24/10/2008

خلال شهر يونيو 2008، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي عن ميلاد ما يسمى “البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين 2009-2012” بعد إنجازه من طرف مكتب للدراسات. وهو البرنامج الذي لازال من حيث تفاصيله سرا من أسرار الدولة، حيث أن النقابات لم تتوصل من طرف الوزارة إلا بالتقرير التركيبي، والأخطر في ذلك أن البرنامج يحصر مشاركة الفاعلين الأساسيين داخل منظومة التربية والتكوين في التطبيق لا غير !؟

وقد جاء البرنامج إثر صدور تقرير البنك العالمي وبتزامن مع تقرير المجلس الأعلى للتعليم اللذين أقرا بفشل المنظومة التعليمية بالمغرب. والملاحظ أنه يتعامل مع أزمة التعليم بصفتها قطاعية صرفة، وليست ذات ارتباط بالأزمة العامة للنظام على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يقدم أدنى جواب عن أسباب فشل كل محاولات “إصلاح التعليم” منذ اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1957 حتى الميثاق الوطني، إضافة إلى أنه أقصى كليا كل قوى المجتمع وفعالياته من المساهمة في التقييم والتقويم بالرغم من أن قضية التعليم تهم الجميع.

وبصرف النظر عما سبق، فحين دراسة البرنامج الاستعجالي يتضح وخلافا للعنوان أنه مخطط استراتيجي كونه لم يكتف بالوقوف عند بعض الثغرات والاختلالات لمعالجتها آنيا و ظرفيا؛ بل إن مقتضياته ستحكم القطاع لأمد طويل، وهو يتضمن تراجعات خطيرة تضرب في العمق مكتسبات راكمتها الشغيلة التعليمية بعد عقود من النضالات والتضحيات، من قبيل ضرب الاستقرار الاجتماعي والمهني والنفسي للعاملين، باعتماد “الأستاذ المتحرك” الموضوع رهن إشارة الأكاديمية على صعيد الجهة وليس المعين على صعيد المؤسسة أو النيابة، وبالاستغلال المكثف لها من خلال إلزام الأستاذ بتدريس مادتين على الأقل، وبتنفيذ ساعتين إضافيتين إجباريتين فوق الساعات الرسمية المفروض إنجازها بالكامل، ناهيك عن طرح إمكانية القيام بساعات إضافية أخرى، زد على ذلك التقليص من الحصص الزمنية المخصصة لتدريس المواد وما تشكله من أعباء إضافية بفعل ازدياد عدد الأقسام، وذلك لكي توفر الوزارة مئات المناصب المالية سنويا على حساب العاملين، ولتعويض الخصاص الفظيع في الأطر الذي زاد من استفحاله الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته الدولة باعتمادها المغادرة الطوعية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى إلزام الأساتذة بدعم وتأهيل تلاميذ السنة النهائية خلال العطل البينية، وتنظيم فترات تهييئية لمدة 10 أيام تسبق الدخول المرسي لفائدة التلاميذ المتعثرين، ناهيك عن المساهمة في خلايا اليقظة، وتتبع مستوى التلاميذ بمعية مستشاري التوجيه لرصد المتعثرين، والتحاور مع آباء وأولياء التلاميذ لإخبارهم بمستوى تحصيل أبنائهم ومساعدتهم في تحديد الأسباب الخارجية التي يمكن أن تؤثر على التلميذ، وتأطير الأندية الخاصة بأنشطة التفتح الذاتي…

هذا، وبذل توفير المناصب المالية الكافية لسد الخصاص المهول في القطاع، نجد أن البرنامج عقد عملية ولوج مهنة التدريس بالتعليم العمومي إلى درجة وصف من يفكر فيها بالمغامر، فالتوظيف سيصبح على الصعيد الجهوي وعلى أساس التعاقد بناء على أنظمة وقوانين خاصة بالأكاديميات وليس على أساس قانون الوظيفة العمومية والنظام الأساسي للتعليم، والمطلوب من المرشح لولوج المركز الجهوي للتكوين الحصول على إجازة تربوية مع التوفر على تخصصيين على الأقل، والنجاح في مباراة الدخول ومتابعة تكوين تأهيلي يمتد من 12 إلى 24 شهرا، وحين التخرج يمكن العمل في الجهة وفق عقدة تمتد من 3 إلى 4 سنوات قابلة للتجديد أو الإلغاء، أما الترسيم فسيكون مشروطا بالنجاح في شهادة الأهلية، إن عملية التشغيل هاته ستؤثر بالسلب على ترقية موظفي القطاع بحكم أن القاعدة التي على أساسها تحتسب النسب ستتوقف عملية تغذيتها، ناهيك عن المزيد من التفييئ وضرب وحدة الشغيلة.

