9/12/2006

تتجدد يوم الأحد 10 كانون الأول/ديسمبر ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان على السوريين هذا العام وهم في وضع لايحسدون عليه، إذ هو العام الأسوأ فيما يتصل بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي صار كثير منها غائباً عن الحياة السورية، أو أنها محط انتهاكٍ نتيجةَ السياسات الحكومية المتواصلة في البلد التي جعلت الفقر والبطالة في تزايد مستمر، وجعلت الفساد سمةً غالبة على ملامح الحياة السورية بمجالاتها المختلفة، والذي لم يكن ممكناً لولا غياب الحقوق السياسية خاصةً، والتي تمت من خلال نظام الطوارئ المعلن منذ عام 1963، والذي يمنع في جوهره الحق في تشكيل ونشاط الجماعات السياسية والاجتماعية، كما يمنع المشاركة الفاعلة والمستقلة في الحياة العامة، ويحد من الحريات في القول والعمل والانتقال والإعلام ويسمح باعتقال الأشخاص دون أساب قانونية ومحاكمتهم أمام محاكم استثنائية، ويجعلهم عرضةً لأحكامٍ سياسيةٍ لا قانونية. لقد آن للسوريين أن يخرجوا من سرداب حالة الطوارئ وتداعياتها، وآن لهم أن يحصلوا على حقوقهم كمواطنين في دولة حقٍ وقانون، فقد صار استمرار الوضع الراهن من مخلفات الماضي البعيد والبشع.

(مختصر من بيان إعلان دمشق المعارض في هذه المناسبة) نؤكد استمرار سياسة قمع الحريات واستمرار إعلان حالة الطوارئ وتفاقم الفساد والرشوة وتزايد جيش الفقراء والعاطلين عن العمل في سورية، وتواصل الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان، وانعدام الآمال في الإصلاح الذي يردده النظام، ونشير إلى معاناة الأكراد في سورية كالتجريد من الجنسية والتعريب والحزام الاستيطاني وإقصاء الأكراد من المشاركة في إدارة البلاد والبرلمان مما حدا بأعداد هائلة من الأكراد إلى التشرد والهجرة. (مختصر من بيان لجنة التنسيق المكونة من حزب آزادي وحزب يكيتي وتيار المستقبل الكردي في هذه المناسبة).

إن سوريا تمثل تحدياً حقيقياً لأننا رصدنا منذ مطلع العام الحالي ازدياداً في شراسة السلطات في الانقضاض على المعارضين السوريين. ( الناطق باسم هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/ أيلول 2006 ).

في رده على كلام حول وصف النظام الحاكم في سورية بأنه نظام ديكتاتوري بوليسي قمعي تسلطي استبدادي، وأن هناك عشرات المثقفين والسياسيين ممن يرزحون في المعتقلات لأكثر من عقود؟ قال وزير الداخلية السوري اللواء بسام عبد المجيد: لم يعد في سورية أي موقوف رأي .. هناك بعض الموقوفين الذين تجاوزوا القانون حتى أُخطِر إلي توقيف البعض منهم لمخالفتهم للقانون وليس لابداء آرائهم (صحيفة عكاظ السعودية 20 أيلول/سبتمبر 2006).

في رده على موعد الإفراج عن معتقلي الرأي في سورية؟ قال وزير الإعلام السوري/ محسن بلال إن “هذا السؤال ليس في محله”، مضيفاً: “ليس لدينا معتقلي رأي. (مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2006). في سورية لاوجود لسجناء رأي بل هنالك سجناء خالفوا قانوناً معيناً، وأحيلوا إلى المحاكمات في القضاء المدني، وأن لامشكلة في سورية حول التعبير عن الرأي. ( وزير إعلام النظام السوري السابق/ مهدي دخل الله في برنامج الجزيرة مباشر على قناة الجزيرة القطرية 11 نوفمبر 2006).

ونضيف لما سبق أن العديد من التقارير الصادرة عن جهات حقوقية لسنوات سابقة أكدت على: أن هنالك عشرات الآلاف تحقيقاً من المفقودين في ذمة النظام السوري ورقبته على امتداد أكثر من أربعين عاما ممن قضوا قتلاً وتعذيباً وذبحاً وحرقاً وسحلاً ومجازر فرادى وجماعات ممن لايُعرَف لهم مقر ولا قرار ومنهم من ينتظر.

