أغسطس 2004

أهداف الإضراب عن الطعام، سياسية أم مطلبية
الحقيقة أن التحول الجذري في توجهات الحركة الأسيرة بدأ بعد اتفاقيات اوسلو…إذ تحول نضال المعتقلين وخطواتهم الاحتجاجية من النضال المطلبي الهادف إلى تحسين شروط الحياة المعيشية إلى النضال السياسي المطالب بالتحرر من الأسر وإطلاق سراح المعتقلين.

ولأول مرة في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية منذ عام 1967، يخوض الأسرى إضراباً له أهداف سياسية وكان ذلك بتاريخ 21/6/1994 عندما خاضت الحركة الأسيرة الفلسطينية أول إضراب سياسي مفتوح عن الطعام على اثر توقيع اتفاقية القاهرة (غزة-أريحا أولاً) بتاريخ 4/5/1994 وذلك احتجاجاً على الآلية التي نفذ بها الشق المتعلق بالإفراج عن خمسة آلاف أسير فلسطيني حسب الاتفاق، وقد أوضح الأسرى أن دوافع الإضراب جاءت احتجاجاً على سياسة تصنيف المعتقلين وتجزئتهم إلى فئات وعدم شمول صفقة (ال 5000) للأسيرات وأسرى القدس وأسرى فلسطين 1948 والأسرى العرب وغياب الجدول الزمني لإطلاق سراح بقية الأسرى.

واحتج الأسرى على وضع الأسرى السياسيين مع السجناء الجنائيين في سلة واحدة وكذلك احتج الأسرى على اشتراط إسرائيل بقاء الأسرى المحررين في مناطق أريحا إضافة إلى رفض وثيقة التعهد التي اعتبرها الأسرى مذلة.

كان هذا الإضراب قصيراً انتهى يوم 24/6/1994. وتبع ذلك سلسلة إضرابات سياسية مفتوحة عن الطعام شكلت نقلة نوعية في نضال المعتقلين.

وحملت هذه الاإضرابات شعار (إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات دون استثناء وتمييز ووفق جدول زمني واضح ومتفق عليه ومقبول على الحركة الأسيرة).

وهذه الإضرابات هي:
1- إضراب 18/6/1995 استمر 18 يوماً.
2- إضراب 5/12/1998 استمر 10 أيام.
3- أما بخصوص إضراب 1/5/2000 فقد اتخذ طابع مطلبي لتحسين شروط الحياة الإنسانية وطابع سياسي في نفس الوقت.

ولا اعتقد أن إضراب العام 2000 بمطالبة الأسرى لحقوقهم الإنسانية يتنافى مع الهدف السياسي، إذ أن نضال الأسرى للحصول على حقوقهم يحمل في جوهره هدف سياسي، لأن حكومة إسرائيل عندما تسحب حقوق الأسرى وتتعامل معهم كجنائيين وكمجرمين تهدف بذلك تجريدهم من كونهم أسرى حرب حسب اتفاقيات جنيف، فكلما استطاع نضال الأسرى تثبيت الحقوق التي نصت عليها المعاهدات الدولية كلما فرضوا على حكومة إسرائيل أن تتعامل معهم كمقاتلين قانونيين وجنود حرية فالمسألتان متكاملتان ومتلازمتان.

العوامل المؤثرة على الإضراب الحالي
بعد اتفاقية اوسلو وفي سنوات التسعينات جرى تحول نفسي وبنيوي على تركيبة وسلوك وقيم الحركة الفلسطينية الأسيرة لأسباب كثيرة منها تمركز نضال الأسرى حول المطالبة بالإفراج على اثر أوهام السلام التي جلبتها اتفاقيات اوسلو على حساب الاهتمام بوضعهم التنظيمي والإداري والثقافي والتصعيدي لسياسات إدارة السجون الإسرائيلية.

لقد استغلت حكومة إسرائيل وخبرائها المتخصصين في شؤون الحركة الأسيرة مستوى التطلع العالي للأسرى للتحرر بعد اوسلو وانشغالهم بدرجة أولى في هذا الموضوع لتشن هجوماً مخططاً على الأسرى سحبت خلال ذلك ما حققه الأسرى من إنجازات وحقوق في السنوات السابقة ليصل الأسرى إلى وضع عام 2000 يكتشفون فيه أن سلام اوسلو لم يحررهم، وأن وضعهم الإنساني وبنيتهم الاعتقالية في تراجع وتدهور خطير.

هناك عوامل أخرى وهي أن التحول الحاد في المجتمع الفلسطيني بإقامة السلطة الفلسطينية وتغير الاهتمامات والضبابية في الرؤية بين سلوك حركة تحرر وطني وسلوك حركة تحرر اجتماعي وبناء مجتمع مدني تركت ثقافة وتربية مشوهة في المجتمع الفلسطيني وعند الأجيال التي اعتقل الآلاف منها فيما بعد عكست نفسها سلبياً على حياة الاعتقال.

