10/4/2008
يناشد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، ومنظمة الأمم المتحدة بكافة وكالاتها، وكافة المنظمات الإنسانية الدولية، التدخل العاجل لدرء الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، التي تتهدد كافة مناحي حياة الفلسطينيين، والناجمة عن استمرار تقليص إمدادات الوقود للقطاع.
للشهر السادس على التوالي، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي القيام بإجراءات تهدف من خلالها إلى تقليص كميات الوقود التي تورد إلى قطاع غزة، وذلك في إطار سياسة الحصار والعقوبات الجماعية التي تواصل فرضها على المدنيين الفلسطينيين. فبتاريخ 25/10/2007، أصدرت قرارا يقضي بتقليص كميات الوقود والكهرباء التي تورد إلى القطاع، وقد أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية هذا القرار في أعقاب الالتماس، الذي تقدم فيه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بالاشتراك مع عدد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية[1]. وبتاريخ 28/11/2008، أصدرت سلطات الإسرائيلية قرارا جديدا، خفضت بموجبه كميات الوقود التي تورد إلى القطاع مرة أخرى[2]، وتشير الأرقام، التي وثقها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إلى أن واردات القطاع من الوقود والمحروقات قد تقلصت إلى معدلات غير مسبوقة، يستحيل في ظلها تغطية الاحتياجات الأساسية للسكان، فقد بلغت معدلات أصناف الوقود الواردة إلى القطاع منذ بداية مارس والى الآن، كما يلي :
- انخفض المعدل اليومي لواردات البنزين إلى 11.172 لتر، وهو ما يعادل أقل من 10% من إجمالي احتياجات القطاع يومياً(9.31% فقط ). جدير بالذكر أن الكميات التي يحتاجها القطاع، وكانت السلطات الحربية المحتلة تسمح بدخولها قبل قرار تقليص إمدادات الوقود في أكتوبر الماضي 120,000 لتراً يومياً.
- انخفض المعدل اليومي لواردات السولار إلى 106.195 لتر، أي بنسبة قدرها 30.34% من الكميات يحتاجها القطاع، وكانت تورد إليه قبل تاريخ 25/10/2007، و البالغة 350.000 لتر.
- انخفضت واردات الغاز المنزلي إلى 211.800 طن، أي بنسبة قدرها 39.48% من احتياجات القطاع البالغة 350 طن غاز يوميا.
ونتيجة لذلك رفضت جمعية أصحاب شركات البترول والغاز ومحطات الوقود ومشتقاته في قطاع غزة، استلام المحروقات والغاز الواردة إلى القطاع منذ يوم الاثنين، الموافق 7/4/2008، وذلك نظراً لمواصلة سياسة تقليص حجم الكميات الموردة إلى قطاع غزة. ووفقا لمصادر في الجمعية، فقد شكل مجلس الإدارة لجنة لإدارة الأزمات بهدف التعامل مع الظروف الطارئة التي طالت كافة مناحي حياة سكان القطاع، خاصة تشغيل المستشفيات والمراكز الصحية في القطاع الحكومي والخاص والأهلي، آبار تشغيل مياه الشرب ومحطات تشغيل الصرف الصحي، تشغيل مراكب الصيادين ومزارع الدواجن في كافة محافظات قطاع غزة، فضلا عن تعطل شبه تام لحركة النقل و المواصلات بين مدن وقرى القطاع. وقد تسبب هذا القرار في توقف تام لكافة محطات الوقود في كافة أنحاء القطاع، والبالغة 145 محطة، وأغلقت هذه المحطات أبوابها إغلاقا كليا، بسبب خلوها من أية كميات من الوقود.
ووفقا لمتابعات المركز، فقد شهدت حركة النقل والمواصلات الخاصة والعامة في شوارع قطاع غزة منذ صباح يوم الاثنين 7/4/2008 شللا جزئيا، بسبب توقف إمداد قطاع غزة بالوقود، وجراء ذلك توقفت آلاف المركبات والسيارات عن السير، ما أحدث إرباكا في نشاطات المواطنين، وتسبب في عرقلة حركتهم، ووصولهم إلى أعمالهم، ومصالحهم الخاصة. فقد توقفت معظم السيارات الخاصة التي تعمل على البنزين، لنفاذه نهائيا من المحطات، فيما قلص أصحاب سيارات الأجرة ساعات عملهم إلى نحو النصف نظرا لعدم حصولهم سوى على كميات محدودة من السولار. وقد أدى تزايد عدد المواطنين المحتاجين للمواصلات، وتقليص عمل سيارات الأجرة إلى ارتفاع أسعار المواصلات بصورة غير مسبوقة، ما أثقل على كاهل المواطنين. كما أدى إلى غياب أو تأخير نحو 20% من الموظفين والعاملين عن أعمالهم، وما بين 15-20% من الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية عن مدارسهم.
