دمشق ، 6 كانون الأول / ديسمبر 2004

أعاد الرئيس السوري بشار الأسد المادة 137 من قانون العاملين الموحد بعد أن حذفت منها فقرة ” دون تبيان الأسباب ” ، ولتنص ضمنا في صياغتها الجديدة على أن من حق المفصول من عمله الطعن أمام القضاء .

وكانت المادة ( ذات الرقم 138 في الصيغة الأصلية لقانون العاملين الموحد الصادر مطلع العام 1985 ) تنص على جواز فصل أي موظف في قطاعات الدولة بقرار مبرم غير قابل للطعن ودون تبيان الأسباب. وتقول الصيغة الجديدة بأنه ” … مع الاحتفاظ بأحكام قانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وأحكام قانون الجهاز المركزي للرقابة المالية :‏‏ ‏ ‏ يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح لجنة مؤلفة من وزير العدل ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية صرف العامل من الخدمة وتصفى حقوق العامل المصروف من الخدمة وفقا للقوانين ….” .‏

لكن التعديل الجديد لا يشير من قريب أو بعيد لوضع الألوف من ضحايا تطبيق هذه المادة القرقوشية ، الذين جرى طردهم من عملهم لأسباب سياسية على مدار السنوات الماضية .

ومن المعلوم أن هذه المادة كانت وضعت في قانون العاملين الموحد من أجل ” شرعنة وقوننة ” عملية الاستئصال واسعة النطاق التي لجأت إليها السلطة منذ أواخر السبعينيات للتخلص من جميع العاملين في قطاعات الدولة ممن تشتمّ منهم رائحة عدم الموالاة للنظام ، أو ممن تقترح أجهزة المخابرات طردهم من وظائفهم بناء على التقارير التي تصلها ، وهي في معظمها كيدية . ورغم أنه لا يوجد إحصاء حقيقي لعدد ضحايا هذه الإجراء الانتقامي ، قبل صدور قانون العاملين الموحد وبعده ، إلا أن بعض الدارسين يقدرونهم بعشرات الألوف ، كانوا في أغلبيتهم الساحقة من حملة الشهادات العلمية العليا ويعملون بشكل أساسي في قطاع التربية والتعليم بمختلف مستوياته . والغريب في الأمر أن التعديل الجديد يتحدث عن قانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ، كما لو أن الذين طردوا من أعمالهم إنما طردوا لأسباب تمس النزاهة الوظيفية ، علما بأن هؤلاء لا يشكلون إلا جزءا يسيرا ، ويسيرا جدا ، ممن طالتهم عصا هذه المادة !!؟؟ وللتدليل على هذا الأمر نرفق ثلاث وثائق هي صورة طبق الأصل عن ثلاثة قرارات أصدرها رئيس الوزراء السابق مصطفى ميرو في يوم واحد (!!) تقضي بطرد الأشقاء الثلاثة لزميلنا السابق نزار نيوف ( أمجد وصلاح وممدوح ) ، وهم مدرسون لمادة التربية القومية الاشتراكية وبعثيون (!!) [ قبل أن تشرفهم السلطة بطردهم من الحزب ] ، إضافة لوالدهم السيد علي نيوف الذي طرد من عمله كمسؤول عن الهيئة الإدارية في بلدته .

وكانت هذه القرارات قد صدرت بتوصية من فرع المخابرات العسكرية في محافظة اللاذقية ، وأمين فرع حزب البعث في المحافظة المذكورة الدكتور نبيه اسماعيل ، بعد أن رفض الأشقاء الثلاثة ووالدهم الرضوخ لعملية الابتزاز التي تعرضوا لها . حيث طلب منهم الدكتور نبيه اسماعيل ، بصفته ممثلا للرئيس بشار الأسد الأمين القطري للحزب ( كما أخبرهم أثناء المقابلة ) ، أن يصدروا بيانا يوزعونه على الصحافة ويتبرؤون فيه من شقيقهم نزار ” باعتبار أن تصريحاته ونشاطاته في الخارج من أجل قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ، تشكل أداة ضغط على صمود النظام الوطني في سورية وخدمة للإمبريالية والصهيونية العالمية ومشاريعهما الرامية لتركيع سورية ” !!

الزميل المحامي جورج سارة ، عضو نقابة المحامين في قبرص ، ومفوض الشؤون القانونية في ” المجلس ” ، عقب على التعديل الجديد للمادة 137 بالقول ” .. نرجو أن لا يخرج علينا غدا المطبلون والمزمرون في أوساط السلطة والمعارضة ببيانات ومقالات تتحدث عن أن هذا التعديل يشكل انعطافة تاريخية في عملية إصلاح السلطة القضائية والقوانين ، وأن هذا سيخرج زير القضاء من بير المخابرات ، كما جرت عادتهم في المناسبات السابقة . فالتعديل لا يتمتع بأي أهمية قانونية لسببين أساسيين : أولهما أنه لا ينطوي على مفعول رجعي ، وبالتالي لا يشير إلى مصير الآلاف الذين شملتهم عملية الاستئصال السياسي الثأرية من وظائفهم . وثانيهما أن المرجعية الأولى والأخيرة للسلطة القضائية في سورية لا تزال هي أجهزة المخابرات ، ممثلة بقيادتها العليا ـ مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية لحزب البعث . وما من قاض يستطيع أن يرفض أي اقتراح من الحزب أو المخابرات بطرد موظف من عمله لمجرد أن يقرن الاقتراح بالعبارة التقليدية : لأسباب تمس المصلحة العامة أو الأمن القومي ” .

