29/12/2007

دفاعاً عن معتقلي تجمع إعلان دمشق
لا شك أن كلا من الاستبداد والطغيان هما الميزة التي وسمت النظام السوري منذ إقرار وتنفيذ واستمرار حالة الطوارئ والأحكام العرفية في سوريا، ويزداد هذا الاستبداد والطغيان ويقل حسب ردة فعل المجتمع بقواه السياسية والظروف الخارجية المحيطة، فبقيت سياسة الاستبداد والطغيان الناظم والمحرك لهذه السلطة وذلك من خلال هدر حصانة المجتمع والوطن لمصلحة حصانتها المطلقة مضخمة حولها جهازها الأمني بشكل هائل مترابطة معه بمصالح عضوية تاركة له تكريس الاستبداد والفساد في المجتمع السوري للحفاظ على حصانتها المطلة.

وما قامت به هذه الأجهزة الأمنية من اعتقالات واسعة لتجمع إعلان دمشق بعد مؤتمره، والإبقاء على سبعة منهم يعتبر في اعتقادي ردة فعل طبيعية لهذه السلطة المطلقة، وخاصة بعد تغيير أسلوبها لفرض أرادتها على المجتمع إذ انتقلت من اعتقال خمسمائة شخص من أجل خمسة أشخاص مطلوبين في فترات سابقة لعام 2000 إلى اعتقال خمسة أشخاص لترهيب وإسكات خمسمائة ناشط سياسي وحقوقي يطمحون للتغير والإصلاح، فالمتابع لهذا الانتقال يلحظ ذلك منذ اعتقال أعضاء ربيع دمشق إلى الآن.

لن أدخل في نقاش حول إذا كانت نتائج الإعلان صائبة أم لا، -لأنني عبرت عن موقفي من خلال تجميد نشاطي في الإعلان، وفسرت الأسباب التي دفعتني ودفعت بعض من زملائي إلى هذا الموقف، لقناعتي أنني كناشط حقوق مدني أجد تلازماً مابين الحقوقي والسياسي، على أن يكون السياسي مرتبطاً بقواعد الحقوق الإنسانية الأساسية للفرد والمجتمع ، وعلى أن يكون الحقوقي مرتبطاً بمتطلبات الشرط الوطني الجامع لأفراد هذا المجتمع، مؤيداً الصديق منصف المرزوقي في قوله: (يجب على المقاومة المدنية ان تمشي في نفس الوقت على قدمين الحقوقي والسياسي، وألا كانت مثل الأعرج)- ، لكنني في نفس الوقت أجد نفسي ومن موقع المدافع عن هذه الحقوق، أن أؤكد وأدافع وبدون مساومة عن حقوق هؤلاء بالتعبير عن أنفسهم – أعني ذلك المبدأ الشرعي كحق- ليس هذا فحسب بل حقهم فيما توصلوا اليه عبر نقاشاتهم التي دارت في الاجتماع- رغم اختلافي معهم في نتائجه – هذه النتائج التي أكدت على العمل السلمي من أجل التغيير، والرد عليهم يجب أن يكون عبر المنابر الإعلامية لا زجهم في السجون من قبل السلطة الأمنية مكممة الأفواه ضاربة بعرض الحائط حق الرأي والتعبير لهم. وهنا أتساءل :

لماذا أقدمت السلطة الاستبدادية في سوريا على هذا الفعل القديم الجديد، الذي تمارسه بطريقة منهجية لإحباط أي محاولة لعودة الروح إلى المجتمع السوري؟

ففي اعتقادي تقوم السلطة عن قصد بحرق الإمكانيات التي يملكها المجتمع وقواه الحية زارعة في النفوس حالة الإحساس بللا جدوى، بدلاً من توظيف هذه الإمكانيات في بناء وتطوير ورقي المجتمع.