ووفقا لمصادر مصلحة مياه بلديات الساحل، تعاني المصلحة من أزمة وقود منذ بداية العام الحالي، وتتفاقم تلك الأزمة مع مرور الوقت، واستمرار السلطات الإسرائيلية في تقليص السلطات كميات الوقود التي يُسمح بإدخالها لقطاع غزة. وأضافت مصادر المصلحة بان الكميات الواردة لها، بموجب العقد الذي يربطها مع شركة بهلول للبترول، قد تضاءل و تقلص إلى ادني مستوياته. فقد تقلصت الكميات الواردة للمصلحة من 150.000 لتر شهريا، إلى 45.000 لترا، وهي تقل عن ثلث الكمية المطلوبة، وقد تسلمتها المصلحة منذ أكثر من أسبوعين.
وأفاد المهندس منذر شبلاق، مدير المصلحة، أن كل محاولات المصلحة لتأمين حصة تُخصص لها، ويتم إيداعها لدى المحطة، فشلت في ظل إصرار سلطات الاحتلال على تقليص واردات القطاع من الوقود، ما ينذر بنتائج مأساوية. وأضاف أن عدداً من آبار بلديات المنطقة الوسطى، تعتمد بشكل رئيسي على إمدادات الوقود لتشغيل آبار المياه، وتحصل هذه البلديات على الوقود بشكل أسبوعي، وانقطاع توريده إليها لأكثر من أسبوع يعرض عملها للخلل، ما يضطر تلك البلديات إلى تشغيل آبار محلية صغيرة، تؤمن كميات مياه غير كافية، وذات جودة أقل لسكان مناطق واسعة. جدير بالذكر أن تلك الآبار تنتشر في منطقة المغراقة، وهي منطقة معروفة بجودة المياه فيها، وتمد مناطق البريج والمغازي والنصيرات بمياه الشرب. كذلك يوجد آبار من هذا النوع في منطقة وادي السلقا والمواصي، وتعمل الآبار في تلك المناطق لمدة ثماني ساعات يومياً، ويحصل المواطنون هناك على المياه لمدة ثلاث ساعات لليوم الواحد في الأوضاع العادية، وستنخفض مدة تزويد المياه لهذه المناطق تدريجيا، مع استمرار التأخير في تسليم الوقود للمصلحة. كما تتعرض آبار مدينة غزة لنفس المخاطر، خصوصا آبار حي الشيخ رضوان التي تخدم 140 ألف مواطن.
ويواجه قطاع غزة مخاطر إضافية بسبب تقليص كميات الوقود المخصصة لتشغيل مضخات الصرف الصحي، ومحطات المعالجة، فقد اضطرت مصلحة مياه بلديات الساحل إلى الاستمرار في ضخ حوالي 40000 – 50000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئياً إلى البحر لعدم كفاية وقدرة المحطات على معالجتها، ما يزيد من مخاطر التلوث البيئي. كما بات يخشى من أن تطفح مياه الصرف الصحي داخل الأحياء السكنية، ويتكرر ما حدث في شهر يناير الماضي في منطقة الزيتون عسقولة، أو تكرار الكارثة البيئية في القرية أم النصر، و التي أودت بحياة خمسة مواطنين في مارس من العام الماضي. ويتزامن ذلك مع بداية موسم الاستجمام على شواطئ بحر غزة، ما يستدعي ضرورة التوقف عن تصريف المياه العادمة والصرف الصحي في البحر للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين.
من جهة أخرى ما تزال السلطات الإسرائيلية تمنع دخول المعدات ومضخات المياه والأدوات الكهربائية اللازمة لتشغيل آبار مياه الشرب ومحطات الصرف الصحي، التي تحتاجها مصلحة مياه بلديات الساحل، برغم تدخل العديد من الأطراف الدولية، والتي عقدت اجتماعا بتاريخ 11 /3/2008، ضم مصلحة المياه، وسلطة المياه، بحضور البنك الدولي، وممثل اللجنة الرباعية، وقد صدرت وعود من الجانب الإسرائيلي بإدخال تلك المواد خلال أسبوع، لكن هذه الوعود لم تُترجم حتى الآن على ارض الواقع.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إذ يتابع بقلق شديد تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الناجمة عن سياسة الحصار الشامل والإغلاق الذي تفرضه سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام، وفي قطاع غزة بشكل خاص، فانه:
- يدعو المجتمع الدولي بالخروج عن صمته والتدخل العاجل، وذلك من أجل ضمان تقيد سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، بقواعد القانون الدولي، ومنع تنفيذ مزيد من العقوبات الجماعية الجديدة التي سيكون ضحاياها السكان المدنيين.
- كما يدعوها إلى إلزام السلطات الإسرائيلية، بصفتها الدولة المحتلة، بضمان التدفق الفوري لإمدادات الوقود، الغذاء، الدواء وكافة أنواع البضائع التجارية والصناعية إلى سكان قطاع غزة المدنيين، وذلك إعمالاً لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
- ويذكر كافة الأطراف السامية المتعاقدة، وفقاً لاتفاقيات جنيف، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها السلطات المحتلة الإسرائيلية، بتعهداتها، وعلى وجه الخصوص احترام الاتفاقية وكفالة احترامها في جميع الأحوال، وذلك وفقاً للمادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف للعام 1949، وتعهداتها وفقاً للمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977 بحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.