إن عدم انتظام جميع الأسرى في الإضرابات المفتوحة عن الطعام ابتداء من عام 2000 حتى الآن يعود للأسباب التي ذكرتها إضافة إلى سياسة تمييز مقصودة في المعاملة التي يتلقاها الأسرى في معسكرات الاعتقال مثل النقب ومجدو وعوفر عن المعاملة التي يتلقاها الأسرى في السجون المركزية مثل نفحة وعسقلان وشطة والسبع وهداريم والرملة وتلموند، إذ أن المعاملة في الأول تعتبر أفضل بالمقياس مع الثانية، لهذا فإن الأسرى في معسكرات الاعتقال وأمام شروط حياة وامتيازات تعتبر بالنسبة لهم جيدة يرفضون الدخول في إضراب مفتوح خوفاً أن يفقدوا هذه الامتيازات، وطبعاً اعتقد أن هذا مبرر واهي وخلل كبير تقع فيه الحركة الأسيرة الفلسطينية.

بخصوص تصريحات تساحي هنغبي
اعتقد أن تصريحات وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي “تساحي هنغبي” تعبّر عن توجهات رسمية لحكومة إسرائيل والتي تقوم على معاملة الأسرى الفلسطينيين “كإرهابيين وقتلة”.

إن تصريحات “هنغبي” كمسئول رسمي في حكومة شارون خطيرة، وتعتبر سابقة ودعوة علنية لقتل الأسرى وهي تخالف القوانين الدولية وحتى القوانين الإسرائيلية.

ولم يسبق في أي إضراب للأسرى أن هدرت مثل هذه التصريحات وهذا مقلق للغاية خاصة في ظل الحديث عن الاستفادة من تجربة حكومة “تاتشر” البريطانية مع الأسرى الايرلنديين عندما تركتهم يضربون حتى الموت دون الاستجابة لمطالبهم أو حتى التفاوض معهم. ولا غرابة لمثل هذه التصريحات لحكومة يمينية متطرفة ارتكبت جرائم حرب فظيعة بحق الشعب الفلسطيني.

دور القيادة الفلسطينية
أقولها بصراحة، لم يتحسن وضع الأسرى بشكل كبير إلا بعد تشكيل وزارة الأسرى، حيث ارتفعت معاشات الأسرى لتصل لبعض المعتقلين المتزوجين إلى 2000 شيكل شهرياً أما الأسير الأعزب فمعاشه 900 شيكل…إضافة إلى أن وزارة الأسرى تدفع 120 شيكل شهرياً لكل أسير فلسطيني لشراء ما يحتاجه داخل السجن.

وقامت الوزارة بتوظيف كل أسير قضى 5 سنوات فما أكثر في وزارات مختلفة، واستصدرت قرار جديد بدفع 800 شيكل لأسرى م. ت. ف تصرف من الصندوق القومي الفلسطيني يضاف إلى المعاش السابق لكل أسير.

تأثير الإضراب على المجتمع الفلسطيني
نعم، شكّل إضراب الأسرى حالة وحدة وتلاحم في المجتمع الفلسطيني بعد حالة انقسام وجدل وخلافات داخلية. وأستطيع أن أقول أن قضية الأسرى هي من أكثر القضايا التي توحد الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وأطيافه السياسية، ودليل على ذلك حركة التضامن الشعبي الواسعة والمنظمة التي انطلقت منذ إعلان الأسرى الإضراب عن الطعام يوم 15/8/2004.

وقد توحدت الجهود الوطنية والمؤسساتية تحت إطار الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمعتقلين وهو إطار يضم كافة الأحزاب والتنظيمات الوطنية والإسلامية والمؤسسات الحقوقية ووضعت الهيئة برنامجاً تضامنياً وفعاليات للأسرى التزم الناس بها بشكل رائع جداً.

إن قضية الأسرى نجحت على طمس الخلافات الداخلية وأعطت بعداً جديداً في اهتمام الشارع الفلسطيني وهو النضال من اجل حرية وحقوق الأسرى. وإذا استمر هذا الزخم الشعبي فإنه سيكون من اكبر عوامل مساعدة الأسرى على الانتصار وتحقيق مطالبهم.

وحول التوقعات لمصير الإضراب
أقول أن هذا الإضراب يعتبر اخطر الإضرابات التي خاضتها الحركة الأسيرة وأكثرها حساسية لأسباب منها طبيعة وتوجهات الحكومة الإسرائيلية بزعامة شارون القائمة على الإجرام والقتل وارتكاب المذابح وفي وقت لا يوجد فيه ولا يبرز أي أفق لحل سياسي أو انفراج سياسي في عملية الصراع، وفي وقت تقترب فيه الانتخابات الأمريكية واهتمام الإعلام بما يجري في العراق…ومن هنا قد يكون اختيار التوقيت استعجال وسوء تقدير مع أنني أتفهم الحالة المتردية والمزرية التي يعيشها الأسرى في السجون التي اضطرتهم إلى هذا القرار.

وإذا فشل الإضراب لا سمح الله فإن وضع الأسرى سيؤول إلى كارثة وتعود حياتهم إلى الوراء عشرين عاماً حيث الذل والاضطهاد وسلب الحقوق، وأتمنى ان لا يحصل ذلك.

وارى أن الأسرى في الوقت الحاضر بحاجة إلى تدخل دولي فاعل وتحرك في المجتمع الدولي أكثر من أي وقت سابق.

نادي الأسير الفلسطيني