وبربط الكلام الأخير مع تصريحاتٍ متتاليةٍ لعناصر الأمن والإعلام في النظام السوري السابق فيهم واللاحق، نفهم أن سجناء الرأي قد تمت تصفيتهم باعتراف رسمي حكومي ينفي وجودهم لديها أو أنها حولتهم سجناء متجاوزين للقانون تتم محاكمتهم كما قال السيد/ وزير الداخلية. وفي كل الأحوال يبقى النظام السوري مطالباً بالإجابة عن مصير عشرات الآلاف من المفقودين من مواطنيه لمخالفتهم قوانين النظام وتكسيرها.

إننا بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان نؤكد أن في سـورية عشرات الآلاف من المفقودين على يد النظام من السجناء بسبب الرأي والفكر أو بسبب تجاوز القوانين وتكسيرها، ومن ثمّ نؤكد على معرفة مصيرهم في الحالتين من قبل النظام. فإن لم يكونوا في السجون والمعتقلات أو لم يتبق منهم أحد حسب تصريح معالي الوزراء، فأين هم..!؟ هل جاءهم أجلهم..؟ هل قَضَوا تعذيباً أوتقطيعاً..؟ أم هل ماتوا خنقاً أو حرقاً..؟ أم هل قُتّلوا فرادى أم ذُبّحوا جماعات..؟ أم دُفنوا أحياءً !؟ أم يقضون محكومياتهم في السجون!!!

كما نطالب المنظمات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية بالكشف عن هذه الجرائم التي مورست وتمارس ضد الإنسانية ومحاسبة مرتكبيها أمواتاً وأحياءً وسوقهم إلى ساحات المحاكم الدولية.

فلئن كان النظام يماري ويجادل ويعاكس في محكمةٍ دولية يُعمل على إنشائها لمحاكمة قتلة الرئيس (الحريري) وغيره، لأنه لاعلاقة له بذلك حسب زعمه، ولأسباب أخرى يرى وجاهتها، فإن مما لاشك فيه يقيناً أن هنالك عشرات الآلاف من مواطنيه مفقودون وغير معروفي المصير ولاأماكن الدفن، ولم يسلّموا لذويهم على يد من لايوجد في سجونهم أحد من أصحاب الرأي الآخر ولا مكان في معتقلاتهم لأصحاب التوجه المخالف أو المعاكس وباعترافات رسمية.

النظام السوري في وضعه الحالي يترأس نظام الممانعة والمنازلة للمشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة كما يحلو له أن يقدّم نفسه لبعض الأحزاب العربية والإسلامية وأشخاصها ورموزها ممن يشدون أزره.

ومن ثمّ فإن نشر أنباء مجازره وتصفياته وتدميره وقتله لمعارضيه سابقهم ولاحقهم هذه الأيام بالذات لهو من أنسب الأوقات، لأنها سوف تدعم صموده وممانعته للأمريكان ومن يشد معهم، فيُرِي أعداء الله والأمة من نفسه القوة والهيبة والمنعة بأنه (قتَال قتله) وسفاك دماء، وجزار من طرازٍ مختلف أيضاً، ويساعد بذلك ويخفف أيضاً عن بعض المعارضين والمعتصمين اللبنانيين من أمثال خطيب جمعتهم الأستاذ/ فتحي يكن الذين يرون أن إسقاط المشروع الأمريكي في المنطقة يكون بإسقاط حكومة تسمح لمئات الألوف من المتظاهرين المعارضين والمعتصمين في التعبير والخروج إلى الساحات العامة، وتسخر الجيش وقوات الأمن لحمايتهم في مشهدٍ من مشاهد العصر، يبعث في النفوس أشجانها، ويثير في الصدور أشواقها، ويقول السورييون مالها، والقلوب من أدنى الأرض إلى أقصى الأرض ترى شاشات التلفازعبر الستالايت والأقمار الصناعية تُحدِّث أخبارها، عن حكومةٍ تبغي المعارضة إسقاطها، في دولة صغيرةٍ عظيمةٍ شامخٍ أرزها، تجاور نظاماً شمولياً من أعتى ديكتاتوريات العالم الحديث يتربصها، يصطف خلفه وخلفها، أناس من أمثال الأستاذ/ يكن وغيره، يرون فيها صخرةً سوف تتحطم عليها أمريكا والصهيونية ومشاريعها، ونذكرهم بمأثوراتهم أن للمقاومة شروطها، وللممانعة قواعدها، وللمنازلة نواقضها، والنظام الديمقراطي مدارها. النظام السوري بسجله الأسود ديكتاتوريةً واعتداءً على حقوق الإنسان لهو أعجز من أن يمانع ويقاوم، وقف معه من وقف، وسانده من سانده من قادةٍ وأحزابٍ أو مشايخ ورجال دين، واسألوا السيد/ سمير قنطار في سجون الاحتلال إن كنتم لاتؤمنون.

اللجنة السورية لحقوق الإنسان