3/9/2005

بقلم: رهادة عبدوش

وقفت غنوة بين الجميع متحدية: لا لن أدخل كلية التربية! لا أريد أن أصبح معلمة! أريد دراسة الهندسة أو التجارة…..

وبدأ الهيجان داخل البيت.. وتعالى صراخ عماتها وخالاتها وأبيها وأمها: التعليم مهنة مناسبة للفتيات! فعندما تتزوج البنت وتصبح أماً تحتاج إلى وقت لتطبخ وتغسل وتربي الأطفال.. ووقت المعلمة بالعمل قصير، وتستطيع التفرغ لعمل البيت!

وتدخلت خالتها لتكمل: لا بل المعلمة للبنت أقدر! فهي لا تتعامل إلا مع طلاب وبحالها.. تعطي درسها وتغادر المدرسة! حتى أن المدرسين أكثرهم إناث! وهذا يصون المرأة أكثر!

أما والدها فقال لها: يجب عليك الدخول إلى كلية التربية. وبما أن الصيدلة لم تستطيعي الحصول عليها، فالمناسب كلية التربية! فهذه الكلية أنسب للفتيات، وأقدر لهن، تحافظن فيها على كرامتهن كإناث ونساء!

صرخت هي: لماذا إذاً تعلمت وتعبت إذا كان الهدف الأساس هو أن أكون امرأة أنثى وأماً وزوجة فقط؟! كان يمكنني عمل هذا كله من دون أن أتعب عيني بهذا الدرس؟! فلأتزوج إذاً رجلاً غنياً و”أتستت” في البيت! أليس هذا أوجب لي وأكثر صيانة لكرامتي؟!

حالة غنوة هذه التي هي من مجتمع يعد متطوراً نسبياً ومهتماً بالتعليم! أي ليست من بيئة متخلفة، بل من بيئة عادية تشمل الأكثرية في مجتمعنا، إنما هي حال فتيات كثيرات! إن لم يتشبعن بالأفكار منذ الطفولة بأن المرأة للبيت!

وأن مقياس نجاحها هو نجاحها في البيت! فهن يجبرن، عندما يصبحن على مفترق الطرق، وعند الاختيار، أن يخترن مهناً تناسب الفتيات بحسب آرائهم! مهن بعيدة عن التعب الجسدي أو الذهني أو الاحتكاك مع الآخرين كالتجارة أو الصحافة أو الحقوق أو الهندسات! فهذه كلها تعد مهناً ذكورية!

لأن الذكر أنسب وأقدر على العمل بها. (علما أن التعليم يحتاج لهذا كله، لكنها مهنة أنثوية بحسب الاعتياد!).

هذا التهميش والتمييز الجنسي في الاختيار جعل المرأة في سورية، وفي مجتمعاتنا العربية عامة، بعيدة عن الوصول إلى التقنيات الحديثة والعمل الحر! مع أنها منافسة حقيقية للرجل.

لكن المجتمع الذكوري الذي يوهم نفسه، ويوهم المرأة، أن الأعمال التي تحتاج إلى التفكير والجهد إنما هي أعمال تناسب الرجل أكثر من المرأة، وأن المرأة يناسبها أعمال تربية الأولاد، هذا المجتمع هو الذي يجعل المرأة بعيدة عن مواكبة التطور والمشاركة في الحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المجتمع كله.

إذاً لا بد من التوقف عند مشكلة اختيار الفتاة لما ترغب بحرية بعيداً عن تلك الأفكار التي تشدها إلى الوراء لمجرد أنها فتاة عليها العمل بما يناسب أنوثتها.

ولن يتم تغيير هذه العقلية إلا إذا بدأ العمل من الأسفل إلى الأعلى، من الداخل إلى الخارج. أي يجب أن نبدأ العمل على الأطفال، بأن يعرف الطفل أنه كأخته، وهما متساويان.

وأن يرفد ذلك بالمناهج التربوية التي لا تميز بين الطفل والطفلة. وأن يتم التركيز على الإعلام لما له من تأثير على الإقناع من طريق المسلسلات التلفزيونية والصحف والمجلات.

إضافة إلى هذا كله نحتاج إلى إيجاد الوسائل المعينة للأسرة، والتي تعين المرأة والرجل على القيام بواجبهما تجاه الأسرة والعمل من دون خلل بأحدهما على حساب الآخر.

وهذا أمر هام يجب على الدولة النظر فيه، وإتاحة الفرص للعمل في هذا المجال عن طريق إشراك جميع الجهات.. بل المجتمع بأسره.

الآراء الواردة في المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

.

نساء سورية