13-25/5/2004
نبذة تاريخية عن مدينة رفح
تقع مدينة رفح ومخيمها للاجئين الذي يحمل الاسم نفسه بمحاذاة الشريط الحدودي بين الأراضي الفلسطينية ومصر، جنوب قطاع غزة، يحدها من الناحية الجنوبية خط النار الذي يشهد باستمرار مواجهات مسلحة، تقع مدينة رفح ومخيمها على مساحة أربعين كلم مربعاً بطول ثمانية كلم وعرض خمسة كلم. ورفح مقسمة إلى شطرين يحملان الاسم نفسه أحدهما في الجانب الفلسطيني والآخر في الجانب المصري من الحدود وإن كان معظم سكانها من اللاجئين.
يعتمد سكان رفح ذات الجو المعتدل على الزراعة وكذلك على التجارة خاصة لقربها من مصر حيث لا تبعد عن قرية الشيخ زويد في شبه جزيرة سيناء المصرية إلا 16 كلم وعن مدينة العريش المصرية جنوباً 45 كلم. وتبعد هذه المدينة ومخيمها عن مدينة غزة بمسافة 38 كلم وتقع شمالها مدينة خانيونس التي تبعد عنها 13 كلم. ورغم قربها من البحر المتوسط إلا إن مناخها شبه صحراوي. ويرجع تاريخ تأسيس رفح إلى خمسة آلاف سنة حيث كانت تحمل اسم رافيا الذي أطلقه عليها العرب. ومنذ ضمها قطاع غزة في عام 1967 أقامت إسرائيل على أراضي رفح أربع مستوطنات رئيسية هي: بني عتصمونة وموراج ورفيح يام وبات سدي، هذه المستوطنات تقع على أجود الأراضي الزراعية التي تحتوى على خزان مياه جوفية كبير لاسيما منطقة المواصي الساحلية. وبحسب إحصائية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا) يزيد عدد سكان المدينة ال55 ألف نسمة. وقد عمدت قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ احتلالها لقطاع غزة في 1967 إلى انتهاج سياسة تدمير وهدم المنازل الفلسطينية على طول الشريط الحدودي للبحث عن أنفاق تقول أنها تستخدم لتهريب السلاح من مصر. ويقوم جيش الاحتلال بانتظام بعمليات هدم وتدمير خلال حملات التوغل منذ اندلاع الانتفاضة الحالية في أيلول 2000.
وهكذا أصبحت منطقة بعمق ما بين سبعين إلى مائتي متر على الحدود مع مصر مكشوفة ومدمرة تماماً بفعل عمليات هدم المنازل والمنشآت والمحال التجارية على مدى الانتفاضة الحالية. وقد سقط في مخيم رفح ومدينته منذ اندلاع الانتفاضة حوالي (360) شهيد وفقاً لإحصائية مركز غزة للحقوق والقانون، من بينهم (88) طفل استشهدوا في مدينة رفح .
دمر جيش الاحتلال خلال الانتفاضة الحالية أكثر من ألف ومائتي مبنى ومنزل لأكثر من ثلاثة آلاف عائلة فلسطينية باتت بلا مأوى.
والجدير ذكره إن مدينة رفح تعرضت إلى سلسة من الاجتياح كان أولها في يوم السبت الموافق 14/4/2001 ، استهدفت عملية الاقتحام المنطقة السكنية المجاورة إلى بوابة صلاح الدين.
ولكن خلال الاجتياح الأخير لمدينة رفح، والذي بدأ في يوم الخميس الموافق 13/5/2004 باجتياح بلوك (o)، حيث أعلنت إسرائيل نيتها عن تدمير كافة المنازل السكنية المتواجدة على الشريط الحدودي لمدينة رفح. وقد هدفت من وراء ذلك، توسيع محور (فيلادلفيا) بواقع (200م). هذا وقد استمرت عمليات الهدم حتى 15/5/2004. ومن ثم شرعت في اجتياح أحياء أخرى طالت ( حي تل السلطان، حي البرازيل، حي السلام، حي الجنينة). واستمر هذا الاجتياح حتى بدأت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بالانسحاب التدريجي من منطقة حي تل السلطان في تمام الساعة 11:45 من مساء يوم الأحد الموافق 23/5/2004، وتمركزت في الموقع العسكري الذي يسمى ( تل زعرب).
