لقد تميَّز الأستاذ العراقي بمثابرة علمية أكاديمية فاعلة, فكان باحثا من الطراز الإبداعي الأول على الصُعُد والأنشطة العلمية والفكرية المتقدمة دوليا.. وتذكر الجامعات الأجنبية منها والعربية ما للأستاذ العراقي من دور فاعل مميَّز في مجال التطوير والبحث والدراسات المعمَّقة فضلا عن المحاضرة الجامعية والإشراف على تخريج دفعات الكادر العلمي في شتى المجالات.

والعراقيون لا يذكرون ذلك منَّة على أحد بل يذكرون عظيم الفضل يوم استقبلت تلك الجامعات في زمن لاحق من القرن الماضي أساتذتنا وهم يُكرَهون على مغادرة بلادهم ..

لقد حلَّت سبعينات القرن الماضي لتدفع مئات الأساتذة بل ألوف منهم للهجرة القسرية من البلاد في ظل مطاردة خطيرة من سلطات الطاغية لهم. وكان تضامن الجامعات باستقبال وترحاب كبيرين للأستاذ العراقي ولم تتمنّع حتى تلك الجامعات العربية ذات الخصوصية من استقبال العراقي من مختلف تيارات الفكر السياسي والانتماءات القومية والمذهبية, في إشارة لعلو منزلته ولموضوعية التعامل معه بعيدا عن التقوقع في إطار من عزل عنصري أو مذهبي أو قومي ..
فلقد كان التعامل باستمرار على أساس احترام الروح العلمي والموضوعي عند الأستاذ العراقي..

وحيث سارع مئات من الأساتذة العراقيين بالعودة إلى البلاد بُعيد سقوط الطاغية ونظامه الدموي مباشرة.. لا بسبب من آلام الغربة ومصاعب المنافي وظروف بلدان الشتات بل إخلاصا لوطنية عميقة الوجود في الذات المعبِّرة عن الشخصية والهوية العراقيتين عند أساتذتنا. وعلى الرغم من جميع الظروف الرهيبة التي يمرّ بها عراقنا فإنَّهم أصروا على العودة ومباشرة أعمالهم في إعادة إعمار ما خرَّبته أكثر من ثلاثة عقود من الضيم والظلم…

ولكنَّ قوى التخريب والتقتيل لم يرقْ لها أمر تداعي الأساتذة العراقيين وعودتهم الجماعية إلى البلاد فنشطت في عمليات تصفية دموية خطيرة. ولقد كان ذلك موجودا منذ الوهلة الأولى لانهيار النظام ولكن الأمر تصاعد واتخذ منحى خطيرا جدا في المدة الأخيرة حيث لم تعد قضية الاختطاف مقصورة على مطالب مادية بحتة وصرنا بمجابهة عمليات تقتيل إجرامية واسعة وأمام مشهد دموي بعيد جدا في مستهدفاته التخريبية.
لقد ركّزت قوى الظلام على الأستاذ الجامعي العراقي لما عُرِف به من دور أكبر من دور الأستاذ في قاعة الدرس والمحاضرة فقد كان دوما قائدا اجتماعيا وسياسيا ومخططا لعمليات البناء وفعل التنوير الفكري الفلسفي فكان العقل الجمعي لمجتمعنا في سابقة أعمق معنى من دوره بوصفه تكنوقراطا.. فدوره من الفاعلية لم ينحصر في حدود أكاديمية بحتة ولكنه من الحيوية ما جعله لصيقا بحياة العراقي عامة وتفاصيل يومياته العادية.. ومن هنا كان الاحتفال الشعبي بالأستاذ العراقي وليس أدلّ على ذلك من مثال أساتذة من نمط الأستاذ الجامعي الكبير الخالد الدكتور عبدالجبار عبدالله وهذا الاسم محفور في الذاكرة العراقية الشعبية مثلما تحتفظ تلك الذاكرة بالزعماء والقادة والأبطال..

من هنا تأتي دعوات التضامن مع الأستاذ الجامعي العراقي لتكون في واجهة الحملات وعلى رأسها لأنَّ الأمر سيعني وقف الرؤوس التي تقف وراء الجريمة ومن ثمَّ تحقيق مطالب شعبنا بكل فئاته في الأمن حين نقضي على بؤر التوتر وبؤر الجريمة وبؤر إرهاب الناس سواء النساء وهنَّ يتوجهنَّ إلى مدارسهنّ ومعاملهنّ والأطباء إلى عياداتهم والمهندسين لمواقع بنائهم والطلبة إلى مقاعد الدرس والمذاكرة وتجري عمليات الفعل الطبيعية من دون قوى الجريمة ومصائبها..

