12/3/2005

كان يجب أن تكون الفرحة كبيرة هذا العام. فهو العام الأول الذي لا تجبّ فيه احتفالاتُ ثورة الثامن من آذار احتفالاتِ عيد المرأة، الذي يصادف اليوم ذاته. وإن تأخر الاحتفال بضعة أيام! فعقد في الثاني عشر منه (أي البارحة). احتفالية (كبيرة) شاركت فيها فرقة إنانا السورية للمسرح الراقص، وجوقة الفرح.. في ساحة عرنوس بدمشق.. وضيوف وضيفات (يناسبن) الحفل!!

لكنها لم تكن كذلك. صحيح أنه الاحتفال الأول (المستقل)، إلا أن الإعلام السوري دأب على الإشارة إلى هذه المناسبة، وتخصيص بعض المقالات، وبرنامجاً أو اثنين لها. واحتفل الاتحاد العام النسائي (بطريقته) بهذه المناسبة على الدوام. وهو ما جعل الخصوصية في هذه الاحتفالية تكاد تقتصر، من حيث الجوهر، على أنها تعلن احتفالاً خاصاً بالمناسبة. أما خصوصيته من حيث الشكل، فتميزها باد للعيان! وهو ما جعل الفرحة أقل مما أملنا، بكثير..

إنه النشاط الأول الذي تقوم به الهيئة السورية لشؤون الأسرة، وكان يجب أن يسمى نشاطاً جماهيرياً. فحتى الآن اقتصرت نشاطاتها على ندوات ولقاءات مع الناشطات والناشطين، ورجال دين وسياسة، ومسؤولين وأعضاء مجلس شعب.. وهو نشاط حمل الكثير من الأهمية، وكان يسير بالاتجاه الصحيح تماماً. وكنا ننتظر من الهيئة، الآن أو فيما بعد إذ نقدر جيداً حجم العمل الذي أمامها، أن تستكمل طيف نشاطها بالبدء في الاتصال مع الناس.. الناس في الشارع كما يقال. أي الناس الذين لا يعرفون الطريق إلى فندق أمية! ولا يدعون عادة! وهم أكثر من يمارس العنف، وأكثر من يتلقاه! وهم أحوج الناس إلى من يمد لهن، ولهم، يد المساعدة بأشكالها جميعاً: المادية والمعنوية والثقافية و..

ومرة أخرى، لم نلم، ولم يلم أحدٌ من النشطاء في مجال الأسرة عموماً، والمرأة خصوصاً، الهيئةَ السورية لعدم إقدامها على توسيع نشاطها. ببساطة، البلد بلدنا ونعرف ما يعنيه وما يتطلبه ذلك..

لكن، أن تبادر الهيئة إلى إطلاق احتفاليتها الأولى بعيد المرأة بحفل “جماهيري” راقص في حديقة عامة، أمر مثير للاهتمام فعلاً..

إلى من يتوجه هذا الاحتفال الذي أقيم في حديقة تقع في منطقة مهمة من دمشق؟! وهي، بالمناسبة، حديقة لا تتسع إلا إلى عدد قليل جداً نسبياً. وعدد المدعوين والمدعوات، أي “الوجاهات”، يفوق إمكانية هذه الحديقة لو قرر جميعهم أن يحضر! بالتأكيد ليس إلى النساء (والرجال) في عسالي أو حجيرة أو جبل الورد أو عش الورور أو مزة جبل! وليس إليهن في الميدان ولا الشاغور ولا اليرموك ولا ركن الدين..

ومع ذلك، المهم ليس هذا السؤال. بل السؤال الآخر: ما الذي تقدمه هكذا احتفالية؟! إعلان: ها نحن أخيراً نحتفل بعيد المرأة!! وماذا بعد؟! لا شيء! هكذا ببساطة. في الوقت الذي نحتاج فيه إلى احتفالية من نوع آخر. ولن نقول احتفالية من النوع “الغربي” حيث تخرج النساء لتطوف الشوارع حاملات لافتات تتعلق بالحرية والمساواة والعدالة والسياسة والحروب والمعتقلين والمفقودين والعاطلين عن العمل.. (وعذراً من السيدات المهتمات بإدراج صيغة المؤنث مترافقة مع كل صيغة مذكر. ولنعدّ، اتفاقاً، أن صيغة الجمع صيغة حيادية، تخفيفاً عن النص).. بل دعونا نقول احتفالية تناسب أوضاعنا. وما يناسب أوضاعنا، فيما نعتقد، أشكال وآليات أخرى لم تكن لتكلف الكثير من الجهد أو المال. بل تكلف فقط الإرادة على الفعل.

