25/6/2005

الحالة الأولى

1- مواطن فقد صبر أيوب

أحمد إبراهيم السيد مواطن مصري بسيط حضر إلينا محولا من مركز هشام مبارك للقانون ، و هو يرتدي تي شيرت ممزق، و بوجهه و صدره آثار حروق حديثة، واجهنا بعيون تحجرت فبها الدموع و امتزج بها الغضب مع اليأس قائلا “أنا زهقت خلاص و مش هتنازل و لو فيها موتي”..

أحمد الذي يبلغ من العمر 44 عاما و يعمل كسائق سيارة أجرة (تاكسي) وضع أمامنا حكايته:

“كنت قاعد على القهوة يوم الأربعاء 15/6/2005 الساعة عشرة مساءا برتاح قبل ما اكمل شغلي، جه أمين الشرطة محمد عبد الغني و طلب مني أطلع بيهم حملة.. يعني اربع أو خمس ساعات بالتاكسي من غير فلوس طبعا

رفضت..، بدأ يهدد و يشتم، شتمته، ضربني بالبوكس في وشي قدام الناس على القهوة و زقني جوه التاكسي هو و اثنين امناء ما عرفش أساميهم و أجبروني أروح قسم الساحل، في القسم طلعوني أوضة ضيقه فوق اسمها التلاجة، قلعوني الفانلة الداخلية و ربطوا بيها ايديا ورا ضهري و غموا عينيا بقماشة و بدأوا يطفوا سجاير في وشي و صدري وأنا سامع محمد عبد الغني بيدي أوامر للاتنين اللي معاه لمدة ربع ساعة تقريبا بعدها جاب سكينة مطبخ و قال لي و حياة ….. أشيلهالك يا …… و رماني في زنزانة كان فيها يجي 15 واحد زيي…. الخميس الصبح عرضوني على وكيل النيابة مع السكينة….. وكيل النيابة ما سألنيش أي سؤال و قال إخلاء سبيل.

قلت لأ أنا فيا اصابات و عايز اثبتها ، عرضوني على رئيس النيابة و هو حولني على وكيل نيابة ثاني و طلب تقرير الطبيب الشرعي .. سابوني الجمعة بالليل و السبت رحت للطب الشرعي و من ساعتها التهديدات بتلاحقني يا إما اتنازل يا إما يلبسوني قضية مخدرات…”

الحالة الثانية

2- يا تشتري لنا كفتة يا إما هانعملك كفتة

عمرو جلال رجب 25 عاما أنهى مؤخرا فترة تجنيده و يعمل عجلاتي خلفا لوالده… لم يأت عمرو إلينا، و لم يطلب مساعدة، و إنما ذهب إليه أطباء المركز حيث يقطن بالموسكي..، و بالرغم من مرور ما يقرب من شهر على اعتداء أمناء الشرطة عليه إلا أن عينه اليمنى مازالت تحمل آثار الضرب بجهاز اللاسلكي

كما يوجد جرح ملتهب أعلى صدره جراء السحل، أما وجهه و نبرات صوته فقد حملت إلينا وبحكم الخبرة الطبية النفسية ، و برغم تماسكه الظاهر ما يعانيه من اكتئاب و قلق شديدين…

حكاية عمرو فاصل من الكوميديا السوداء، فقد تم ضربه وسحله و تمزيق ملابسه و إجباره على الزحف فوق الإسفلت الساخن فقط لأنه امتلك ما يكفي من الجرأة و الشجاعة ليقول ” لا”..

قال عمرو “لا” لأمناء الشرطة الذين استوقفوه و والدته في الشارع ، وأصدروا أوامر عاجلة بأن يشتري لهم عمرو وجبات كفتة – على حسابه- ، و حين رفض استولوا على بطاقته الشخصية و عندما أصر على الرفض بدأت حفلة الإهانة و الضرب العنيف التي استمرت برغم ارتماء أمه العجوز على جسده النحيل لحمايته..

و بعد أن هدد أمناء الشرطة باستخدام أسلحتهم الميري ( دفاعا عن رغبتهم الحارة و الجادة في الكفتة) لم يجرؤ أحد من أهالي الحي على التدخل حتى فقدت الأم الوعي ، و أصبح جسد عمرو فعليا (كفتة).

قام عمرو بعمل محضر بالواقعة لكن رئيس المباحث و بدلا من محاسبة أمناء الشرطة، تدخل و مارس عليه ضغوطا كثيرة ليضطره في نهاية الأمر إلى التصالح، و ليجبره على التنازل عن حقه دون سبب واضح …، و يبدو أن الإحباط الناتج عن ضياع وجبة الكفتة، قد أعاق السيد رئيس المباحث عن اتخاذ إجراء عقابي واحد تجاه الأمناء المذكورين…..

الحالة الثالثة

3- اتنين في واحد: أمناء شرطة، و” مرتزقة” عند اللزوم “جاءوا في الميكروباص يصحبهم العم، كسروا الباب و اقتحموا المنزل و ضربوا الأب الكهل و سمحوا للام بعد التوسل بارتداء ملابسها ثم اقتادوها لقسم الشرطة مدعين انهم ينفذون حكما ضدها بالحبس لمدة شهر بالرغم من وجود حكم محكمة بالبراءة..” هكذا بدأ وائل حمدي رشدي الطالب المتفوق بالسنة النهائية بكلية العلوم و الأخ الأصغر لعدد من الأبناء الذين أنهوا دراستهم الجامعية حكايته التي يدخل فيها العم طرفا رئيسيا ، فقد دأب على تلفيق قضايا عديدة ضد أسرة وائل للضغط عليها بسبب خلاف على إرث قديم… ويبدو أن العم يجد من يسانده، و من يدبر معه و ينفذ له، و إذ ما لزم الأمر من يقوم أيضا بحمايته ففي قسم الشرطة رفض الضباط الاعتراف بحكم المحكمة بالبراءة، و ظلت والدة وائل رهن الاحتجاز ستة ساعات متواصلة حتى جاء أحد الضباط و هو في الأغلب المسئول عن وحدة تنفيذ الأحكام و أعلن بمجرد النظر أن أمر التنفيذ الذي يشهره العم في وجهها هو أمر مزور..!!!! و إذ فجأة تقرر الاعتراف بحكم المحكمة و إطلاق سراح الأم من القسم.. وائل يتساءل و نحن معه:

  • من أين أتى العم بالأمر المزور و كيف لم يتخذ ضباط القسم أي إجراء قانوني ضده؟؟
  • لماذا تنصل مسئولوا القسم من الموقف قائلين “ارفعوا عليه قضية لو عايزين” ؟؟
  • كيف يخرج أمناء الشرطة في مهمة مستندها الرسمي الوحيد مزور؟؟
  • لماذا يأتي أمناء الشرطة في ميكروباص غير حكومي و لماذا يركب العم معهم؟؟

    كانت هذه ثلاثة نماذج مختلفة لما أحرزه أمناء الشرطة من تطور هام على صعيد الاعتداء على المواطنين و إذلالهم، ونحن إذ نعرب عن دهشتنا من التواتر السريع للأحداث حيث وقعت جميعها في غضون شهر واحد فإننا على الجانب الآخر نراها تدهورا طبيعيا و متوقعا في سياق منظومة القهر التي يعيشها المجتمع المصري بدءا من رأسه و حتى أطراف أصابعه.