9/2/2009

امير مخول
أيّهم أشدّ خطرا او أكثر عدوانية ودموية ضد شعبنا: ليبرمان ام ايهود براك ام ليفني ام نتنياهو. وأيهم اخطر هل هو برنامج ليبرمان “لا مواطنة بدون ولاء” ام تقرير رئيس جهاز الأمن العام الشاباك الإسرائيلي يوفال ديسكين قبل عامين “عرب إسرائيل هم خطر استراتيجي” ام وثيقة المجلس الصهيوني وهو الذراع التنفيذية للوكالة اليهودية والذي يشترط المواطنة بالولاء ام إعلان ليفني أن ممارسة العرب لطموحهم القومي سيكون في الدولة الفلسطينية وليس في اسرائيل ام مشروع الدولة اليهودية ودولة اليهود الذي بلوره شارون وتسير على خطاه أحزاب كاديما والعمل والليكود؟ بعد ان أصبح مشروعا استراتيجيا ومركبا أساسيا في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي والذي بخلاف النقاش الخلافي سابقا على حدود إسرائيل فان “الدولة اليهودية” تحظى بإجماع كل القوى والتيارات الصهيونية والمجتمع الاسرائيلي.

صحيح أن ليبرمان أكثر فظاظة لكنه ليس شاذا في عنصرية برنامج حزب “يسرائيل بيتينو” وهو المرشح ليصبح الحزب الثالث في إسرائيل والذي تشير التوقعات أيضا انه لن يكون ائتلاف حكومي بدون مشاركة هذا الحزب فيه. لكنه في جوهره ليس خارج الإجماع القومي الإسرائيلي الحاكم بل في صلبه. وللحقيقة فان نظرية الدمغرافيا العنصرية هي من نتاج حزب العمل وحركة العمل لتصبح موقفا إجماعيا إسرائيليا. اما مركّب “الولاء للدولة” فهو سياسة دولة بكل مؤسساتها الأمنية والمدنية منذ ستة عقود. والولاء هو مصطلح ومفهوم لتحديد سلوك الإنسان الفلسطيني مواطن إسرائيل وليس اليهودي. وهو مصطلح استعماري في جوهره وفي هذا أيضا كان حزب العمل وحركة العمل السباقين تاريخيا فيه وبخلاف ليبرمان فهم طبّقوه على ارض الواقع من خلال اذرع الامن الشاباك والشرطة والعنصرية البنيوية. لذلك ولو انعمنا النظر في لبيبرمان فهو ليس مؤسسا لعنصرية جديدة بل هو الوليد الطبيعي للجوهر الاستعماري العنصري لاسرائيل والذي يعيد انتاج نفسه باستمرار لمواجهة أزمات إسرائيل بأكثر عدوانية وأكثر عنصرية.

استخدام فزاعة “اليمين المتطرف” او “اليمين” تجعل ممن هم ليسوا أقل عنصرية ولا تطرفا يبدون وكأنهم معتدلين ا وان طرحهم شرعي. واستراتيجيات ما يسمى “الكتلة المانعة” قد انتهت منذ عقد ونصف, وهي التعويل على أن يكون الصوت العربي في الكنيست حاسما لتغليب معسكر العمل الإسرائيلي على الليكود الإسرائيلي. وكما يبدو فان الطرف الوحيد الذي لا يزال يراهن على هذا التوجه هو من يراهن خارجيا عربيا وفلسطينيا على ان التغيير مرهون بحكومة إسرائيل وتركيبتها، وعليه نجد ابو مازن محمود عباس وبدعم مصري رسمي من اكثر المهتمين والفاعلين بهذا الشأن في مسعى لتوفير بنية داعمة له ولنهجه تشاركه ضمن ما يسمى “محور الاعتدال” في مواجهة “محور التطرف” أي نهج الممانعة وتأييد ودعم نهج المقاومة. وحقيقة اخرى جدير التعامل معها وهي انه ومع نهج الدولة ومؤسساتها ونهج الإجماع الإسرائيلي والإعلام نزع الشرعية السياسية عن جماهيرنا فان إمكانية تشكيل كتلة مانعة او اعتماد حزب العمل او كاديما على الكتل العربية لتشكيل كتلة تمنع نتاياهو من تشكيل الحكومة، غير واردة وغير شرعية بالمفهوم الصهيوني. وبالذات في دولة تلائمها المعادلة: “اكثر عنصرية اكثر اصوات” و “اكثر عدوانية ومجازر اكثر اصوات”.

