17/8/2005

في كل يوم تؤكد الحكومة السورية وأجهزتها المختصة , بالبرهان والدليل القاطع, أنها تسير في الاتجاه المعاكس للمزاعم التي تطلقها حول الإصلاح

ففي الوقت الذي اتجهت المنطقة والعالم من حولنا للتغيير والدخول في عصر الإصلاحات الديمقراطية والتغييرات بتعظيم شأن ودور المجتمع المدني ومبدأ المشاركة

مازالت الحكومة السورية تصر على المضي قد ما في مخططها الرامي لخنق المجتمع المدني السوري وهيئاته ,وتحطيم مقومات العمل المدني المستقل وتهميش دور الأحزاب السياسية غير المنضوية تحت جناحها…

من هنا ، يمكن القول : أنه لا معنى للحديث عن الإصلاح والتغييرات الديمقراطية والتغني ليلا و نهارا بالتغييرات القانونية القادمة, في ظل مجموعة من الممارسات القمعية ، مستندة على ترسانة من القوانين ، يأتي في مقدمتها استمرار العمل بحالة الطوارئ ، غير الدستورية ، المعلنة في البلاد منذ 1963

والتي تقف ضد تنمية قدرات المواطنين وتعوق تقدمهم وتقيد حركتهم ودورهم في إنتاج وتشكيل السياسة العامة ، وتحيط حقوقهم بسلاسل واغلال جديدة لتحد من حرياتهم ، المنصوص عليها في الدستور السوري والعديد من نصوص الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها سورية ، في تشكيل منظماتهم الأهلية والمدنية للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية

بما يجسد بالضرورة حدوث نهضة شاملة لمنظمات العمل المدني والأهلي في صورها المتعددة التي لم تدجن من السلطة السورية,ابتداء من النقابات المهنية والعمالية والفلاحية ومرورا بإطلاق حرية تكوين الجمعيات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني وحرية تشكيل و عمل الأحزاب السياسية ,واطلاق حرية وإصدار الصحف والمجلات وتحرير هذا الحق من كافة القيود المفروضة عليه.

وخلافا لكافة التوقعات والأمنيات بمزيد من الانفراجات الديمقراطية وتوسيع هامش الحريات المتاحة للرأي والتعبير والتجمع السلمي والمشاركة ,فقد شهدت الأشهر الأخيرة ترديا ملحوظا وحملات أمنية استهدفت جميع أشكال الحريات ,في محاصرة جديدة لمؤسسات المجتمع المدني ومصادرات جديدة لحرية وحركة المواطنين

إن الاستمرار في العمل بحالة الطوارئ أطلق يد الأجهزة الأمنية في قمع الحريات ,و في الإفلات من القيود الدستورية والقانونية و الالتزامات الدولية المترتبة على سورية ، الأمر الذي تمثل في :

أولا: التوسع في الاعتقالات ، فقد طالت الكثير من الناشطين المدنيين والسياسيين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان,ومنهم:الأستاذ محمد رعدون رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية,والنا شط نزار رستناوي, و علي العبد الله, و حبيب صالح ,و رياض درار ، و المهندس حسن زينو

إضافة لاعتقال العديد من المواطنين من ذوي الميول الدينيةالاسلامية مثل مجموعة دير الزور, وكذلك اعتقال تيسير الحموي والطالب محمد العبد الله بسبب تأسيسهم لرابطة لذوي المعتقلين السياسيين لدفاع عنهم والمطالبة بإطلاق سراحهم.

ثانيا: منع وقمع التجمعات السلمية المتعلقة بالشأن العام , فقد تم إغلاق منتدى الأتاسي ومنع أي مواطن من الوصول إلى مكان المنتدى

ومحاصرة منزل الدكتور حازم نهار وفض لقاء موسع للجان إحياء المجتمع المدني,ومنع بالقوة الاعتصام السلمي الدوري لبعض الفعاليات السياسية والمدنية في محافظة طرطوس مع العلم إن هدف الاعتصام هو الاحتجاج على العدوان الأمريكي على العراق والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ، واثر ذلك تم اعتقال خمسة أشخاص واحالتهم إلى القضاء العسكري,وكذلك إلغاء مظاهرة القامشلي

و إلغاء احتفال المنظمة الآثورية الديمقراطية بمناسبة مرور48 سنة على تأسيسها و كذلك تم إلغاء احتفال الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي في سورية بمناسبة مرور 48 سنة على تأسيسه

وتوقيف أربعة أشخاص لعدة ساعات بدير الزور,وإغلاق منتدى للحوار الديمقراطي في اللاذقية واعتقال بعض أفراده لعدة ساعات, و إلغاء لقاء لملتقى الحوار الديمقراطي في السويداء ، وإلغاء احتفال مركزي في مدينة عين العرب لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا ، باستعمال القوة ، واعتقال ما يقارب 47 مواطنا ( ستصدر اللجان تقريرا مفصلا حول ذلك ) .

