9/9/2007

لن نتطرق في هذه المقالة إلى ذاك النوع من الاستبداد (الأبوي) الذي انتقل عبر تطور أشكال السلطة من (الأب) إلى (الجد) إلى (شيخ العشيرة) ومن ثم إلى (الأمير) ومن ثم (الملك أو الزعيم) أي إلى الدولة ـ السلطة في أطوارها المختلفة، حيث كان الأب أو شيخ العشيرة أو الأمير أو الملك أو الزعيم يشعر بمسؤوليته عن توطيد حكمه، وحماية مملكته ورعيته في وقت واحد، وهذا يقتضي منه تأديب الخارج، ومعاقبة المسيء ولو كان محقاً. وفي عصور كان يسودها الأمية والجهل، والعجز عن إدراك المعطيات العامة والخاصة، كان يتوجب على كبير القوم أو سيدهم أن يرفق بهم ليأخذهم برأيه وحكمته مع نفر من حاشيته إلى ما يظن فيه خيرهم ورشادهم.

في تاريخ ذاك الاستبداد الطويل، وقعت مآس، وفواجع، وظُلم جماعات وأفراد. ولكي بقي الروح الأبوي دائماً هو صمام الأمان الذي يحجز الحاكم عن الإمعان في الظلم مع القدرة، ويفرض عليه الخضوع لروح الرؤية الإنسانية والدينية التي كانت تضبط سياسات الحكام في كل مكان.

أما الاستبداد الذي نتحدث عنه في هذا المقال وبإيجاز شديد فهو (الاستبداد الميكانيكي)، ابن القرن العشرين، الذي مارسته وماتزال تمارسه أجهزة ميكانيكية مبرمجة، مجردة من كل المشاعر والنوازع. أجهزة تعمل بأسلوب تقني وبارع جداً على فصل مكونات الإنسان المادية (اللحم والعظم والعصب) ومكوناته المعنوية (النفس والعقل والروح) والتي تعمل على تحطيمه، بإحباطه، وغسيل دماغه، أو بقتله بطيئاً أو سريعاً. مستعينة بكل أبحاث الأنثربولوجيا ورجال علم النفس وأطباء الأدمغة والأعصاب.

(الاستبداد الميكانيكي) الذي نتحدث عنه، ولد في عالمنا العربي مع ولادة الدولة القطرية الحديثة، والتصق غالباً بالنظم (الثورية) التي اشتق القائمون عليها طرائقهم الاستبدادية من مدارس معاصرة ثلاث.. النازية ـ والفاشية ـ والستالينية.

وحين نتتبع أساليب هذه المدارس نجد أن المستبدين الذي فرضوا أنفسهم علينا بتلك الأساليب المثيرة لكثير من القرف والاستهجان، كانوا مقلدين صغاراً لطغاة العالم وجلاديه. ولكنهم لم يرتقوا قط إلى أن يكون لهم بعض الوضاءة التي كانت لأولئك الطغاة من أمثال هتلر وموسوليني وستالين.

صوت (المدنيون الأحرار )