7/3/2006
في مقدمة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ديباجة تعترف فيها الدول الأطراف في هذا العهد ،سورية من بينها، إن الإقرار لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم,ومن حقوق متساوية وثابتة, يشكل وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة, أساس الحرية والعدل والسلام في العالم, فالعهد يعترف بتلك الحقوق للإنسان باعتبارها تنبثق منه, ووفقا للمادة الثانية من العهد : تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه, وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد, ودون أي تمييز لأي سبب كان, وتتعهد كل دولة طرف في العهد، ومنها سورية، باتخاذ تدابير تشريعية أو غير تشريعية لإعمال أحكام هذا العهد, كما تكفل توفر سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد, حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية, لكل متظلم أن تبت في انتهاكات حقوقه سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة, وان تكفل قيام السلطات المختصة بتنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحة المتظلمين. واخذ العهد باعتباره إن الدول كثيرا ما تتعرض بمراحل استثنائية تضطر فيها لإعلان حالة الطوارئ, وقد يؤدي هذا الإعلان للمساس ببعض الحريات الواردة فيه, فنصت المادة الرابعة من العهد على حق الدولة في إعلان حالة الطوارئ ومؤكدا على أن هذا الحق لا يمكن أن يترتب عليه المساس ببعض الحقوق التي نص عليها,وهي: الحق في الحياة- التحرر من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة-التحرر من العبودية والرق.لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي – حظر تطبيق القانون الجنائي بأثر رجعي -الحق في الشخصية القانونية- حرية الدين والفكر والوجدان. وهذه الحقوق لا يجوز المساس بها ,أما الحقوق الأخرى فيمكن اتخاذ تدابير استثنائية (وفي أضيق نطاق )من اجل إلغاء أوضاع خطرة تهدد حياة الأمة.لان حالة الطوارئ يجب أن تكون هي حالة استثنائية مؤقتة بطبيعتها نظرا لما تمثله القيود المفروضة بموجبها على حريات أساسية للإنسان تعد مصادرة لهذه الحقوق. في سورية مازالت أحكام قانون الطوارئ الصادر بالمرسوم التشريعي رقم(51) سنة(1962)تعصف بمجمل منظومة حقوق الإنسان والحريات العامة وذلك من خلال تطبيق إجراءات استثنائية تقوم بها أجهزة الدولة من خلال التطبيق والتقييد والتدخل في حريات الأشخاص وحقهم في الاجتماع والانتقال والإقامةََ,و هذا الاستمرار المخالف للدستور السوري و لقانون الطوارئ نفسه .وقد شكل استمرار العمل بحالة الطوارئ بسماتها السورية ، مصدرا أساسيا في انتهاك حقوق الإنسان والحريات العامة ، و انتهاكا مستمرا للدستور السوري، وانتهاكا مستمرا لالتزامات سورية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، من خلال تطبيق إجراءات استثنائية تصادر بها السلطات جميع الأنشطة غير الحكومية, وتخضع للضبط الشديد, ورغم تصريحات مختلف المسؤولين السوريين عن تخفيف حالة الطوارئ أو عدم استعمالها, إلا أنها لا زالت فاعلة في المجتمع السوري ولم يتم إلغائها بمرسوم جمهوري واضح ,ولازالت سيفا مسلطا على رقاب أفراد المجتمع,و البلد يسير بالأوامر العرفية والبلاغات العسكرية وتحت مظلة أمنية واسعة تغطي مساحة الوطن,مما يجعل انتهاك حقوق الإنسان عملا ” مبررا” , هذا الاستمرار المديد، الذي رسخ عبر الأجهزة الأمنية ،المنفلتة من أي رقابة شعبية وقانونية ، و المحاكم الاستثنائية . فقد استمر العمل بالقضاء الاستثنائي ,الذي يتجاوز ويتعدى القضاء المدني والعادي, ويسلب حق المواطن في محاكمة عادلة وعلنية ونزيهة ومنصفة, فمازال العمل مستمرا بمحكمة امن الدولة العليا الاستثنائية, والتي شكلت بمرسوم رقم 47 بتاريخ 28\3\1968والتي تختص بأي قضية يحيلها إليها الحاكم العرفي ,وهذه المحكمة معفاة من التقيد بأصول المحاكمات ,وقراراتها قطعية غير قابلة للطعن أمام أي مرجع قانوني كان,وأوامرها أو قراراتها غير قابلة للنقض , ولازالت المحاكم العسكرية تمارس اختصاصاتها الاستثنائية,في النظر بقضايا المدنيين في بعض الجرائم, ودائما وفق ما نصت عليه حالة الطوارئ,إضافة لذلك المحاكم الميدانية العسكرية التي أنشئت بموجب المرسوم رقم -46-عام 1966والتي أعطيت اختصاصا شاملا للنظر في قضايا المدنيين والعسكريين ,وهي تعقد محاكماتها بشكل سري، تماما، ودون حق للمتهم بتوكيل محام أو الدفاع عن نفسه أو الطعن بقراراتها. بعد 8 آذار 1963 صدر الأمر العسكري رقم / 4 / عن مجلس قيادة الثورة بإغلاق جميع الصحف السورية ومصادرة آلات الطباعة وإغلاق دور النشر وتوقف العمل بالقانون رقم/53/ لعام 1949 المنظم لإصدار المطبوعات وتجمدت الحياة الصحفية منذ ذلك الحين وكثرت المؤسسات التابعة لحزب البعث والسلطة التنفيذية واتبعت سياسة الإعلام الوحيد الموجه . إضافة لذلك فقد تم إقرار الدستور الدائم للبلاد عام(1973)إلا أن المادة(153)من هذا الدستور عطلت نفاذ مواد الدستور الجديد ,لأنها أبقت على حالة الطوارئ ,واستتبع بعد ذلك صدور العديد من القوانين الاستثنائية والإجراءات التعسفية والمحاكم الميدانية والمحاكم الاستثنائية,بناء على حالة الطوارئ غير المبررة,أما النقابات المهنية والعلمية: فهي بعيدة عن أية ممارسات ديمقراطية طالما تحكمها القوانين الناظمة الصادرة منذ عام 1981 وهذه القوانين جعلت الانتخابات النقابية شكلية تماما وتم ربط النقابات بحزب البعث الحاكم من أجل أن تقوم بخدمة النظام السياسي بدلا من خدمة عناصرها والعمل على حمايتهم وتحسين ظروفهم مع العلم أن رئيس مجلس الوزراء له صلاحية حل النقابة أو تعطيل عملها أو إدخال أية تعديلات عليها يراها مناسبة وأضحت النقابات نموذجا للفساد والقمع والمحسوبيات، بدلا من أن تكون ركيزة من ركائز الممارسات الديمقراطية . لقد أصبحت حالة الطوارئ و الأحكام العرفية (غير الدستورية), تشكل المرجعية الأساسية في علاقة السلطة بالمجتمع، و في هذا السياق تتعرض الحريات الأساسية لانتهاك فاضح من قبل الأجهزة الأمنية في البلاد حيث لا يُسمح بقيام أية تجمعات كالمنتديات أو غيرها إلا بشروط أمنية تعجيزية تلغي قيامها عملياً و كثير من الأحيان يتم مداهمة بعض الأماكن التي يتم فيها جلسات حوارية من قبل دوريات الأمن كما حدث أكثر من مرة في العديد من المحافظات السورية. كما لا زال يشكل الاعتقال التعسفي المسار الأكثر وضوحا وثباتا للسلطة السورية ومحاكمة المواطنين على أرائهم الشفهية أو المكتوبة ,فواقع الحريات مترابط ومتكامل مع بعضه البعض,ومن هنا فالانتهاكات في الكثير من مجالات حياة المواطن السوري,هي أيضا متواصلة ومتكاملة,لأنها ناتجة عن واقع واحد هو واقع تغييب الحريات وعدم احترام حقوق الإنسان. ومع أن الحكومة السورية لم تكتف بعدم اتخاذها أي إجراء تشريعي يجعل قانون الطوارئ متطابقا مع أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, بل أطلقت تشريعات جديدة وأوامر إدارية تتعارض مع أحكام العهد الدولي والدستور السوري , مما منح المزيد من الصلاحيات للأجهزة الأمنية, وحد بشكل واضح من الضمانات القانونية والقضائية للمواطنين , وفرض مزيدا من القيود على حرية الرأي والتعبير ,كما قلص هامش المشروعية التي تتحرك في إطارها الفعاليات المدنية والحزبية والسياسية في سورية, وقد رصدت”ل.