هذا وقد نتج جراء هذا الاجتياح الأخير تجريف عشرات الدونمات من الأراضي الزراعية المزروعة بالحمضيات واللوزيات. كما أقدمت قوات الاحتلال الحربي على قتل حوالي (62) مواطن من بينهم (22) طفل تعرضوا لعمليات القتل العمد، من بينهم شخص معاق يبلغ من العمر (13) عام حيث قتل بتاريخ 22/5/2005. وقد أصيب خلال الاجتياح الأخير لمدينة رفح (200) مدني فلسطيني، بعضهم إصاباتهم خطيرة.
وقد رفضت قوات الاحتلال الإسرائيلي وحتى تاريخ 24/5/2004 لسماح لأهالي الشهداء من دفن جثامين شهدائهم. وأغلقت حي تل السلطان بحيث لا يستطيع أي شخص الخروج أو الدخول، وأقصرت الحركة فقط على بعض الشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية، وتم إرجاع بعضها الأخر.
لم تكتف قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي فقط على عملية الهدم والقتل، بل أقدمت على تجريف وتدمير البنية التحتية. وشمل ذلك كل من شبكة المجاري وشبكة المياه، وإعطاب المحولات الكهربائية الرئيسة، الأمر الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة ومخيمها. هذا بالإضافة إلى فرض حضر التجوال على حي تل السلطان في مدينة رفح.
كما أن المسيرة التعليمية في محافظة رفح قد علقت من قبل التربية والتعليم، بسبب عمليات قوات الاحتلال الحربي في مدينة رفح بتاريخ 13/5/2004، حتى يوم الأربعاء الموافق 26/5/2004م. كما شهد معبر المنطار طوال فترة الاجتياح، إغلاق كلياً منذ 13/5/2004، والذي أثر بشكل كبير على نقص المواد الغذائية في قطاع غزة وخاصة مدينة رفح.
إن ما قامت به قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في رفح يعتبر بمثابة سلسلة من جرائم حرب، والجرائم ضد الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي.
إن هذا التقرير الصادر عن مركز غزة للحقوق والقانون يعتبر إسهاما منه في تزويد العالم قاطبة بحقائق الأمور فضحاً لسياسات إسرائيل العنصرية المنافية للأعراف والقوانين الدولية الإنسانية. كما يشكل ركيزة لمطالبة المركز المجتمع الدولي بضرورة التدخل الفوري لوقف ولجم سياسة الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين.
موقف القانون الدولي من الممارسات الإسرائيلية
قبل الحديث عن الممارسات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في مدينة رفح، وموقف القانون الدولي من هذه الممارسات. يجب علينا أن نذكر في هذا الصدد قرار مجلس الأمن الأخير الذي صدر بتاريخ 19/5/2004 والمتعلق بالاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح والذي قدمته المجموعة العربية إلى مجلس الأمن، والذي أدان قتل المدنيين الفلسطينيين ودعا إسرائيل إلى التوقف عن هدم المنازل السكنية.
إذاً، إن كافة الممارسات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في مدينة رفح. هي بالدرجة الأولى انتهاك صارخ لكافة المعايير الدولية، واتفاقيات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.
إن الاجتياح الأخير لمدينة رفح والذي بدأ باجتياح بلوك (o) ومن ثم اجتياح حي البرازيل وحي السلام وحي الجنينة وحي تل السلطان. الذي أسفر العديد من القتلى، والجرحى من بين المدنيين الفلسطينيين.
لم تكتف قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بقتل المدنيين فقط، بل عمدت على تجريف، وهدم المنازل السكنية المأهولة بالسكان. كما وقامت القوات بأعمال تجريف للشوارع الرئيسة في مدينة رفح ( شارع النص، شارع القدس، شارع الدفاع المدني، شارع أبو السعيد، شارع بئر كندا) وشوارع فرعية أخرى، وتجريف الدفيئات الزراعية، والمحال التجارية.
أيضا لم تسلم سيارات الإسعاف والطواقم الطبية من هذه الهجمة الشرسة. حيث أعاقات قوات الاحتلال عملها، وقامت باحتجاز بعض من طواقمها.
