4 أكتوبر 2004
أصدر مركز غزة للحقوق والقانون، اليوم تقريره الربع سنوي الثالث لهذا العام، والذي يغطي الفترة ما بين 1/7 وحتى 30/9/2004. ويشتمل التقرير على شقين أولاً: الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثانياً: حالة حقوق المواطن الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت سيادة السلطة الوطنية الفلسطينية.
جاء في التقرير أن قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي قد استخدمت أبشع صور القتل العمد والاستخدام المميت للقوة المفرطة بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وأنها لا زالت مستمرة في عدوانها الغاشم على كافة مناحي الحياة. وكما أن جاء سلطات الاحتلال الإسرائيلي لم تتوقف عن ارتكاب جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، بل شنت حملة عنيفة مبرمجة من الاغتيالات (إعدام خارج نطاق القانون) ضد المدنيين والناشطين الفلسطينيين وهدم وتجريف الأراضي الزراعية ومنازل المدنيين الفلسطينيين.
فقد شهد الربع الثالث من عام 2004، وهي الفترة التي يغطيها التقرير، تصعيداً كبيراً من قبل قوات الاحتلال على كافة الصعد ضد المدنيين الفلسطينيين. ومن خلال ما رصده المركز من الاعتداء على الحق في الحياة والأمن الشخصي واستهداف الأطفال، يرى أن مواصلة إسرائيل لاستخدام القوة المفرطة ضد المواطنين الفلسطينيين العزل أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء خلال الفترة التي يغطيها التقرير لما يزيد عن (244) شهيداً فلسطينياً وإصابة ما يزيد عن (900) فلسطيني. وقد بلغت عمليات القتل هذه ذروتها خلال شهر سبتمبر، حيث وصل عدد الشهداء في هذا الشهر (118) شهيداً. وخاصة أثناء ارتكابها العديد من المجازر أثناء اجتياحاتها لمناطق مختلفة من مناطق السلطة الفلسطينية. على سبيل المثال في مدينة بيت حانون، ومخيم جباليا، بالإضافة إلى المجزرة التي ارتكبتها عندما قصفت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي مخيم صيفي في حي الشجاعية، التي راح ضحيتها (15) شهيد، وإصابة (30) مواطن.
ويرى المركز في هذه الاعتداءات الإسرائيلية المبرمجة والمتعددة، خرقاً فاضحاً لأحكام العديد من مواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها التزامات الدولة المحتلة التي نصت عليها بنود اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949.
أما على صعيد القتل خارج نطاق القانون، فقد ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مزيداً من عمليات الاغتيال ضد المواطنين الفلسطينيين، واستهدفت من تتهمهم سلطات الاحتلال بالقيام بنشاطات ضد قواتها. وقد نتج عن ممارسة هذه السياسة، استشهاد (17) مواطناً فلسطينياً، و(11) شهيدا من المدنيين ممن تصادف تواجده في مكان الحدث أثناء تنفيذها لتلك العمليات، من بينهم (3) أطفال. هذا إضافة إلى إصابة العديد من المواطنين في مكان الحدث. هذا وقد استخدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي كافة الوسائل والأساليب لتنفيذ سياسة الاغتيالات، سواء بواسطة طائرات (F16)، أو الأباتشي، أو طائرات الاستطلاع التي أصبحت تستخدمها إسرائيل مؤخراً. كما أنها استخدمت القوات الخاصة من المستعربين وفرق الموت، في العديد من عملياتها لقتل وتصفية بعض الفاعلين والنشطاء من عناصر المقاومة الفلسطينية.
أما على صعيد ذوي الاحتياجات الخاصة “المعوقين”، فقد تضمن التقرير رصداً لعمليات قتل ذوي الاحتياجات الخاصة من أصحاب الإعاقات الجسدية أو العقلية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية. حيث لم تراعي أي حقوق لهؤلاء المعاقين والتي كفلتها الأعراف والمواثيق الدولية. فقد بلغ عدد الشهداء الذي قتلوا على أيد قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي من بداية انتفاضة الأقصى وحتى تاريخ إصدار هذا التقرير من هذه الفئة ما يقارب من (60) شهيداً، من بينهم اثنين قتلوا خلال فترة إعداد التقرير. أما على صعيد الاعتقالات التعسفية والإبعاد، فقد قامت إسرائيل بشن العديد من حملات الاعتقال التعسفي للعديد من الفلسطينيين سواء في أماكن سكناهم أو على نقاط التفتيش المختلفة بين المدن الفلسطينية وكذلك على المعابر الدولية. فقد شكلت نقاط التفتيش والمعابر الدولية مصائد للاعتقال مستغلةً حاجة المواطنين للتنقل والحركة نتيجة ممارستهم لحياتهم الاجتماعية والاقتصادية. هذا وقد بلغ عدد الأسرى والمعتقلين داخل السجون الإسرائيلية (7300) أسير، من بينهم (474) طفل لم تتجاوز أعمارهم ثمانية عشرة عاماً. كما وبلغ عدد الأسيرات والمعتقلات (250) أسيرة فلسطينية.
