “الأبرتايد” أو الفصل العنصرى الذى لم يسمح لسنين، بأي هامش للحرية مهما كان ضيقا للأغلبية السوداء وحرمهم من أبسط حقوق المواطنة مثل حق الإنتخاب والترشح والمشاركة الحرة فى إدارة الشؤون العامة لبلدهم . واستعملت حكومة الأقلية العنصرية البيضاء كل أنواع العنف، بما في ذلك إطلاق الرصاص على المتظاهرين الشبان، ضد المظاهرة لتفريقها وفضها. وقد تسبب الإستعمال المفرط للعنف من طرف الأجهزة القمعية فى فقدان 23 شابا لحياتهم وجرح المئات وذلك باعتراف الحكومة الرسمى. وشكلت تلك المظاهرة معلما بارزا في تاريخ جنوب أفريقيا وكانت الشرارة التى انطلق منها العمل الذى قاد الى الإطاحة ديموقراطيا بالنظام العنصري فى 27 أبريل 1994 حين انتخبت أغلبية شعب جنوب إفريقيا بسوده وملونيه وبيضه، حكاما ومحكومين، بالإقتراع السري فى انتخابات حرة ونزيهة لم يستثنى منها أي مواطن مهما كان لونه أو معتقده او انتمائه الايديولوجى والسياسى وتحت إشراف دولى .. انتخبت برلمانا وطنيا كان أغلب أعضائه من حزب “المؤتمر الوطنى الإفريقى” بزعامة نيلسون منديلا. وكان أول قانون أصدره ذلك البرلمان هوإلغاء نظام الفصل العنصرى. وقد قررنفس البرلمان إعلان يوم “16 يونيو” (ذكرى مظاهرة سويتو) من كل عام عيدا وطنيا؛ “اليوم الوطني للشباب” يتذكر فيه شعب جنوب افريقيا تضحيات الشباب فى سبيل الحرية والديموقراطية التى عتقتهم من دكتاتورية وجبروت نظام الفصل العنصرى. ولا يفوت الرابطة ان تهنئ شباب جمهورية جنوب إفريقيا بمناسبة ال”16 من يونيو” وحثهم على المزيد من العمل من أجل تقدم الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان فى كل مكان.

2. وهناك تشابه كبير بين ما حدث فى سويتو، سجن كبير، فى يونيو 1976 وماحدث فى سجن بوسليم فى ليبيا فى يونيو 1996. لقد كانت سويتو، كبوسليم، سجنا حقا لأن السجون لا تقاس بمساحتها بقدر ما تقاس بالقيود التى تفرض على النزلاء فيها سواء كانوا هؤلاء فى سجن بوسليم الصغير أو فى “بنتستان سويتو” الكبير أو حتى فى جمهورية جنوب إفريقيا العنصرية الشاسعة. فقد كانوا سجناء بوسليم يشعرون، كشباب سويتو، بأن حقوقهم الإنسانية ليست محترمة وبأنهم يقاسون من غياب العدل ومن المعاملة الحاطة بالكرامة وسط إهمال من طرف السلطات الإدارية والسياسية لمطالبهم بتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية. وفى حين خرجت مظاهرة سويتو الى شوارع “المدينة ـ السجن” نظرا للمساحة الشاسعة التى تسمح بقدر لا بأس به من الحركة الطليقة للمتظاهرين اكتفى سجناء بوسليم بالتظاهر داخل العنابر نظرا لمساحة السجن المحدودة والقيود الصارمة التى يسهل وضعها لمراقبة حركة النزلاء فى مثل هكذا مساحة.