من الطبيعي من وجهة نظر ليبرمان مثلا ان تتمحور حملته الانتخابية في برنامج تطهير عرقي للجماهير العربية الفلسطينية في الداخل. وضمن الحملة لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني وتثبيت وضعية التجزيء والتشتيت للشعب والقضية فان استهداف الجماهير الفلسطينية في الداخل وهي في هذه الحقبة الفلسطينية من اكثر المجموعات الفلسطينية تنظما ومن انشطها دورا وأكثرها تحديا للمشروع الصهيوني “الدولة اليهودية”، فان استهداف ليبرمان لها هو حقا هدف استرايتيجي يلتقي مع مركبات الامن القومي الاسرائيلي، ومواقف نتانياهو وليفني وبراك ليست خلافية معه في جوهر حملته.

وعندما يكون إجماع اسرائيلي في القضايا الجوهرية فان اهمية الانتخابات الاسرائيلية تقل، ولا يمكن وصفها بالمفصلية او المصيرية. أي لن يتغير الإجماع القومي برئيس الحكومة هذا او تلك.

وفي مقابل توجه ليبرمان والذي مشروعه كما الآخرين هو “الدولة اليهودية” المجمع عليها، فان موقف جماهيرنا الفلسطينية بحركتها السياسية المنظمة لا يستطيع ان يكون محصورا في ليبرمان، وليس قضية انتخابية بل نحن في حالة مواجهة مع جوهر إسرائيل كنظام. وحصر المعركة مع اليمين يفقدها منطقها الداخلي ويفقدها جوهرها الحقيقي.

كما ان احدا لا يستطيع بعد مظاهرات الغضب والتحدي ودعم مقاومة شعبنا في غزة للعدوان والمذبحة، ان يدعي اننا واجهنا “اليمين” في مظاهراتنا. نحن واجهنا جهاز دولة قمعية بكامله، وواجهنا اجماعا قوميا صهيونيا مطبقا بما فيه “اليسار الصهيوني” الذي برر العدوان ودعمه، ورددنا ان كل وزراء اسرائيل مجرمي حرب، وواجهنا المؤسسة الامنية وترهيبها وواجهنا الاجهزة المدنية بما فيها الاعلامية والاكاديمية والقضائية التي تكاملت في العدوان على شعبنا في غزة وفي الداخل. لقد واجهنا وتصادمنا مع تلك القوى وتلك الاجهزة مجتمعة دفاعا عن وجودنا وصمودنا وصمود شعبنا ولوقف المجزرة وكسر الحصار. وأهم من هذا كله قمنا بواجبنا لافشال إسرائيل وعدوانها وتدعيم صمود شعبنا ومقاومته ضمن تقاسم الهمّ الفلسطيني المشترك.

وللحقيقة وكي لا نحصر المعركة الانتخابية ببعدها الضيق الداخلي، فان هذه الانتخابات هي نتاج عدوان 2006 على لبنان وفشل اسرائيل واخفاقها في مواجهة المقاومة. ولولا ذلك الاخفاق الذي يتضح باستمرار – بما فيه طبيعة العدوان على غزة – انه كان اخفاقا اسرائيليا استراتيجيا يعززه ويعزز ازمة إسرائيل هزيمة مشروعه السياسي في غزة واخفاق عدوانها الاخير الجاري. انه انجاز اخر استراتيجي لنهج المقاومة فلسطينيا وعربيا. ومع صعوبة الجزم في الافتراضات القائمة على كلمة “لو”، الا انه ولو افترضنا ان اسرائيل بزعامة اولمرت انتصرت وحققت أهدافها في حرب لبنان 2006، لكانت فضائح اولمرت وفساد سلطته عاجزة عن الاطاحة به، لانها فضائح واشكال فساد لم يكن شارون مثلا أقصر باعًا فيها من اولمرت.

وما يجري في المنطقة وفي العالم من مسعى استعماري عدواني لاحداث شرخ بين شعوب المنطقة العربية على اساس الاعتدال والتطرف أي على اساس الموقف من اسرائيل والمشروع الامريكي الاسرائيلي وفي المقابل من الحق الفلسطيني والعربي وعلى التمهيد لضرب ايران فان هذا ينسحب ايضا على مساع اسرائيلية وفلسطينية وعربية لإحداثه بين جماهيرنا. وبالذات جماهيرنا التي اثبتت في عدوان 2006 على لبنان وفي العدوان الحالي على شعبنا في غزة انها لاعب فلسطيني مركزي ومحرّك محليا واقليميا ودوليا.

حول مرجعياتنا – يوما بعد الانتخابات
مهما كانت النتائج ومهما كانت نسبة التصويت او المقاطعة او الامتناع – سوف نواجه يوما بعد انتخابات الكنيست سؤالا مهما: ماذا مع مرجعياتنا نحن الفلسطينيين؟ والجواب لن يكون في برلمان ليس لنا ولا هو اطار لتنظيم المجتمع الفلسطيني في الداخل. الانتخابات التشريعية الاسرائيلية ليست مرجعية تمثيلية للجماهير العربية، ولا تأطيرا سياسيا لها، بل هي موقف خلافي وغير اجماعي. اما الشق الاخر لهذا السؤال هو الموقف من موقع ودور بناء مرجعياتنا في الداخل ضمن مسعى اعادة بناء مرجعيات الشعب الفلسطيني ككل.