فمن ناحية، يحمل البرنامج ـ من خلال الرؤيا المتحكمة فيه ـ مسؤولية فشل المنظومة التعليمية إلى العاملين بالقطاع، وكذا تدهور صورة المدرسين لهم، بدعوى تدني أخلاقيات المهنة لدى البعض منهم، وعدم إعطاء قيمة كافية لمهنتهم، بدل إرجاع فشل المنظومة التعليمية إلى السياسة التعليمية النخبوية والطبقية المنتهجة منذ عقود، وتدهور صورة المدرسين إلى تدهور أوضاعهم المادية والاجتماعية، ومحاربتهم لعقود من الزمن من طرف الدولة بدعوى نزعاتهم المعارضة، وسيادة قيم جديدة في المجتمع تبخس من قيمة العلم والمعرفة أمام سلطة المال والجاه والنفوذ… ويصل الأمر إلى المس بكرامتهم من خلال إثارة استعمال العنف اتجاه التلاميذ، واتساع ظاهرة الغش في صفوف البعض منهم، والتهديد بالاقتطاع من أجور المتغيبين منهم !؟

ولم يشر البرنامج لا من قريب ولا من بعيد إلى ضرورة تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية، ولا إلى التضحيات التي يقومون بها من خلال الاشتغال في أقسام متعددة المستويات أو مكتظة في أغلب الأحوال، وتحملهم ساعات إضافية فرضت عليهم قسرا وبالمجان منذ سنة 1985، وإخضاع جزء هام منهم لعمليات إعادة الانتشار ومضارها المادية والاجتماعية، وتحملهم للعزلة والأخطار في البوادي والأماكن النائية والوعرة، وتنقلهم وإنجازهم لمهام بدون تعويضات إلى غير ذلك…

من ناحية أخرى، يستهدف البرنامج تفكيك المدرسة العمومية وخوصصتها من خلال : تفويت مؤسسات عمومية قائمة، تفويت البنايات والتجهيزات وإلحاق الأطر التربوية بالتعليم الخصوصي، وتقديم إعانات محتملة لتسيير مؤسساته؛ كما يمكن تفويض بعض المصالح التي لا تشكل جوهر الوظيفة التعليمية إلى جهات خارج المنظومة التعليمية (البناء، الصيانة، النقل، الترميم، الحراسة، الأمن، الفضاءات الخضراء، تدبير الداخليات، تدبير المطاعم المدرسية….إلخ). أضف إلى ذلك أن جل المؤسسات ستسير بأسلوب المقاولات الخاصة، وأن ضرب مجانية التعليم بدا جليا في البرنامج، ويؤكد ذلك مراجعة معايير انتقاء المديرين بحسب قدراتهم التدبيرية بعد استفادتهم من تكوينات تحضيرية، يتبعها تكوين ملائم مدته سنة !؟. كما أن الأكاديميات من خلال الوظائف الموكولة إليها ستتحول إلى شركة الشركات un holding تساعدها النيابات في التدبير، وستهيكل الوزارة على شكل وكالات مما يضع علامات الاستفهام حول مستقبلها.

وزيادة على التفويتات، يبقى التوجه البارز في المشروع هو خدمة المقاولة والتعليم الخصوصي من خلال رصد موارد مادية ومالية وبشرية مهمة لخدمتهما، ناهيك عن تقديم تسهيلات مالية وعقارية وضريبية لهما، وتوجيه البحث العلمي والمسالك التعليمية والتكوينية نحو تلبية حاجياتهما.

إننا، في الجامعة الوطنية للتعليم فرع خريبكة، ونظرا لاستهداف المشروع لمكتسبات الشغيلة التعليمية ومسه بمعنوياتها، وتمحوره حول تفكيك المدرسة العمومية وخوصصتها، ونزوعه نحو تبضيع التعليم وخدمته للمقاولة والقطاع الخاص، نعبر عن رفضنا التام له، مطالبين الشغيلة التعليمية بالمساهمة في التصدي له، معتبرين أن أي إصلاح للتعليم لا يروم تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للشغيلة، ولا يهدف إلى تقوية المدرسة العمومية، ولا يتمحور حول خدمة الإنسان المغربي والمجتمع المغربي في اتجاه الحرية والديمقراطية والتقدم والتنمية واحترام حقوق الإنسان سيكون مصيره الفشل.

الاتحاد المغربي للشغل
الجامعة الوطنية للتعليم
فرع خريبكة