بالإضافة إلى ذلك عرقلت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي الإمدادات، والمعونات الإغاثية من الوصول بها إلى المناطق التي تم اجتياحها. لقد أوجبت المادة (59) من اتفاقية جنيف الرابعة أنه وجب على دولة الاحتلال السماح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان.
أولاً: استخدام القوة المفرطة المميتة ضد المدنيين
منذ اليوم الأول لاجتياح قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي لمدينة رفح بتاريخ 13/5/2004،حتى تاريخ 24/5/2004، أقدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على قتل (62)[1] مواطناً من سكان مدينة رفح، بينهم (22) طفل وإصابة أكثر من (200) مواطناً بجروح وصفت إصابة بعضهم بالخطرة، وذلك بمجزرة بشعة ارتكبتها قوات الاحتلال خلال توغلها في مدينة رفح( حي تل السلطان، حي البرازيل، حي السلام، حي الجنينة، بلوك (o)) ، والتي تعرضت تلك الأحياء لهجمة شرسة ومجزرة وحشية طالت الأخضر واليابس أطلقت عليها قوات الاحتلال اسم (قوس قزح).
كان أبشع الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال عندما أقدمت طائرات الأباتشي و الدبابات في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأربعاء بتاريخ 19/5/2004 بقصف مسيرة سلمية كانت متوجهة إلى حي تل السلطان للاحتجاج، وتقديم المساعدة إلى الأهالي في حي تل السلطان. التي انطلقت من ميدان العود في شارع البحر بمدينة رفح، حيث راح ضحية القصف (8) مدنيين فلسطينيين، وإصابة (48) مدني.
كما أصابت عملية التجريف في يوم السبت الموافق 22/5 حديقة للحيوان في منطقة حي البرازيل، حيث هرب عدد من الحيوانات المفترسة، ونفوق عدد آخر من الحيوانات والطيور.
كما أقدمت قوات الاحتلال يوم السبت بتاريخ 22/5 على احتجاز مجموعة من الأطفال يبلغ عددهم حوالي(99) طفل يتيم في مجمع نزلاء قرية الأطفال (sos) المتواجدة في حي البرازيل، حيث أثاروا الرعب في نفوس الأطفال.
كما أقدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي خلال اجتياحها لأحياء في مدينة رفح باعتقال (180) من بينهم أطباء وسائقي سيارات إسعاف اعتقلوا أثناء عملهم. وتم وضعهم في موقع عسكري تشرف عليه قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي يقع بالقرب من تل زعرب العسكري الإسرائيلي القريب من الحدود الفلسطينية المصرية، التي تسيطر عليه إسرائيل. يذكر أن قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي طلبت من الشبان والرجال الذين تزيد أعمارهم على (15) عام في حي تل السلطان بالخروج إلى مدرستين في الحي ، حيث أطلقت النار على عدد منهم، وقامت بتجميع عدد كبير واختيار عدد من الشبان واقتيادهم إلى المعسكر المذكور.
إن سياسة القتل التي تمارسها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين يعتبر انتهاكاً صارخاً لكافة معايير حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني العرفي والتعاقدي، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/ آب أغسطس 1949. وعليه تتحمل إسرائيل المسؤولية الجنائية والمدنية الكاملة عنها.ويحق للفلسطينيين كمتضررين من هذه الانتهاكات الحق في المسائلة المدنية مع طلب التعويض لكل من تضرر جراء الممارسات القمعية التي تمارسها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ضد المدنين الفلسطينيين ومن تقوم باغتيالهم أو من تضرر أثناء تواجده في مكان عملية الاغتيال.
كما يحق للفلسطينيين بصفة جماعية وفردية ملاحقة ومسائلة الآمرين الذين أعطوا الأوامر بقصف أو قتل الأشخاص المدنيين الفلسطينيين بحيث يتم ملاحقة ومسائلة الآمرين من العسكريين أو السياسيين الإسرائيليين. على اعتبار أنه لا يسري مبدأ التقادم على مثل هذه الجرائم الدولية ضد الإنسانية وهي تمثل أحد أهم الضمانات التي شرعها القانون الدولي للمتضررين.
