6/1/2005
سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد
المحترم
تحية طيبة وبعد
فهذه هي رسالتي الثانية إلى شخصكم ، إذ كانت الأولى عقب توليكم زمام رئاسة الجمهورية بأشهر قليلة ، ومع إطلالة العام الجديد ، وانقضاء شهر حقوق الإنسان ، وهو الشهر الثاني عشر من العام المنصرم ، أحببت أن أكتب لكم هذه الكلمات يحفزني في ذلك حافزان :
أولهما : الاتجاه العام في بعض بلداننا العربية – المغرب مثلاً – بفتح ملفات انتهاك حقوق الإنسان التي جرت في عهد سابق، وما يجري في جلسات الاستماع حول التعذيب الذي مورس ، والضحايا الذين سقطوا جراء ذلك
وثانيهما : الضغوط التي تمارس من قبل قوى خارجية بقصد تغيير حتى خصوصياتنا خدمة لها
إن لدينا في سورية أربعة ملفات هامة جداً لا بد من التصدي لها وحل معضلاتها من( أجل رص الصفوف الداخلية ومقاومة القوى الخارجية )، ولقد أحببت أن أضع هذه الملفات أمام ناظريكم لعل وقتكم يسمح بدراستها واتخاذ خطوات حاسمة في سبيل إيجاد حل لها
أول هذه الملفات هو ملف التعذيب الذي لا يزال ينزف دماً في جسد الأمة ويمارس في أقبية الأجهزة الأمنية بصورة منتظمة وممنهجة ، وبخاصة فيما يتعلق بمن ينتمي إلى التيار الإسلامي ، ولا يزال يجري في فرع المدينة للمخابرات العسكرية استدعاء خطباء ومدرسي المساجد المرخصين رسمياً حيث يمارس بحقهم استخفاف وازدراء بقصد الحط من كرامتهم ، فضلاً عن ممارسة التعذيب في حق من يعتقل دون سند من القانون
وتعلمون يا سيادة الرئيس أن التعذيب محرم في الدستور السوري إذ نصت المادة 28 منه على مايلي:
1- كل متهم برئ حتى يدان بحكم قضائي مبرم
2- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون
3- لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك
4- حق التقاضي وسلوك سبيل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون
وكذلك حرم قانون العقوبات التعذيب في المادة 367 عقوبات على مايلي:
في ما خلا الحالات التي يفرض فيها القانون العقوبات الخاصة عن الجرائم التي يرتكبها الموظفون فإن اللذين يقدمون منهم بصفتهم المذكورة أو بإساءتهم استعمال السلطة أو النفوذ المستمدين من وظائفهم على ارتكاب أي جريمة كانت محرضين أو مشتركين أو متدخلين يستحقون العقوبة المشددة في المادة 247 و التي تفرضها في المادة391 على أنه :
1- من سام شخصا ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون رغبة في الحصول على إقرار جريمة أو معلومات بشأنها عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات
2- وإذا قضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح كان أدنى العقاب الحبس سنة
ونصت المادة 545 على أنه تشدد العقوبات المذكورة في هذه المواد وفقا لإحكام المادة 247 إذا اقترف الفعل بإحدى الحالات المبينة في المادتين 534″أو 535 ”
وتنص المادة 534 على أنه ” يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصدا إذا ارتكب :
0000 في حالة إقدام المجرم على التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص”
أما المادة 30 من نظام السجون فقد نصت على أنه يحظر على جميع الموظفين وعمال الحراسة أن يستعملوا الشدة بحق الموقوفين ، أو يلقبونهم بألقاب محقرة أو يخاطبوهم بلسان بذيء أو يمازحوهم”0
فلو نظرنا في هذه النصوص السابقة لحسبنا أنفسنا في عالم مثالي ، إلا أن الواقع المعاصر يتناقض تماما مع النصوص آنفة الذكر ، فضلا عن التشريعات العديدة التي تتناقض مع الدستور والتي لم يجر إلغاؤها حتى ساعة كتابة هذه الكلمات ، وهي تعتبر بحق من الفوضى التشريعية التي تسود البلاد0
فضلاً عن أن جميع الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها سورية تحرم التعذيب
ولقد آن الأوان لتفعيل النصوص الدستورية والقانونية والاتفاقات الدولية وأخرها معاهدة منع التعذيب التي انضمت إليها سورية ، وذلك بهدف إيقاف التعذيب الذي يمارس بلا حساب ولا رقيب0
وثاني هذه الملفات وقد يكون هو الأعقد ، ملف المفقودين ، فكما تعلمون لدينا آلاف المفقودين الذين غابوا في غياهب السجون وتم تصفيتهم جسدياً إما تحت ما يسمى أحكام ميدانية عسكرية ، أو أحكام أمن الدولة ، أو قتلاً دون سبب، وخاصة ما وقع في سجني تدمر والمزه العسكريين ، الأسوأ بين سجون العالم
إن أسر هؤلاء المفقودين سواء كانوا زوجات أو أولاد أو أباء وأمهات ينتظرون بلا طائل الإفراج عن ذويهم ولقاءهم بعد غياب طويل ، لأنهم ببساطة غير موجودين على قيد الحياة ، ولا أعتقد أنه يغيب عن بالكم أن لهؤلاء جميعاً حقوق تجاه هؤلاء المفقودين ينبغي تسويتها ، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالكشف عن أسمائهم وتسوية أوضاعهم في القيود الرسمية ، وبذلك نسهم في إجتياز أزمة قائمة فعلياً ، ولا ينفع معها أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونتجاهلها ، والقاعدة الذهبية تقول إن الحق أحق أن يتبع ، وفي ذلك لأم الجراح التي لا زالت تنزف حتى الآن
وثالث هذه الملفات هو ملف المحرومين من الجنسية سواء كانوا أكراداً أم عرباً غادروا القطر لأسباب تتعلق بحريتهم وأمنهم أو خوفهم على حياتهم
ورابع هذه الملفات هو ملف الدور المصادرة وهي بالآلاف ، ويشغلها مسؤولون أمنيون وسواهم ، فكما تعلمون إن المصادرة ممنوعة إلا في حدود الأحكام القضائية وقد منعت المادة 15 من الدستور نزع الملكية وحددت كيفيتها فنصت على مايلي:
1- لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون
2- المصادرة العامة في الأموال ممنوعة
3- لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي
4- تجوز المصادرة الخاصة بقانون لقاء تعويض عادل
ومعلوم لديكم أن كثيراً من الأسر لا تملك سوى الدار التي صودرت ، وفي سبيل ذلك حصلتُ على أحكام برفع المصادرة إلا أن هذه الأحكام لم تجد طريقها للنفاذ حتى الآن ، وهو ما يهدر قيمتها ويضعف من هيبة القضاء
إنني يا سيادة الرئيس أضع هذه النقاط أمامكم وكلي أمل في أن تجد لديكم آذناً صاغية فتأمرون بالتحرك لتسوية وضع هذه الملفات العالقة والتي تنخر في جسم المجتمع ، وبذلك يعود الحق إلى نصابه ونخطو جميعاً الخطوة الضرورية، وإسهاماً في إسدال الستار عن مآسي تقض مضجعنا جميعاً ، سيما والوطن مستهدف من قوى خارجية ظالمة ليس لها هدف سوى تدمير بنية مجتمعنا وتمزيق شملنا
وتفضلوا يا سيادة الرئيس بقبول تحياتي
وكل عام وأنتم والوطن بخير
المحامي الأستاذ هيثم المالح
رئيس جمعية حقوق الإنسان في سورية