هذا وقد شهدت المعتقلات والسجون الإسرائيلية خلال فترة إعداد التقرير إضرابا عاما عن الطعام قام به المعتقلون والأسرى الفلسطينيين والعرب داخل السجون الإسرائيلية. والواضح أن إدارة السجون لم تكترث بالاتفاق الذي ابرم بينها وبين المعتقلين الفلسطينيين فقد عادت لتمارس ضدهم كافة أساليب القمع والإذلال. ومن جانب آخر، فقد أبعدت قوات الاحتلال مواطنة فلسطينية وطفليها من مدينة أريحا إلى مدينة غزة، ليصل عدد المبعدين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة ( 66 ) مبعداً.
أما على صعيد الاعتداء على حرية التنقل والحركة، فقد جاء في التقرير أن قوات الاحتلال لا زالت تواصل إتباع إجراءات إغلاق المناطق والمعابر كعقاب جماعي ضد المدنيين في الأراضي الفلسطيني المحتلة. كما وتنتهج سياسة عزل المناطق واستمرار فرض منع التجول المتقطع على العديد من المناطق؛ مثل المواصي ووادي السلقا والسيفا والقرية البدوية. وقد وصل عدد الحواجز التي أقامها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية على المحاور الرئيسة بين المدن ما يزيد على (608) حاجزاً، منها (95) حاجز مكعبات إسمنتية وأيضاً منها (56) حاجز ثابت منذ بدء انتفاضة الأقصى وحتى إعداد التقرير.
لا زالت قوات الاحتلال تستخدم الحواجز العسكرية كوسيلة لإذلال وامتهان كرامة المواطنين الفلسطينيين. ففي قطاع غزة ما زال حاجزي المطاحن وأبو هولي كابوس يطارد المواطنين خلال تنقلاتهم بين محافظات غزة. فقد استخدمتهما كمصائد لعمليات الاعتقال التعسفي ضد المواطنين. فقد اعتقلت تلك القوات على حاجز المطاحن حوالي (21) معتقلاً. وبين الفينة والأخرى تطلق قوات الاحتلال النار على المواطنين المتواجدين على الحاجز نفسه، فقد رصد المركز إصابة حوالي (15) مواطن على الحواجز في قطاع غزة.
أما على صعيد استهداف المنازل السكنية التي يقطنها مئات العائلات الفلسطينية الذين أصبحوا دون مأوى، وتجريف الأراضي الزراعية فكما جاء في التقرير فإن قوات الاحتلال الحربي قد أقدمت على تجريف وتدمير حوالي ( 464 ) منزل خلال فترة التقرير، وتجريف حوالي ( 630 ) من الأراضي الزراعية
أما على صعيد حالة حقوق الإنسان في الأراضي الواقعة تحت سيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، فقد شهدت تلك الأراضي خلال فترة التقرير حالة من الفوضى والفلتان الأمني في الشارع الفلسطيني. وقد راق هذه الحالة انعدام سيادة القانون، وأخذ القانون باليد من قبل المواطنين وغير المسؤلين عن إنفاذه. وقد أدى ذلك بدوره إلى زيادة حجم الانتهاكات لحقوق المواطنين. والجدير ذكره أن هذه الخروقات تركزت في شهر يوليو في المدن الرئيسة الفلسطينية. أسفرت عن اقتحام بعض المؤسسات الحكومية المدنية والمقار الأمنية من قبل أشخاص غير مسئولين. وكما سجل المركز العديد من حالات الاختطاف خلال فترة التقرير حيث بلغ عدد حالات الاختطاف خلال فترة التقرير ثمان حالات متفرقة استهدفت (14) شخص من بينهم عدد من الأجانب. كما شهدت فترة التقرير حالات قتل خارج نطاق القانون من قبل أشخاص غير منفذين للقانون حيث بلغ عدد القتلى في عمليات متفرقة حوالي (4) أشخاص وإصابة العديد من المواطنين. كما شهدت تلك الفترة شجارات عائلية تسببت بوقع خسائر بشرية تمثلت في قتل (3) أشخاص وإصابة العديد من أفراد تلك العائلات.
توصيات للمجتمع الدولي
-
- 1. يدعو مركز غزة للحقوق والقانون الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة إلى تحمل مسئولياتها القانونية والأخلاقية، والوفاء بالتزاماتها بموجب المادة الأولى من الاتفاقية في العمل على ضمان احترام إسرائيل للاتفاقية وتطبيقها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
-
- 2. يرى المركز أنه قد آن الأوان لأن تضع الديمقراطيات الغربية حداً لمؤامرة الصمت التي تمارسها والتي تساهم في تشجيع إسرائيل على ممارسة المزيد من الانتهاكات للاتفاقية، وأن تضم صوتها إلى جانب الأطراف السامية الأخرى لجهة اتخاذ موقف صارم تجاه الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للاتفاقية، والشروع فوراً في عقد مؤتمر جدي لها يخلص إلى إجراءات محددة تلزم إسرائيل باحترام وتطبيق الاتفاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتضمن توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين.