ماذا لو نزلت السيدات الناشطات في هذا الميدان (واسمحوا لي أن أسمي الجهات بدل الأشخاص: الهيئة السورية لشؤون الأسرة، لجنة دعم قضايا المرأة، رابطة النساء السوريات، رابطة النساء السوريات للطفولة والأمومة، جمعية تطوير المرأة، جمعية تنظيم الأسرة، الاتحاد العام النسائي، اتحاد شبيبة الثورة، اتحاد الطلبة، اتحاد الشباب الديمقراطي… وموقع “نساء سورية” -كي لا يزعل أحد!..) ماذا لو نزلوا جميعاً، لساعة واحدة بين الثانية والثالثة ظهراً، واتخذت كل منهن (ومنهم) زاوية في ساحة أو إشارة مرور أو مكان تجمع سرافيس، ووزعوا ورقة واحدة صغيرة على المارة والسيارات، تتضمن سؤالاً واحداً من مثل: هل تعرف كم امرأة تعيل أسرتها في سورية؟! الجواب: كذا؟!

أو ماذا لو، (و “لو” حرف امتناع لامتناع يمكنه أن يكون غير ذلك)، ذهب كل من هؤلاء، وهم أكثر عدداً من عدد المحافظات في سورية، إلى محافظة باتفاق مسبق مع المحافظ أو المركز الثقافي أو البلدية أو جمعية ما أو اتحاد شبيبة الثورة أو… وألقى محاضرة لمدة نصف ساعة فقط، طرح فيه بعض الأرقام وذكر فيها ببعض القوانين؟! أو ماذا لو قرر هؤلاء أن يشدوا رحالهم في يوم عمل تطوعي في الأحياء الفقيرة الكثيرة التي تلف الأحياء الغنية القليلة، وعملوا كما تعمل الكثير من الصبايا في الجمعيات الخيرية (التي كثيراً ما نقلل من قيمتها دون أن نتعلم منها شيئاً) في الأعياد. إذ يدخلن البيوت وفي أيديهن مساعدة غالباً ما تكون زهيدة الثمن لكنها عملية، وقمن بمحادثة بسيطة عن حال وأحوال هذه الأسرة وتلك؟! أو ماذا لو فكرنا أن نزور السجون النسائية وأقسام السجون المخصصة للمرأة ودور” الجانحات” و.. حمل كل منا وردة صغيرة مع جملة بسيطة: كل عام وأنت بخير.. أو ماذا لو..؟!

للأسف، أن جمعية المبادرة الاجتماعية هي وحدها التي بادرت إلى هكذا نشاط. إذ حملت عضواتها أوراق مناهضة للعنف وانتشرن في منطقة الاحتفال ذاته، مساء 8 آذار، ووزعن الوريقات تلك على المارة وسائقي السيارات.. ورغم أن الجمعية لم تبذل جهداً في الاتصال بالآخرين ودعوتهم إلى المشاركة، ورغم أنها، فيما سمعناه، حضرت الاجتماع التشاوري المذكور مع الهيئة السورية دون أن تبدي اعتراضها على ما تقرر، إلا أن هذا النشاط الذي أثار الضحك “كما عبرت السيدة ردينة حيدر في زاويتها المنشورة هنا تحت عنوان “يوم الضحك العالمي”، هو النشاط الذي يمكن لنا أن نأمل منه خيراً، وإن بعد حين.. وما هذا الضحك إلا تعبيراً عن حداثة هذا النشاط ومفاجأته الآخرين.. وهو نقطة بداية لا بأس بها..

ليست، بالتأكيد، الهيئة السورية، ولا الجمعيات الأهلية الأخرى عاجزة عن فعل ذلك لو أرادت. وإذا كان من المحتمل أن يواجه هكذا نشاط ببعض “الصعوبات” التي اعتدنا عليها. إلا أننا كنا قادرين على تجاوز هذه الصعوبات بألف طريقة وطريقة…

أخيراً.. نعرف، على كل حال، أن المسؤولية لا تقع على الهيئة وحدها. بل أيضا على الجمعيات الأهلية والنشطاء الذين لم تتوانى الهيئة عن استشارتهم عما يجب فعله في هذا اليوم (ولم يدع “نساء سورية” لهذا اللقاء). ولم يبدوا أي اعتراض على هذا البرنامج “البهرجي”.. ولم يقدموا أية اقتراحات بديلة..

وإذ نقول أننا نأمل أن الهيئة السورية لشؤون الأسرة، والجمعيات والناشطات الأخر، لن يتخذوا هذه “الاحتفالية” نموذجاً لنشاطهم، فإننا نقول: نأمل، ليس على طريقة الإعلام المحلي المجبر على استخدام هذه الصيغة في مطالباته الخجولة للمسؤولين. بل على طريقة المعرفة المسبقة أن هذه الجهات مهتمة حقاً بما تطرحه من قضايا، وليس من باب التظاهر..

نساء سورية