27/11/2005
أمير مخول
ضمن القطاعات المؤسساتية الفلسطينية في الداخل, فان الحركة الطلابية المنظمة اي لجان الطلاب العرب والاتحاد القطري هي الاطر الجماهيرية الفلسطينية الوحيدة المنتخبة على اساس قومي وتنظيم ذاتي مستقل عن الاطر الرسمية الاسرائيلية بل في مواجهتها. وهي الاطر المنتخبة الوحيدة تقريبا التي شاركت فيها المراة في اتخاذ القرار وتصدر المواقع القيادية.
الحركة الطلابية المنظمة هي الاطرالفلسطينية الوحيدة بين جماهيرنا التي جرى تاريخيا انتخابها على اساس سياسي وفي صلبه تحديد الموقف من موفع هذا القطاع وما يمثله تجاه قضايا الشعب الفلسطيني والرؤية تجاه دولة اسرائيل, وبشكل مكمل تمحورت في الرؤية الى الداخل وشكل التنظيم والبنى الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي للحركة الطلابية من خلال بلورة نماذج بديلة. فموقع المراة في المجتمع وقضايا البنى الاجتماعية والثقافة المؤسساتية كانت دائما جزءا من محاور نقاش الحركة الطلابية, وانتخاباتها السنوية وتداول السلطة اتاحت اندماج اوسع القطاعات الطلابية فيها وشكلت فضاء وحالة مشجعة للحراك.
الحركة الطلابية العربية المنظمة والمنتخبة وهي الاطر الوحيدة التي استطاعت التحرر من البني الاجتماعية بالذات تلك القائمة على العصبية العائيلة او الطائفية. وتكفي مقارنة مع السلطات المحلية واساليب الحراك والاصطفاف فيها لتبيان الفرق الجوهري بين التنظيم المجتمعي على اساس وطني قومي وبين التنظيم ضمن مؤسسات ذات صلة بنيوية بالسلطة الاسرائيلية الرسمية. فبطبيعة تنظيمها وبنيتها المتطورة واستقلاليتها الذاتية, لم تعتمد القيادات الطلابية خاصة في فترات المد الوطني لا على العائلة ولا على الطائفة ولا على مصادر قوة مصدرها في الدولة واجهزتها.
في طبيعة الحركة الطلابية والحياة الجامعية فانها قائمة على الاجتهاد الفردي والاعتماد الواسع على الذات كفرد والملتقى اليومي الناشط, هي الاطر الوحيدة التي فيها المجال الاوسع للحراك الفردي وتناوب السلطة والتي تراقب ذاتها من خلال الياتها ومرجعياتها.
ان سقف تطلعات الحركة الطلابية المنظمة هو ايضا الاكثر تحررا. فبخلاف السلطات المحلية او الكنيست الملزمة بقوانين وانظمة الانتخابات وبالزامية اعلان الولاء للدولة وقوانينها, فان الحركة الطلابية العربية محررة من هذا السقف الضاغط للاسفل. وهذه الحرية في العمل وفي وضع الاجندة وسقف التطلعات توفر عمليا متسعا لانطلاق اوسع الطاقات في العمل المنظم. وفي هذا المتسع من التمثيل كان بامكان المراة العربية ان تتبوأ اعلى المناصب وان ينتخبها جمهور الطلاب العرب كقيادة منتخبة معترف بها وصانعة القرار.
انني اسوق هذه النقاش كي استعرض اساسا ليس دور الحركة الطلابية وانما النموذج المتطور للتنظيم المجتمعي ولمعادلة اساسية مثبتة تتيح المجال للحراك الفردي والجماعي في كل ما يتعلق بموقع المراة في المجتمع. وما يمكن لهذه التجربة وهذا النموذج من التنظيم ان تفيد وترفد من دروس وعبر واشكال تنظيم تتيح التوصل لما نصبو اليه. والسبب الاخر هو المعادلة التي يجري الترويج لها كما لو كان المقياس والسياق لموقع المراة في المجتمع هو عضوية الكنيست. اي المراة العربية الثانية التي ستلي حسنية جبارة من حزب ميرتس في عضوية البرلمان الاسرائيلي. وفي حال تم تبني معادلة عضوية الكنيست الاسرائيلي كالتعبير الاعلى لموقع المراة الفلسطينية, فان من شأن ذلك ان يفتح الباب امام تساؤلات وانتقاد ذاتي بما فيه لانصار الفكرة من رجال ونساء بما فيه عناصر نسوية معينة.
صحيح مهاجمة عضوة الكنيست السابقة حسنية جبارة سياسيا كونها تنتمي الى حزب ميرتس, بما فيه من قبل عناصر دعت وتدعو الى مشاركة المراة في اتخاذ القرار, لكن لماذا لم تهاجم ذات الاطراف النائب السابق نواف مصالحة او صالح طريف وكليهما من حزب العمل. فقد هاجم العديد من انصار ونصيرات التغيير الاجتماعي النائبة العربية السابقة المراة اكثر مما هاجموا نواب حزب العمل العرب الرجال. فكيف يستوي ذلك الموقف. اي لماذا لم يهاجموا الرجال بذات القدر على الاقل الذي هاجموا به المراة بسبب الموقع السياسي والموقف السياسي؟.