إنَّ قوى النظام الدكتاتوري القديم المهزومة و قوى مأجورة من عصابات منظمة وغير منظمة وأصابع إقليمية تمتد لتنظيم ما لم ينتظم بعد في أفعال الشر واللعبة الإرهابية الجارية.. هذا فضلا عن قوى حزبية محددة وتيارات معنية بفرض فلسفتها بالقوة على الشارع العراقي.. وليس بعيدا عن الذاكرة العادية فضح تماثل الحالين بين مقابر صدام ومقابر الإرهاب الجديد. فالطريقة الصدامية المفضوحة حينما اتجه شرقا من أجل القدس ثم جنوبا من أجل القدس وشمالا ولكن هذه المرة ضد الشعب بأسلحة الدمار الشامل وكانت أيضا من أجل القدس ولو استمر الأمر لذهب لمواطن أخرى جميعها ليست في اتجاه القدس حتما لأنَّه كما ترون لم يستهدف التحرير بقدر أمور أخرى!!! وهكذا يفعل هؤلاء من أجل القدس والإسلام زيفا وادعاءَ َ حيث يحرقون العراق ويقتلون العراقيين بوضعهم في محارق هولوكست جديدة!!!

وصار التساؤل مريرا حيث نقول: هل تدمير المدارس وقتل الطلبة والطالبات وترويعهم في أخف الأمور من الجهاد في سبيل الله والقدس والعراق في شئ؟! أم قتل علماء الدين واغتيال المراجع يُعدّ الدين أوالاعتقاد الصحيح؟!! أم اختطاف الأطباء والمهندسين هو طريق البناء في بلادنا؟! أم تفجير سيارات الموت المفخخة أمام المستشفيات والمؤسسات الحكومية الخدمية هو طريق الحرية والاستقلال؟! أم مهاجمة قوى حفظ الأمن وشرطة تنظيم الحياة العامة والحفاظ على القانون هو طريق إخراج الأمريكان من البلاد؟!!
أسئلة لا تنتهي كلها تحمل إجابة واحدة تشير إلى الجريمة والمجرم بما لا يقبل لبس. ولكنَّهم ما يزالون على إصرار في غيِّهم وجرائمهم من أجل مصالح قذرة ليس أقلها سيادة ظلمة يحتاجونها لمزيد من العيش الطفيلي على حساب العراقي.. إذ العنف والظلام هو مرتع الجريمة والمجرمين والقتلة وأوباش الحياة بخلاف السلم طريق الحياة المتحضرة, حياة الديموقراطية والبناء..
اليوم سيكون الوقوف مع الأستاذ العراقي حملة لازمة وضرورية وهي مهمة منتظرة مؤملة في كل شرفاء العراق والمنطقة والعالم وهم يتضامنون مع شعبنا من أجل ضياء الحق والسلام والديموقراطية.. من أجل وقف نزيف عراقيينا الذي امتد طويلا ولم يعد ممكنا السكوت على مظالمه وضيمه..
إنَّ الحملة من أجل التضامن مع الأستاذ العراقي هي حملة من أجل نور المعرفة والخلق الكريم وبناء الحق والعدل والتسامح والسلام ونور الحرية ومجد الحياة الكريمة وهي حملة من أجل إدامة الصلة مع مَن منحوا حيواتهم من أجل الآخرين شرقا وغربا في بلاد العرب والهند والسند في بلاد الغربات السبع .. إنَّها حملة تنتظر أن يعلوا فيها : صوت المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة, وصوت الجامعات في أرجاء المعمورة طلبة وأساتذة, وصوت أبنائنا من طلبة الجامعات العربية وزملائنا من أساتذتها الأفاضل ممن تعايشنا معهم ردحا طويلا وتقاسمنا الهموم والإبداعات, وصوت كل طلبة العراق وأساتذة الجامعات العراقية لكي يقولوا بمختلف تياراتهم العقائدية والدينية والمذهبية والقومية والسياسية إنَّهم مع حياة السلم والحرية مع حياة الكرامة والشرف وبعيدا ضد كل قوى التخريب والظلام كل هذه الأصوات هي منتظرة وهي وسائلنا الكريمة من أجل استتباب الاستقرار ومن أجل ذلك كان لنا أن نبدأ الحملة الدولية في سياق حملتنا الوطنية من أجل التضامن مع الأستاذ العراقي بله مع الشعب العراقي …

رابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
لاهاي \ الأول من أيلول سبتمبر 2004
يمكنكم إرسال توقيعاتكم وتعليقاتكم على البريد الألكتروني:
info@babil-nl.org
info@somerian-slates.com

الاسم البريد الألكتروني الدولة المهنة التعليق