إذاً إن عمليات القتل تعتبر انتهاكا صارخ للحق في الحياة وفق ما جاء في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “ لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه “. كما نص البند الأول من المادة السادسة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن ” الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً”. كما أن اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/ آب أغسطس 1949 أوجبت في المادة الأولى منها تعهد الدول الأطراف السامية المتعاقدة، ” بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال”. كما نصت المادة(32) من نفس الاتفاقية على أنه ” تحظر الأطراف السامية المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها”. كما نصت المادة (47) من نفس الاتفاقية على أنه ” لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية…”. واعتبرت المادة الثانية من الاتفاقية أن سياسة القتل بجميع أشكاله في جميع الأوقات والأماكن هي من الأفعال المحظورة.
هذا ويعتبر القتل العمد هو من المخالفات الجسيمة، حيث نصت المادة (147) من نفس الاتفاقية على تعريفها للمخالفات الجسيمة أنها ” هي التي تتضمن أحد الفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية. واعتبرت أن القتل هي أحدى المخالفات الجسيمة”.
ثانياً: سياسة هدم المنازل
خلال فترة اجتياحها للمدينة أقدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على تجريف عدد من المنازل السكنية القائمة في المناطق التي اجتاحتها قواتها، حيث جرفت ما يزيد عن (150) منزل يمتلكها مواطنين فلسطينيين. هذه المنازل جزء منها تواجد على الشريط الحدودي مع جمهورية مصر العربية، والجزء الآخر جرف أثناء اجتياحها لحي السلام وحي البرازيل وحي الجنينة. حيث شرد على أثرها أكثر من (1500) عائلة تقطن هذه المنازل.
كما أن قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي لم تستهدف فقط كل من تواجد في شوارع الاجتياح، بل عمدت على قنص المدنيين المتواجدين داخل منازلهم، حيث راح من بين ضحايا القتل أثناء القصف العشوائي لحي تل السلطان سبعة مدنيين تواجدوا داخل منازلهم من بينهم طفلان شقيقان تواجدا على سطح منزلهما يقدمان الطعام للطيور على سطح المنزل. والطفلان هما أحمد محمد المغير والذي يبلغ من العمر (10) أعوام وشقيقته أسما التي تبلغ من العمر (14) عام.
بالإضافة إلى ذلك لقد عمدت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بهدم المنازل السكنية فوق رؤؤس أصحابها. ففي يوم السبت الموافق 15/5/2004 عثر المواطنون على جثة الشهيد أشرف حسن قشطة (37) عاماً ملقاة بين أكوام ركام المنزل المدمرة في حي قشطة الواقع جنوب محافظة رفح، بعد أن هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي منزله، بينما كان متواجد بداخله خلال العدوان الواسع على مخيم رفح.
إن هذه الأفعال المذكورة أعلاه تشكل انتهاكاً صارخاً لكافة معايير حقوق الإنسان وللقانون الدولي، وإن كافة الممارسات التي تقوم بها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي من سياسة عمليات التجريف التي قامت وتقوم بها قواتها في منطقة رفح تعتبر انتهاكاً صارخاً لنص المادة 53 من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 حيث نصت على أنه “يحظر على دولة الاحتلال الحربي أن تدمر أي ممتلكات ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو السلطات العامة أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية. إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير. كما تحظر المادة 147 من نفس الاتفاقية القيام بأعمال تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وتعتبر مثل هذه الانتهاكات من المخالفات الجسيمة للاتفاقية.
بكل تأكيد إن كافة الأفعال التي مورست بقصد هدم المنازل تندرج تحت بند ما يسمى “جريمة حرب” وعليه فإن دولة إسرائيل تتحمل المسؤولية المدنية الدولية استناداً لنص المادتين 1 و29 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حيث يقع على مسؤوليتها التوقف الفوري عن هذه الانتهاكات ضد الفلسطينيين باعتبارهم أهدافاً محمية أولاً، وتقديم التعويض المالي للأسر الفلسطينية المتضررة نتيجة هذه الانتهاكات الجسيمة ثانياً، وكذلك يتحمل القادة السياسيون والعسكريون المسؤولية الجنائية استناداً لنص المادتين 146-147 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ولنص المادتين 3 و52 من اتفاقية لاهاي لعام 1907، ولنص المادتين 86 و88 من البروتوكول الأول، والملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977، ولنص المادتين 27 و28 من نظام المحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، والتي بمجملها تؤكد على تقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية لإيقاع العقوبة الرادعة بحقهم نتيجة الجرائم التي اقترفوها بحق الفلسطينيين مع العلم بأن مثل هذه الجرائم لا تخضع للتقادم مطلقاً،. ومع حلول الوقت المناسب وتغير موازين القوى العالمية آجلا أم عاجلاً سيتم النظر بمثل هذه القضايا وينال كل من اقترف جريمة من جرائم الحرب جزاءه.