د.ح” الكثير من التدابير والممارسات الاستثنائية التي اتخذتها السلطات القائمة على حالة الطوارئ ,والتي عصفت بالعديد من الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص, بحيث أصبح لا فرق بين الحقوق غير القابلة للتصرف فيها والمنصوص عليها في المادة 4/2 من العهد الدولي أو الحقوق التي يجوز تقييدها في حالة الطوارئ (وفقا لمبدأ الضرورة)وما يفرضه من ضرورة وجود تناسب حقيقي بين التدابير الاستثنائية والخطر القائم فعلا. وأكدت “ل.د.ح” دوما على قلقها إزاء السلطات الممنوحة للسلطة التنفيذية بموجب قانون الطوارئ, وعلى وجه الخصوص سلطة التصديق على الأحكام التي تصدر من محكمة امن الدولة العليا والمحاكم الاستثنائية وهذا ما اعتبرته “ل.د.ح” ” إخلالا بمبادئ فصل القضاء واستقلاله, والفصل بين السلطات. إن استمرار العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية على نحو متواصل, قد تحول إلى أداة أطلقت أيدي الأجهزة الأمنية بصلاحيات استثنائية قامت فيها بتجاوزات واسعة متحللة من أية قيود دستورية وقانونية والتزامات دولية مترتبة على سوريا بموجب تصديقها على المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان, وهذا ما تمثل في التوسع باعتقالات عشوائية ولسنوات طويلة .مع إهدار جميع الضمانات القانونية والقضائية للمعتقلين, وتفاقم ممارسات التعذيب وتنوعها وإساءة المعاملة ,مما تسبب بحدوث العديد من الوفيات بسبب التعذيب . إن المشاركة السياسية في سوريا لها صورة معقدة جدا, فهي جزئية ولا زالت تخضع لتنظيم وضبط شديدين إضافة لفرار الكثيرين من العمل بالشأن العام لأسباب عديدة أهمها هيمنة الأجهزة الأمنية على تفاصيل الحياة العامة في سورية، إضافة للوضع الاقتصادي السيئ للقسم الأعظم من المجتمع السوري, وسيادة الأمية والجهل نسبيا, ما يجعل الكثيرين ينكفئون عن المشاركة بالقضايا ذات الشأن العام, وكل ذلك يتوج باستمرارية أسلوب المركزية بالتقييد والحصار على حرية تشكيل الجمعيات والأحزاب, مع سيادة تامة لحالة الطوارئ المعلنة منذ 8آذار 1963 والتي عطلت العمل بجميع القوانين, ومن هنا تبرز تردد وشكوك جميع المواطنين في جدوى أية مشاركة سياسية, وهو ما يبرز في الانخفاض والعزوف عن المشاركة في أنشطة الجمعيات والأحزاب السياسية والانتخابات المحلية والتشريعية والنقابية, رغم إن هكذا أنشطة تعتبر ركائز أساسية للممارسة الديمقراطية . ولكن، أيضا، فقدان فعالية قانون الجمعيات وغياب لقانون الأحزاب, و غياب لأية ضمانات على المستويات السياسية والقانونية والنقابية والاجتماعية, مع غياب لأية ضمانات تمنع هيمنة السلطة التنفيذية على مسار العملية الانتخابية, كي تكون انتخابات حرة ونزيهة, كل ذلك يلقي بظلال من اللامبالاة. وفي سورية مورست اغلب حالات الاختفاء القسرية في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات , في أماكن التوقيف الأمنية المختلفة والمتعددة.ولازالت هذه الظاهرة مستمرة في سورية لسريان مفعول حالة الطوارئ ,وتكوّن ملفا في سورية يدعى: ملف المفقودين ,ويقارب عددهم بالآلاف وفق كثير من التقديرات ( التقرير السنوي لمنظمتنا لعام 2005)، مع تأكيدنا بعدم وجود إحصائيات دقيقة بهذا الخصوص ، فالسلطات السورية لم تفرج عن أسماء هؤلاء المفقودين إلى الآن . إن ل.د.ح.طالبت السلطات الرسمية بإغلاق هذا الملف وإعلام الأسر والأهالي بمصائر ذويهم المفقودين,وتسوية أوضاعهم القانونية والتعويض المناسب لهم. إن( ل.د.ح ) تتوجه إلى الحكومة السورية بالمطالب التالية,
