4 يونيه 2004

بقلم: الجفير – حسين خلف

افتتح وكيل وزارة العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة مساء أمس الأول في مقر جمعية الأطباء بالجفير ندوة المائدة المستديرة عن التصديق وتطبيق معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، تنظمها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان بالتعاون مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والتحالف الدولي من أجل المحكمة المذكورة برعاية رسمية من وزارة العدل في المملكة، وتأتي هذه الندوة التي تنهي أعمالها اليوم ضمن حملة يقوم بها الحقوقيون لتسويق المعاهدة ومطالبة الدول بالتصديق عليها.

وأشار وكيل وزارة العدل في كلمته الافتتاحية أمام عدد من الدبلوماسيين والحقوقيين وممثلي جمعيات المجتمع الأهلي إلى “أن البحرين شاركت في مؤتمر روما الدبلوماسي للعام 1998م والذي أجيز فيه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما شاركت في إعداد الوثائق والاتفاقات التكميلية اللازمة لعمل المحكمة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وجاء توقيع البحرين على نظام روما الأساسي في 11 ديسمبر/كانون الأول للعام ،2000 ليؤكد موقف المملكة الإيجابي في المحافل الدولية، وتعبيرا عن الالتزام الأدبي طبقا لقواعد اتفاق فيينا للمعاهدات للعام 1969م، بعدم إتيان ما يحبط الغرض والهدف من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الوليدة وهو ما التزمت به المملكة فعلا”.

وأشار الوكيل الى الكثير من الفعاليات الخليجية والعربية التي تدارست مسالة الآثار المترتبة على الانضمام للمعاهدة، موضحا أن “وزراء العدل في دول مجلس التعاون الخليجي كلفوا لجنة للخبراء شكلت خصيصا لتنسيق المواقف تجاه المحكمة المذكورة بوضع قانون استرشادي متكامل للدول العربية يتناول تعريف الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة بشكل يتناسب مع التشريعات الداخلية، وكذلك الأحكام العامة في المسئولية الجنائية الدولية”.

ملاحظات نقدية على نظام المحكمة
وأبدى الشيخ خالد بن علي بعض الملاحظات على نظام روما الأساسي، مشيرا الى أن “نظام روما عجز عن تعريف جريمة العدوان على رغم وجود قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يعرف الأعمال التي تعد عدوانا، إلا أن موضوع العدوان أدى الى إبقاء الاستعمال غير المشروع للقوة خارج نطاق التجريم، كما عجز نظام روما عن تجريم استخدام الأسلحة النووية وعن فرض أية حماية قانونية بشأن الانتهاكات التي تقع في الأراضي المحتلة، إلا انه يذكر لنظام روما أنه جرم النقل القسري للسكان المدنيين، ووضع تعريفا مفصلا للجرائم ضد الإنسانية، وأنشأ تنظيما قانونيا خاصا يحدد مسئولية القادة العسكريين والمدنيين”.

وألقت الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سبيكة النجار بعد ذلك كلمة أعربت فيها عن أملها في أن “تتمخض الندوة عن تشكيل ائتلاف محلي يكون عضوا في التحالف الدولي من أجل المحكمة الجنائية الدولية، وأن تصدق حكومة المملكة على معاهدة روما”.

كما ألقى نائب رئيس الفيدرالية الدولية خالد أبوسعدة كلمة أوضح فيها أن الحكومات العربية هي من أقل الحكومات تصديقا على معاهدة فيينا،إذ لم تصدق على هذه المعاهدة سوى المملكة الأردنية وجمهورية جيبوتي. وتلا أبوسعدة كلمة للسفير الألماني في البحرين بصفته ممثلا لدول الاتحاد الأوروبي، أعرب فيها السفير عن “دعم أعضاء الاتحاد الأوروبي لجهود المحكمة الجنائية الدولية لتكون أداة عالمية لتحقيق العدالة”.

