14/5/2008
محمد حافظ فكري نموذج لشاب، مثل آلاف الشباب، الذين تم اعتقالهم في الثمانينات والتسعينات على خلفية الادعاء بانتمائهم للتيارات الإسلامية والجهادية بغض النظر عن صحة هذه الادعاءات من عدمها.. ومثله مثل الآلاف غيره تم تعذيبه وأمضى سنوات بين السجون والمعتقلات بدون محاكمة.. وحين طرحت الدولة عليهم فكرة المراجعات المذهبية مقابل الإفراج عنهم وعدتهم بحياة حرة وبعدم الملاحقة بل ومساعدتهم على العودة إلى الحياة.. لكن الدولة لم تصدق في وعدها.. فضاع مستقبلهم.. دخلوا إلى المعتقلات شبابا وخرجوا في الأربعينات والخمسينات من عمرهم.. بلا مؤهل دراسي.. بلا عمل.. بلا أفق لمستقبل..
محمد حافظ فكري واحد من هؤلاء المعتقلين.. ولد في 30 أبريل 1977 في محافظة قنا.. اعتقل أول مرة في عام 1994 وكان عمره 17 عاما.. وما بين عام 1994 وعام 2002 اعتقل تسع مرات انتقل فيها ما بين مقار أمن الدولة في وسجون طره ووادي النطرون وسجن دمنهور العمومي وسجن الفيوم العمومي ثم أخيرا سجن الوادي الجديد وأفرج عنه لآخر مرة يوم 28 مايو 2002 من سجن الوادي الجديد. بعد الإفراج عنه تم استدعاءه من قبل مباحث أمن الدولة ثلاث مرات في مايو 2002 وفي 2003 وفي 2004 حيث تعرض للتعذيب مرة أخرى.. وفي عام 2007 حاول السفر إلى السودان بحثا عن العمل لأنه لا يملك تكلفة السفر إلى دول الحليج.. فأوقفته مباحث أمن الدولة في المطار ومنعته من السفر وسحبت منه جواز السفر.. فكانت رحلة جديدة من العذاب مع مباحث أمن الدولة ليس فقط لاستعادة جواز السفر وإنما لاستعادة حياته ذاتها.
أما التفاصيل فهي كالتالي كما يرويها محمد حافظ فكري:
كان الاعتقال يوم 1 أكتوبر 1994 في الساعة العاشرة صباحا من مدرسة قنا الثانوية الميكانيكية.. كنت أدرس آنذاك بالصف الثالث الثانوي الصناعي تخصص (تبريد وتكييف).. تم القبض علي بواسطة جهاز مباحث أمن الدولة فرع قنا، في هذا التوقيت كنت مقيما بمركز فقط الذي يبعد عن مدينة قنا بحوالي 20 كيلومتر.. وكان قد حدث في شهر أغسطس أحداث بين الجماعات الإسلامية المسلحة والحكومة، وكنت أسمع عنها وأقرأ بالجرائد اليومية عنها كأي فرد في بلدي، وعندما تم القبض علي تم سؤالي عما يحدث في المركز الذي أسكن فيه، فأجبت الضابط بما سمعت من الأهالي وبما قرأت في الجرائد فلم يصدق ذلك وكان مدار التحقيقات على هذه الأمور وأيضا عمن معي من أفراد الجماعات الإسلامية في المدرسة والفصل.
مكثت في أمن الدولة حوالي 45 يوما، في أول 12 يوم كانت التحقيقات تتم يوما بعد يوم.. وكان من الممكن أن أخضع للتحقيق في اليوم الواحد أكثر من مرة.. كان من الممكن أن تكون إحداها بدون تعذيب لكن دائما كانت هناك إهانة وسخرية.. وكان التعذيب قاسيا..
- الغماية وربط الأيدي من الخلف والضرب من قبل العساكر
- الصعق الكهربي بوضع أسلاك في الذراعين
- الصعق الكهربي بوضع أسلاك في أطراف أصابع القدمين ووضع السلك في نفس الوقت في الأعضاء التناسلية
- التهديد بالاغتصاب من قبل العساكر والمجندين
- التهديد بالقبض على أهلي وأقاربي
- تعرية الجسد من جميع الملابس والبقاء على هذه الحالة لفترة طويلة.
في ذات ليلة استدعاني الضابط للتحقيق وكنت لا أرتدي غير شيرت ومغمي العينين وقام بوضع النظارة الطبية الخاصة بي فوق الغماية. قال: آنت الآن الدكتور محمد حافظ اذهب إلى المكتب الذي بجواري مع العسكري وأطرق على الباب ومن يسألك فقل له أنا الدكتور محمد حافظ وكنت سهرتهم والسخرية مني والتهكم بالألفاظ البذيئة والتحقيق معي بجدية بعدها، مع العلم أني كنت في الصباح أخضع أيضا للتحقيق بصورة وحشية وكان كل مرة يتم التحقيق فيها معي حوالي ساعتين أو ثلاثة.