في سوريا لم يحصل المجتمع على نصيب حقيقي من إشاعة التحولات الديمقراطية في العالم, فالحصار القانوني والأمني طويل المدى, لجميع المظاهر المعبرة عن الحريات والحركات المدنية المستقلة. وكل عمل ديمقراطي مؤجل بدعاوى الحاجة إلى مواجهة العدو الخارجي والضغوط الخارجية ودعاوى مواجهة الإرهاب !!؟ فبقي القمع المعلن والمستتر مع المراقبة المستمرة بانتظام لجميع أفراد المجتمع وأرشفة المواطنين .أصبح المحدد لمسارات نهوض مؤسسات المجتمع المدني، هو استمرار العمل بحالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية والقرارات الأمنية والعسكرية . وفي هذا الوقت لابد لنا من التأكيد على أهمية الاعتصام الذي أقامته اللجان يوم 8\3\2004 أمام مجلس الشعب احتجاجا على قانون الطوارئ والأحكام العرفية.و يقوى لدى ل.د.ح أهمية دورها ودور جميع المنظمات الحقوقية السورية, في الدفاع عن الحريات العامة وقضايا حقوق الإنسان في سوريا بوصفها ركائز رئيسية لأية تحولات ديمقراطية . ويؤكد خطاب اللجان على مدار السنوات الماضية, على أن القضايا التي تبنتها ل.د.ح ودافعت عنها , هي من صميم احتياجات المجتمع السوري , فحقوق الإنسان شاملة ومتكاملة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية , وتقوم أولا وبالذات على الحقوق المدنية والسياسية أي على ضمان الأمن والطمأنينة للإنسان وهي حقوق فردية تشمل حق الإنسان في الحياة والسلامة البد نية وعدم الخضوع للتعذيب أو لمعاملة غير إنسانية وخطر الرق والعبودية وحرية العقيدة والرأي والتعبير والاجتماع وعدم رجعية قانون العقوبات , وهذه تشكل النواة الأساسية لحقوق الإنسان التي يجدر احترامها زمن الحرب والسلم , وهي قواعد آمرة , لا يجوز الاتفاق على خلافها فهي جزء من النظام العام الدولي , وهذه الحقوق غير القابلة للمساس تعد حقوقا أساسية لعلاقتها المباشرة بالكرامة الإنسانية فهي ضرورية للإنسان ليقوم بوظائفه كإنسان , وتخصه مباشرة بوصفه مواطناً , أي مرتبطة أشد الارتباط بالمواطنة أي بحقوق المواطن , إذ يصبح الإنسان مواطناً قادراً على التفكير بشؤون مجتمعه والمساهمة في إدارة بلاده وتحديد مصيرها على الوجه الذي يمليه عقله ويرتضيه ضميره , وذلك في إطار نظام ديمقراطي يضمن له ممارسة الانتخاب والترشيح ويمكنه ذلك عبر قوانين تضمن حقوق المواطنين وتحميهم من تجاوزات السلطات الرسمية وغير الرسمية وتدفع إلى إرساء مجتمع يقوم على الحرية والعدل والمساواة أمام القانون , غير أن المواطن هو كائن حي لا يستقيم وجوده من دون التمتع إلى جانب الحقوق المدنية والسياسية بحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية , إضافة لحقوق جماعية تقوم أساسا على حق الشعوب في تقرير مصيرها ولا يقتصر ذلك على التحرر من الهيمنة الأجنبية بل يشمل كذلك حق الشعوب في تحديد طبيعة النظام السياسي ، وكذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , فليسس بالا مكان الفصل بين قضايا حقوق الإنسان وبين الديمقراطية والتعددية والمشاركة السياسية , ونؤكد كذلك على أنه لا يمكن الفصل بين بناء الديمقراطية والإعمال الكامل والفعال لحقوق وقضايا المرأة . ولذلك وبالضرورة تعمل ( ل.د.ح) مع مختلف المنظمات غير الحكومية للدفاع عن المواطن السوري وكرامته وحقوقه بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللغة أو اللون أو الانتماء السياسي أو الفكري . |