10/7/2008

لم يتغير واقع الإعلاميين والصحفيين في العراق, على الرغم من تغير الواقع الأمني فيه صوب الاستقرار, وهذا ما شكل احباطا كبيرا للنخبة من الإعلاميين والصحفيين, الذين وجدوا في تنامي قوة وسطوة السلطة انعكاسا سلبيا على مقدرات الاعلام في البلاد, حتى ان البعض من المراقبين والمتخصصين يرجحون تنامي الانحرافات فيه على الرغم من دعاوى الديمقراطية التي يرددها المسؤلون بمناسبة ومن دونها والوقائع التي شهدتها الاشهر الستة الماضية تؤشر اسباب تشاؤم كبار الاعلاميين ونخبتهم وعلى مستويات عدة:

واقع وسائل الإعلام:

شهدت وسائل الإعلام على اختلافها تردٍ كبير على مستوى الاداء والتعامل مع الصحفيين والاعلاميين وصرف مستحقاتهم , ولا تختلف في هذا الشأن المؤسسة الإعلامية الممولة من مالٍ شخصي عن المؤسسة المدعومة او الممولة من جهات خارجية , بعد ان راجت عند كل الذين يديرون المؤسسات الإعلامية أن الإعلاميين مضطرين إلى العمل تحت اي ظرف وبأي راتب كان.

ولقد ادى هذا الى عزوف كثير من الصحفيين من ذوي الخبرات المتقدمة وحتى المتوسطة عن العمل وترك المجال للمبتدئين من الإعلاميين أو الذين يفتقرون الى الخبرة والكفاءة , الامر الذي وفر أمام المستثمرين ، أو المؤسسات الخاصة فرصاً كبيرة لممارسة الطرد التعسفي ضد عدد ليس قليل ممن يعملون معهم ، أو ممارسة مضايقات وضغوط ضدهم تدفعهم إلى الاستقالة . وقد أشرت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين تعرض مجموعة من الصحفيين العراقيين الى الطرد التعسفي المنافي لقوانين العمل العراقية التي نظمت آليات العمل ، الأمر الذي يعد انتهاكا صارخا لحقوق الصحفيين والتي تضيع الان حتى بالنسبة للذين لم يتعرضو الى الطرد او الفصل بسبب انخفاض مستوى الأجور الذي لا يتناسب و طبيعة اعمالهم التى يؤدونها في بلد هو الأخطر على حياة الصحفيين في العالم.

أكثر من هذا أسهم تصدير الاعلانات المحلية الى الفضائيات الخارجية على مستوى التلفزيون ، وتحديد نشر الإعلان الرسمي بجريدة واحدة بدلاً من ثلاث جرائد في تردي مردودات المؤسسات الإعلامية المالية ، وهذا ما انعكس سلبا ايضا على العاملين في هذه المؤسسات. ومما زاد في تعقيد الشؤون المالية للمؤسسات الاعلامية استحواذ شركات خارجية في عمان وبيروت على الاعلانات الكبيرة والحملات الاعلانية للاحداث الرسمية والشركات الكبيرة العاملة في اليلاد مثل شركات الاتصالات وغيرها وتحصيل مبالغ كبيرة منها لايدفع منها الا القليل الى وسطاء ووكلاء المؤسسات الاعلامية الذين اسهموا ايضا في ان تتنافس المؤسسات الاعلامية فيما بينها بخفض الاجور من اجل تحصيل الاعلانات.

كل ما تقدم تسبب في انهيار العديد من الصحف وتحول صحف يومية الى اسبوعية او نصف شهرية إضافة إلى أن بعض إدارات القنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية تعد العدة الآن إلى تأجير قنواتها التلفزيونية إلى الآخرين. في وقت يتجه فيه بعض المسؤلين الى تأسيس صحف وقنوات تلفزيونية خاصة بهم تروج لاتجاهاتهم الامر الذي يعني حصر الاعلام في اتجاهات محدودة بعيدة عن مهمته الاصلية والمتمثلة بحرية التعبير والاستقلالية.