ثالثاً: استهداف سيارات الإسعاف والطواقم الطبية
أيضا لم تكتف قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بقتل المدنيين بل عمدت على تعطيل حركة سيارات الإسعاف والطواقم الطبية، حتى وصل بهم الأمر أثناء اجتياحهم لمدينة رفح بإطلاق النيران على سيارات الإسعاف وعلى الطواقم الطبية، حيث أطلقت النيران على سيارة إسعاف تابعة إلى الكتب والسنة. كما تقوم قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بتعطيل حركة سيارات الإسعاف وهذا بدوره زاد من عمليات القتل بين صفوف الجرحى المدنيين في منطقة رفح، وتمثل هذا المنع من وصول الطواقم الطبية إلى مستشفى الأوربي الكائن على طريق خانيونس الشرقي حيث منعت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي وصول سيارات الإسعاف إلى المستشفى لنقل الجرحى من مكان الانتهاكات أو من عيادة أبو يوسف النجار والتي أصبحت مليئة بالمصابين والقتلى.
كم منعت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بعض سيارات الإسعاف من التنقل في مناطق الانتهاكات في مدينة رفح وخاصة في حي السلام حيث لم تسمح قوات الاحتلال إلا بتنقل فقط سيارتان من سيارات الإسعاف لنقل الجرحى. ولكن لم تتمتع هذه السيارات بالحماية الكاملة من قبل قوات الاحتلال بل تعرضت لإطلاق نار أثناء تأديتها الواجب المهني والطبي والإنساني.
كما طوقت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي عيادة طبية في مدينة رفح بحي تل السلطان، وقامت باختطاف طاقمها المكون من (18) طبيب إلى أماكن مجهولة، كما أقدمت الجرافات بهدم الصيدلية والسور الخارجي التابع لعيادة تل السلطان حيث حولت إلى ثكنة عسكرية بعد أن طلب جنود الاحتلال من جميع العاملين والمرضى إخلاءها.
إن قوات الاحتلال عرقلت ومنعت سيارات الإسعاف من الوصول لنقل الجرحى والمصابين الذين هم بحاجة عاجلة لإجراء عمليات إنقاذ حياتهم ، بحيث أنهم ظلوا ينزفون لساعات طويلة في الشوارع دون تمكن سيارات الإسعاف من الوصول إليهم، كما إن قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي قد دمرت سيارة إسعاف تابعة للجنة الزكاة، كما أطلقت النيران على سيارة إسعاف أخرى مما أدى إلى إصابة أحد المسعفين ، كما احتجزت سيارة إسعاف كانت تقل أحد المصابين لأكثر من ساعتين أثناء توجهها إلى المستشفى الأوروبي، كم أقدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بتاريخ 20/5/2005 باحتجاز وردم سيارة إسعاف بالرمال تواجد داخل السيارة الطاقم الطبي وعدد من المصابين حيث احتجزت السيارة لمدة زادت عن ثلاث ساعات متواصلة.
لقد شكلت الاعتداءات في مدينة رفح على الوحدات والفرق الطبية وسيارات الإسعاف من قبل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي انتهاكاً واضحاً وصارخاً للمادة (20) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب. فالمادة المذكورة تنص على انه ” يتمتع بالاحترام والحماية الأشخاص الذين يعملون بصورة منتظمة، وحصراً في تشغيل المستشفيات المدنية وإدارتها، بمن فيهم الموظفون المنخرطون في البحث عن المدنيين الجرحى والمرضى وعن حالات العجز والولادة أو في إخلائهم ونقلهم والعناية بهم” كما اعتبرت المادة (57) من نفس الاتفاقية ” أنه لا يجوز لدولة الاحتلال أن تستولي على المستشفيات المدنية” كما أن هذه السياسة تعتبر انتهاكاً لما جاء في المادة (12) من بروتوكول جنيف الأول والتي تنص على أنه “يجب في كل وقت عدم انتهاك الوحدات الطبية وحمايتها وألا تكون هدفاً لأي هجوم” .