وتركز أعمال اليوم الأول للندوة التي بدأت أمس على فترتين صباحية ومسائية على عدة محاور. إذ تناولت الفترة الصباحية ثلاثة محاور هي: “تشريعات المحكمة الجنائية الدولية وأسس التكامل بين المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية”، وتناول هذا المحور أستاذ القانون الدولي العام في جامعة اليرموك بالأردن محمد علوان. كما تناولت الحقوقية جين سولزر من برنامج العدالة الدولية في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان محور قضايا الضحايا، بينما تناولت المديرة التنفيذية لمنتدى الشقائق لحقوق الإنسان في اليمن أمل الباشا محور “المحكمة الجنائية الدولية والعدالة المبنية على المساواة للنوع الاجتماعي “الجندر””.

أما الفترة المسائية فاحتوت على خمسة محاور إذ تناول ضابط الاتصال في الشرق الأوسط في التحالف الدولي من أجل المحكمة الجنائية الدولية جويديب سنجبتا محور “واقع التوقيعات والتصديقات على الاتفاق وعمل التحالف من أجل المحكمة”، وعادت جين سولزر من برنامج العدالة الدولية في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان مع ستيفاني ديفيد ليتناولا محور “تحديات حملة التصديقات والمحاولات للنيل من شأن المحكمة الجنائية الدولية”، وتلتهما سمر البلوشي من برنامج القانون الدولي وحقوق الإنسان وبرلمانيون من أجل العمل العالمي لتقدم محور “دور البرلمانيين في تقدم المحكمة الجنائية الدولية”. وفي محور التحديات الدستورية والقانونية للتصديق على المعاهدة في العالم العربي تحدث منسق مشروع الشرق الأوسط للمحكمة الجنائية الدولية تحدث محمد إبراهيم والذي ينتمي الى معهد القانون الدولي لحقوق الإنسان، لينهي أستاذ القانون الدولي العام في جامعة اليرموك في الأردن محمد علوان أعمال اليوم الأول للندوة بعد استعراضه محورا عن التجربة الأردنية.

ما هي “الجنائية الدولية”؟
أولا: إن المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة قضائية مستقلة دائمة يؤسسها المجتمع الدولي للأمم لمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم التي يؤثمها القانون الدولي وهي: الإبادة الجماعية والجرائم الأخرى ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وقد تأسست المحكمة في يوليو/ تموز 1998م، إذ تم اعتماد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بغالبية ساحقة بلغت 120 دولة مؤيدة، وسبع دول معارضة، فيما امتنعت 21 دولة عن التصويت. وتحتاج المحكمة الى تصديق ستين دولة لتدخل إلى حيز الوجود، ولم تصدق على النظام الأساسي حتى الآن سوى 14 دولة فقط. وعن ضرورة المحكمة فإن المحكمة ستخدم عدة أغراض أولها: ردع كل شخص تسول له نفسه ارتكاب الجرائم المؤثمة في القانون الدولي، ستدفع أجهزة الادعاء الوطنية داخل الدول الى ملاحقة المسئولين عن تلك الجرائم، ستهيئ فرصة للضحايا وذويهم ليحصلوا على العدالة، وستكون المحكمة خطوة كبرى لإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب.

وعن تأثير المحكمة الجنائية الدولية على المحاكم الوطنية، فإن المحاكم الوطنية ستظل دائما هي المختصة بنظر تلك الجرائم، إلا أنه ينعقد الاختصاص للمحكمة الدولية إذا ما عجزت المحاكم الوطنية عن القيام بذلك، أو لأن الحكومة مثلا غير راغبة في محاكمة مواطنيها، وخصوصا إذا كانوا من كبار المسئولين أو قد يكون النظام القضائي قد انهار نتيجة لصراع داخلي كما حدث في راوندا، ويمكن للمحكمة محاكمة الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة إذا ما تم ارتكاب تلك الجرائم في أراضي دولة صدقت على نظام روما الأساسي، وعندما يكون مرتكب الجرائم من الدول المصدقة على النظام، وعندما تعلن دولة لم تصدق على النظام الأساسي أنها تقبل باختصاص المحكمة بالجريمة.