وعلى صعيد اخر لا اعتقد ان المشاركة السياسية للمراة تتحدد معالمها بانتخاب امراة للكنيست من داخل الصف الوطني, لتكون المراة العربية الثانية في الكنيست الاسرائيلي بعد حسنية جبارة من حزب ميرتس خارج الصف الوطني او الثانية بعد تمار جوجانسكي التي مثلث الحزب الشيوعي والجبهة من ضمن الصف الوطني. فالتحدي هو تعزيز موقع ودور المراة في مستوى اتخاذ القرار والمشاركة السياسية وفي صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولو كان المعيار للمشاركة هو عضوية الكنيست فماذا مع النساء الناشطات في الصف الوطني وذوات الرصيد النضالي الكبير واللاتي ترفضن اللعبة البرلمانية مبدئيا, وتعملن من اجل فصل تنظيم المجتمع الفلسطيني عن انتخابات الكنيست الاسرائيلي. ناهيك ان التمثيل البرلماني وقائمة كل حزب وتركيبته هي شأنه ويتعلق بحساباته وليس مسؤولية المجتمع. مسؤولية المجتمع هي تجاه مؤسسات المجتمع الجماعية.
ولو اردنا الخوض اكثر في سياسة الهويات فان الجبهة مثلا, تمثلت برلمانيا بامراة وهي النائبة السابقة تمار جوجانسكي. وكانت تعبير عن تمثيل المراة في اطار تيار مركزي هويته عربية يهودية. وهي انتخبت من قبل من صوتوا لقائمة الجبهة, وهذه قضية داخلية لحزب له رؤيته المبلورة ولا تندرج ضمن تنظيم الجماهير العربية او ضمن مسؤولية المجتمع ككل. وكذا الامر بالنسبة لقائمة كل حزب الذي يتحمل اعضاؤه المسؤولية تجاهه ولا يتحمل المجتمع ككل المسؤولية عنه, الا في حماية حرية عمله. لان نائب في البرلمان ايا كان يمثل حزبه وجمهور مصوتيه وعلى اساس برنامجه. وفي المقابل وعودة الى الحركة الطلابية فان لجنة الطلاب العرب كنموذج تنظيم منتخب مباشرة من جمهور هدفه, خولها جمهور الطلاب جوهريا وبكل تياراته ان تمثله وان تتحدث باسمه جماعيا وان تعبر عن طموحاته الجماعية وان تتخذ القرار من خلال مشاركة اعضائها وعضواتها عل السواء.
الكنيست والتمثيل البرلماني ليسا الفضاء الاهم لنا كفلسطينيين لضمان الحراك الاجتماعي والفردي والسياسي وتعزيز مكانة المراة. وهذا لا يعني موقفا ضد تمثيل المراة في الكنيست, وانما مكانة المراة ليست بالضرورة بالتمثيل كما مكانة الرجل ليست بالضرورة بالتمثيل البرلماني. فالاطار للحراك الفعلي وللمشاركة في اتخاذ القرار هو من خلال تنظيم انفسنا قوميا كفلسطينيين وتنظيم انفسنا كشعب . فلو كانت لجنة المتابعة مثلا هيئة تمثيلية بمفهوم الانتخاب المباشر لرئيسها واعضائها وتنظيم هذه الجزء من الشعب الفلسطيني, لكانت افاق الحراك اكبر واوسع على نسق الحركة الطلابية المنظمة واوسع منها. والحراك ضمن اللعبة البرلمانية هو سياق واحد للمعنيين به ليس الا. وحصر الحراك ضمن اللعبة البرلمانية والسلوك الناتج عنه, انما يمنعان الحراك الفعلي والتفاعل بين كل طاقات المجتمع الناشطة جماعات وافراد رجال ونساء, ومن شأنه ان يعوّق بناء المرجعيات الجماعية لنا كفلسطينيين.
ان تنظيم المجتمع وانتخاب هيئاته الناظمة هو الاطار لبلورة معايير متطورة تضمن تمثيل اوسع للمراة وتضمن حرية الحراك الفردي والتياراتي, وتضمن مشاركة حقيقية في صنع القرار الداخلي كمجموعة قومية. وهذه معايير لا تضبط ولا يمكن ضبطها من خلال الكنيست, فالكنيست ليست شكل تنظيمنا كفلسطينيين ونحن لا نحدد معاييرها بل نعاني من معاييرها, وليست محط طموحنا ولا حدود هذا الطموح. ولا تضبط من خلال لجنة المتابعة ببنيتها وتركيبتها الحالية ولا بادائها والذي تراجع في السنوات الاخيرة وغابت رؤيتها.
فما لم تاخذ الناس حق المشاركة في انتخاب هيئاتها وفي الترشح لها وتنظيم ذاتها ضمن هذه العملية, فان هذه الهيئات ستبقى كما الوضع في لجنة المتابعة حاليا رهينة بيئة داخلية مجتمعية وخارجية اسرائيلية تشدان في تقليص افاق الحراك الفردي والجماعي باسقاطات ذلك على تهميش موقع المراة.