12/2004

مركز البحوث والدراسات المستقبلية
(إن ممارسة الفنون لاتحتاجُ إلى المبررات).
قد يبدو مسرحُ الأطفالِ مسألةً بسيطةً, وعملاً سهلاً في كثيرٍ من الأحيان لدى عددٍ لابأسَ به من الذين يعملون في هذا المجال, ولكن الدخولَ إلى عالم الأطفال والولوجَ إلى بحر فن مسرح الأطفال أمر في غاية الخطورة والأهمية, فالخطأ في عالم الكبار يمكن أن نجد له أعذاراً ولكن الخطأ في عالم الأطفال مسألة لا مغفرة فيها ولا عذر لمن يخطئ, ولا تهاون في هذا المجال على الإطلاق, ولن يكون بوسعنا إيجاد العذر ولاالمبرر لهذا الخطأ .

فكلما أوغلنا في عالم مسرح الطفل نكتشف مدى جهلنا بمكونات هذا العالم, وندرك ضآلة معرفتنا بمتاهات هذا الفن المغري, وتتكشف لنا خيوط المدى الواسع لهذا الباب المفتوح على الأفق الرحب.

ويحتاج العامل في هذا المجال إلى الصبر والأناة كي يستطيع أن يصل إلى المرجو والمبتغى من عمله, وكي يحقق كل الذي ينوي القيام به.

نستطيع أن نقول إن مسرح الأطفال شيءٌ مهم في حياة الأطفال, ومؤثر فعال في أطوار نموهم الفكري والعقلي والعاطفي والنفسي والإجتماعي, فالمسرح عند الطفل نوعٌ من اللعب والمتعة, ويجب علينا أن نستثمر هذا المفهوم كي نستطيع أن ندير دفة الطفولة بالإتجاه الصحيح, ولكي نطمئن أننا نفعل مابوسعنا من أجل هذا الجيل الذي سيكمل المشوار.

للمسرح دورٌ كبير في عملية تكوين الشخصية الإبداعية عند الطفل, إذ يُعْتبر مسرح الأطفال جهدٌ جبار ومحاولة جادة لإقناع الطفل بشيء ما, ويعد وسيلة ناجعة لإيصال الفكرة إلى ذهن الطفل, كما أنه – أي مسرح الأطفال – يشكل حالة متميزة ومهمة في سعيه المستمر لإنقاذ القيم والمبادىء من طوفان المُحْدَث الجديد الذي أفرزته التقنية المعاصرة, وتطوراً لأشكال التواصل البشري وتنوع مصادر المعرفة وتعدد القنوات التي تصب في جدول حياة الأطفال المعاشة وحياة الكبار الذين يشكلون المكون الأساسي للطفل ولمفردات شخصيته.

يعمل هذا المسرح على تحقيق المثل القائمة وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تتسرب عبر الثقوب والفتحات التي أحدثتها ثورة الإتصالات وتطور وسائل الإعلام وتعدد منابع المعرفة وذلك حرصاً على قيم الطفل العليا ومثله السامية.

وللمسرح هدفٌ يسعى لتحقيقه تحت كل الظروف وفي كل الأوقات وتحت كل الشروط, باذلاً أقصى الجهود ومسخراً كل الطاقات لتحقيق هذا الهدف المنشود, وبالتالي إنجاز المخطط المرسوم, إذ أننا نستطيع من خلال مسرح الأطفال أن نوجه مجموعة من القيم للطفل والمثل التي نود أكسابها له.

قام (كينيت غراهام) في مقالة نشرت عام 1961؛ بتقسيم القيم المقدمة عبر المسرح للأطفال إلى خمسة أقسام، ويعتبرها أساساً لإنطلاق الإستفادة من مسرح الأطفال، وهذه القيم الخمسة هي:

– التسلية – التطور النفسي – العرض التربوي – التقدير الفني – توسيع جمهور المستقبل.

و بعد ذلك قام غراهام بتصنيف هذه القيم إلى ثلاثة مجالات رئيسية وهي:
علم الجمال – علم التدريس – علم النفس.
فالجمالُ عاملٌ مهمٌ جداً في التسلية, فلا بد للعمل المسرحي من جماليةٍ خاصةٍ تجعلهُ يشدُ الطفلَ إليه، ويأخذ بيده إلى عالم التسلية والفرح والبهجة, كي يدخلَ من خلال ذلك إلى المعرفة والمعلومة، وبالتالي إلى القيمة التربوية المطلوب إيصالها, فالجمالية التي تأتي التسليةُ في مقدمتها تجذبُ إنتباه الطفل وتحوّل محور إنتباهه واهتمامه نحوها, وتجعلُ منه مشاركاً فاعلاً في الحدث، وبدون هذا الطرف لن يكون العملُ المسرحي مكتملَ العناصرِ التي تحققُ نجاحَهُ ووصولَ مقولته إلى الهدف المراد تحقيقه.

تلعب أشياءُ كثيرةٌ وأمورٌ متعددةٌ أدواراً متنوعةً فاعلةً في إغناء العمل المسرحي جمالاً وفتنةًً، وإكساب هذا الجمال خاصية تجعل منه مسلياً مفيداً في آن واحد لدرجة تصل إلى حدود المتعة والنشوة.

وللممثل دورٌ مهمٌ جداً في تحقيق هذه المتعةِ وإنجاز هذه التسلية, فقدرة الممثل على ضبط إيقاع العمل وإيقاع شخصيته وتدافع مشاعره وعواطفه؛ تسهم بشكل كبير في إنجاح هذه المهمة، بحيث يغدو هذا الممثل خيط ربطٍ وقناةَ إتصالٍ بين النص الذي يظهر على الخشبة وبين الطفل المراقب لكل شيء, القانص لكل الحركات, القابض على أطراف الفكرة وهو يركض خلف حركات الممثل وكلماته.

يحب الأطفال الالتصاق بالمشهد المقدم، ويفرحون جداً حين يشعرون أنهم أصبحوا جزءاً من المشهد, فالمخرج والديكور والممثلون والصوت والإضاءة والألوان وكل المؤثرات؛ تعمل على إتمام المشهد وتقديم التسلية, لذلك نجد أن الأطفال الذين يشاهدون برنامجاً تلفزيونيّاً محبَّباً لديهم, يتفاعلون مع الشاشة تماماً, بل يصبحون قطعة منها, فنراهم يتحركون ويقفزون تماما كما تفعل الشخصية المفضلة لديهم، ويتصرفون كما يتصرف البطل. فالحركة عبر الشاشة تنتقل إلى إحساس الطفل عبر الرؤية والإدراك والسمع؛ لتغدو حركة معبرة عن مدى التواصل بين هذين الطرفين.

عبر هذه التسلية يتم تقديم المعلومة التي يكتسبها الطفل إكتساباً, فيجدها سلسة ممتعة تدخل دون عناء وجهد.
إن الطفل عبر هذه التسلية ينتقي ما يريد حين تعرض عليه الأفكار والحقائق, وبالتالي سيكون مسؤولاً عن أختياره

يقول ياشا فرانك: إن الأطفال يحبون أن يتعلموا, ولكنهم يكرهون أن يُعلّموا.
لنحاول بذل مابوسعنا كي نترك أطفالنا يتعلمون دون أن نجعل من أنفسنا ذلك المعلم الصارم؛ الذي يتحدث طوال الوقت وطلابه جامدون في مقاعدهم؛ لايجرأون على تحريك أهدابهم, لندعهم يكتشفون العالم بمفردهم ونحن نسير بجانبهم، لنتعلم جميعنا من أطفالنا.

نساء سورية