تم وضعي في سجن فرق أمن قنا فترة أسبوع تقريبا ثم ترحيلي إلى سجن استقبال طره في يوم 26 نوفمبر 1994، وكان هذا هو الاعتقال الأول.. مكثت ثلاث شهور ثم تم الإفراج عني وتم اعتقالي مرة أخرى لمدة ثلاث شهور.. ومن وقتها استمرت الاعتقالات.. واستمر التعذيب في المعتقلات
- حفلة الاستقبال عند دخول أي سجن.
- تغمية وتعصيب العينين وخلع الملابس أو الأمر بخلعها
- الضرب بالأيدي والعصي واستخدام العصي الكهربية.
- عدم الاهتمام بالحالة المرضية.
- الوقوف والوجه للحائط ورفع الأيدي وخطوة تنظيم مع رفع الذراعين والتعري من الملابس.
- الزحف على الأرض متجردا من الثياب.
في هذه الفترة لم أر أهلي إلا مرات معدودة.
تم الإفراج عني بسبب ما أعانيه من مشكلات في القلب وتوجد تقارير بذلك في مصلحة السجون، مع العلم أني أصبت بمرض البهاق وقد أصاب منطقة الوجه واستمر علاجي منه أربع سنوات.
في ليلة الإفراج عني طلب الضابط مني العمل والتعاون مع مباحث أمن الدولة، فرفضت ذلك، فقال إذا أنت تجب إرجاعك إلى السجن مرة أخرى، وعندما علم إصراري على ذلك بعدم التعاون معه أطلق سراحي وقال “أنت عيان أوي دلوقتي، بعدين نتفاهم”.. لازلت أتذكر أسماء بعض الضباط محمد يوسف ومحمد حسام ومحمد الجرواني وعادل شلبي..
خرجت من المعتقل في 2002 وبدأت ابحث عن عمل.. أنهيت أوراق الجيش وكنت عاوز أمتحن سنة ثالثة دبلوم.. رحت المدرسة رفضوا يثبتوا الغياب.. رحت أمن الدولة عشان يساعدوني.. كانوا قالوا اللي تواجهه مشكلة ييجي.. راح الضابط اللي كان بيحقق معايا في سجن الوادي الجديد مقعدني أربع أيام.. كل يوم أروح من الصبح للساعة 2 الضهر بدون أي كلام.. أول يوم رحت الساعة 12 الضهر.. قال لي جاي 12 وربع.. قلت له أنا تحت من الساعة 12.. شتمني وقال لي تمشي وتيجي بكره.. رحت تاني يوم الساعة 10 ونص.. سابوني تحت لحد الساعة 2.. الاستعلامات أخدت البطاقة وقال لي روح.. ثالث يوم نفس الوضع.. رابع يوم بعتني لواحد تبعهم في المدرسة.. رفضت وما رحتش.. حتى ملفي رفضت أسحبه من المدرسة..
رحت للمحافظ عادل لبيب أرسلني إلى الشئون الاجتماعية.. كل يوم بكره.. بعده.. وبعدين عادل لبيب جاب لي وظيفة بـ 100 جنيه في وحدة محلية (رسوم نظافة).. طبعا ما ينفعش.. اضطريت أقدم مسابقات للتعيين في السكة الحديد.. بس هم بياخدوا مش بالإعدادية، لأ بشهادة محو الأمية.. امتحنت محو الأمية وأخذت الشهادة.. في الآخر السكة الحديد لغت المسابقة..
في الآخر اشتغلت في وزارة الصحة كعامل.. بعد 7 شهور جالي تعيين الأوقاف.. كنت مقدم فيها.. عرفت إن التعيين لازم هيعدي على الأمن.. خفت أسيب الصحة أخسرها وما أتعينش في الأوقاف.. فضلت قاعد في الصحة كعامل.. المرتب كان 200 جنيه..
في الأثناء دي درست في الأزهر عن طريق مسابقة.. درست دلوقتي خمس سنوات.. لو خلصت ثلاث سنوات كمان ممكن أدخل كلية في طنطا اسمها كلية القرآن.. وفي السنة اللي اشتغلت فيها في الصحة امتحنت دبلوم صنايع كعامل وليس نظامي وأخذت الدبلوم.. عملت تسوية في شغلي وبقيت كاتب.. تقديري كان 83.5%.. حاولت أروح المعهد الصناعي عشان بعده أروح كلية الهندسة.. لقيت الأمن ايده قوية هناك.. مكان المعهد في نفس المدرسة الثانوية الميكانيكية اللي اتقبض عليا منها.. ولقيت الناس كله تقديرها مقبول وجيد.. قلت مش هينفع أكمل معهد وقررت أخلص تعليمي في الأزهر أحسن.