3. تنتهى هنا أوجه التشابه بين بوسليم وسويتو وتبدأ نقاط الإختلاف. ففى سويتو اطلقت الأجهزة الأمنية النار على المتظاهرين فقتلت 23 شابا وجرحت ما لا يقل عن 280 شابا وهو العدد الذى اعترفت به الحكومة فى بيان رسمى فى اليوم التالى لاقتراف جريمة القتل أي فى 17 يونيو 1976. أما مجزة بوسليم فلم يعلن رسميا، وبعد مرور 11 سنة على اقترافها (28 يونيو 1996)، حتى عن وقوعها ولم تصدر الحكومة الليبية أي بيانات رسمية عن ملابساتها أوعدد اولئك الذين فقدوا حياتهم فيها والذين يعدون، حسب بعض السجناء الذين نجوامن المجزرة، بما لا يقل عن (1200) ألف ومئتين سجين. وقد بقي ملف مجزرة سويتو مفتوحا حتى اعترف المسؤولون المباشرون عنه بجرائمهم والتى دونتها للتاريخ “لجنة الحقيقة والمصالحة” كحق لشعب جمهورية جنوب إفريقيا فى معرفة الحقيقة عن تلك الجريمة الشنيعة وعن الظروف والأسباب التى أفضت الى ارتكابها. أما فيما يخص مجزرة بوسليم فلا زال ، بكل أسف، التعتيم هو القاعدة حتى ولو حصل تطور خجول فى موقف الحكومة التى كلفت، خلال السنتين الأخيرتين، عملاء لها من الأجهزة الأمنية بالإتصال “سريا” ببعض الأسر، قدرعددها ب 300 أسرة، لإخطارها شفويا ب”موت” أو “انتحار” أقربائهم من سجناء بوسليم دون تحديد كيفية الموت او الإنتحار أوتاريخها ودون تسليم الجثة او أية معلومات حول مكان الدفن. وفى نفس السياق قامت حوالى 20 أسرة من أسر سجناء بوسليم، خلال الشهر الماضى، بتقديم دعوى قضائية ضد الحكومة الليبية لمحكمة بنغازى الإبتدائية تطالب فيها إلزام الحكومة بالكشف عن مصير ذويهم، الذين انقطعت اخبارهم بمجرد اعتقالهم فى بداية التسعينيات ، وتحديد أماكن تواجدهم، وأسباب اعتقالهم، وتمكينهم من زيارتهم إذا كانوا على قيد الحياة، أو إعلامهم بشكل رسمي بما آل إليه مصيرهم . هذا وقد طالب الإدعاء المحكمة برفض النظر فى هذه الدعوى مدعيا بأنها تتعلق بالسيادة التى ليست من إختصاص المحكمة. وقد أصدرت المحكمة اليوم الأحد 24 يونيو حكمها بعدم الإختصاص ورفض النظر فى الدعوى كما طالب بذلك الإدعاء العام.

4. يبدو ان الإعلام فى ليبيا لا يعرف او لا يريد ان يعرف نقاط التشابه بين مجزرة سويتو ومجزرة بوسليم وفى حين تستمر وسائل الإعلام فى التعتيم على ما جرى فى بوسليم لاتفوت الإعلام فى ليبيا فرصة دون إظهار ماجرى فى سويتو وكأنه مجزرة فريدة لا مثيل لها. ففى يوم السبت الماضى، 16 يونيو، “أحي” الإعلام الليبي الذكرى ال31 للمجزرة بنشر مقالات وأخبار حول مظاهرة سويتو منددة بالطريقة الهمجية التى قوبلت بها من طرف العنصريين البيض. حتى التلفزيون الليبى بدأ نشرات الأخبار، على غير عادته، بخبر حول إحياء جمهورية جنوب إفريقيا لعيد الشباب وزيارة الرئيس امبيكى لمكان مظاهرة يونيو 1976 بسويتو. وتنتهز الرابطة هذه الفرصة لتقديم الشكر لوسائل الإعلام على هذا الإهتمام المهم بسويتو وتأمل ان يستمر هذا الإهتمام ويتسع ليشمل جميع انتهاكات حقوق الإنسان فى العالم من دون استثناء الإنتهاكات التى تقع فى بلدنا ليبيا. وبما اننا على أبواب الذكرى الحادية عشر لمجزرة بوسليم تامل الرابطة ان يخصص الإعلام الليبى تغطية إعلامية واسعة لهذا الملف الوطنى العالق لا تقل أهمية عن التغطية التى خصصها لملف سويتو والذى أغلق منذ 27 ابريل 1994، تاريخ الإطاحة السلمية، عن طريق صندوق الإقتراع، بنظام الفصل العنصرى العتيد. إن رسالة الإعلام الأولى هوتسهيل تمتع المواطنين بحقهم فى “معرفة الحقيقة” حول ما جرى وما يجرى فى داخل بلدهم أولا ولا بأس بالتوسع فيما بعد لتناول مواضيع أقليمية ودولية مثل موضوع سويتو وغيرها لتوسيع تمتع الليبيين بالحق فى “معرفة الحقيقة”. أما ان يعالج الإعلام مواضيع إقليمية ودولية ويتجاهل ما يجرى داخل ليبيا من نواقص وانتهاكات فهذا ما لا يمكن للعقل تقبله باعتباره منطق معكوس لا يتماشى مع شرف وأخلاقيات مهنة الإعلام ورسالته وينتهك حق الليبيين غير القابل للتصرف فى “معرفة الحقيقة” والذى هو حق أساسى من حقوق الإنسان.