-
- 3. من ناحيته، سيواصل المركز عمله دون كلل، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلي والدولي، للتأثير على مواقف الأطراف السامية وكسر مؤامرة الصمت التي تمارسها لضمان اتخاذ تلك الأطراف لإجراءات محددة وفعالة لإجبار إسرائيل على تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة في الأراضي المحتلة.
-
- 4. يؤكد المركز على المسئولية الأخلاقية والقانونية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي من أجل التدخل الفوري والفعال لتوفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين، ومنع وقوع المزيد من الجرائم التي يصل بعضها إلى مكانة جرائم حرب، خصوصاً في ظل التصعيد غير المسبوق في أعمال القتل والتدمير التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين منذ بداية الانتفاضة في أواخر سبتمبر 2000.
- 5. يؤكد المركز على أهمية المبادرات الرائعة التي انطلقت من المجتمع المدني الدولي بهدف توفير الحماية الشعبية للمدنيين الفلسطينيين عبر عشرات الوفود الدولية التي زارت الأراضي الفلسطينية المحتلة.
توصيات للسلطة الوطنية الفلسطينية:
يدرك المركز تماماً خطورة ما تمارسه قوات الاحتلال من أعمال قصف وتدمير واسعة النطاق لم تسلم منها مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية المختلفة. تلك الأعمال التي طالت الوزارات ومقار الأجهزة الأمنية وغيرها من المباني العامة، والانعكاسات الخطيرة لهذه الجرائم على أداء السلطة الفلسطينية وما تضيفه على كاهلها من أعباء جديدة.
ومع ذلك، يعتقد المركز أن جملة من الموضوعات والتي لها علاقة مباشرة بالسلطة الوطنية الفلسطينية وأدائها، وراء تردي حالة حقوق المواطن الفلسطيني. ويتوجب عليها بناء عليه، بذل المزيد من الجهود لتجاوز السلبيات بصرف النظر عن الوضع الراهن حالياً.
إن أحد الملامح الرئيسة لتجربة الحكم الفلسطيني منذ إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى الآن، هو الإخفاق في بناء نظام حكم مؤسسي يرتكز على مبادئ الديمقراطية وفصل السلطات وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. . وبناء عليه فإن التوصيات التالية هي في نطاق المستطاع بالنسبة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتعتبر ضرورية وأساسية للدفع في اتجاه بناء دولة المؤسسات الديمقراطية:-
-
- 1. يؤكد المركز على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية حتى عندما فقط تتوفر الشروط الدنيا لذلك، حيث تعتبر تلك الانتخابات حق أساسي للمواطنين، واستحقاق لضمان تمتع القيادة بتمثيلها للإرادة الشعبية في كل الظروف والأحوال. ومن أجل العمل على إنجاز كل المتطلبات القانونية والفنية لإجرائها. 2. يؤكد المركز على ضرورة تكريس مبادئ سيادة القانون بما في ذلك العمل على ضمان تنفيذ القوانين من قبل السلطة التنفيذية بأجسامها المختلفة.
-
- 3. يدعو المركز السلطة الوطنية للمبادرة بعلاج ظاهرة سوء استخدام السلاح وخاصة من قبل أفراد الأجهزة الأمنية، وكذلك من المواطنين أثناء حدوث النزاعات فيما بينهم.
-
- 4. يؤكد المركز على أهمية قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بدورها في إيقاف ظاهرة أخذ القانون باليد من قبل المواطنين وأفراد أجهزتها الأمنية المختلفة. ودفع المواطنين دوماً لحل خلافاتهم ونزاعاتهم بعيداً عن العنف. وذلك تعزيزاً لثقة المواطن في القانون وعدالة تطبيقه. وهذا لن يتأتى إلا بالمساواة أمامه، وتنفيذ أحكام والقرارات الصادرة عن الجهات القضائية. ويؤكد المركز على ضرورة احترام القضاء المدني بهيئاته المختلفة، واحترام السلطة التنفيذية لقرارات المحاكم والهيئات القضائية الفلسطينية.
-
- 5. يدعو المركز السلطة الوطنية الفلسطينية إلى عدم الرضوخ للضغوط الخارجية المستمرة التي تدفعها لانتهاك حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية. ويرى في تلك الضغوط أحد الأسباب الهامة وراء انتهاك حقوق الإنسان التي تقترفها أجهزة السلطة بحق المواطنين الفلسطينيين، خصوصاً فيما يتعلق بالاعتقالات السياسية.
- 6. يدعو المركز السلطة الوطنية الفلسطينية إلى وقف عمليات الاعتقال غير القانونية، وإتباع الإجراءات القانونية عند اعتقال أي من المواطنين، أكان ذلك على خلفية سياسية أو غير سياسية.