الانتهاكات وقائع وأرقام:

مع أن الحاجة الآن كبيرة الى الاعلام في العراق , ومع ان كثيرا من المسؤولين يسعون إلى تأسيس وسائل إعلام خاصة بهم ، إلا أن الهوة تتسع بين الحكومة والمسؤولين فيها من جهة والاعلام من جهة أخرى ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد وانما يتعداه الى عدد من البرلمانيين واعضاء الاحزاب الكبيرة الذين يستهدفون الاعلاميين بنحو سافر ,ولقد سجلت في الاشهر الست الماضية احاث مأساوية كبيرة تمثلت ب :

  1. اغتيال خمس صحفيين في بغداد وصحفيين في كردستان وصحفيتين في الموصل وصحفي واحد في البصرة وصحفي اخر في صلاح الدين وثالث في ديالى. ليكون الرقم النهائي 12 صحفيا اغتيلوا، وسجلت كل حوادث الاغتيال ضد مجهولين. ومن خلال متابعة الجمعية لوقائع احداث الاغتيالات وما تلاها تبين ان احداث الاغتيالات كلها انتهت مع نهايات دفن القتلى اذ لم تجر اية تحقيقات لا في الجرائم التي حدثت خلال هذه السنة ، ولا في جرائم اغتيالات الصحفيين ، والتي بلغت أرقامها في النصف الاول من السنة الماضية 43 جريمة اغتيال قيدت ضد مجهولين ايضا , وهذا عدا محاولات الاغتيال الفاشلة .
  2. اعتقال ستة صحفيين باوامر كيفية ومن دون اية مذكرة توقيف او قرار قضائي صادر عن جهة قانونية مخولة . وما يؤكد الكيفية في الاعتقال اطلاق سراح خمسة من الصحفيين بعد فترة من اعتقالهم ، فيما بقي الصحفي احمد نوري قيد الاعتقال. والمؤشرات المتوافرة لدى الجمعية تؤكد ان الاعتقال واطلاق السراح تم من دون مذكرات او قرارات قضائية . وكانت الجمعية قد اشرت في النصف الاول من السنة الماضية اعتقال 22 صحفيا ايضا من دون مذكرات توقيف او قرارات قضائية تستوجب توقيفهم او التحقيق معهم.
  3. مداهمة مساكن اربعة من الصحفيين في بغداد والناصرية وكربلاء والكوت من دون قرارات قضائية او مذكرات تسمح بتفتيش منازلهم او التحقيق مع من فيها.
  4. سجلت جمعية الدفاع عن حقوق الصحفيين ووسائل الاعلام 28 حالة اعتداء على الصحفيين اثناء تأديتهم لاعمالهم في تغطيات اخبار المؤتمرات ووقائع المؤسسات والوزارات الرسمية . وتمثلت هذه الاعتداءات بما يقع بين منع الصحفيين من تأدية أعمالهم ، وطردهم من مواقع الأحداث ، واحتجازهم أو ضرب حمايات بعض المسؤلين ، والبرلمانيين لهم ومع ان كل عمليات الاعتداءات توثق من الحاضرين من الإعلاميين ، إلا أن مكاتب المسؤلين تجانب الحقيقة بتصريحات تنفي وقوع الاعتداءات أو تسوغها ، كما حدث مع حادث اعتداء حماية جابر الجابري وكيل وزارة الثقافة الذي سوغ مكتبه اعتداء الحماية على الصحفيين ، بأن الصحفي الذي اعتدي عليه كان هو البادئ بالأزمة ، إذ شهد اثنا عشر شرطيا على ان الصحفي هو الذي اعتدى عليهم ، وهذا الأمر يشكل خطورة كبيرة لانه يسمح لمن يفترض بهم ضبط القانون بالاعتداء على الاعلاميين والصحفيين باسم