كما اعتبرت المادة (8/ب-24) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 أن تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية، وسائل النقل، والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات القانون الدولي من جرائم الحرب، وكذلك انتهاكاً للمادة (21) من بروتوكول جنيف الأول التي أكدت على أنه ” يجب أن تتمتع المركبات الطبية بالاحترام والحماية التي تقررها الاتفاقيات للوحدات الطبية المتحركة”.
واعتبرت المادة (8/ب-25) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية ، ومن ضمنها الإمدادات الطبية، للسكان المدنيين من جرائم الحرب.
رابعاً: استهداف دور العبادة:
بينما كانت الآليات الإسرائيلية تتحرك في اتجاه حي تل السلطان والأطراف الغربية من مخيم رفح فجر يوم الثلاثاء الموافق 15/5 /2005 أطلقت مروحية عمودية صاروخين أصابا باب مسجد بلال بن رباح الكائن في تل السلطان المخيم الغربي شارع القدس. كما تضرر من جراء القصف مكتبة المسجد التي تضم 6 آلاف كتاب، ونتج عن هذا القصف استشهاد خمسة فلسطينيين وإصابة ثلاثة عشر فلسطينياً ممن كانوا في طريقهم لأداء صلاة الفجر.
كما أقدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بتاريخ 22/5/2004 باقتحام مسجد (مرقة) في حي تل السلطان والعبث بمحتويات المسجد.
والجدير ذكره أن استهداف المساجد من قبل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي لم يكن المرة الأولى التي تستهدف بها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي دور العبادة في مدينة رفح والتي تعرضت للعديد من الانتهاكات حيث قصف وهدمت العديد من المساجد منذ تاريخ 28/9/2000.
يعتبر هذا نموذج من الاعتداءات الإسرائيلية لحرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية والتي تعتبر وفقاً للأعراف والمواثيق الدولية انتهاكاً صارخاً لنصوص المادتين (53) و (52) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف والتي تحظر “ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة، التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب”.
خامساً: الحصار وتقييد الحركة والتنقل
عمدت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي منذ اجتياحها أحياء لمدينة رفح على منع حرية الحركة و التنقل في المناطق التي تم اجتياحها. والذي أثر بدوره على عدم حصول المدنيين على المواد الغذائية لسد حاجة الجوع لديهم. كما تم منع الجهات الدولية والطواقم الطبية من الوصول إلى هذه المناطق. كما و فرضت الطوق الأمني المشدد على الأحياء السكنية، و منع وصول الإمدادات التموينية إلى المدنيين داخل الأحياء.
كما وعمدت قوات الاحتلال على تعطيل حرية التنقل للقادمين والمغادرين عبر معبر رفح البري (معبر العودة)، حيث أغلق المعبر أمام حركة القادمين والمسافرين منذ اجتياح مدينة رفح. إلا أن المعبر فتح أمام القادمين فقط يوم الأحد الموافق 23/5/2004، حيث اقتصر الدخول فقط ليوم واحد لخمسمائة شخص للقادمين من الخارج إلى قطاع غزة.
أيضاً وخلال الاجتياح أقدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على إغلاق الطرق المؤدية إلى مدينة رفح، سواء الطريق الشرقي الفاصل بين مدينة خانيونس أو طريق المطاحن الذي يفصل وسط غزة عن جنوبه بشكل جزئي.
من خلال هذه الممارسات التي طالت حرية التنقل والحركة هي تعتبر انتهاكاً لأبسط حقوق الإنسان وأهمها المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخة 10/12/1948، وجاء فيها أن:
– لكل فرد الحق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة.
– لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده.