أما بشأن سؤال ما إذا كانت المحكمة تستطيع معاقبة الأفراد على الجرائم التي ارتكبوها قبل تأسيسها فالإجابة هي كلا، إذ إن المحكمة ليست مختصة إلا بالجرائم التي ترتكب بعد دخول نظام روما الأساسي حيز التنفيذ، أما من سيقرر الحالات التي ستباشرها المحكمة فإن نظامها الأساسي ينص على ثلاث طرق اولها: انه يمكن للمدعي العام بالمحكمة أن يبدأ من نفسه التحقيق في حالة ارتكاب جريمة أو ورود معلومات من أي مصدر، ويمكن للدول التصديق على نظام المحكمة الطلب من المدعي العام التحقيق في جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، كما يمكن لمجلس الأمن الدولي الطلب من المدعي العام التحقيق في جريمة ما، وفي حال ورود طلب من مجلس الأمن للمدعي العام في المحكمة بالتحقيق فإن المحكمة تستطيع حينها التحقيق في الجريمة المبلغ عنها حتى لو ترتكب هذه الجريمة على أرض دولة غير مصدقة على نظام روما الأساسي أو ارتكبها رعايا دولة غير مصدقة. أما أهمية أن يصدق أكبر عدد ممكن من الدول على نظام المحكمة الأساسي، فهذه الضرورة نابعة من عدم إمكان المدعي العام للمحكمة أن يبدأ التحقيق إلا إذا كانت الجريمة ارتكبت في أراضي دولة طرف في النظام الأساسي أو إذا كان مرتكب الجريمة من رعاياها، وعليه فإن فعالية المحكمة ستقاس إلى حد بعيد بعدد الدول التي صدقت على النظام الأساسي.

ما الذي يمنع العرب من التصديق على المعاهدة؟
أشار منسق مشروع الشرق الأوسط للمحكمة الجنائية الدولية محمد إبراهيم خلال ورقته التي عرضها بالأمس إلى أن دولتين عربيتين فقط من أصل 22 دولة عربية هما: الأردن وجيبوتي أقدمتا على توقيع اتفاق روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، بينما وقعت “من دون التصديق” على المعاهدة 11 دولة عربية فقط هي: البحرين، مصر، الجزائر، سورية، الإمارات، اليمن، سلطنة عمان، الكويت، المغرب، السودان، جزر القمر.

وأوضح إبراهيم أن الدول العربية التي لم تصدق على المعاهدة توجد لديها تسعة تحفظات هي: استخدام المحكمة وسيلة ضغط من الدول العظمى على الدول العربية، قيام المحكمة بالنظر في إحدى الوقائع لدى أي من الأنظمة العربية والتي تدخل ضمن اختصاص المحكمة، التخوف من استبداد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بسلطاته، كما تتساءل الدول العربية عن الضمانات القضائية التي تكفلها المحكمة، وتتساءل أيضا عما إذا أتى النظام الأساسي للمحكمة بجرائم مستحدثة، وتتحفظ على مسألة تسليم مواطني الدول العربية الى المحكمة وهو الأمر الذي تحظره دساتير وقوانين عدة دول عربية، والتخوف من المساس بالسيادة الوطنية، ومعارضة الدول المتحفظة لعقوبة السجن لمدى الحياة.

أما التحفظ التاسع والذي دار النقاش بشأنه مليا فهو: الحصانات القانونية لرئيس الدولة إذ ينص النظام الأساسي على إزالة الحصانات، فالنظام الأساسي لمعاهدة المحكمة يلزم الدول المصدقة عليه بتسليم أو محاكمة أي شخص بغض النظر عن جنسيته أو صفته الرسمية أو العقوبة التي سيواجهها، بينما تحظر قوانين ودساتير معظم الدول العربية محاكمة بعض الأفراد نظرا إلى مناصبهم كرئيس الدولة أو أعضاء الحكومة، وقد تأخذ هذه الحصانة أشكالا مختلفة مثل الحظر التام من تعرض الشخص لأي نوع من أنواع الدعاوى القانونية، وتوجد مواد في دساتير الدول وخصوصا الملكية تنص على أن ذات الملك مصونة لا تمس، وهو الأمر الذي يتعارض معه النظام الأساسي للمعاهدة. وذكر إبراهيم أن الأردن صدق على المعاهدة على رغم وجود مثل هذا البند، ولم يقم بتعديل هذه المادة الدستورية، وذلك بالإقرار باستحالة قيام الملك بارتكاب مثل هذه الجرائم، وبالتالي فهو لا يخشى من رفع الحصانات.