4/6/2008
بعد واحد وأربعين عامًا من احتلال الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والجولان السوري، لا زال الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي ابرز معالم المشهد الفلسطيني، فيما أفق الحل السياسي يتأرجح بين الرغبة الإسرائيلية في الإبقاء على الأرض وبناء الاستيطان والجدار العنصري والسيطرة على الحدود والمياه ومصادرها في الأراضي الفلسطينية، وبين التمسك الفلسطيني بالحقوق الوطنية والقرارات الدولية التي كفلت هذه الحقوق إلا أنها لا تزال حبرًا على ورق في أدرجة الأمم المتحدة.
انتفاضتان شعبيتان ومفاوضات سياسية طول 17 عامًا لم تقنع حكومات إسرائيل المتعاقبة بأن الأمن والسلام لن يصبحا مشهدًا راسخًا دون إزالة أسباب التوتر وأساس كل الشرور في المنطقة، الذي يتجسد بجدار الضم والتوسع والفصل العنصري والمستوطنات واحتلال الأراضي الفلسطينية والجولان السوري، وهو القرار الاستراتيجي الذي لا يبدو أن إسرائيل قد اتخذته حتى الآن، فما تقوم به على الأرض من عدوان مستمر واعتقال وتدمير وقتل وحصار لقطاع غزة ونصب الحواجز وتوسيع المستوطنات خاصة في القدس المحتلة، لا يدل بأي حال على نيتها إنهاء الاحتلال.
أما العرب الذين خسروا الحرب في الخامس من حزيران من العام 1967، فغيروا إستراتيجيتهم، وبدأوا يمدون أياديهم نحو السلام مع إسرائيل، وطرحوا مبادرة السلام العربية التي بموجبها ينتهي احتلال كافة الأراضي المحتلة مقابل التطبيع الكامل ما بين العرب وإسرائيل، بل وخاضوا في مفاوضات سياسية بنوايا صادقة، للتوصل إلى حل سلمي للصراع. ولكن، يبدو أن عقلية الحرب التي سادت عقول ساسة إسرائيل في العام 1967 لا تزال هي نفس العقلية التي يسيرون عليها اليوم، فمقابل مبادرات السلام العربية، نرى تكثيف للاستيطان وتشديد للاحتلال وإجراءاته التعسفية، وهي الإجراءات التي عانى منها الشعب الفلسطيني على مدى عقود من الاحتلال، وهي عقلية نابعة من إستراتيجية عدوانية توسعية لا يمكن أن تؤدي إلى حل سلمي وامن واستقرار في المنطقة.
وأمام هذا الإستراتيجية الإسرائيلية التي يشكل استمرار الاحتلال أحد معالمها، يجب على الشعب الفلسطيني أن يدعم إستراتيجيته المتمثلة بالعمل السياسي والتفاوضي والدبلوماسي لإنهاء الاحتلال، بعوامل أخرى تتمثل بدعم صمود المواطن في أرضه وتوفير مقومات هذا الصمود، أمام الزحف الاستيطاني وجدار الفصل العنصري، والعودة إلى المقاومة الشعبية السلمية، وإعادة العمل تجاه تنشيط مجموعات التضامن الدولية، وتوسيع رقعة التضامن وأعداد المتضامنين من شعوب وحكومات العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته، إلى جانب العمل الدبلوماسي والقانوني على المستوى الدولي، لجهة مقاومة الاحتلال ومحاكمة مجرميه وقادته في المحاكم الدولية، وتفعيل التضامن الشعبي العربي والأوروبي والدولي، في جهد جماعي يسهم في تقصير وإنهاء أخر احتلال في العالم.
كما أن متابعة وتفعيل القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية بحاجة إلى جهد جماعي سياسي ودبلوماسي وقانوني أيضا، فالتوى التي أصدرتها محكمة العدل العليا في لاهاي بعدم شرعية الجدار، تحتاج إلى متابعة لتطبيقها على الأرض وبآلية وضغط دولي، ليصبح هدم الجدار غير الشرعي مهمة دولية، إلى جانب العمل على إعادة تفعيل قرارات الأمم المتحدة الداعية لإنهاء الاحتلال، بل والمطالبة من جديد بتوفير الحماية الدولية للعشب الفلسطيني.
أما داخليًا، فاستمرار الانقسام الحاصل بين شطري الوطن، الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعزيز الشرخ السياسي بين القوى، هو ابرز عوامل ضعف الموقف الفلسطيني الحالي، فدون استعادة الوحدة على أسس راسخة، مرتكزة على المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني، لا يمكن أن نصل إلى بر الأمان وإقامة الدولة المستقلة وإحقاق الحقوق الوطنية.