توصيات للمجتمع الدولي:
إن ممارسات قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي أثناء اجتياحها لمدينة رفح قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وخرجت عن كل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، لما احتوته من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . إن إسرائيل تتحمل المسئولية القانونية الكاملة عما ارتكبته من جرائم في مدينة رفح يستتبع ذلك تحملها للمسئولية المدنية عن هذه الأفعال. وعليه، فهي ملزمة قانوناً وبواقع مواد القانون الدولي مواد القانون الدولي الإنساني بالتعويض الكامل للمدنيين الفلسطينيين عن مجمل ما أحدثته من خسائر على الصعيد البشري والمادي والمعنوي. وفي هذا السياق :
-
- 1. يحذر المركز من المخطط الإسرائيلي الذي أعلن عنه الجيش الإسرائيلي في 23/5/2004 عبر الصحف الإسرائيلية والقاضي بتوسيع محور فلادلفيا مسافة (300) متر إضافية. مما يعني هدم ما يزيد عن (2000) منزل على طول الشريط الحدودي والذي بدوره يؤدي إلى تشريد وتهجير آلاف الأسر الفلسطينية، وان المركز ينظر بخطورة شديدة للمخطط المعلن عنه من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
-
- 2. يدعو مركز غزة للحقوق والقانون الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة إلى تحمل مسئولياتها القانونية والأخلاقية، والوفاء بالتزاماتها بموجب المادة الأولى من الاتفاقية في العمل على ضمان احترام إسرائيل للاتفاقية وتطبيقها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويرى المركز أنه قد آن الأوان لأن تضع الديمقراطيات الغربية حداً لمؤامرة الصمت التي تمارسها والتي تساهم في تشجيع إسرائيل على ممارسة المزيد من الانتهاكات للاتفاقية. وأن تضم صوتها إلى جانب الأطراف السامية الأخرى لجهة اتخاذ موقف صارم تجاه الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للاتفاقية، والشروع فوراً في عقد مؤتمر جدي لها يخلص إلى إجراءات محددة تلزم إسرائيل باحترام وتطبيق الاتفاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتضمن توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين.
-
- 3. كما ويدعو المركز الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة إلى بذل المزيد من الجهد لضمان نجاح أي مؤتمر مستقبلي لها للبحث في الإجراءات الواجب اتخاذها لإلزام إسرائيل باحترام الاتفاقية وتطبيقها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويرى المركز أن ضمان نجاح ذلك المؤتمر يتوقف على قدرة تلك الأطراف على مواجهة أية ضغوط أمريكية محتملة، والعمل بجدية على تطبيق القانون الدولي الإنساني.
-
- 4. يؤكد المركز على المسئولية الأخلاقية والقانونية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي من أجل التدخل الفوري والفعال لتوفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين، ومنع وقوع المزيد من الجرائم التي يصل بعضها إلى مكانة جرائم حرب، خصوصاً في ظل التصعيد غير المسبوق في أعمال القتل والتدمير التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين منذ بداية الانتفاضة في أواخر سبتمبر 2000. 5. يؤكد المركز على أهمية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني الدولي، بما فيه من منظمات حقوق الإنسان، نقابات محامين، اتحادات، لجان تضامن وغيرها، في الضغط على حكومات الدول المختلفة من اجل العمل على إجبار إسرائيل وضمان احترامها لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، ووقف أعمال القتل والتدمير التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين.
-
- 6. يؤكد المركز على أهمية المبادرات الرائعة التي انطلقت من المجتمع المدني الدولي بهدف توفير الحماية الشعبية للمدنيين الفلسطينيين عبر عشرات الوفود الدولية التي زارت الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويدعو المركز إلى استمرار هذه المبادرات التي تساهم في الكشف عن الوجه الحقيقي للاحتلال ونظام التمييز العنصري الذي تكرسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
-
- 7. يدعو المركز المجتمع الدولي، بما في ذلك الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، إلى ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين قضائياً في بلدانهم.
-
- 8. يؤكد المركز مجدداً أن أية تسوية سياسية لا تستند على معايير القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان وعلى رأسها حق تقرير المصير لن تؤدي إلى تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية، ولن تقود إلا إلى المزيد من المعاناة وعدم الاستقرار في المنطقة، وهذا ما أكدته تجربة الأعوام العشرة الماضية وحتى الآن.
-
- 9. يدعو المركز كافة الأطراف الدولية ومنظمات حقوق الإنسان لاتخاذ مواقف جريئة وواضحة من قضية الجدار الفاصل باعتباره شكل من أشكال الفصل العنصري الذي نصت على منعها كافة المواثيق والأعراف الدولية.
- 10. الدعوة لفرض عزلة دولية على إسرائيل من اجل إجبارها على الانصياع للقرارات الدولية وتطبيقها على الأراضي الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.