في 2004 كنت شغال في مكتب محامي من الإخوان.. استدعوني ونزلوني الزنازين وضربوني وكانوا عاوزين مني معلومات عن المحامي وقال لي قدامك 4 ايام.. أنا اضربت عن الطعام لمدة خمس أيام وقتها.. في السنة دي أنا زهقت.. رحت لهم بشنطة هدومي وقلت له أنا جاي عشان تعتقليني.. ماليش لازمة بره.. بره سجن وهنا سجن.. روحوني وسابوني في حالي لحد سنة 2007.
في 2007 فكرت أسافر عشان لقمة العيش.. ما كانش عندي فلوس أجيب فيزا للسعودية أو الكويت أو ليبيا.. قلت أروح السودان أشتغل في أي حاجة زي تحفيظ القرآن مثلا.. لكني فوجئت بسحب الباسبور مني في المطار يوم 5 سبتمبر 2007 وقالوا لي روح خده من قنا.. حسيت إن الدنيا بتقفل أبوابها في وشي.. أولا كده خلاص مفيش سفر، وثانيا لأني لو رحت قنا تاني ممكن أتعرض للضرب والإهانة.. قعدت كام يوم في القاهرة ورجعت قنا.. لقيت فعلا إنهم استدعوا والدي لسؤاله عني يوم الأربعاء.. فقررت إني أروح بنفسي.. هناك قالوا لي جاي ليه؟؟.. قلت لهم: جاي أقابل الباشا.. الضابط ع. الشريف.. غموا عنيا وطلعت.. كنت واخد معايا هدية.. قال لي فين الجبة والقفطان.. كان جواز سفري راح لهم من القاهرة.. طلبت أقعد.. الأول ما كانش راضي.. سألني مسافر ليه؟.. قلت عشان فرصة عمل.. عشان المستقبل.. ما عنديش فلوس أجيب فيزا للسعودية أو الكويت أو ليبيا، قلت أروح السودان أشتغل.. قعد يسألني تاني: مسافر ليه؟
وأنا قاعد ايدي بردت ونملت.. قلت له أنا تعبان ومش قادر أقعد على الكرسي.. نزلت قعدت على الأرض.. قال لي هتقول لي عندك القلب (كان المحقق رقم 2 وصل).. شالني من على الأرض وضربني بايديه الاثنين على وداني مرة واحدة.. حسيت ان الطبلة اليمين اتخرمت.. كان قبل كده بيضرني بالأٌقلام.. قال لي: باين عليك نسيت احنا مين.. انت أصلك ما جيتش لينا من زمان.. احنا سايبينك عايش سبهللة (يقصد شغلي في مراقبة الانتخابات).. العساكر كانوا بياخدوا حاجتي مني.. واحد أخد الشنطة وواحد أخد الكرافتة.. بعدين العساكر شالوني ورموني بره في الشارع.. في نص الشارع على الأرض قدام العربيات.. كنت تعبان والناس وقفت لي تاكسي.. الاستعلامات قالوا لي ما تجيش هنا تاني. (هناك إصابة فعلية في الأذن اليمنى).
يوم الخميس 13 مارس 2008 تم استدعائي في نيابة مركز قنا للتحقيق وأخذ أقوالي فيما ورد في بلاغي للنائب العام والمسجل يرقم 1 لسنة 2008 حقوق إنسان.. وتم أخذ أقوالي عن فترة الاعتقال وتاريخها وعن السجون التي ذهبت إليها وكان وكيل النيابة قلقا من ذكر أسماء ضباط أمن الدولة وكانت هناك جهات تتصل به للاطمئنان على عدم ذكر الأسماء.. وقال لي لا توجد فائدة من موضوع حقوق الإنسان ولسان حاله يريد إفشال البلاغ.. وحرص على معرفة ما إذا كنت مقدم شكوى أو قيم دعاوى قضائية بخصوص هذا الأمر.. فقلت له ليس بيني وبين أحد عداوة شخصية لكن ذلك لا يعني أنني لا اعرف أسماء الضباط وإنني قدمت شكاوى في أكثر من مكان.. أمين الشرطة الذي كان يكتب المحضر في أول يوم اتصل بشخص لا أعرفه وقال له “لم يذكر أي أسماء يا سعادة الباشا”.. وللعلم كان يوجد أحد أفراد أمن الدولة خارج سرايا النيابة وقلت ذلك لوكيل النيابة لكنه لم يهتم.. كانت مطالبي واضحة وبسيطة: وقف الاستدعاءات المتكررة وحمايتي من أمن الدولة وإعطائي جواز سفري والسماح لي بالسفر أو التأشيرة باستخراج جواز سفر جديد..
هذه مطالب محمد حافظ فكري ليبدأ حياته من جديد.. إنها حقوق محمد حافز فكري التي يكفلها القانون والدستور والمواثيق الدولية ومن قبلها المنطق.. فهل من جهة في جمهورية مصر العربية تساعده وترفع عنه جبروت أمن الدولة؟؟.. هل في البلد قانون يحميه من بلطجة خرق القانون؟؟