القانون. ولقد توزعت الاعتداءات مجموعة من محافظات العراق هي : البصرة ، التي سجلت فيها سبع اعتداءات مضايقة ، ومنع وضرب للصحفيين ؛ وبغداد، خمس حالات مشابهة ؛ وكردستان ، خمس أيضا ؛ وبابل ، ثلاث حالات ؛ وصلاح الدين ، حالتان اثنتان ؛ والناصرية حالتان أيضا ؛ وفي ديالى والانبار والمثنى والموصل فقد سجلت حالة واحدة في كل محافظة من المحافظات المذكورة. وقد سبق للجمعية ان سجلت ان النصف الاول من السنة الماضية شهد 35 حالة اعتداء ومنع ومضايقة وضرب.
  5. رفع الدعاوى الكيدية ضد الصحفيين وتعريضهم الى المحاكمات من دون وجه حق من خلال استغلال مواد قانونية ، بعضها لم يعمل به حتى في أيام النظام السابق ، وقد ارتفعت أرقام الدعاوى ضد الصحفيين وبعض المؤسسات الاعلامية التي يعملون فيها لتبلغ (11) دعوى خلال الاشهر الست الماضية . وآمنت الجمعية الدعم القانوني للمتهمين في هذه الدعاوى ، من خلال توكيل محامين للترافع عنه في هذه الدعوى في سياق برنامجها المعروف ( بالحشد القانوني ) المدعوم من برنامج دعم الإعلام العراقي المستقل المعروف اختصارا بـ( داعم ) . وتمكنت الجمعية من المساهمة في كسب اثنتين من الدعاوى لصالح الصحفيين ، في وقت ما تزال فيه بقية الدعاوى قيد التحقيق بسبب بطء الإجراءات الرسمية . ويدرك القضاء والمدعين جيدا أن أسباب رفع الدعاوى ضد الصحفيين انما هي قيام الصحفيين بواجباتهم ، في تزويد صحفهم بالوقائع والأحداث ، التي لا تروق لبعض المسؤلين الذين يستغلون القانون ضد الصحفيين ، الذين شكل برنامج الحشد القانوني لهم ( أي للصحفيين ) فرجة الأمل الوحيدة في انقاذهم مما هم فيه ، وهذا ما اشره المتابعون من كبار الاعلاميين ونخبهم على انه الخطوة الاكبر والاهم في الاتجاه الصحيح ، صوب انقاد الصحفيين وحرية التعبير في العراق . كما ساهمت الجمعية وبنحو فاعل في حضور مرافعات الدعاوى ضد الصحفيين الذين استشعروا الدعمين المادي والمعنوي عند الترافع لصالحهم ، وهذا يحدث لاول مرة في العراق . وأكثر من هذا تلقت الجمعية مؤازرة الكثبر من الصحفيين لموقفها المتشدد ازاء اعتداء مدير فندق الرشيد على المصور علي هاشم ودفع القضاء العراقي الى اصدار قرار قضائي بالقبض على مدير الفندق المذكور.
  6. حجب المعلومات عن الصحفيين والاستعانة احيانا بالقوات الامنية لتكريس او التهديد بها لادامة هذا الحجب وعدم تحصيل الصحفي للمعلومات التي يريد وهذا ما يعد انتهاكا خطيرا لاستقلالية الاعلام وحرية التعبير والصحافة.

التدريب والتطوير والايفادات:

أشرت الجمعية أن الصحفيين لم يحصلوا على فرص تدريبية لتطوير قابلياتهم ومهاراتهم لا في داخل العراق ولا في خارجه واذا حدث وانعقدت دورة يوفد اليها اخرون ليسوا بصحفيين وفيما يتعلق بالايفادات يلاحظ استئثار المؤسسات الاعلامية الرسمية او المراكز الحكومية ذات العلاقة بالاعلام بها .