ثالثا: المنع من السفر للعديد من الناشطين في الشأن العام ,وبدون أي وجه قانوني أو تبيان للأسباب الحقيقية.

رابعا: الاستدعاءات الكثيرة لمختلف المواطنين,ومن مختلف الأجهزة الأمنية,وفي مختلف المحافظات السورية ,وتشمل هذه الاستدعاءات المعتقلين السابقين الناشطين في المجال العام و نشطاء حركة حقوق الإنسان ,ولبعض المواطنين ذوي الميول الإسلامية وخصوصا ما يتعلق بالعلاقة بالإخوان المسلمين ,وذوي بعض المعتقلين والمختفين والمنفيين

وذوي من ذهب إلى العراق ,وذوي بعض ” المشبوهين السياسيين ” ، و محاصرة منزل جورج صبرا عضو الأمانة العامة في حزب الشعب الديمقراطي السوري من قبل الأمن السياسي و الشرطة ..

خامسا: ترافق كل ذلك مع سريان أخبار في الشارع السوري عن وجود قائمة بأسماء بعض الناشطين والمهتمين بالشأن العام السوري ,من مثقفين ومفكرين وسياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان,من اجل اعتقالهم في حال تجاوزهم ” للخطوط الحمر”

التي لا يعرف أحد ماهي هذه الخطوط الحمر ؟ وكيف تم تحديدها ؟ إضافة لتهم التخوين الموجهة لبعض الكتاب والمثقفين الذين يكتبون فيالعربية

و الصحف العربية ,بأنهم يتقاضون أموال كبيرة مقابل مقالاتهم .وفي الوقت نفسه تنتشر وعود باتجاه سيادة القانون واستقلال القضاء ومحاربة الفساد واستصدار قوانين للأحزاب والجمعيات والانتخابات.

إن لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية,إذ تستنكر وتدين مجمل هذه الممارسات القمعية وهذه القيود المفروضة على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والتعبير عن الرأي,إلا إننا نؤكد أن هذه الممارسات ليست عارضة في توجهات الحكومة السورية إنما تعبر عن ممارسات ممنهجة ومدروسة مسبقا ,من اجل وقف وإلغاء جميع الأنشطة المدنية والسياسية غير الحكومية

حيث تشكل هذه الممارسات معيارا كاشفا للقناعة الحقيقية لدى النخبة الحاكمة بمدى اعترافها بالواقع الذي قوامه التعدد و التنوع ، ومدى احترامها لجوهر المواطنة ، و قناعتها بالإصلاح و بمعايير الديمقراطية الأساسية ، ولمدى إيمان النظام الحاكم بحق المواطنين في المشاركة في إدارة شئون وطنهم على مختلف الأصعدة .،

حيث يرتبط هذا الحق ارتباطا وثيقا بمدى تحقيق الحريات الأساسية للفرد كونه عضوا في المجتمع و الدولة ، وهو يرتبط بالضرورة بمدى تمتع المواطن في الدولة بحقه في تبني الآراء و التعبير عنها ، و حرية الاطلاع على المعلومات

وحقه في تشكيل المنظمات و الهيئات المدنية و السياسية ، و حقه في التجمع السلمي ، ومغادرة بلده عندما يرغب بذلك و العودة إليه.

إننا مدركين إن تصعيد الممارسات القمعية الآن من قبل الحكومة ، إنما يعتمد بصورة أساسية على وهم لدى الحكومة ، يرى أن مفاوضات تحت الطاولة مع بعض الدول الكبرى قد أتى بثماره ، الأمر الذي خلق هامشا مريحا للحكومة في حركتها مع الداخل ومع قوى المجتمع المدني ، ونحن من طرفنا نؤكد أن الأمر ما هو إلا وهم

إذ أن سوريا ونظامها لا يزالان تحت مجهر المجتمع الدولي ، و لا تزال سورية تمثل من الزاوية الجيوبولتيكية ، ما نسميه ، بعين العاصفة ، وان الخشية أن تعود الضغوط بأشكال اشد ضراوة مما كانت عليه سابقا ، وان تستخدم ممارسات الحكومة اليوم كواحدة من أهم ذرائع هذه الضغوط وما سينجم عنها.

