24/12/2005

بقلم: ردينة حيدر
لقد شغلت قضية الإعاقة شغل الحكومات والدول والمنظمات والهيئات الدولية والمجتمعات المحلية، وخاصة بعد أن تبين أن نسبة المعوقين تتراوح بين10-11% من عدد سكان العالم وهي نسبة ضخمة وفاعلة، فالفكرة السائدة التي تشيع أن على المعاق أن يبذل جهوداً مضاعفة ليبدو أقرب إلى الأسوياء- في المجتمعات المتخلفة- تجعل من المعوقين أشخاص قادرين على العمل، والإبداع بشكل ملفت، أدى هذا بدوره إلى تحويل الأنظار إليهم عبر التاريخ.

وقد أكدت الاتفاقيات الدولية (حقوق الإنسان،حقوق الطفل..) على أن حقوق الإنسان هي واحدة مهما كانت اختلافات الشكل واللون والجنس، ثم أحدثت المعاهد الدولية التي دأبت بدورها على توصيف الإعاقات ووضع أسس للعلاج الفيزيائي، والسيكولوجي، وتدريبات النطق، هذا العمل الحثيث الذي أثبت بشكل واقعي أن نسبة كبيرة من حالات الإعاقة التي تخضع للتدخل المبكر، هي حالات قابلة للشفاء أو للتطور نحو الأفضل بما لا يقارن مع الحالات نفسها التي يتم تجاهلها.

واعتبر بذلك يوم الثالث من كانون الأول اليوم العالمي للمعاق، كصرخة في وجه الصمت والتهميش الممارسين من قبل الحكومات والمجتمعات في معظم دول العالم -بشكل عام- والدول النامية بشكل خاص، حيث يطال التهميش معظم فئات المجتمع.

وبمناسبة هذا اليوم، أقامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل احتفالية خاصة في مكتبة الأسد بدمشق.. وقبل أن نقول رأينا، لنقرأ آراء بعض الحاضرين من المعنيين بالأمر:
اختصر أحد الأطفال المعوقين (محمد عبدو) الاحتفالية معبراً عن رأيه قائلاً: إن أجمل ما في الحفل هو الكلمات الشاعرية..! وعبرت سعاد (معوقة جسدياً) عن رأيها قائلة: يبدو أنها موضة المعوقين اليوم..! أما سليمان طعمة، عضو مجلس إدارة الجمعية السورية للمعوقين جسدياً، فرأى أن “الاحتفال لفتة كريمة، لكن فليطبق القانون (34) أولاً”.. وطالب بتأمين الأجهزة التعويضية والبدء بموضوع تأهيل البيئة.. وأشار مجموعة من المكفوفين من معهد التربية الخاصة بالمكفوفين أن الوزارة تحاول إفراغ القانون (34) من مضمونه! وذلك من خلال إصدار تعليمات تنفيذية متناقضة مع القانون نفسه! وعن رأيهم بالاحتفالية أجابوا جميعاً: إنه يشبه تماماً احتفال كل عام ولا شيء جديد..!! وليس لدى الوزارة سوى الكلمات المنمقة! ولم يختلف رأي مجموعة من المعوقين في مركز التدريب المهني عن هذا الرأي!

كما أكد كثير من المعوقين على الدور الكبير الذي اضطلع به المجتمع المحلي والجهود الفردية في قضايا الإعاقة وقضايا التدخل المبكر، وذلك بسبب الغياب شبه التام لدور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

عشرات المعوقين، وأغلبهم من المكفوفين، كانوا ينتظرون -متشائمين- ما بعد الكلمات الساحرة والشاعرية، والعواطف الجياشة.. حقوقاً تقرحت حناجرهم بالمطالبة بها ولم يكونوا ينتظرون أبداً لحظات “رومانسية” بين الوزارات والمجتمع المحلي وشبيبة الثورة! فالتشريعات التي تحدث عنها الجميع كانت، حسب رأي عشرات المعوقين، غائبة غياباً شبه تام! كما تكررت “عبارة ما تم تحقيقه” كثيرا في الكلمات التي ألقيت.. وقد أكد بعض المعوقين أنه ربما كان يقصد بهذه العبارة ما يتوجب على الآخرين أن يتخيلوا أنه تحقق كواجب وطني، لا أكثر..!!

سنصر مرة على أنه لابد من الاحتفالات فهي صورتنا اللائقة والملمعة أمام الجميع، مادامت الاحتفالات تعبيراً عن إنجازات حقيقية على أرض الواقع وتتويجاً لها..!! لكن ماذا إذا لم تكن سوى احتفالات لا مضمون واقعي لها؟! مع ذلك لا زال أمامنا فرصة أخيرة للنظر في مرآة الآخرين لرؤية وجه ٍآخر غير وجهنا.. وإبصار العالم بطريقة جديدة ومختلفة..!!