5. وللعلم فإن الحق فى “معرفة الحقيقة” هو إحدى حقوق الإنسان غير القابل للتصرف ويهدف أول مايهدف الى حماية وتعزيز احترام حقوق الإنسان من خلال العمل من أجل مكافحة الإفلات من العقاب للمسؤولين عن انتهاك تلك الحقوق. وهو حق غير قابل للتصرف فى معرفة الحقيقة إزاء الإنتهاكات الصارخة، كانتهاكات الحق فى الحياة لسجناء بوسليم مثلا، والجرائم الخطيرة التى ينص عليها القانون الإنسانى الدولى. وينص المبدأ الأول من “مجموعة المبادئ لحماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال العمل من أجل مكافحة الإفلات من العقاب” بأن على جميع الدول أن تلتزم ” بضمان الحق غير القابل للتصرف فى معرفة الحقيقة المتعلقة بالإنتهاكات”. وينص المبدأ الثانى بأن ” لكل الشعوب حقا غير قابل للتصرف فى معرفة الحقيقة عن الأحداث الماضية المتعلقة بارتكاب جرائم شنيعة وعن الظروف والأسباب التى أفضت، نتيجة الإنتهاكات الجسيمة او المنهجية لحقوق الإنسان، الى ارتكاب هذه الجرام”. أما المبدأ الرابع فينص صراحة على ان ” للضحايا ولأسرهم، بغض النظر عن أي إجراءات قانونية، حقا غير قابل للتقادم فى معرفة الحقيقة بخصوص الظروف التى ارتكبت فيها الإنتهاكات وبخصوص مصير الضحية فى حالة الوفاة أو الإختفاء”.

6. تنتهز الرابطة هذه المناسبة الأليمة؛ مناسبة إحياء الذكرى الحادية عشر(11) لمجزرة بوسليم والذكرى الواحدة والثلاثين (31) لمجزرة سويتو؛ الأليمة لتوجيه نداء عاجل للسلطات الليبية للعمل على: (أ) تعيين لجنة مهنية محايدة من شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة والأخلاق الحميدة للنظر والتحقيق فى أحداث سجن بوسليم فى يونيو 1996 وإعداد تقريرا مفصلا بها بغية تقديمه الى السلطات ونشره على نطاق واسع داخل ليبيا لتمكين الليبيين أخيرا من ممارسة حقهم غير القابل للتصرف فى معرفة الحقيقة. ويكتفى التقرير بسرد ومناقشة الأحداث دون الدخول فى تفاصيل تحديد المسؤوليات والتى هي من اختصاص القضاء المستقل وحده. (ب) اتخاذ ما يلزم من التدابير إزاء مرتكبي جريمة بوسليم ولا سيما فى مجال القضاء من خلال ضمان ملاحقة ومحاكمة الأشخاص المشتبه بمسؤوليتهم الجنائية، وتوفير سبل تظلم فعالة للضحايا وضمان تلقيهم تعويضات عما لحق بهم من ضرر واتخاذ ما يناسب من خطوات لمنع وقوع مثل هذه الأحداث فى المستقبل.

24 يونيو 2007