وتحتل هذه المسألة حيزا أكبر على ضوء طبيعة ومنحى الاصطفافات السياسية الآخذة بالتبلور والتي تتحدد معالمها على اساس عدد من المواقف التي تؤشر الى نهج. ومنها جوهر المشروع الفلسطيني وطبيعة الموقف من إسرائيل وقواعد لعبتها، والموقف من المرجعيات الفلسطينية ومن السلطة الفلسطينية والنهج الذي يقوده محمود عباس ابو مازن، الموقف من المقاومة الفلسطينية وحتى بجوهر الدعوة الى الوحدة الفلسطينية الواسعة هل هي على اساس تدعيم المقاومة ام على حسابها، مسألة المرجعيات الفلسطينية الشاملة، والموقف والموقع تجاه الاصطفافات العربية الاقليمية بين ما يسمى “قوى الاعتدال” و “قوى التطرف”. والاصطفافات هذه لا تخرج من اطار التعددية والوحدة وهي تتطلب نمطا اكثر تطورا لادارة الاختلاف وبناء المرجعيات.

مرجعيتنا التمثيلية هي الهيئة التي ننتخبها لتمثلنا اولا امام انفسنا كمجتمع وثانيا اللخارج بما فيه الدولة. ولو اتفقنا على مرجعية بالمفهوم التمثيلي المباشر وهو ما ينقص لجنة المتابعة العليا، أي انتخاب لجنة المتابعة مباشرة من قبل جماهيرنا لكانت انتخابات الكنيست هي نتاج استراتيجيات لجنة المتابعة وليس العكس أي ان يكون الوزن الاكبر في المتابعة لمن يصل الى عضوية الكنيست والذي يصبح احيانا أقوى من الحزب السياسي الذي انتدبه. وبطبيعة الحال ليست لجنة المتابعة هي مرجعيته بل حزبه وحده هو مرجعيته.

في نموذج مغاير الا وهو انتخابات الطلاب العرب كنموذج في الجامعات فمن ينتخب لرئاسة لجنة الطاب العرب يمثل كل الطلاب العرب, وكل التيارات جزء منها وتشارك بها بصفتها اطارا للتنظيم الذاتي الفلسطيني. في حين الكتلة البرلمانية فهي تمثل ناخبيها المصوتين لها. فعضو الكنيست لا يمثل من لم ينتخبه وانتخب حزبا اخر ولا يمثل من قاطع الانتخابات كموقف من الكنيست وضمن رؤية لمواجهة أدوات اللعبة الاسرائيلية مع التأكيد ان كلا التوجهين هو سلوك سياسي وانتخابي ناشط وهادف.

وفي نظرة الى مسيرتنا الكفاحية في الداخل ودورنا على مستوى شعبنا والمنطقة فان من يقود جماهيرنا وهيئاتها هم القيادات الوطنية على تنوعها وتعدديتها. وحتى في معركة الصمود ووقف المجزرة في غزة والتي رافقها فراغ قيادي في لجنة المتابعة نجحنا كجماهير وكقيادات في التغلب على الفراغ التنظيمي والمؤسساتي الخطير في لجنة المتابعة والذي مصدره غياب رؤيوي جماعي وموقف واضح من تعريف وضعية جماهيرنا في الداخل ومن علاقتنا بشعبنا وموقعنا ضمن قضية شعبنا ومرجعياته وكذلك موقف من اسرائيل. وهي قضايا محورية اساسية. وبما ان التعددية واحترامها يحولان دون الزامية الاتفاق على تسمية المحاور الاساسية والتوافق بالموقف منها، فان المخرج لمثل هذاه الوضعية هو التوافق على مرحلة انتقالية لاطار تنسيق وطني ضمن اطار عمل واطار زمني محدد يجري تناوب القيادة فيها، وتكون مهمتها الاساس هي الاعداد لانتخاب مباشر للجنة المتابعة العليا كمرجعية. والفعل الاساس في هذا المشروع ليس انتخابيا فحسب بل تنظيم مجتمع وتنظيم شعب والوضع الامثل ان يكون هذا المسعى توافقيا.

اتحاد الجمعيات العربية (اتجاه)
Ameer Makhoul
General Director, Ittijah – Union of Arab Community Based Associations
Special UN-ECOSOC consultative Status
P.O.Box 9577 Haifa 31095
Tel: +972 4 8507110
Fax: +972 4 8507241
Mobile: +972 54 4862171
www.ittijah.org