وأضاف الزميل سارة ” الجميع شاهد الشهر الماضي واحدة من أكبر الفضائح في سورية . وذلك حين نوقش هذا القانون في ما يسمى بمجلس الشعب ، وجرى التصديق على المادة المذكورة رغم أنها تشكل خرقا سافرا للمادة 28 من الدستور التي تنص على حق الطعن . ويعلم الجميع أن هذا المجلس ليس سوى مجلس كركوزات على غرار ” المجلس الوطني العراقي ” الذي كان يشرعن أوامر صدام حسين . فمهمته الوحيدة هي شرعنة وقوننة إملاءلات وأوامر الحزب وأجهزته الأمنية . وتسعة أعشار القوانين والمراسيم التي ناقشها هذا المجلس القرقوشي وصادق عليها في الماضي تتناقض حتى مع الدستور الذين هم وضعوه وليس نحن . ودون وجود نظام سياسي ديمقراطي في سورية ، وبرلمان منتخب بطريقة ديمقراطية وليس معينا بأوامر الحزب والمخابرات ، وسلطة قضائية مستقلة بالمطلق عن تبعيتها للسلطة التنفيذية ، يبقى هذا الإجراء ، وجميع الإجراءات الترقيعية التي يمكن أن يعمل بها في المستقبل ، مجرد حركات بهلوانية واستعراضية جوفاء ، الغاية الأساسية منها تضليل الرأي العام داخل البلاد وخارجها والإيحاء بأن عملية إصلاح مزعومة جار العمل عليها . ولا أدل على ذلك من أن أمرا أصدره وزير الإعلام مهدي دخل الله قبل أيام بإجازة نشر مقالة للصحافي حكم البابا في صحيفة تشرين ، تحولت إلى حدث في سورية والخارج ، رغم أنها لم تنطو على أي شيء نوعي .
وهذا لا بقلل بالطبع من أهمية كاتبها ” . وأضاف ” سورية هي البلد الوحيد في العالم الذي تحتاج فيه مقالة لإجازة وزير الإعلام ، والبلد الوحيد في العالم الذي مهمة برلمانه الوحيدة هي شرعنة أوامر الحزب والمخابرات والدوس على الدستور .. ” .

يشار إلى أن ” مجلس الشعب ” السوري يتم تعيين جميع أعضائه من حزب البعث وأحزاب ” الجبهة الوطنية ” ، التي تعمل كاستطالات أمنية للحزب وأجهزة المخابرات ، بعد موافقة أجهزة المخابرات على ” المرشحين ” . مع الإشارة إلى أن أعضاء المجلس من البعثيين يجب أن يكونوا دوما أكثر من النصف ، من أجل الضمان الأبدي لتمرير كل ما تريده السلطة .

كما أن المرشحين المستقلين يخضعون لعملية الغربلة الأمنية نفسها . وكل عضو من أعضاء المجلس يحاول الاعتراض على أوامر السلطة وقراراتها يتم اعتقاله ، كما حصل مع النائب المستقل مأمون الحمصي الذي اعتقل ولا يزال معتقلا بسبب مطالبته بتشكيل لجنة لحقوق الإنسان في المجلس ، والنائب المستقل الآخر رياض سيف الذي اعتقل هو الآخر ولا يزال معتقلا بسبب حديثه عن فضيحة نهب الدولة التي تمارسها شركة الهاتف الخليوي والتي يملكها رامي مخلوف ( ابن خال الرئيس بشار الأسد ) واللواء بهجت سليمان رئيس الفرع 251 في المخابرات العامة . أما المحكمة الدستورية العليا ، التي يفترض فيها أن تناقش مدى تطابق القوانين والمراسيم مع الدستور ، فلا أحد يسمع بوجودها في سورية منذ إنشائها .

بل إن استبيانا جرى العام الماضي في أوساط ألف طالب جامعي ، بمن فيهم طلبة من كلية الحقوق في جامعة دمشق ، أظهر أن 97 بالمئة من الطلاب لا يعرفون بوجود هذه المحكمة . نا هيك عن أنه لا أحد يعرف من هو رئيسها ومن هم أعضاؤها . وهذا ليس أمرا غريبا ، إذ إنه لم يسبق لها منذ إنشائها أن ناقشت أي قانون أو مرسوم سوى مرة أو مرتين ، وأجازت ما ناقشته رغم أنه يشكل انتهاكا للدستور !!

فيما يلي ثلاث صور طبق الأصل عن ثلاثة قرارات أصدرها رئيس الوزراء السابق مصطفى ميرو في يوم واحد ( 3 تشرين الأول / أكتوبر 2001 )، وتقضي بفصل الأشقاء الثلاثة المذكورين أعلاه :