4/6/2007

يصادف الخامس من حزيران ذكرى مرور 40 عاما على العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة ووقوعهما ضحية الاحتلال الذي يعتبر الأطول في العصر الحديث. أربعون عاما مرت من حياة الشعب العربي الفلسطيني، عانى فيها ويلات التشرد والضياع وآلام القهر والقتل والعذاب وسلبه أرضه لا لذنب اقترفه، وإنما للتضحية به من قبل قوى إستعمارية لإجباره على دفع ثمن أخطاء وجرائم الآخرين.

وفيما يتعلق بقدس الأقداس، العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية العتيدة، فقد عانت على مدار عمر الاحتلال من سياسات الاستيطان والتهجير والتضييق والعزل عن محيطها الفلسطيني. ومن المفارقة أن تتعزز عملية العزل في ظل إنطلاقة مسيرة أوسلو “للسلام،” حيث شرعت قوات الاحتلال بمنع الفلسطينيين من الضفة والقطاع من دخولها، وباشرت بسحب بطاقات هوية أهلها الأصليين الذين هم في العرف الاحتلالي “سكان دائمين” في مدينتهم التي ورثوها أبا عن جد.

وهذا يقدم أنصع الأدلة على النوايا الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي حول عدم رغبته في إنهاء احتلاله للمدينة المقدسة، حيث طفق في تأجيل بحث مستقبلها للمرحلة النهائية من المفاوضات المعطلة منذ ما يزيد عن سبع سنوات، وراح يعزلها بجدار الفصل العنصري ليعزز سياسة التهويد وبالمقابل حرمان الفلسطينيين من مدينتهم المقدسة وتقويض أي إمكانية بأن تصبح تلك المدينة عاصمة لدولة فلسطين العتيدة.

فمنذ وقوع المدينة في الأسر الإسرائيلي عام 1967، تعرضت زهرة المدائن، العاصمة الروحية للأديان السماوية، لاستراتيجية إحتلالية ممنهجة هدفت لإفراغها من سكانها الأصليين وإحلال المستوطنين الغرباء مكانهم وطمس معالمها العربية الأصيلة. وما المخطط 2020 الهادف لإفراغ مدينة القدس العتيقة من الفلسطينيين، إلا لخير دليل على تلك السياسة البغيضة بحق الشعب العربي الفلسطيني.

ويتزامن مع هذه السياسات الاستراتيجية المعادية بحق المدينة المقدسة، غياب كامل لأية استراتيجية فلسطينية رسمية لتعزيز ثبات وصمود الفلسطينيين في مدينتهم العزيزة. فها هي المدينة تشهد هجرة المؤسسات الفلسطينية الفاعلة عنها. كما أنها شبه مغيبة عن الأجندة الفلسطينية وتراجعت عن أولويات العالمين العربي والإسلامي. وفيها يتعرض الفلسطيني المقدسي لشتى الضغوط المتعددة الأوجه من قبل المؤسسات الاحتلالية المختلفة لتنغيص الحياة عليه وحرمانه من العيش الكريم فيها لغرض إجباره على الرحيل.

وهذا يستدعي التحرك السريع من قبل القوى الفلسطينية والعربية والاسلامية والمسيحية، للتصدي لهذه السياسات الاحتلالية التهجيرية من خلال توفير كل أسباب الدعم والصمود لتعزيز ثبات المقدسيين في مدينتهم، والتأكيد على عروبة القدس والتصدي لسياسة فرض الأمر الواقع الإسرائيلية بسياسة فلسطينية مضادة لترسيخ القدس عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية، حيث لا يمكن أبدا قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة بدون القدس التي تشكل القلب النابض لها.

وعلى المجتمع الدولي واجب احترام التزاماته الدولية بالعمل على تطبيق مواثيق جنيف على الأراضي الفلسطينية المحتلة وبضمنها القدس، حيث “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال.” وهي المواثيق التي لا تجيز للقوة المحتلة استيطان الأراضي الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين عن أرضهم أو تغيير الطابع السكاني أو الاستيلاء على الممتلكات العربية فيها، والتي تعتبر الاحتلال غير شرعي ومؤقت.

كما ينبغي بالقوة المتنفذة في المحافل الدولية العمل على تطبيق عشرات القرارات الدولية المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة بصفة عامة، والقدس بصفة خاصة التي تعتبر القرار الإسرائيلي بضم القدس باطلا وغير شرعي، والداعية لإنهاء إحتلال الأراضي الفلسطينية.

وهذا يستدعي الأسرة الدولية الإسراع بالضغط على القوة المحتلة – إسرائيل – لإنهاء احتلالها الذي أخذ يتطور في الآونة الأخيرة لنظام فصل عنصري بغيض أسوأ مما كان الحال عليه في جنوب إفريقيا، بحسب وصف جون دوغار، المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو الوصف الذي يتفق معه القس الجنوب إفريقي ديسموند توتو والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر.

ولتكن مناسبة مرور 40 أربعين عاما على الاحتلال، البداية العملية لتضافر جهود محبي السلام وأنصار الحرية في العالم للتصدي والقضاء على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي سيء الصيت، ووضع حد نهائي لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ليل نهار بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني، ومحاسبة مرتكبيها، حتى يعود السلام لأرض السلام.

فبعد كل هذه الرحلة الطويلة من الآلام التي قدم خلالها الشعب الفلسطيني الآلاف من الشهداء والجرحى والمبعدين والملايين من النازحين واللاجئين، فقد آن الآون لإنصاف هذا الشعب العظيم الذي أثبت خلال مسيرته النضالية الطويلة أنه يقبض على حقوقه كمن يقبض على الجمر، وأنه متمرس في المحافظة على هويته الوطنية، وأن إرادته عصية على الكسر وأن القدس ستبقى حية في قلبه.