و إن التوجهات الحالية للحكومة السورية الهادفة إلى ضبط واحتواء فعاليات المجتمع, توحي بأن البلاد مقدمة على مزيد من الضغوطات المقيدة للحريات العامة والفردية و الهيئات المدنية و السياسية

وعلى مزيد من الاعتقالات الجديدة, وربما قيودا جديدة سيتم تمريرها عبر قوانين وتشريعات جديدة تحت سقف حالة الطوارئ .

أننا نؤكد على :

· ضرورة أن تقوم الحكومة السورية بإعادة النظر في سياساتها, واتباع سياسة جديدة تقوم على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وتفعيل قيم الديمقراطية ومكافحة الفساد بصورة حاسمة,مع إدراكنا الكامل بان الفشل الدائم للسياسات الخارجية في مواجهة التحديات الخارجية أو الأهداف الداخلية من تنمية اقتصادية واجتماعية

يقوم على غياب مبدأ المواطنة, و الانتهاك المستمر للحريات الأساسية ، وان تحرير إرادة الإنسان واحترام كرامته و حقوقه هو المسار الأمثل لتحقيق التقدم ورفع هامة الوطن ، وان الاعتداء على حقوق الإنسان هو اعتداء على الوطن وتهديد لمستقبله.

· على أرضية تجربتنا ،التي مررنا بها ، يمكننا القول : إن الفكر الشمولي و الاستبداد السياسي هو السمة العامة / و الأساسية للحياة السياسية في سورية

وإن منطق الإقصاء و الحذف هو المنطق الذي يحكم الأيديولوجيات السائدة في الساحة الثقافية و السياسية ، التي نجد تعبيراتها في الأحزاب السياسية و المنظمات المدنية ، تقودنا اليوم للمطالبة بأن تقوم المعارضة السورية باتخاذ خطوات جادة لتجاوز مفاهيم ماضوية تنتمي إلى معطيات فكرية – سياسية ومناخ سياسي صار في ذمة القرن الماضي على الأقل، وضرورة أن تنتشل نفسها من فخ إنتاج وإعادة إنتاج الفكر الاستبدادي والشمولي، بإشكال ولبوس جديدة وملونة

قد تؤسس لخطاب اشد قسوة واستبدادا مما هو عليه الآن

لقد بات ضروريا على قوى وهيئات المعارضة العمل الجاد (باعتباره مطلبا حيويا وتاريخيا بما يتضمنه من زاوية التزامها التاريخي تجاه ما تمثله نظريا من شرائح اجتماعية )، لبناء منظومات مفاهيمية جديدة تقود إلى وضع برامج سياسية ومشروعيات سياسية حضارية وديمقراطية تواكب العصر وتلبي الاحتياجات الحيوية للشعب السوري

إن العمل المطلوب سيقود ، بالضرورة ، إلى إنشاء مفهوم جديد لمبدأ المعارضة والديمقراطية والإصلاح السياسي والنضال السلمي ، إن سلوكا بهذا الاتجاه سيمر حتما في طريق التبني الحقيقي لثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وثقافة المواطنة , إن هذا الطريق ، وان كان وعرا

يتطلب جرأة وشجاعة جديرة بالاحترام إلا انه الطريق الصواب و الأمثل ، الذي يتطلع إليه غالبية المواطنين السوريين.

إن لجان الدفاع ومنذ نشأتها مافتئت تنادي إلى تضافر الجهود الخّيرة في هذا الوطن، للعمل الجماعي من اجل تكريس المسار الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان في سوريا

وهي ترى أن العمل الجماعي المتناغم هو الطريق الأفضل للعمل الديمقراطي، والقادر على انتشال قوى ومكونات المجتمع السوري من أزمتها، ومما هي عليه الآن.

وعليه فان لجان الدفاع تنادي الآن وبدء من المنظمات غير الحكومية إلى الانخراط في ما نسميه” الائتلاف السوري للمنظمات غير الحكومية” وهي تدعو جميع المنظمات العاملة في حقل الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى المشاركة والمساهمة في هذا التجمع ، حيث سيتم إنشاء لجنة إدارية تمثل جميع الهيئات المنخرطة في هذا الائتلاف

لقد سبق وان أكدنا في العديد من مطالبنا على أن أولويات حركة حقوق الإنسان وغايتها تكمن في تحقيق الإصلاح الديمقراطي والسياسي ، الذي يتم بتحقيق التناسق والتناغم مابين الدستور والقانون من جانب والعهود والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان من جانب آخر ، وبما يؤدي في النهاية إلى دولة الحق والقانون والمواطنة ، حيث توضع البلاد حينذاك على سكة التحول الديمقراطي الحقيقي.

لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية
مجلس الأمناء