22/7/2005
أجبر الإرهاب سيد قمني، بعد تهديدات متتالية، استمرت فترة زمنية طويلة، تجسدت بسيل من الرسائل الإلكترونية، تنذره بتنفيد حكم الإعدام فيه، الصادر عن ” قضاء ملثم “، أمام أسرته، ما لم يتنصل من كتاباته السابقة كلها، و يعتذر عنها، مما اضطره إلى تنفيذ ما طلب منه، بعد أن لجأ إلى السلطات طلباً للحماية، دون جدوى، فأعلن توبته وندمه واعتزاله الكتابة .
تجسد مأساة سيد قمني، مأساة المثقف عموماً، في ظل غياب الحرية والتعددية، اللتين تمثلان الإطار الوحيد الحقيقي، الذي تستطيع الثقافة من خلاله، مساءلة الواقع وتناول المسكوت عنه، من خلال الحوار النقدي العقلاني المفتوح.
صحيح أن الجهة القامعة، هذه المرة، لم تكن السلطة، لكن هذا لايعفيها مطلقاً، من المسؤولية عن انسداد الآفاق وإنتاج ظاهرة التطرف، التي يمكن النظر إليها، على أنها مشتقة من ظاهرة احتكار السلطة لكل شيء وتغييب دور المجتمع، وترسيخ بنى الدولة التسلطية الشمولية، وانتشار القمع والفقر والبطالة والفساد، وقيام الدولة الريعية، عوضاً عن الدولة الإنتاجية التنموية.
بيد أن هذا، في الوقت نفسه، لا ينبغي أن يحجب عنا حقيقة الخطر الداهم، الذي تمثله الجماعات الأصولية المتطرفة، التي تعد نفسها لاستلام السلطة، لكن، ليس من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، بل من أجل فرض منطقها القمعي وتكفير وقتل كل من يخالفها الرأي، حتى على أرضية الإسلام ذاتها .
ونرى أن المجتمعات، عموماً، والمتعددة منها مذهبياً وعرقياً، على وجه الخصوص، لن تجد لحمتها وسلامها الاجتماعي، إلا بتجاوز أشكال الترابط والتضامن المغلقة القديمة، ما قبل الوطنية، للوصول إلى صيغ وأشكال التضامن المدنية المفتوحة والحديثة .
إننا ندعو كافة الأطراف في بلادنا، السياسية والثقافية والاجتماعية إلى تبني الخيار الوطني الديمقراطي الذي يرتكز على بناء دولة الحق والقانون وتفعيل دور المجتمع وبناء علاقة تكاملية بين دولة ينتجها المجتمع، ومجتمع ينشط في إطار دولة ديمقراطية.
ونرى أن مباشرة الإصلاح السياسي، لابد أن يتأسس على مبدأ اعتراف كافة الأطراف ببعضها، في السلطة والمعارضة، و إصدار قانون أحزاب عصري ديمقراطي يعبر عن حقيقة القوى والتيارات والحركات والفعاليات والشخصيات الوطنية الديمقراطية .
لكن المدخل إلى هذا كله، لابد أن ينطلق من إطلاق الحريات وإخلاء سبيل معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين كافة، بمن فيهم
د. عارف دليلة و رياض سيف و حبيب عيسى و وليد البني و فواز تللو و مأمون الحمصي و د. عبد العزيز الخير،
إضافةً إلى من اعتقلوا مؤخراً :
الناشط علي عبدا لله، والمحامي محمد رعدون رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان،والأستاذ حبيب صالح والأستاذ رياض درار وغيرهم، وعودة آمنة لجميع من هم خارج الوطن، كي يشاركوا في بناء وطن سليم معافى، والعودة عن قرار حظر منتدى الأتاسي، كخطوة أولى على طريق إطلاق حرية الرأي والتعبير في سوريا، لتصبح سياسة وطنية عامة يتمسك بها ا لجميع .
إن من شأن خطوة كهذه، أن تخلق مناخات إيجابية لبداية مرحلة جديدة، تشارك فيها كل الأطراف، في مناخات من الثقة المتبادلة، تفسح في المجال، لتعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية على أساس مبدأ المواطنة والمساواة بين الجميع .
وإذ تدين لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا، بشدة، المنطق التكفيري، من أية جهة جاء، و الذي من شأنه تفتيت وتذرير مجتمعاتنا ودولنا , وبث روح الفرقة والتنابذ فيها، فإنها تهيب بكل المثقفين والوطنيين الديمقراطيين وبالقوى والأحزاب الديمقراطية وبالتيارات والحركات والشخصيات الإسلامية المستنيرة، وتدعوهم إلى إدانة ورفض هذه الممارسات والتصرفات، التي تطيل من أمد الاستبداد والتخلف والعجز و تخدم المخطط الأمريكي- الصهيوني في منطقتنا.