إن هذه السلطة لا تقبل إلا في امتثال المجتمع إلى طاعتها، فتنفي النقد والتساؤل والمشاركة من قبل القوى الأخرى ( أحزاباً ومنظمات وأفراد)، كي تبقى أسيرة الفوقية التي تملى وتطالب بالطاعة، وعلية فإن الجميع عليهم أن لا يتساءلوا بل يتلقون الجواب الواحد الوحيد ذا الطابع اليقيني على أن النظام جوهر الديمقراطية والوطنية التي ننشدها، وقولها أن الأزمات المستعصية وهذا الفساد والظلم سوى أخطاء بسيطة وصغيرة – يمكن تجاوزها مع الزمن وهي سمة المجتمعات العربية كلها – أمام ما يقابلنا من تحديات على المستوى الخارجي وإن حالة النهب وإفقار المجتمع ما هي إلا أمور عادية يمكن حلها، فاستفحال حالة الفساد والبطالة وسوء توزيع الثروة في سوريا وصلت إلى حالة تجاوزت الأزمة إلى حالة كارثية حقيقية تنهش في جسم المجتمع السوري.

فكل الوعود من هذه السلطة حول الإصلاح ما هي إلا تخدير لنا ( ابتداء من الوعود بإطلاق قانون الأحزاب والجمعيات الأسير في مكتب الحكومة السورية إلى أجل غير مسمى مروراً بتحسين الوضع المعاشي للمواطن المهدور كرامته وانتهاء بالوعود بالرد بالزمان والمكان على العدو الإسرائيلي المتغطرس في أهناتنا عبر ضرب عين الصاحب والموقع العسكري في دير الزور) بل يصل إلى حد الكذب الواضح فكيف لهم أن يقبلوا بالإصلاح وهم يرتعشون من انكشاف ملفاتهم الفاسدة على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، من هنا حرصهم الشديد على خنق حرية الرأي والتعبير للمواطنين. لا يمكن أن نصدق سلطة توعدنا في إصدار قانون للأحزاب والجمعيات وانتخابات حرة ونزيهة وهي تكرس الاستبداد السياسي، أو أن تحارب الفساد وهي جزء منه وتكرسه في أن، أو تعيد لنا أرضنا المحتلة وتصمت أربعين عاماً على احتلال الجولان.

من هنا لا يحق لهذه السلطة في اعتقال نشطاء عبروا عن مواقفهم مهما كانت وبشكل سلمي محاولين الخروج من هذا الأزمة حسب وجه نظرهم التي نحترمها لكن نختلف معها ونرفض اتهامها في أي شيء مسيء لهم وبشكل قاطع ، بل نؤكد على حقهم في التعبير عن أرائهم مهما كانت السلمية وسوف ندافع عن هذا الحق بكل ما أوتينا من قوة، وأعلن أنني أختلف مع هذا التيار الذي يرى في الديمقراطية فقط طريق لإنهاء الأزمة المستعصية في سوريا، لا أكيل له أيه تهمه أو أطعن في قصده الشريف كما قولنا وأصطاد في المياه العكرة السيد نضال نعيسه أو آخرين .

إلى هؤلاء منارة الحرية في بلدي أقول:

إلى أستاذي المنسي في زنزانته عارف دليله أعلمك أنني مازلت على العهد في عدم المساومة لحق الآخرين الكامل وحقنا جميعاً للوصول إلى دولة مدنية زرعتها في جنابتنا على مقاعد الدراسة .
إلى الصديق المفكر والصحفي ميشيل كيلو أعلمك أنني لن أتنازل عن مفردات قواعد الصحافة ورئتها الحرية.
إلى بقية المعتقلين محمود عيسى وأنور البني والبقية حقكم علينا أن نستمر بالدفاع عنكم في كل مكان ومحفل.
إلى فداء الحوراني، أحمد طعمة، أكرم البني، علي العبدالله، وليد البني، محمد ياسر، جبر الشوفي أيها المناضلين على درب الحرية لن يهدأ لنا بال أو نستكين أو نخاف من هذا الاستبداد الجاثم على صدورنا جميعاً إلا في إطلاق سراحكم من سجون الاستبداد.

فكل التحية والتقدير لكل هؤلاء المناضلين في أقبية السجون في سوريا .