5/12/2006

أثار فاروق حسني وزير الثقافة المصري لغطا و زوابع لا نهائية في الفترة الماضية حين أدلى برأيه بشأن تغطية رؤوس و شعور النساء في مصر و هو ما يسمى تجاوزا بـ “الحجاب” إذ قد لا يمت ما ترتديه بعض المحجبات إلى مفهوم الاحتشام بصلة قريبة أو بعيدة.

ولسنا هنا بصدد الدفاع عن رأي الوزير أو حتى مناقشته، و إنما نحن بصدد رصد مشهد مثير على ساحة المعارك (المصر – مصرية) الفريدة والتي تشغل موقعا متميزا لدى الرأي العام.

المشهد الذي التفتنا إذ فجأة لنجده محتدما بقوة و حمية )قلما نصادف مثليهما حتى في مصائبنا الكبرى(، بدأ برأي شخصي للوزير نشرته إحدى الجرائد في صفحتها الأولى، فصار بمقتضاه هدفا مغريا للقتال، إذ لم يكن الرأي المنشور يحمل مباركة أو ثناء على الحجاب تماشيا مع تلك الظاهرة التي اكتسحت المجتمع المصري بل رفضا وعدم استحسان..

بدأ المشهد وانتهى كما تنتهي جميع معاركنا الوهمية، لكن ما بين البداية و النهاية الكثير والكثير.؛ تحالفات ظاهرية غير مألوفة، تراجع مشهود عن ادعاءات الليبرالية، مزايدات سياسية تثير الاشمئزاز، و تصنيفات فكرية أغلبها متوقع…

تحالف الحزب الوطني بأعضائه و كوادره ثقيلة الوزن مع جماعة الإخوان التي دأب على وصفها بـ (المحظورة) تحت قبة مجلس الشعب..، و صال و جال متبنيا معتقدات الجماعة و أفكارها و متناسيا أن حكومته ” الوطنية” تقوم باعتقال أعضاءها و تعذيبهم بشكل دوري على خلفية بعض من تلك المعتقدات، بل و تصفها بالهدامة.

دافع الحزب الوطني عن الحجاب ليكرس اختزال إنسانية المرأة في إطار جنسي مهين يتوجب معه إخفاء جسدها، و اقتبس كذلك من فكر الجماعة مصادرة رأي الآخر باسم الله و بدعوى امتلاك الصواب المطلق، و وطأ بفجاجة حق و حرية الوزير، ليس فقط في إبداء ما يعن له من أراء، بل و أيضا في حوار منطقي يتسيده العقل وليس الهمجية و الصراخ و استباحة الحياة الخاصة.

ذلك التحالف والاندماج الكامل مع منظومة الإخوان الفكرية هو أمر أثار الدهشة فلم يتكتل الحزب الوطني يوما مع أي من أطياف المعارضة ضد أحد أعمدته حتى في أحلك القضايا.

لم يكن تحالفا و تأييدا فقط بل علت نبرة الحزب الوطني الهجومية على نبرة الإخوان فوق صفحات الجرائد وعلى شاشات الفضائيات في مزايدة صريحة وصلت لتخيير الوزير: إما الاعتذار عن رأيه و ربما إعلان توبته أو ترك منصبه.. ذابت الخلافات الإيديولوجية الأساسية ما بين الوطني و الإخواني ليلتقيا على قمع الرأي المخالف و هو ليس بجديد على أي منهما منفردا لكن تزاوجهما يدعو للاستهجان، فإن تباين الخلفيات و المنطلقات والأهداف التي يعلنها كل طرف على السطح لا يمكن أن يؤدي أبدا لهذا الموقف النهائي الواحد المشترك، ذلك الموقف الحالي ربما يفرض علينا أن نطرح تساؤلا عما إذا كان الحزب الوطني و جماعة الإخوان المسلمين يمثلان “وجهين لعملة واحدة” ؟.

ربما رأى الإخوان الفرصة سانحة لكسب قضية مضمونة، و ربما ظن كوادر الحزب الوطني أن هجومهم على الوزير و اكتساب مظهر جهادي مدافع عن الدين سيصادف هوى لدى أغلبية البسطاء من الشعب، و ربما كان هذا “الهوى” هو تحديدا ما تبحث عنه الحكومة في وقت توشك فيه على الانهيار، ربما أيقن الوزير أنه قد اندفع و أن عليه الآن أن يكفر عن خطيئته و أن يضع بيديه لبنة لمحاكم التفتيش الرسمية في قلب وزارة الثقافة، و ربما تقاعسنا نحن أيضا عن الدفاع عن حق أساسي من حقوق الإنسان و هو التعبير عن الرأي بحرية و دون خوف أو إهانة، فلم نكون نتصور أن الوزير الذي لم تتم محاسبته في قضايا عديدة شائكة قد يصبح هدفاًً لمزايدات ركيكة، لكننا اليوم نضم صوتنا إلى جميع من دافعوا عن هذا الحق برغم تراجع الوزير، وبرغم المحاولة التي يقوم بها لامتصاص الأزمة، وإعلانه تشكيل لجنة دينية داخل وزارة الثقافة في مقايضة سخيفة ومزعجة تهدف في المقام الأول لإبقائه في موقعه، ونتمسك أيضا برفض إخضاع الفكر والثقافة لأي سلطة رقابية، وبالحفاظ على حرية الإبداع بعيدا عن الانتهاكات التي ترتكب باسم الدين، كما ندعو لدولة مدنية تحترم الإنسان كقيمة دون اعتبار للونه أو جنسه أو معتقداته الدينية.